الدول الهشة والحماية بموجب اتفاقية اللاجئين في أفريقيا لعام 1969م.

تعكس الممارسات الحالية في الدول الإفريقية كلاً من قدرة اتفاقية اللاجئين في أفريقيا لعام 1969 على حماية المُهجَّرين من الدول الهشة وكذلك القيود المفروضة على تنفيذها.

يُوضح مؤشر الدول المخفقة الأخير إلى وجود 16 دولة في إفريقيا من بين 20 دولة من أكثر الدول هشاشة في العالم.[i] وتتصدر دائمًا الصومال والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي قائمة تلك الدول. وليس غريباً أن تكون تلك الدول مصدراً رئيسياً لتدفق اللاجئين في القارة الإفريقية. فعلى سبيل المثال، أسفرت الحرب الأهلية التي طال أمدها في الصومال عن تهجير أكثر من مليون شخص عبر الحدود الدولية إلى دولة كينيا المتاخمة لها وإلى أبعد من ذلك. أما في جنوب إفريقيا فتمثل طلبات اللجوء من زيمبابوي وحدها أكثر من نصف عدد الطلبات التي تزيد على 100000 طلب سنوي.

وغالباً ما يكون الوضع القانوني للأفراد المهجَّرين من الدول الهشة غامضًا. ففي حين أنَّ القادرين على إثبات وجود "خوف مبررٍ ووجيه من التعرض للاضطهاد" نتيجة إحدى الأسباب الخمسة (العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى جماعة اجتماعية معينة أو الآراء السياسية) يُمنحون حق الحماية بمقتضى اتفاقية عام 1951 الدولية التي تحكم المظاهر الخاصة بمشكلات اللاجئين في أفريقيا (اتفاقية عام 1951) لا تسري اتفاقية عام 1951 على الفارين من المظاهر الأخرى الكثيرة لهشاشة الدولة مثل سوء الحكم وغياب الأمن على نطاق واسع والفقر وغياب الخدمات الأساسية، وذلك إمَّا لعدم قدرتهم على تحديد نوع الاضطهاد الفردي الذي يتعرضون له أو لعدم تمكنهم من إثبات تعرضهم لخطر الاضطهاد أو وجود ارتباط بين الخطر الذي يتعرضون إليه وأيٍّ من الأسباب الخمسة التي تنص عليها الاتفاقية.

في إفريقيا، يسد ثغرة الحماية هذه في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 نظيرتها الإقليمية، اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التي تحكم المظاهر الخاصة بمشكلات اللاجئين في أفريقيا لعام 1969م، التي تمتد لتشتمل على حماية اللاجئين الذين أرغموا على هجر منازلهم "بفعل عدوان خارجي أو احتلال أو هيمنة أجنبية أو أحداث تزعزع استقرار النظام العام على نحو خطير".[ii]  وقد حظت اتفاقية عام 1969 ومضمونها الشامل بتأييد كبير نظرًا لاتساع نطاق الحالات التي تغطيها تلك الاتفاقية ولتقديمها الحماية القانونية للفارين من جميع أشكال الضرر المنتشرة والمعممة والعشوائية التي تتسم بها أوضاع الدول الهشة، لكن الدور الفعلي لاتفاقية عام 1969 في حماية اللاجئين الإفريقيين غير معروف لدى كثير من الناس.

حماية الفارين من الدول الهشة

تدل خبرة الدول المضيفة للاجئين، مثل جنوب إفريقيا وكينيا وأوغندا على أنَّ اتفاقية عام 1969 مثَّلت، في ظروف معينة، دوراً مهماً في توسيع نطاق حماية المُهجَّرين من الدول الهشة عبر الحدود الدولية. ففي كينيا، على سبيل المثال، يُمنح الفارون من النزاع والاضطرابات المستمرة في وسط الصومال وجنوبها حق اللجوء فور قدوم اللاجئين بموجب الأحكام الشاملة التي تنص عليها اتفاقية عام 1969. واستمرت تلك الممارسة في عام 2011 عندما أجبر الجفاف والمجاعة آلافاً عدة من الصوماليين على النزوح إلى كينيا؛ فقد كانت كل من مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين وحكومة كينيا مدركتين للعلاقة المتداخلة بين ما يُعرف بالأسباب "الطبيعية" للنزوح، مثل: الجفاف، والوضع العام في الصومال الذي يشتمل على النزاع وغياب الأمن وانعدام وجود الحكومة الرشيدة.

ومثَّلت أيضًا اتفاقية عام 1969 دوراً مهماً أيضاً في حماية الفارِّين من النِّزاع بين الجيش والمتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية وخاصة من المناطق الشرقية لكيفو الشمالية والجنوبية. أما في أوغندا، فقد مُنح النازحون من تلك المناطق حق اللجوء تلقائياً بموجب اتفاقية عام 1969. وفي جنوب إفريقيا، أدرك أيضاً عدد من مانحي حق اللجوء أن الوضع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية يرتقي إلى "أحداث تزعزع استقرار النظام العام على نحو خطير" التي تنص عليها اتفاقية عام 1969. وحتى مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين، التي تتوخى الحذر كثيراً عند تطبيقها نظام حماية اللاجئين الشامل في إفريقيا، رأت أنَّ معايير الحماية الواردة في اتفاقية عام 1969 تسري على المُهجَّرين من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وبذكر التَّهجير من الدول الهشة، مثل: الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد مثَّلت اتفاقية عام 1969 دوراً أساسياً في توفير الحماية القانونية للأشخاص غير المؤهلين للحصول على صفة اللجوء وفقاً لاتفاقية عام 1951. ومع ذلك ففي كلتا الحالتين، كان النزاع المسلح أحد السمات المميزة لهشاشة الدولة. ولم تتسع مظلة الحماية بعد لتشمل الفارين من المظاهر الأخرى المختلفة لهشاشة الدولة، مثل: سوء الحكم، ونقص الغذاء، وغياب الخدمات الأساسية.

أما في جنوب إفريقيا، فقد رُفضت تقريبًا وبلا استثناء طلبات اللجوء المقدمة من النازحين من زيمبابوي. فقد رأت الحكومة، وصانعو القرار، بل كثير من المدافعين عن اللاجئين أن معظم الزيمبابويين النازحين لجنوب إفريقيا، ذوي الرغبة المعلنة عادة في الحصول على فرص عمل وتعليم أفضل، هم "مهاجرون لأسباب اقتصادية". ووفقًا لمجلس استئناف اللاجئين بجنوب إفريقيا، رغم حرمان الأشخاص المتواصل والشامل من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية في زيمبابوي فالاستقرار النسبي للقانون والنظام في البلاد يجعلها تقع خارج مظلة اتفاقية عام 1969.

يمثل أيضًا الفارون من دولة جنوب السودان الجديدة تحديًا لقدرة اتفاقية عام 1969على حماية الفارين من المظاهر الأخرى لهشاشة الدولة غير النابعة من النزاع. ففي حين لا تزال أجزاء كبيرة من جنوب السودان منكوبة بالعنف وغياب الأمن، يرى كثير من الناس أن غالبية السودانيين الجنوبيين ممن عبروا حدود شمال غرب كينيا ذاهبين لمخيم كاكوما للاجئين يسعون في المقام الأول للحصول في كينيا على التعليم والصحة والغذاء التي تكاد تكون معدومة في بلادهم. وحتى يومنا هذا، لم تسرِ بعد اتفاقية عام 1969 على الفارين من جنوب السودان مطلقًا، وأعرب كثير من مسؤولي مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين عن شكهم في أحقية التعامل مع هؤلاء الأشخاص بوصفهم لاجئين.

وفي حين أنَّ الأمثلة السابقة لا تمثل تقييما شاملاً لتطبيق اتفاقية عام 1969 أو لدورها في حماية الفارين من الدول الهشة في كل أنحاء إفريقيا، فهي توحي بكل من قدرة الاتفاقية على الاستجابة لحالات النزوح من الدول الهشة وكذلك القيود المفروضة على تنفيذها. فعلى وجه الخصوص، تشير هذه الأمثلة إلى تقبل الدول أكثر لتطبيق اتفاقية عام 1969م على النازحين بسبب وجود النزاع المسلح وانهيار القانون والنظام. أما في حالات الفارين من المظاهر الأخرى العديدة لهشاشة الدولة، مثل: سوء الحكم، ونقص الغذاء، وغياب الخدمات الأساسية، فيفتقر تطبيق الاتفاقية إلى الوضوح.

"أحداث تزعزع استقرار النظام العام على نحو خطير"

من أسباب الغموض في استجابة الدول للمظاهر المختلفة لهشاشة الدولة عدم وضوح حدود نطاق اتفاقية عام 1969نفسها. فبعكس اتفاقية عام 1951، التي كانت محل دراسة واسعة من قبل الباحثين والممارسين والمؤسسات الدولية، كانت التحليلات التي أجريت على اتفاقية عام 1969 قليلة ولم يكن هناك توجيهات تشرح نطاق تطبيق أحكامها. ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنزوح من الدول الهشة اتساع نطاق اتفاقية عام 1969 لتشتمل أيضاً على حماية الفارين من "أحداث تزعزع استقرار النظام العام على نحو خطر".

فكما وسعّت كثيرًا اتفاقية عام 1969 من نطاق مصطلح "لاجئ"، تعد هذه العبارة أيضًا أكثر العبارات إثارة للجدل. ومن المُسلّم به عموماً أن الاتفاقية تغطي الأحداث البشرية التي تقوض القانون والنظام، مثل: النزاع أو العنف العام. ولكنها تفتقر إلى توضيح ما إذا كانت تشتمل أيضاً على ما يُسمى بالأسباب الطبيعية للنزوح، مثل: الجفاف أو الفيضانات أو الزلازل أو الفارون بسبب حرمانهم من حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك حقهم في الحصول على الغذاء والتعليم والصحة والرعاية.

وبصرف النظر عن رأي كل منا في إجابة هذه التساؤلات، لا تعكس دائماً الفروقات المفهومية الدقيقة بين الأسباب "البشرية" و"الطبيعية" للنزوح الحقائق كما الحال في الأوضاع في الصومال وجنوب السودان. فعلى سبيل المثال، في حين أجبر الجفاف الذي حل بالقرن الإفريقي في عام 2011 مئات الآلاف من الصوماليين على عبور الحدود الدولية بحثًا عن السلامة والغذاء والمساعدات الأخرى، بقيت الغالبية العظمى من أمثالهم الكينيين المتضررين من الجفاف في وطنهم يتلقون مستويات أعلى نسبيًا من المساعدات والأمن. وبالمثل، التمييز بين "المهاجرين لأسباب اقتصادية" من ناحية واللاجئين أو "المُهجَّرين قسراً" من ناحية أخرى مبهمًا في أحسن الأحوال. فكثيرًا ما تكون أسباب الأشخاص للسفر معقدة ومتنوعة الجوانب خاصة في حالة النزوح من الدول الهشة.

في ضوء الخلفية القانونية والعملية للتَّهجير من الدول الإفريقية الهشة، قد يعد مفهوم هشاشة الدولة نفسه نقطة مرجعية مفيدة للتمييز بين المستحقين للحماية الدولية بموجب اتفاقية عام 1969 وغير المستحقين لها. تُعرّف الدول الهشة بأنها الدول التي تعجز حكوماتها عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية - بما في ذلك الالتزام بتوفير الحماية - تجاه مواطنيها. وعدم قدرة المواطن المستمرة على الحصول على هذه الالتزامات هي ما يدفعه/يدفعها لطلب الحماية من المجتمع الدولي. وهذه ليست فكرة جديدة. فقد استخدم مفهوم "الحماية البديلة" لوصف النظام الدولي لحماية اللاجئين وتسويغه منذ نشأته تقريبا.

هذا لا يعني أنَّ كل من يغادر دولة هشة هو بالضرورة لاجئ؛ فبادئ ذي بدء، لمظاهر هشاشة الدولة تأثيرات كثيرة تختلف باختلاف الأفراد والمجتمعات داخل الدولة. بل إنَّ ما يُميِّز الدول الهشة بكونها عاجزة عن توفير الحماية لمواطنيها قد يكون إطاراً مهماً ومفيداً لتحديد مضمون عبارة "أحداث تزعزع استقرار النظام العام على نحو خطير" الهلامية. وبعبارة أخرى، قد يكون عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه مواطنيها العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت مجموعة معينة من الظروف - بشرية كانت أم طبيعية - سبباً وجيهاً لفرض التزامات الحماية الدولية على الدول الأخرى. فإذا ما أخفقت دولة أحد الأفراد في توفير أهم سبل الحماية الأساسية، يحق لهذا الفرد قانونياً طلب الحماية بموجب اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التي تحكم المظاهر الخاصة بمشكلات اللاجئين في أفريقيا لعام 1969.

 

تمارا وود tamara.wood@unsw.edu.au زميلة مرشحة لنيل درجة الدكتوراه (منحة نيثايم) في كلية الحقوق، جامعة نيو ساوث ويلز. www.law.unsw.edu.au

 



[i] ينشر صندوق السلام سنويًا مؤشر الدول المنهارة على الموقع الإلكتروني : http://ffp.statesindex.org

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.