الاعتراض على الظُّلم

يتبيَّن من إعانة باربارا هاريل-بوند لي من حيث أنا لاجئٌ أنَّ دفاعها عن اللاجئين كان أعلى بكثير من تحضير طلبات اللجوء.

كان أول عهدي بباربارا في شهر أكتوبر/تشرين الأول سنة 2011، بعد أنْ اسْتَمعتُ إلى لقاءٍ معها بإذاعة بي بي سي أنكرت فيه سَبْقَ أوان التطبيق المَنْوِيِّ لبند وقف الحماية على اللاجئين الروانديين. إذ شجَّعني دفاعها عن اللاجئين الروانديين على اختلاف أعراقهم أنْ أفكِّر في أنها لعلها قادرة على إعانتي، وأمَّلتني كلماتها أنَّه من الممكن أنْ أجد مخرجاً من محنتي.

ولقد كنت يومئذٍ طالب دكتوراه مقيماً في الصين ببرنامج ترفده الحكومة الرواندية. ثم بعد أنْ رددت طلباً طُلِبَ إليَّ فيه الرجوع إلى رواندا لأشهد زوراً على زعيم المعارضة الرواندية قبل الانتخابات الرئاسية عام 2010، رفضت الحكومة الرواندية إعادة إصدار جواز سفري ومنعتني من المِنحةَ المالية الطلابية. وامتنعت السفارة الرواندية في الصين عن تصديق زواجي وابني -المولود في الصين سنة 2011- فتُركْتُ بلا وثائق رسمية.

ولمَّا اتصلت بباربارا أول مرة، لم أتوقع منها رداً عليَّ فما كنَّا مُتعارفَين. لكنَّ باربارا ردَّت على الرسالة الإلكترونية التي أرسلتها إليها، وأرشدتني في تحضير مِلَفٍّ لطلب اللجوء في الصين. فأولاً شاركتني في عيِّنة من طلب لجوءٍ حتى تساعدني على إنشاء مسوَّدتي الأولى، ثم راحت تنعم النظر في قصَّتي مِراراً، مُثِيرَةً الأسئلة وأنا أقصُّها عليها حتَّى تمَّت، وتراجع طلب اللجوء وتصحِّحهُ إملائياً مرةً بعد مرةٍ. وكانت تجري مراسلاتنا بالبريد الإلكتروني والمِرسال الآنيِّ وبرمجيَّة إسكايب والهاتف.

وكانت باربارا معتادةً العملَ مع اللاجئين الروانديين وكان بين يديها كلُّ ضروريٍّ من معلومات البلد الأصلي. وكانت عطوفة جداً حتى إنها حدَّثتني عن شبابها وعمَّا لَقِيَها من مصاعب. وكانت باربارا تعطينا مالاً أيضاً وتُكثِرُ أنْ تتَّصل بمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ببكِّينَ وتُلحُّ في اتصالها لتُحرِّك الناس هناك فيصنعون ما ينبغي لهم صنعه، مُشرِكَةً غيرهم ممَّن تعرفهم في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مراسلاتها فتضع عناوين بُرُدِهم الإلكترونية فيها بحيث تُرسَل إليهم نسخٌ منها للاطلاع عليها.

هذا، وقد ضَمِنَتْ لي باربارا أيضاً أنْ أزيد في إنماء مسلكي في الميدان الأكاديمي. فصحَّحت إملائياً أوراق بحثي الأكاديمي في علم الحاسوب، وعرَّفتني إلى كثيرٍ من العلماء في المملكة المتحدة والولايات الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعملون في الميدان الذي أعمل فيه، وبعد أنْ حصَّلت شهادة الدكتوراة، كانت كتبت فيَّ خطاب تزكية وقدَّمته بين يدي منظمةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية: الباحثين الأكاديميين المعرضين للخطر،[i] التي دبَّرت لي وظائف مؤقتة في هيئة الأساتذة بجامعات هولندا وبلجيكا.

ولما كان في شهر يونيو/حزيران سنة 2012، أُوعِزَ أنْ أُمنَحَ صفة اللاجئ في الصين فمُنِحتُها، وفي شهر فبراير/شباط سنة 2013 أُعِيدَ توطيني في السويد حيث لا يزال لي صفة اللاجئ وأنتظر أنْ يُنظَر في طلبٍ للحصول على الجنسية السويدية كنت قد رفعته منذ زمن قريب. فإن قُبِل طلبي عنى ذلك عندي إمكان الاندماج والحماية التامَّة.

لقد تبيَّنتُ في ست سنوات ونصف التي فيها عرفت باربارا أنَّ دفاعها عن اللاجئين تجاوز كلَّ التجاوز أن تُيسِّرَ لهم طلبات اللجوء. إذ هي دافعت عنَّا دفاع الأمِّ عن أبنائها والجدَّة عن أحفادها، ليس لإيجاد مخارجَ لمِحَنِنا فحسب، بل لذلك ولننجح في مِهَنِنا. وعندي أنَّ ما تركته لنا إرثاً هو الاعتراض على الظلم، فإنما هو شيء يمكن أنْ يأخذه عنها كلُّ أحدٍ. والنصيحة التي أرغب في أنْ أشارك اللاجئين الآخرين فيها من غير تكلُّف هي: دافعوا عن الصواب مهما كلَّف ذلك. فقد كان لما كنت فيه مخرجٌ سهلٌ لو أنني خضعت للشِّدَّة فصنعت ما لا يجوز. ولكنَّني قاومت ثم وجدت مخرجاً من محنتي، والفضل في ذلك يعود إلى عون باربارا.

أولِفيِه روكُّوندو orukundo@gmail.com

[i] www.scholarsatrisk.org

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.