النُّزوح المتكرر في شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية

في نظر الغالبية العظمى للمتأثرين بالنَّزاع، غالباً ما يُنظر إلى النزوح على أنه الخيار الوحيد المتاح لسعيهم نحو السلامة. وفي حين أنَّ توفير بعض  المساعدات الأساسية في الأماكن التي ينزح إليها الناس يُسهِّل من النزوح ولو لدرجة بسيطة، لكنَّ غياب الحماية التي يفترض أن تقودها الدولة يجعل من موجات النزوح المتعددة سمة من السمات المحددة للنزاع في إقليم كيفو. ولذلك مضمونات لكل من الاستجابة الإنسانية والإنمائية.

لم يكن النزوح جراء العنف الذي ألم البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 النزوح الأول بالنسبة لمعظم الكونغوليين النَّازحين الذين وصلت أعدادهم إلى عشرات الآلاف، ويكاد يكون من المؤكد أنَّ ذلك النزوح لن يكون الأخير. فمعظم هؤلاء النَّازحين كانوا بالأصل يعيشون في مخيمات النَّازحين أو بضيافة الأسر أو الأصدقاء أو الغرباء، وكثير من الأشخاص الذين أصبحوا يمثلون مجتمعاً مضيفاً للنازحين هم نازحون أصلاً فرُّوا من بيوتهم في مرحلة ما.

وفي شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعيش معظم النَّازحين المقدرة أعدادهم بـ 2.6 مليون نازح منذ عدة سنوات في حالة من النزوح المطول والمتكرر. [i] وفي حين أنَّ بعضهم نزح في منطقة ماسيسي في شمال كيفو مبكراً منذ عام 1993، بدأت موجات النزوح الجماعية نتيجة للتطهير العرقي في رواندا عام 1994 وحرب الكونغو الأولى عام 1996. واليوم، بعد مرور 20 عاماً تقريباً على بدء النزوح من كيفو هرباً من النَّزاع، تشير الأرقام إلى ارتفاع أعداد النَّازحين عبر شرق البلاد. ومع عدم قدرة الدولة على إيجاد حلول سياسية أو فرضها لمعالجة أسباب الانفلات الأمني، تستمر معاناة المواطنين من العنف ويستمر تعرضهم للانتهاكات على يد العناصر المسلحة. وفي غضون ذلك، لا بد من توفير المساعدات بطريقة تضع في الاعتبار تأثير النزوح المتكرر خلال النَّزاع المطول على قدرة الناس على مقاومة الظروف وحماية أنفسهم، ولا بد من تحديد نقاط الاستضعاف والحاجات الخاصة الناشئة عن هذا الوضع.

مسايرة الأوضاع في وجه استمرار الانفلات الأمني

يشير المجلس النرويجي للاجئين في إحدى تقييماته حول مكان واحد إلى أنَّ 65% من عناصر الدراسة تعرضوا للنزوح مرتين أو أكثر في الشهور السبعة الماضية وأنَّ 37% على الأقل منهم نزح ثلاث مرات أو أكثر. كما تظهر البيانات الأخرى أنَّ الأُسر النَّازحة نفسها قد تصبح في مرحلة ما أسراً مضيفة لأسر نازحة أخرى، وهذا ما أشارت إليه دراسة مشتركة لمنظمتي اليونيسف وكير في عام 2008 فقد تبين أنَّ هناك من الناس من نزح إلى مستوطنات مهجورة ثم أصبحوا لاحقاً مضيفين لأفواج النَّازحين اللاحقة.

وقد عبَّر بعض قادة المجتمعات المحلية عن قلقهم إزاء ظهور النَّازحين بل حمَّلوهم مسؤولية تدهور الأمن الغذائي وتزعزع الاستقرار وجلب الأسلحة إلى داخل المجتمعات المحلية. وفي حين أنَّ النَّازحين في جمهورية الكونغو الديمقراطية كانوا في العادة يختارون البحث عن الاستضافة في المجتمعات المحلية بدلاً من المخيمات، شهدت السنوات الأخيرة تحولاً نحو مستوطنات المخيمات لعدة أسباب منها عدم وجود الملاذات الأمنة التي يمكن الهرب إليها نظراً لانتشار حالة الانفلات الأمني وتحول السيطرة الواقعية على المناطق من فاعل عسكري إلى آخر. ومع ذلك، حتى المخيمات قد تكون غير مأمونة بل قد تصبح أماكن تدفع الناس إلى الهرب منها ومثال ذلك ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2012 عندما أصبح أحد المخيمات في ضواحي مدينة غوما خاوياً تماماً بعد أن فرَّ منه سكانه الخمسون ألف خلال بضع ساعات ترقباً لتعرض مخيمهم للهجوم.

فانعدام الحد الأدنى للأمن في ملاذات اللجوء غالباً ما يدفع الناس إلى التحرك مجدداً، ويتضح ذلك في البيانات التي يدلي بها السكان المتأثرون أنفسهم ممن يدركون أنَّ الهرب -ولو كان الاستراتيجية الوحيدة المتبقية لمنحهم الحماية - لن يضمن سلامتهم. وبغياب الأمن الجسدي أو سيادة القانون الذين يفترض بالدولة تقديمهما للناس، تزداد الضغوط على التماسك الاجتماعي بارتفاع مستوى تزعزع الاستقرار الذي أدى بدوره إلى لجوء المجتمعات المحلية إلى استخدام ميليشيات الدفاع المحلية التي درجت العادة على تأسيسها على أساس القرى أو بمعنى آخر على أسس عرقية.

تقديم الحماية والمساعدة حيث تخفق الدولة

المناطق التي تأثرت في جمهورية الكونغو الديمقراطية بالنزوح المتكرر هي تلك التي عانت من غياب مزمن لمؤسسات الدولة والخدمات من جهة واستمرار العنف على أيدي مختلف الفاعلين من جهة أخرى وقد استمر التلازم بين هذين العنصرين لعدة سنوات. ونتيجة لذلك، أصبح توفير أي نوع من الحماية في جمهورية الكونغو الديمقراطية يركز إلى درجة كبيرة جداً على الحماية الجسدية من خلال عمليات حفظ الأمن لبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية دون التفكير إلاّ في حدود ضيقة بالبدائل أو بالعمل المدني المكمِّل. وهذا ما يعكس الحقيقة التي تفيد أنَّ الدولة لم تعد قادرة على توفير هذه الحماية وهذا بدوره يلقي بضرورة الاستجابة لحاجات النَّازحين الداخليين أيضاً على عاتق الفاعلين الخارجيين.  وليس من المرجح أن يتغير هذا الوضع، على الاقل لبعض الوقت. وفي مثل هذه الظروف يقدم الفاعلون الإنسانيون المساعدات بطريقة تفشل في معالجة أسباب استضعاف الناس.

يقدم قانون حقوق الإنسان الدولي إطار عمل حول الحلول الناجعة منذ البداية ويركز على أهمية المشاركة مع عوامل التغيير بعيدة الأمد لقدرة الناس على مقاومة الظروف أثناء الاستجابة "للذُّرى" الإنسانية في حالة الانفلات الأمني المطول كما الحال في شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية. والمسألة تتعلق بالدرجة التي يمكن للدولة الكونغولية فيها أن تفي بالتزاماتها بهذا الخصوص. فجمهورية الكونغو الديمقراطية صادقت على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981) الذي يوفر إطار عمل شامل لحقوق الإنسان ينطبق على أوضاع النزوح الداخلي.[ii]

وفي حين أنَّ جمهورية الكونغو الديمقراطية ليست طرفاً موقعاً على الاتفاقية المصادق عليها مؤخراً للاتحاد الأفريقي حول حماية ومساعدة النَّازحين داخلياً في أفريقيا (المعروفة باسم اتفاقية كامبالا) [iii] فهي طرف موقع على اتفاقية البحريات الكبرى لعام 2006 وبروتوكولها المتعلق بحماية ومساعدة النَّازحين داخلياً الذي يفرض على الدول الأعضاء أن تُدخِل المبادئ الإرشادية في تشريعاتها المحلية. والقصد من ذلك إنشاء إطار عام لبنى الدولة والفاعلين الخارجيين على حد سواء وذلك لعدة أمور منها إبداء قدر أكبر من الاحترام للمبادئ القانونية واجبة التطبيق على عاتق الدولة وهذا ما يعني في هذه الحالة الترويج المُمنهًج لسيادة القانون في الأقاليم الشرقية. كما أنَّ ذلك يوفر أساساً لسياسة وطنية محتملة حول النَّازحين تهدف إلى جمع جميع الفاعلين المعنيين الذين يضمون الحكومة والجهات الإنسانية والمعنيين بالإنماء.

تقدم اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات إطاراً للحلول المستدامة بشأن النَّازحين الداخليين[iv] وهذا الإطار يوفر بعض المشورة الفنية ويوضح كيفية تنفيذ تلك المشورة. وعلى المستوى السياسي، تركز "الصفقة الجديدة للدول الهشة والدول المتأثرة بالنَّزاعات" [v] على الطرق الجديدة الداعمة للمراحل الانتقالية التي تصممها وتقودها الدولة ذاتها بناء على رؤية واحدة وخطة واحدة وحوار شامل تشاركي يردم الفجوة الإنسانية/الإنمائية. ومع ذلك، ما زالت هناك ثغرة في الإرشاد العملي ولا يوجد أي اتفاق بعد بين الفاعلين المعنيين حول الكيفية التي يمكن بها تحقيق ازدواجية المساعدات بسلامة في سياقات هشاشة الدولة المزمنة والانفلات الأمني. أما البنى القائمة للتنسيق والتمويل ووضع أولويات التدخلات فلا تسمح بدعم مثل هذا المنهج.

وكل ما ذُكر إلى جانب حقيقة عدم قدرة الدولة الكونغولية على أداء دورها يجعل الفاعلين الإنسانيين في مواجهة سلسلة من التساؤلات حول تغير ملامح استضعاف الناس مع كل موجة من موجات النزوح  وحول الآليات التي يتبعها الناس في مسايرة النزوح المتكرر وكيف يمكن للمساعدات أن تساهم في بناء قدرة الأفراد والمجتمعات على مقاومة الظروف أو صيانة تلك القدرة إن كانت موجودة إزاء ظاهرة النزوح المتكرر. وعلينا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا أن نحمي الحقوق وتوفير المساعدات وفقاً للحاجات خلال مختلف مراحل النزوح وبطريقة تعزز من قدرات النَّازحين على مسايرة أثر النزوح في غياب قدرة الدولة؟ وبالمثل، على الفاعلين الإنمائيين أن يكيِّفوا تدخلاتهم في سياق الهشاشة الكبيرة بحيث يكون ارتباطها أفضل بتدخلات إنقاذ حياة الناس على المدى البعيد.

 

فران بيتريسون fran.beytrison@nrc.ch محلل لشؤون أفريقيا الوسطى لدى مركز رصد النزوح في المجلس النرويجي للاجئين www.internal-displacement.org وأوليفيا كاليس paa@drc.nrc.no مستشارة الحماية والمناصرة للمجلس النرويجي للاجئين في جمهورية الكونغو الديمقراطية www.nrc.no



[i]  يُقصد بالنُّزوح المتكرر نوعاً من النُّزوح المطوَّل أو بعيد الأمد الذي يعاني فيه الناس من الاضطرار إلى التنقل قسراً بصورة متكررة من مواقع متلاحقة للجوء.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.