كيفية التفاعل والمشاركة مع الدول الهشة بأسلوب بنَّاء

تزداد المخصصات التي يقدمها المانحون للدول الهشَّة في سبيل إصلاح و/أو إعادة بناء الهيكلية العامة للدولة بما فيها، على سبيل المثال، النظم القضائية والشرطة والجيش وإدارة الوزارات ضمن مساعيهم لدعم الاستقرار في تلك الدول. وقد اكتسب ذلك السعي أهمية خاصة في جميع قطاعات المجتمع وشرائحه بما فيها المُهجَّرون.

النِّزاع والنُّزوح ظاهرتان متلازمتان، ترافق إحداهما الأخرى، ونظراً للطبيعة المطوَّلة لبعض النِّزاعات كما في أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، سرعان ما تصبح مستوطنات المُهجَّرين المقامة بسبب النِّزاع شبه دائمة. ونتيجة لذلك، يتحول مسار مشروعات المساعدات الموجهة لتلك المستوطنات من الإغاثة الآنية إلى تلبية الحاجات الخدمية الأساسية. ومن هنا، تتطلب بعض محاور جدول أعمال "فرض الاستقرار" وبناء الدولة من الحكومات المضيفة أن تتولى مسؤوليات إضافية إزاء تلك النشاطات وما يرتبط بها. والنجاح في بناء الدولة بعد النِّزاع مرهون إلى حد كبير بإعادة تأسيس الحكم الفاعلة والبنى الأمنية. وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، تضاعفت مساهمة منح المساعدات الإنمائية الخارجية المقدمة للبلدان الهشة والمتأثرة بالنِّزاع لتصبح 50 مليار دولار أمريكي ولتشكل 39% من إجمالي المنح الخارجية للمساعدات الإنمائية.

وفي الوقت نفسه، ازداد الاهتمام في الكيفية المثلى التي تمكّن من تقييم الخبرات في منع النِّزاع وبناء السلام والتعلم منها سواء أكان التدخل واقعاً على النِّزاع ذاته (بغية تحقيق عدة أهداف محددة نحو رفع مستوى الأمن من خلال التدخل المباشر) أم في النِّزاع (بمعنى أن يكون التدخل على شكل مشروعات تقليدية محددة القطاعات تُعدل في أغلب الأحيان بما يناسب حساسية النِّزاع). ومن بين الأساليب أيضاً التقييمات الموضوعية التي تسعى إلى الوقوف على النتائج المشتركة عبر السياقات المتنوعة جغرافياً وتاريخياً. فتقييم المساعدات في بيئات النِّزاع أصبح مهارة لا يتقنها سوى المختصون كما حظي ذلك التقييم باعتراف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية/دائرة التعاون الإنمائي حسب ما ورد في آخر منشوراتها الإرشادية حول هذا الموضوع. [i] والمقيمون على دراية بالتحديات التي تفرضها الطبيعة بالغة التعقيد للأنماط غير الخطية للتغير الاجتماعي في البلدان المتأثرة بالنِّزاع والتي لا يمكن الوقوف عليها بالاقتصار على اتباع المنطق البسيط للمسببات والآثار.

وفي إحدى التقييمات الموضوعية التي أجريت مؤخراً، يدرس المقيِّمون أداء برنامج الأمم المتحدة في عشرين بلداً من البلدان المتأثرة بالنِّزاع بتركيز كبير على مساهمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعزيز الحكم في البيئات الهشة. [ii] فهذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة تمثل واحدة من الوكالات القليلة التي تتمتع بالقدرة على العمل "ضمن النطاق" عبر مجالات برنامجية متعددة خلال اندلاع النزع وبعده وخاصة أثناء عمليات الانتقال إلى مرحلة بناء السلام والإنماء ما بعد النِّزاع.

المبادئ العشرة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية المشاركة الدولية الرشيدة في الدول والأوضاع الهشة

1. انطلق من السياق.

2. لا تجلب الضرر على أحد.

3. ركّز على بناء الدولة ليكون هدفك المحوري

4. أعط الأولوية للمنع والوقاية

5. اعترف بالروابط القائمة بين الأهداف السياسية والأمنية والإنمائية.

6. عزز مبدأ نبذ التمييز بحيث يكون أساس تكوين المجتمعات الدامجة والمستقرة.

7. عدّل ما لديك بحيث يتواءم مع الأولويات الوطنية في شتى الطرق وفي مختلف السياقات.

8. اتفق على آليات التنسيق العملية بين الفاعلين الدوليين.

9. تصرف بسرعة....لكن ابق مشاركاً مدة كافية لمنح الفرصة لتحقيق النجاح.

10. تجنب جيوب الإقصاء.

[لمزيد من التفاصيل انظر

https://www.oecd.org/dac/governance-peace/conflictfragilityandresilience/principlesforgoodinternationalengagementinfragilestates.htm

]

ومع ذلك، من المشكلات المتأصلة بناء توقع تاريخي بأنَّ المنظمة يمكنها أن تستجيب بصورة إيجابية وأنها ستفعل ذلك إزاء طلبات الدعم متعددة النطاقات التي تتلقاها.

فالنشاطات الإنمائية وحدها لا يمكن أن توقف أو تمنع النِّزاع والعنف ولا أن تحول دون التَّهجير الذي يتزامن معه، لكنها تستفيد من انتهاج منهج شامل للقطاعات. ففي سيراليون التي عصفت بها حرب أهلية وحشية بين عامي 1991 و2002، نصت اتفاقية سلام لومي على تأسيس لجنة للحق والمصالحة. وبالنسبة للعائدين من مستوطنات النازحين، تضمن منهج المصالحة القائم على المجتمعات إجراء التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية وإعداد البحوث حول العمليات التقليدية لفض النِّزاع والمصالحة بين مختلف الجماعات العرقية. وبالمثل، بعد أزمة عام 2006 والنُّزوح الذي تبعها في تيمور الشرقية، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم لعودة النازحين من خلال ثلاثة مشروعات تضمنت إطلاق الحوار بين المجتمعات إضافة إلى عملية للمصالحة أقامتها الدولة. أما الوسطاء المجتمعيون فقد تلقوا التدريب على يد ما يقارب 12 منظمة غير حكومية شريكة.

دعم القطاعات العامة

غالباً ما يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سياقات النِّزاع من خلال وحدات دعم المشروعات التي تكون عادة مدمجة في القطاع العام وتعمل بالتوازي معه. وفي حين أنَّ هذا المنهج قادر على تعزيز سرعة ونوعية تقديم الخدمات، فإنَّه في الوقت نفسه يشكل مخاطرة في إضعاف المؤسسات التي يجب على البلدان أن تعتمد عليها على المدى البعيد. ولذلك، تعرض المجتمع الدولي ككل لكثير من الانتقادات الموجهة لسوء التنسيق الذي اكتنف عمل الخبراء الدوليين الموكلين إلى الوزارات. ففي جنوب السودان، مثلاً، كان هناك مئات من الوجوه الأجنبية التي كانت من حيث الظاهر "تقدم المشورة" للحكومة، لكنَّ الواقع أن تلك الوجوه الغريبة كانت تدير دوائر حكومية بأكملها. وحتى لو وُظِّفت الخبرات الوطنية، فإنَّ الأجور والمزايا والحوافز المستخدمة لاستقطاب هؤلاء لتلك المناصب غالباً ما تشكل مصادر رئيسية للإخلال بسوق العمل في مجال الخدمة العامة. وعلى أرض الواقع، غالباً ما يكون هناك ضغوط ممارسة أيضاً على تقديم الخدمات مع العلم بأنَّ توسيع الدولة لقدراتها على تقديم مثل تلك الخدمات قد يستغرق سنوات. وتزداد المشكلة حدة خاصة في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، فهناك حكومة ضعيفة لم تتمكن بعد من مواجهة كثير من الأسباب الرئيسية الضمنية التي أدت إلى استمرار النِّزاع وبالتأكيد فهي غير قادرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من النازحين الذين نزحوا جرَّاء الأزمة.

أما عودة اللاجئين والنازحين فتواجه من حين لآخر مشكلات تتعلق بملكية الأراضي والعقارات خاصة إذا ما طالت غيبة اللاجئين والنازحين عنها. وفي هذا السياق، قد يكون من المهم أيضاً إعادة تأهيل البنية التحتية القانونية الرئيسية وتوسيع مدى النفاذ إلى العون القانوني. وغالباً ما يتمثل التحدي في سياق ما بعد النِّزاع في التوفيق بين الفض التقليدي للنزاع ومنظومات العدالة الرسمية وتعزيز العدالة الانتقالية. ولإنجاح ذلك، من الضروري فهم الاقتصاد السياسي لبلد ما في النِّزاع لغايات انتهاج الإصلاح القانوني بطريقة متماسكة. ومثال ذلك أنَّ التدريب القضائي قد يتيح للقضاة القدرة على إطلاق الأحكام القضائية الأفضل لكنه ليس من المرجح أن يكون له أثر كبير ما لم يكن القضاء مستقلاً وما دام الفساد مستشرياً ومهيمناً على النظام القانوني أو ما دام نظام الشرطة مدمراً أو متحيزاً. فالتغلب على تلك المشكلات يتخذ أهمية خاصة في تمكين العودة المستدامة.

في بوتلند في الصومال، نتج عن النظام القانوني الرسمي الناشئ شعور البنى التقليدية العرفية وعلى الأخص منها مجموعات "الراشدون الأكبر سناً" بخطر الحد من سلطاتهم ونفوذهم.  وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في حوادث اغتيال المسؤولين القضائيين في عامي 2009 و2010 كما نشأ عن ذلك حوار حول كيفية جعل عملية وضع قوانين سيادة القانون أكثر حساسية للنزاع.  (لكن على النقيض من ذلك، ازداد لجوء النساء في منطقة أرض الصومال الخاضعة للحكم الذاتي إلى البنى الرسمية الناشئة المدعومة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  لأنها توفر منبراً لإيصال صوت النساء حيث إنَّ الآليات التقليدية والعرفية ما زالت تقصّي النساء.)

هناك عدد من قصص النجاح الملحوظة في دعم فرص النساء للمشاركة بصورة أكبر في المشهد السياسي الناشئ لبلدان ما بعد النِّزاع. وتتضمن تلك القصص توسيع مدى وصول الإناث إلى العدالة في بعض البلدان، وعلى الأخص منهنَّ الناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر. فارتفاع موجب العنف القائم على النوع الاجتماعي يكاد يكون نمطاً سائداً في الحرب الأهلية وعادة ما نجده بين المُهجَّرين قسراً. ورغم جسامة أثر النِّزاع على المرأة، يلاحظ أنَّ النساء لا يُشركن في معظم الأحيان في عمليات صناعة القرارات والتخطيط. فيندر للمرأة أن تجد فرصة في إسماع صوتها في مرحلة ما بعد الحرب ضمن الأطر الاقتصادية الكلية التي تقرر كيفية نمو الاقتصاد وأي القطاعات التي يجب إيلاءها الأولوية للاستثمار فيها وأنواع الوظائف والفرص التي يجب توفيرها ولمن يجب توفيرها.

أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية فتشهد مخاضاً عسيراً بشأن نزع التسلح وتفكيك الفصائل المسلحة لعدة أسباب ليس أقلها أنها تشكل ناحية مسيسة تسييساً كبيراً تتضمن المجتمع الأكبر والجهات المسلحة الخاضعة للتفكيك أيضاً. ورغم ابتكار عدد من المناهج بهذا الشأن، كان هناك توجه نحو التركيز على المخرجات أي على أعداد الجهات المسلحة المفككة وحِزَم إعادة الدمج المقدمة بدلاً من التركيز على التحسين بعيد الأمد في سبل كسب العيش. والمشكلة أنه فور استكمال الجوانب الفنية المعقدة للغاية (بين الوكالات)، تغلق الوكالات الشريكة مشروعاتها وتبدأ أموال المانحين بالتناقض ثم تحال أعمال المتابعة إلى ثلة من الوكالات (بما فيها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) مع خفض الموازنات المخصصة. وفي بعض البلدان، تتأثر المكاسب الإيجابية المتحققة باستئناف النِّزاعات المحلية ما يقود إلى تهجير ثانوي للسكان. وهذا ما حدث في عملية وضع البرامج في جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال فترة اتفاق السلان الشامل في السودان من أوائل عام 2005 إلى انفصال جنوب السودان عام 2011. فالآثار المتراكمة يمكن أن تقود إلى العودة إلى التسلح واستئناف التَّهجير بعد إعادة توجيه المجتمع الدولي لانتباهه إلى أمكان أخرى في العالم.

تحليل الأزمات وتغيرها

يتطلب كل من توقع نشوب الأزمات والمساعدة على منعها إجراء تحليلات مفصلة وعملية للأزمات على مستوى الدولة الواحدة. ويجب على مثل هذه التحليلات أن تشكل نقطة الانطلاق لنظرية التغيير. فما أن تقيَّم المشكلة وتُعرف بواعث العنف، ستشير نظرية التغيير إلى الكيفية التي يمكن من خلالها للتدخل في ذلك السياق أن يحقق التغيير في النِّزاع. لكن ذلك يجب أن يكون مسبوقاً بفهم عميق للسياق. فمشهد العمليات العام في معظم البلدان المتأثرة بالنِّزاع يتسم بأشكال جديدة ومائعة للنزاع الداخلي الذي عادة ما يكون نتيجة "لبواعث" متعددة ويزداد سوءاً بالتَّهجير الناتج عنه.

ومن السمات الرئيسية للنزاع أنه يحدث وفقاً لخصوصية بلد معين وذلك يعني عدم إمكانية تصميم استجابة موحدة للنزاعات عبر الحدود. ودائماً ما تكون فعالية دعم البرامج مرهونة بالأحداث التي تشهدها الساحة السياسية والأمنية التي يقع كثير منها خارج نطاق تأثير سلطات الوكالات.  وفي الحالات التي لا يكون فيها الوصول إلى المصالحة السياسية أمراً وارداً مع استمرار العنف (كما في جنوب الصومال مثلاُ) كان أثر بعض التدخلات محدوداً كما شهد التقدم المحرز إلى نكسات متعددة نظراً لاستئناف العنف والإخفاق في حل أوضاع التَّهجير.

ومن الخلاصات الواضحة أنَّه في الدول الهشة لا يوجد بديل عن الحضور الميداني المستمر والقوي. ومع ذلك، ورغم الجهود المبذولة لاحتواء مشكلات توظيف الكوادر الميدانية في البيئات المعادية، هناك توجه مقلق بين بعض المانحين في زيادة التمويل الذي يصاحبه تخفيض في عدد الكوادر الدائمة العاملة على أرض الواقع. وفي هذا السياق، عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى حد ما ضد هذا التوجه، لكنَّ بناء الثقة وإثبات الالتزام بعيد الأمد لا يجب أن يكون رهين "تخفيض النفقات" في البلدان التي يكون تعريف الهشاشة بالضبط من خلال العلاقات الانتقالية.

 

جون بينيت Jon.Bennett@dsl.pipex.com قائد فريق سابق ومؤلف أصيل لتقريرين نُشرا مؤخراً وهما:

  • "تقييم دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للبلدان المتأثرة بالنِّزاع في سياق عمليات الأمم المتحدة للسلام" (Evaluation of UNDP Support to Conflict-Affected Countries in the Context of United Nations Peace Operations) (مكتب التقييم لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سبتمبر/أيلول 2012)

http://web.undp.org/evaluation/thematic/conflict-2013.shtml

  • "مساعدة السلام: تقييم متعدد المانحين للمساعدات المقدمة لنشاطات منع النِّزاع وبناء السلام في جنوب السودان 2005-2010) (Aiding the Peace: a multi-donor evaluation of support to conflict prevention and peacebuilding activities in southern Sudan 2005-2010) (إيتاد، ديسمبر/كانون الأول 2010)
  • www.oecd.org/countries/southsudan/46895095.pdf
 

[i]  تقييم نشاطات بناء السلامة في بيئات النِّزاع والهشاشة: تحسين التعلم لغايات النتائج، إرشادات دائرة التعاون الإنمائي، م نمنشورات منظمة التعاون والتنمية  الاقتصادية، 2012. (Evaluating Peacebuilding Activities in Settings of Conflict and Fragility: Improving Learning for Results)

http://dx.doi.org/10.1787/9789264106802-en

[ii]  بينين، ج. وآخرون "تقييم دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للبلدان المتأثرة بالنِّزاع في سياق عمليات الأمم المتحدة للسلام"

(Evaluation of UNDP Support to Conflict-Affected Countries in the Context of United Nations Peace Operations’) ، مكتب تقييم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سبتمبر/أيلول 2012.

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.