المساحة الدينية والمساحة الإنسانية

تعيش الكنيسة البروتستانتية الرسمية في المغرب حالة من النضال إزاء التوترات التي تشهدها أثناء تعاملها مع الغير بصفتها منظمة كنسية وبصفتها الأخرى الشبيهة بالمنظمة غير الحكومية نتيجة عملها مع اللاجئين والمُهجَّرين.

لدى الكنيسة البروتستانتية الرسمية في المغرب (Église Évangélique au Maroc, EEAM) كنائس في عدة مدن في المغرب. وبعد التدهور الذي تلى الاستقلال، شهدت كنائس الطائفة الإنجيلية في المغرب  في العقد الأخير من القرن العشرين ارتفاعاً كبيراً في العضوية من الطلاب الواصلين إلى البلاد من جنوب الصحراء الأفريقية لكنَّ ذلك مثّل في الوقت نفسه تحدياً: فظهور المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء الإفريقية عادة ما يهدفون إلى عبور المغرب نحو أوروبا لكنَّ المطاف ينتهي بهم في حالة شبه استيطان في البلاد. وهكذا إثر هذا التحدي، بدأت الكنيسة الإنجيلية في المغرب عام  2003 بالعمل مع اللاجئين والمهاجرين في المغرب من خلال ذراعها الاجتماعي: اللجنة الدولية للمساعدات.

وتنصب إحدى النشاطات الأساسية للجنة في توفير المساعدة وبرنامج مساعدة الطوارئ الذي يضم الغذاء والمعونة الطبية والتبرع بالبطانيات والمرافقة الروحية للمسيحيين الذين يطلبونها. وعادة ما يُقدَّم هذا النوع من المساعدات في أثناء جلسات "الزيارات القصيرة" في كنائس الطائفة الإنجيلية في المغرب في عدة مدن في جميع أنحاء المغرب. ومع ذلك، لم يخل الطريق من التحديات أمام إعادة توجيه هذا الذراع من الكنيسة نحو المهاجرين غير النظاميين من منطقة جنوب الصحراء الإفريقية. فهناك توتر مستمر إذ تارة تكون اللجنة الدولية للمساعدات منظمة كنسية تركز على الرعاية الشخصية والرعوية وتارة تكون كأي منظمة غير حكومية تضع تركيزها على الكفاءة والمهنية.

وهناك حالة من الغموض تسود داخل اللجنة الدولية للمساعدات بين طبيعتها الإنجيلية والإنسانية ويؤثر هذا الغموض على رسالتها وأهدافها وقراراتها التنظيمية. وليست القضية هنا مسألة "إما هذا أو ذاك" بل إنها مسألة غموض والتباس لا يمكن إزالته نظراً لأنه مرتبط ارتباطاً جوهرياً بتنظيم اللجنة وتاريخها. وأتت هذه القضايا نتاج محاولة المنظمة تفسير معاني "المقدس" و"العلماني" على أرض الواقع وتوضيح دور الدين في العمل الإنساني المتَّسم بالتناقضات والتوتر ما يعكس بدوره تناقضاً في دورها في الفضاء العام.

لكَّن دراسة أحد الفاعلين الجنوبيين القائمين على العقيدة مثل اللجنة الدولية للمساعدات ستساهم في تعميق فهمنا لبعض الفاعلين الأصغر حجماً ممن يشاركون في الأنماط "الأخرى" للعمل الإنساني التي غالباً ما لا تكون منظورة ما يوسّع بدوره تعريفنا للعمل الإنساني. ومع أنَّ المساحة الدينية هي في الوقت نفسه مساحة عابرة للقوميات ومساحة إنسانية أيضاً، فتمثل اللجنة الدولية للمساعدات مثالاً عن كيفية تحول مثل هذه المجتمعات الدينية إلى فاعلين خاصة في مواجهة نقص في الخدمات التي تقدمها الدولة بل مواجهة العدوانية التي قد تنشط على السطح أحياناً تجاه المهاجرين.

وكما يقول رئيس اللجنة الدولية للمساعدات "نحن نخترع كلما مضينا في طريقنا". فالعمل الارتجالي والاختراع كانا من أهم الطرق التي سعت فيها اللجنة الدولية للمساعدات لإدارة الانتقال من العملية التي يديرها الراعي إلى تنظيم متنامٍ يمثل مساحة الموارد للمهاجرين استجابة لعمليات عامة أوسع تؤثر على مجتمعها.

مي نو mngo44@gmail.com مرشحة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة سوينبيرن للتكنولوجيا، أسترالياwww.swinburne.edu.au

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.