أعمال الصَّد في طريق البلقان: علامة مميِّزة لمنع دخول حدود الاتحاد الأوربي من الخارج

زادت أعمال الصدِّ غير القانونية –واستعمال العنف– عند حدود أوربا حتّى بلغت مبلغاً لم يُرَى من قبل، فكان ذلك نذيراً من انتهاك حقوق الإنسان الأساسية.

إنّا مزاولات نعمل في منظمة جُسُور، وهي المنظمة الوحيدة في ركز همّها في دعم الناجين من أعمال الصدِّ من اليونان وبلغاريا المقيمين في تركيا، ولذلك نوثق على نظامٍ شهادات الناجين وغيرها من الأدلة على انتهاك حقوق الإنسان من نظام الحدود الأوربي. ونحن بمعاونة شركائنا من شبكة رصد العنف عند الحدود (Border Violence Monitoring Network) نرصد أعمال الصدِّ في ما يسمُّونه طريقَ البلقان. وفي سنة 2020، شهدنا بلوغ هذه الممارسة مبلغاً ما رأيناه من قبل في الأعداد والانتظام ومقدار التنسيق والوحشية. بل قد بلغ أن يحصل في أرض الاتحاد الأوربي. وعلى أن أعمال الصدِّ غير رسمية وغير قانونية فهي الآن علامة مميِّزة لسياسة المنع من الخارج التي يأخذ بها الاتحاد الأوربي.

ويُطلَق مصطلح «الصدِّ» ويراد به منع الناس وصرفهم عن بلوغ مكان منعاً وصرفاً غيرَ منظمٍ عابراً للحدود وهم ينتقلون من بلد إلى بلد آخر. وأعمال الصدِّ تعمل بغير اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وتخرج عن أي إطار قانوني، فتنتهك القانون الوطني وقانون الاتحاد الأوربي والقانون الدولي، ولا سيما حظرَ الطرد الجماعي (من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان)، ومبدأَ عدم الإعادة القسرية، والحقَّ في طلب اللجوء (من اتفاقية اللاجئين لعام 1951). ويضاف إلى ذلك، أن الإجراءات المتبعة لتنفيذ أعمال الصدِّ، مثل الاعتقال التعسفي والعنف الشديد (الذي يبلغ في كثير من الأحيان إلى معاملة غير إنسانية مهينة وتعذيب)، تنتهك عدة قوانين أخرى، وتصيب الناجين برضوح جسمانية ونفسانية دائمة.

تغييرات في أعمال الصدِّ عند الحدود بين الاتحاد الأوربي وتركيا

ظهرت التقارير الأولى عن أعمال الصدِّ من منطقة الحدود البرية العسكرية في اليونان في تسعينيات القرن العشرين. وبعد ما يسمونه سد طريق البلقان سنة 2016 زادت هذه السياسات والممارسات الغائية زيادةً كبيرة، وصارت ممارسة أساسية في نظام الحدود الأوربي.[1] فأما أعمال الصدِّ من اليونان فقد استعملت السلطات هناك (وما تزال تستعمل) الحَجْز التعسفي والعنف الذي يبلغ إلى التعذيب في عدة مراكز من مراكز الشرطة ومواضع الحَجْز، من أرض الحدود حتى البرّ الأكبر، وكذلك على السفن التابعة لخفر السواحل اليونانية وللهيئة الأوربيَّة لحرس الحدود وخفر السواحل في الاتحاد الأوربي (فرونتكس).

واستجابةً لإخفاق اتفاقية الاتحاد الأوربي وتركيا لعام 2016، واعتذاراً بإخفاقها، سارعت الحكومة اليونانية في تنظيم أعمال الصدِّ سنة 2020، وعلقت على وجه غير قانوني طلبات اللجوء شهراً، وأرسلت قوات زائدة إلى الحدود البرية بينها وبين تركيا. فأفضى ذلك إلى زيادة متوسط ​عدد الجماعات المصدودة عند الحدود اليونانية التركية إلى أكثر من الضعف، وذلك من سنة 2019 إلى منتصف سنة 2021. وكان في 89% من أعمال الصدِّ من اليونان التي سجلتها شبكة رصد العنف عند الحدود سنة 2020 نوعٌ أو أكثر من أنواع العنف وسوء المعاملة، كالضرب والتعرية القسرية واستعمال الأسلحة النارية.[2]

وفي البرّ الأكبر، لم تعد أعمال الصدِّ تقتصر على المنطقة الحدودية المباشرة، وذلك أنه في السنة الماضية توسعت هذه الأعمال وبلغت إلى قلب الأرض اليونانية، ومن ذلك أعمال الصدِّ من مخيمات اللاجئين. ومثال ذلك: أنه قُبِضَ على أشخاص في إيغومينيتسا، وهي مدينة تبعد 773 كم من أدرنة، وهي أقرب مدينة تركية إلى الحدود اليونانية التركية، ووقع أيضاً في مراتٍ أن جماعات بلغ عددها إلى 110 طالب لجوء أخذهم ضباط يونانيين من مخيم ديافاتا، الذي يقع على بعد أكثر من 400 كم من أدرنة، فحجزوهم ثم صدُّوهم وأعادوهم إلى تركيا عابرين الحدود البرية.[3]

ووقت إحدى هذه الحالات في مخيم ديافاتا في أيلول/سبتمبر سنة 2020. والشخص الذي أخبرنا بخبره كان بلا حذاء وما كان عليه من اللباس إلا قميص وسروال قصير ساعة أجبرته الشرطة على ركوب شاحنة. قال لنا: «لم يشرحوا لنا شيئاً [...] دفعونا إلى داخل شاحنات الشرطة ورفسونا». وكلُّ مَن أبى أن يركب الشاحنات ضربته الشرطة. وضمَّت الجماعة ناساً من سورية وأفغانستان والجزائر والمغرب وتونس. وأخبرنا المُستطلَع أيضاً في شهادته أنه شهد الشرطة «ترمي» أوراق هوية أحد الأشخاص. وهذا يوافق التقارير الكثيرة التي جمعتها شبكة رصد العنف عند الحدود، وأخبرت بأن الشرطة أتلفت وثائق قانونية للناس وهم يتنقّلون.

وأيضاً فقد شهدت سنة 2020 استعمال خفر السواحل اليونانية وسائل جديدة في أعمال الصدَّ ببحر إيجه. وحتى سنة 2017، كان خفر السواحل اليونانية يأخذ في أعمال الإنقاذ في البحر لا أعمال الصدِّ. ولكن في السنين التي تقدَّمت سنة 2020، شرع خفر السواحل اليونانية يعترض القوارب الصغيرة في المياه الإقليمية اليونانية لإفساد محركاتها أو انتزاعها، ثم استُعمِلَت سفن خفر السواحل لإحداث موجٍ يدفع قوارب المطاط إلى المياه التركية. ويزاد على ذلك أنه منذ سنة 2020 بدأ خفراء السواحل اليونانية يأخذون الناس من هذه القوارب إلى سفنهم، ويقصدون إلى المياه التركية، ثم يقسرون المهاجرين على ركوب أطواف نجاة منفوخة لا تقاد، سريعة الانفشاش، ويتركونهم في البحر.

وهناك أيضاً ميلٌ مقلق لم يُرَى من قبل، وهو القبض على الأشخاص في برِّ الجزر في بحر إيجه، وأكثر ما يكون ذلك في الليل، من غير أن يتبعه إجراءات التسجيل وتعرّف الهوية، ثم يعادون إلى البحر ويتركون على أطواف نجاة. وقد أُخبِر بمئاتٍ من هذه الحالات في ست جزر يونانية مختلفة على الأقل، وهذا يشير إلى سمة التنسيق في هذه الممارسة. وفي إحدى المرات في تموز/يوليو 2020، اعتقلت جماعة فيها أطفال وغيرهم من المستضعفين بعد وصولهم إلى رودس، ثم قُسِرُوا على العودة في أطواف نجاة:

وضعوا جماعة من الناس بتمامها في قارب. كانت الجماعة 25 شخصاً، فيهم 15 طفلاً. وكان في الأطفال طفل ضرير يبلغ 11 سنة. وبعد ثلاث ساعات ونصف، نُقِلَت الجماعة إلى منصة عائمة. كاد الطفل الضرير أن يقع في الماء ... لكن من حسن الحظ أن رجلاً استطاع الإمساك به ومنعه من الوقوع في البحر. لم يفعل أحد من خفر السواحل شيئاً. [قالت والدة الطفل الضرير ذي الـ11 سنة]: «صرخ ابني في وجه الجنود اليونانيين، متوسلاً إليهم الرحمة والإنسانية، وقد وقع في قلبه أننا نموت في تلك اللحظة». وبعد أن نقلت الجماعة إلى المنصة، تُرِكوا في البحر. وأخذ الموج يتقاذفهم خمسَ ساعات حتى الرابعة صباحاً. وكان الماء يدخل إلى الطوف فاضطرُّوا إلى اغترافه بأيديهم في كل حينٍ وهم في عرض البحر.

والمصدودون إلى تركيا من جنسيات شتى، وفيهم مواطنون أتراك فارون من الاضطهاد. و52% من الجماعات التي عذبتها السلطات اليونانية أو عاملتها معاملة غير إنسانية ومهينة في أعمال الصدِّ التي سجلتها شبكة رصد العنف عند الحدود كانوا من الأطفال والقاصرين. واشتملت عشرات من الحالات طالبي لجوء مسجلين لديهم تصاريح إقامة سارية المفعول في اليونان. تضمنت عدة حالات أيضاً أشخاصاً قد أقر لهم باللاجئية ولديهم تصاريح إقامة سارية ووثائق سفر من بلدان أخرى في الاتحاد الأوربي، وكانوا في اليونان يزورون قريباً لهم أو يبحثون عن عزيز لهم مفقود.[4]

أعمال الصدِّ من حيث هي عمود من أعمدة نظام الحدود في الاتحاد الأوربي

لا تقتصر أعمال الصدِّ على اليونان. فهي تحصل في كثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، وتحصل في كثير من الأحيان في عدة بلدان متعاقبة، وهذه تعرف بـ«الصدِّ المتسلسل». وفي سنة 2020، سجلنا حالات أكثر من 400 شخص، تقع سنّهم بين سنة واحدة و50 سنة، صُدُّوا من بلغاريا من طريق اليونان إلى تركيا، ثم عادوا من تركيا إلى اليونان، ثم عادوا مرة أخرى إلى تركيا.

وأعمال الصدِّ المنهجية هذه هي جزء لا ينفصل من نظام الحدود في الاتحاد الأوربي، ويدخل فيها كثير من مختلف الدول الأعضاء، وعلى ذلك أدلة ذكرت في كتاب أصدرته شبكة رصد العنف عند الحدود في كانون الأول/ديسمبر 2020، عنوانه: (الكتاب الأسود في أعمال الصد).[5] ويرد في الكتاب 892 شهادة توضح بالتفصيل تجارب 12654 شخصاً صُدُّوا عند حدود الاتحاد الأوربي، ومن ذلك النمسا وإيطاليا وسلوفينيا وكرواتيا والمجر واليونان وبلغاريا. وقد رأينا في جميع نواحي المنطقة اشتداد العنف في أعمال الصدّ. وأشارت 90% من جميع هذه الشهادات إلى ضربٍ واحد أو أكثر من ضروب العنف،44% منها قسرٌ على التعري من الملابس، و15% أشارت إلى استعمال الأسلحة النارية بعض الاستعمال، وذكرت 10% منها استعمال أسلحة الصَّعق بالكهرباء. ونخص بالذكر هاهنا حوادث خطرة، وذلك أن الشرطة رشَّت رؤوس الناس بالطلاء ورسمت عليها صلباناً، وأمرت كلاب الشرطة بمهاجمة كل مَن قبض عليه، وقسرت المسلمين على حرق القرآن وهم في محنتهم.

وبعد أربع سنين من توثيق شركاء شبكة رصد العنف عند الحدود لعنف الحدود في طريق البلقان جاءت الدروس المستفادة مُغِمَّة. فصحيح أن تحقيقات بدأت في الهيئة الأوربيَّة لحرس الحدود وخفر السواحل في الاتحاد الأوربي[6]، ولكن لم يكن من ذلك عواقب البتة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي وهيئاتها. هذا مع استمرار الاتحاد الأوربي في تمويل أعمال الأمننة والمعدات العسكرية المستعملة في أعمال الصدِّ، بل حتى باستعمال الحدود التي بين الاتحاد الأوربي وتركيا لاختبار الأجهزة العسكرية ما جُرِّبت بعد. والظاهر أن دخولَ الاتحاد الأوربي العميقَ في ممارسات الصدِّ غير القانوني موافقةٌ ضمنيةٌ بل حثٌ على انتهاك الأساسيّ من حقوق الناس الذين يطلبون حمايةً ومكاناً آمناً للعيش.

وقد حدث تغيير بأخرةٍ في الطريقة التي تدافع بها الهيئة الأوربيَّة لحرس الحدود وخفر السواحل في الاتحاد الأوربي وحكومات الدول الأعضاء عن نفسها عندما تعترضها أدلةٌ على حدوث الصدِّ، وذلك أنها كانت تنكر من قبل كل المزاعم، ولكنها اليوم تتحول إلى تسويغ أفعالها على أسس قانونية فيها نظر. وهذا التطور مخيف، فيخاف المدافعون عن حقوق الإنسان من أن الاتحاد الأوربي سيتّجه إلى تقنين ممارسة أعمال الصدِّ، ولا سيما منذ صدور حكم المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في أوائل سنة 2020، الذي نصّ على أنه حُقَّ لإسبانيا أن تصدّ اثنين من المطالبين باللجوء لأحوالٍ محددة.

هذا ولمّا كنا نعمل في شبكة من المنظمات في طريق البلقان، رأينا أن الاتحاد الأوربي بعيد عن الاستفادة من درسٍ يقول إنما المنع من الخارج أمر غير مجد. وقد رأينا بأنفسنا أن السياسات القمعية لا تمنع الناس من محاولة الوصول إلى أوربا، وأن أمثال هذه السياسات إنما تقسر الناس على استعمال طرق أخطر. والمنظمات، مثل منظمتنا، إنما تفعل شيئاً كثيراً في دعم المعاناة الإنسانية الهائلة التي تنشأ من ذلك. ولا حلَّ إنسانياً يوافق القانون الدولي والمبادئ التأسيسية للاتحاد الأوربي إلا إنقاذ من هم على خطر البحر، وإنشاء مسلك آمن وقانوني يطلب الناس به الحماية.

 

جيجي أُلسَبروك gigi@josoor.net  @GigiAulsebrook

موظَّفةٌ في المناصرة ومنسِّقةٌ ميدانية، من منظمة جُسُور

 

نتالي غرَبَر natalie@josoor.net @NatalieSGruber

شريكة مؤسِّسَة ومديرة برامج، من منظمة جُسُور

 

مِلِسَّا بَوْسُن @melissa_pawson

مُسهِمةٌ خارجية

 

[1]Frelick B, Kysel A M and Podkul J (2016) ‘The Impact of Externalization of Migration Controls on the Rights of Asylum Seekers and Other Migrants’, Journal on Migration and Human Security Vol 4, issue 4

(وَقْعُ ضبط الهجرة من الخارج على حقوق طالبي اللجوء وغيرهم من المهاجرين)

 https://doi.org/10.1177%2F233150241600400402

[2] BVMN (2020) Annual Torture Report 2020

(تقرير التعذيب السنوي في 2020)

 www.borderviolence.eu/annual-torture-report-2020/

[3] من شاء مزيد تفصيل في هذه الحالة وما سيذكر بعدها من حالات، فلينظر تقارير العنف التي تصدرها شبكة رصد العنف عند الحدود، وهذا رابطها:

 www.borderviolence.eu/category/monthly-report/

 والاقتباسات الواردة في المقالة مأخوذة من هذه التقارير أو من قاعدة المعطيات عند شبكة رصد العنف عند الحدود.

[4] Schade E (2020) ‘Absurdity of Pushback Practices’, Josoor

(عبثية أعمال الصدِّ)

 www.josoor.net/post/absurdity-of-pushback-practices

[5] www.borderviolence.eu/launch-event-the-black-book-of-pushbacks/

[6] الهيئة الأوربيَّة لحرس الحدود وخفر السواحل في الاتحاد الأوربي (أو فرونتكس) هي هيئة في الاتحاد الأوربي مهمتها إدارة الحدود الخارجية للاتحاد الأوربي، وأكثر جزء من ولايتها هو حفظ الحقوق الأساسية.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.