الحَيْرة الأخلاقية التي يُثِيرُها سُلوكُ المعنيِّينَ غيرُ الأخلاقيِّ

ما الحيرة الأخلاقيَّة التي تؤثر في استجابات الهيئات الإنسانية لسلوك الأشخاص المعنيين الاحتياليِّ؟ وكيف يمكن أنْ يكون لبنى مجتمعات اللاجئين دور أكبر في تحديد الاستجابات؟

للتصرفات الاحتيالية التي يرتكبها بعض الأشخاص المعنيين أثر محتمل في جودة البرامج الإنسانية وفي مساءلة الهيئات إزاء المانحين والسكان المتأثرين على العموم. وفي ذلك السياق، أسست المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ أمد بعيد مجموعة من الإجراءات الداخلية للتعامل مع الاحتيال في عملية إعاة التوطين، وتضمنت التأكد من أن ينفِّذ التحقيقات موظفون لهم باع طويل في الحماية لم يسبق لهم التعامل مع الحالة من قبل. وفي عام 2017، وسَّعَت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نطاق جهود النَّزاهة لديها ليشتمل على ما هو وراء برنامج إعادة التوطين، فقدَّمت الأدلة التوجيهية لمساعدة الموظفين في إدارة الأوضاع التي قد يلجأ فيها الشخص إلى الاحتيال للحصول على المساعدة أو الحماية أو على كليهما أو ربما تمكن من الحصول على أيِّ منها بالاحيتال.

وتدرك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنَّ الظروف التي يعيش فيها معظم اللاجئون قد تساهم في تعزيز الأسباب التي قد تفضي إلى السلوك غير الأخلاقي. ومن أمثلة تلك الأسباب التَّحيُّز في تقديم الخدمة الذاتية (أي عندما نميل إلى النَّظر في التصرفات التي نرتكبها بأنفسنا نظرة أقل قسوة مما ننظر إليه لتصرفات الآخرين) أو تقديم الشخص لمسوغات فعله الخاطئ والتقليل من أهميته (ومثال ذلك أن ينظر المرؤ للاحتيال الذي يعتقد أنَه ضعيف الشأن بأنَّه لا أثر له يذكر في كبرى الهيئات الإنسانية). فتلك إذن بعض المُيسِّرات الشائعة للسلوك المنافي للأخلاق في المجتمعات وربما جاز لنا القول إنَّ درجة أهميتها تكتسب وزناً أكبر في سياق التَّهجير القسري الذي تنطوي عليه أخطار تؤثر في تقديم مساعدات إنقاذ الحياة والحلول الدائمة.

فرض العقوبات وتعقيداتها
تقتضي المقاربة التي تتبعها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التعامل مع الاحتيال بتطبيق الإجراءات التصحيحية فور إثبات التحقيقات لارتكاب الأشخاص المعنيين له أو محاولتهم ذلك. ومع أنَّ تلك الإجراءات ليست عقابية بطبيعتها، فسوف تنتج على الأرجح بفقدان الشخص المعني أهليته بالحصول على التدخلات أو المساعدات التي حصل عليها بطرق غير أخلاقية. والقصد من الإجراءات التصحيحية تصويب الأمور التي نتجت عن الاحتيال، ومثال ذلك حالة الاحتيال بالهُوِيَّة أو تقديم البيانات المغلوطة حول تكوين الأسرة أو تقديم الوثائق الثبوتية غير الصحيحة أو انتهاج الاحتيال في تقديمها، وغير ذلك من أنواع الاحتيال. فعندها قد تتضمن الإجراءات التصحيحية إغلاق ملف اللاجئ الاحتيالي وتصحيح حجم الأسرة المُقيَّد والتخلص من الوثيقة المزورة وغيرها. وفقط في الحالات الاستثنائية، عندما يثبت سوء الاحتيال المرتكب، تُطبَّق إجراءات رادعة تتمثل في إيقاع العقوبات المؤقتة مثل إلغاء المنافع غير الأساسية بعد الحصول على تفويض بتلك العقوبة من منسق مكافحة الاحتيال في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف.

لكنَّ الوضع ينتحي مساراً أكثر تعقيداً عندما يحتال اللاجئون على المساعدات النقدية. ففي هذه الحالة، لن يعتمد إصدار الحكم الأخلاقي بشأن الاستجابة المناسبة فحسب على وقائع الحالة بل سيعتمد على مجموعة متنوعة من الاعتبارات الأخرى مثل السياق المحلي (مثل مدى وجوب إدخال السلطات الوطنية في الأمر) والإجراءات الداخلية للهيئات التي تأثرت برامج مساعداتها النقدية بذلك الاحتيال. وحتى لو كان لم يُرتَكَب الاحتيال على الدوام وحتى لو لم يكن له أثر كبير، فهو يفرض تحديات على النزاهة الحقيقية والمُتَصَوَّرة للبرامج الإنسانية (وغالباً يؤثر في الميديرين الأفراد) ما يتطلب من المنظمات أن تتخذ قرارات صحيحة أخلاقياً بشأن كيفية الرد على تلك الحالات الخاصة.

فعلى سبيل المثال، سيتمثل أحد أهم الأسئلة الأخلاقية فيما إذا كان من المشروع مبدئياً وبالممارسة توقع رد اللاجئ للمبلغ المدفوع له دون وجه حق وما إذا كان الإجراء سيُنظَر له بالفعل على أنَّه إجراء تصحيحي أو عقوبة توقَع على الفرد. والإجابة على ذلك السؤال سيعتمد في المقام الأول على تصور متخذ القرار للهدف المنشود من الإجراء التصحيحي وما ينبغي اتخاذه في سياق الاحتيال على المساعدات النقدية. وبمعنى أخر، هل سيُعتَقدُ أنَّ العدالة قد تحققت بردع اللاجئ الذي ارتكب الفعل الاحتيالي ومنعه من استمراره في ارتكاب السلوك غير الأخلاقي أم أنَّها لا تتحقق إلا بعد إعادته لفرق المبلغ الذي أخذه؟ 

فمن جهة، هناك من يعتقد أنَّه من غير المعقول طلب إعادة المبالغ المأخوذة بتلك الطريقة، خاصة عندما يكون اللاجئ قد استخدم المال لتلبية حاجاته الضرورية. إلاَّ أنَّ ذلك قد يؤدي إلى فرض تحديات مماثلة على غيره من متلقي المساعدات حتلى لو لم يلجئوا للاحتيال. ومن جهة أخرى، إذا قال أحد إنَّه من المشروع أن يتوقع استعادة المال الذي دُفِع بتلك الطريقة، فهل ذلك ما يحدث دائماً؟ أم هل سيقى ذلك مشروعاً، على سبيل المثال، حتى لو لم يكن هناك سبيل لاستعادة المال إلاَّ عن طريق اقتطاعه من المساعدات النقدية المستقبلية الممنوحة للشخص الذي ارتكب الفعل الاحتيالي، دون أن ننسى الأثر المحتمل لذلك الاقتطاع في أفراد الأسرة الذين لا ذنب لهم في الفعل، ودون أن نغفل ما يحتمل أن ينتج عن ذلك الإجراء من انحراف عن مبدأ عدم سحب المساعدات المنقذة للحياة من اللاجئين؟ وقد تكون الإجابة على ذلك السؤال بعبارة ‘يعتمد حسب الظروف’ لكنَّ المشكلة هنا أنَّ كلمة ‘يعتمد’ تبقى عرضة للنقاش، فهذا النوع من المشكلات الأخلاقية ينطوي عليه خطر المساس بعدالة العملية.

معايير الحكم
بناءً على مشاهدات ميدانية، يبدو أنَّ معايير الحكم التي تطبقها المنظمات عادة ما تمنح الأولوية إما لنتيجة الحكم أو المبدأ الذي يقوم عليه. ففي حالة بناء الحكم على ضوء النتيجة، يُطبَّق المنظور النفعي الذي يهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من خير أكبر عدد من الأشخاص، ويعني ذلك وجوب إعادة المال الممنوح دون وجه حق إلى الهيئة المانحة له منعاً لوقوع الخسارة على المنظمة وعلى مجتمع اللاجئين ككل، وردعاً للأفعال المماثلة. إلاَّ أنَّ ذلك النهج يغفل عوامل في منتهى الأهمية مثل الحوافز الشخصية والاعتقادات الأخلاقية التي أدت إلى ارتكاب المرء للفعل الاحتيالي (وقد يكون لمقدمي الخدمة أنفسهم يد مسؤولة في وقوع ذلك الفعل) والعواقب المحتتملة لذلك الإجراء التصحيحي.

أماَّ المنظور الذي يُغلِّب المبدأ على النتيجة، ينطوي على الاعتراف بالحقوق والواجبات والمسؤوليات التي تقع على الفرد دون استثناء بغض النظر عن الظروف العملية المحيطة بالقضية. لكنَّ العمل الإنساني يحدث غالباً في أوضاع معقدة وصعبة تُحتِّم تغليب مبدأ معين على غيره. ومثال ذلك مبدأ وجوب تقديم المنظمات الإنسانية للمساعدة المنقذة للحياة لجميع اللاجئين المحتاجين لها، الذي سيُغلَّب على الأرجح على مبدأ ضرورة منع الاحتيال أو الفساد والتصدي لهما. فإذا طُبِّق ذلك المنظور، يصبح من غير المقبول اتخاذ الإجراء التصحيحي بسحب المساعدات من اللاجئ الذي ارتكب فعلاً احتيالياً.

والقول إنَّ كلا المبدئين فيهما من التشدد ما يمنعهما من حسن التعامل مع تعقيدات تلك القضايا، ولذلك لا بد في اتخاذ القرار الأخلاقي من البحث عن مقاربة مختلفة تضمن إصدار حكم أخلاقي. وعلى الموظفين العاملين في المنظمات الإنسانية أن يكونوا قادرين على اتخاذ القرارات الأخلاقية الصحيحة في الأوضاع المعقدة، ما يعني أن على منظماتهم تأسيس إطار عمل لتوفير التدريب الضروري لهم حول المسائل الأخلاقية والأحكام الأخلاقية.

إشراك بنى مجتمعات اللاجئين
يفتح النظر في الفعل الخاطئ للاجئ على ضوء الظلم الذي ألحقه بالمجتمع اللاجئين، وليس بالهيئة المقدم للمساعدات، الباب أمام مشاركة البنى المجتمعية ويتيح لها تقديم الدعم البنَّاء في تصميم الاستجابة الصحيحة. وفي الخطوة الأولى، قد تحسن المنظمات التصرف إذا أشركت بنى مجتمع اللاجئين في النقاشات حول السيناريوهات المحتملة للسلوك غير الأخلاقي لأنَّ ذلك يفيد في الاطلاع على طريقة تقييم مجتمع اللاجئين لمثل تلك الأوضاع. ومن ثمَّ، إذا اكتشفت حالات فرية، فما دامن الحماية والسلام مضمونتان لجميع المعنيين وما دامت العملية خاضعة للرقابة والرصد لتفادي الضرر أو الإساءة (ولا يمكن التقليل من شأن ذلك) فعندها يمكن الاستئناس برأي ممثلي اللاجئين واقتراحهم بشأن ما يجب على المحتالين فعله لتصويب وضعهم واسترداد ثقة المجتمع بهم. ومن ذلك، على سبيل المثال، التوصية بإخضاع المحتال لمدة معينة يقضيها في العمل التطوعي. فهذه المقاربة، إن حَسُنَت إدارتها وأُحكِمَت الرقابة عليها، قد تفضي إلى الإجراء التصحيحي الأمثل الذي يفيد أيضاً في ممارسة الدور القيادية المهم لمجتمع اللاجئين في مساءلة أبنائه ومحاسبتهم، كما أنَّه يمثل من خلال ضغط النظراء الإيجابي رادعاً عاماً لمحاولات الاحتيال المستقبلية.

آنَّا تُوْرُوس turusanna@gmail.com

موظفةٌ مشاركةٌ سابقةٌ مسؤولةٌ عن النَّزاهة والتكامل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي اليومَ موظفة نزاهة وتكامل في منظمة الشفافية الدولية www.transparency.org

كلُّ ما ورد من آراءٍ في هذه المقالة هي آراء كاتبتها وقد لا تستوي هذه الآراء وآراء أيِّ منظمة ورد ذكرها هنا.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.