برنامج ناجح لإعادة توطين اللاجئين: حالة نيبال

تمكن أكثر من 100 ألف لاجئ من بوتان من العثور على وطن لهم في بلدان ثالثة، لكنَّ هذا النجاح رافقه أيضاً إخفاق للبرنامج في التعامل مع الأثر الذي أوقعه على بقية المقيمين في المخيمات.

في يومنا هذا، تضم مخيمات اللاجئين في شرقي نيبال كلاً من الجيلين الأول والثاني من اللاجئين، ومع أنَّ نيبال ليست طرفاً في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، استضافت اللاجئين من بوتان لأكثر من عقدين من الزمن. وفي عام 2007، وافقت مجموعة تضم ثماني دول هي: أستراليا، وكندا، والدانمارك، ونيوزيلندا، وهولندا، والنرويج، والمملكة المتحدة، والولايات  المتحدة الأمريكية على التشارك في المسؤولية الدولية إزاء اللاجئين البوتانيين وإعادة توطينهم هناك. ومع ذلك، ما زال هناك عشرة آلاف بوتاني، منهم من لا يتمتع بأهلية إعادة التوطين ومنهم من لا يرغب في إعادة توطينه في بلد ثالث، وتبقى هذه الفئة من الناس ترزح تحت تبعات برامج إعادة التوطين.

يجمع اللاجئين البوتانيين ومجتمعهم المضيف في نيبال قواسم ثقافية ولغوية وعرقية، ومن هنا اختار بعض الناس الزواج خارج مجتمع اللاجئين، وتمخض عن ذلك ظاهرة تُعرَف باسم ’الزواج المختلط‘. ووفقاً لإجراء العمليات المعياري لإعادة التوطين السائد في نيبال، يُمنَح الرجل اللاجئ المتزوج وفق الزواج المختلط أهلية إعادة التوطين في حين تُحرَم إناث اللاجئين المتزوجات وفق الزواج المختلط من ذلك إلا إذا طُلِّقَن من أزواجهن. ويعكس هذا الوضع قانون المواطنة النيبالي لعام 2006 الذي ينص على أنَّ المرأة الأجنبية المتزوجة من رجل نيبالي يمكنها الحصول على جنسية البلاد لكنَّ القانون لا يقدم بوضعه الحالي أي نص حول جنسية الرجل الأجنبي الذي يتزوج امرأة نيبالية.[i]

ومن ناحية أخرى، تحظى الأنثى بفرص أفضل لإعادة التوطين لأنَّ فئات المسموح لهم بتقديم طلب إعادة التوطين تتضمن[ii]’النِّساء والفتيات المستخطرات‘ وتمنح هذه الفئة الأولوية إلى النِّساء والفتيات المتقدمات بطلب إعادة التوطين على الفتيان والرجال المستخطرين وتزداد درجة الأولوية إزاء حالات الناجيات من العنف الجنسي والقائم على الجندر والإناث المُعيلات للأسر وحدهن، أما بالنسبة للناجين الذكور فغالباً ما يكون مصيرهم التجاهل في مجتمع ذكوري كمجتمع نيبال. وينطبق الأمر نفسه على الناجيات من العنف الأسري إذ تتوافر فرصة أفضل لإناث اللاجئين المتقدمات بطلب إعادة التوطين على أنَّهن ناجيات من العنف والتعذيب أكثر من نظرائهن من الرجال والذكور الناجين من العنف الأسري.

الآثار المترتبة على اللاجئين المتبقين

كقاعدة عامة، غالباً ما يكون الأشخاص الأكبر سناً أقل اهتماماً بإعادة التوطين في بلد ثالث، وعادةً ما يُترَكون في مخيمات اللاجئين فاقدين للدعم الأسري والدخل المادي، ومواجهين للصعوبات في الوصول إلى مراكز الخدمات للحصول على الحصص الغذائية والخدمات الصحية. وعندما يُعاد توطين أفراد العائلة الآخرين، يكون مصير هؤلاء الأشخاص الأكبر سناً العزلة التي تقود إلى زيادة حالات الاكتئاب والانتحار وإساءة استخدام العقاقير في المخيمات. وقد أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مشروعات لمنع الانتحار بتقديم خدمات الاستشارة النفسية-الاجتماعية بمساعدة الشرطة المحلية في الرقابة على المواد المؤذية وتوفيرها واستهلاكها خاصة الكحول والعقاقير المضرة المصنعة محلياً.

وتتسبب إعادة التوطين أيضاً بارتفاع دوران الكادر التعليمي في المدارس في المخيمات لأنَّ السياسة تقتضي تعيين جميع المعلمين من مجتمع اللاجئين أنفسهم. وعند إعادة توطين المعلم ومغادرته للمدرسة، غالباً ما يواجه الطلاب فجوات كبيرة تعليمية قبل وصول معلم جديد، وقد يأتي المعلم الجديد بطرق تعليم جديدة ما يتطلب مُضيَّ بعض الوقت إلى أن يتعود المعلم على الطالب والعكس. وتتكرر العملية عندما يعاد توطين المعلم الجديد بدوره. ومن ناحية أخرى يفقد كثير من الطلاب اهتمامهم بالتَّعليم ويتسربون من المدرسة انتظاراً لإعادة توطينهم[iii] ويساور كثير من اليافعين والشباب الشك بأنَّ النظام التعليمي في المخيم لن يساهم في إعدادهم لغايات إعادة التوطين على أي حال. ولمواجهة ارتفاع معدلات التسرُّب من المدارس، تتوافر المدارس في المخيمات على مستشارين لتحفيز الأطفال على الدراسة. وأُسِّسَت أيضاً مراكز لإعادة الطلاب المنسحبين بحيث تكون صديقة للشباب واليافعين لمساعدة المنسحبين على إعادة الانضمام إلى المدرسة وإبعادهم عن المشاركة والانخراط في القمار أو التورط في توفير المخدرات وإساءة استخدامها أو السرقة والشجار. ولا شك أنَّ نشاطات مراكز إعادة المنسحبين تغير بعض اليافعين لكنّها لم تتمكن من إحداث تغيير كبير في الوضع العام في المخيمات.

ومن الناحية المادية، تُمَكِّن إعادة التوطين من نيبال من زيادة دخل بعض الأسر في المخيمات. فالحوالات القادمة من الأقارب المعاد توطينهم تُمَكِّن بعض العائلات في المخيمات من تحقيق مستوى أفضل للعيش ما يُمكِّن الأطفال من الذهاب إلى مدرسة جيدة، والمرضى إلى المراكز الصحية لتلقي رعاية طبية أفضل، والعائلات للوصول إلى التقانة الحديثة مثل الهواتف الذكية والحواسيب. ومع ذلك، أحدث تدفق الأموال ذاته تغيراً في أنماط حياتهم فلم يعودوا يعملون بل أصبحوا يعتمدون على الحوالات القادمة إليهم. وبالمقابل، هناك كثير من العائلات التي لا تحصل على أي دعم من أقاربها المعاد توطينهم. فنجد الأسر التي يعيلها كبار السن أو النِّساء أكثر ضعفاً بعد إعادة توطين أقربائهم إذا لم يتمكن هؤلاء المعاد توطينهم من الحصول على العمل أو لم تكن لديهم المهارات اللازمة لتمكينهم من كسب المال وفي هذا الوضع تصبح هذه العائلات معتمدة تماماً على دعم الهيئات والمنظمات.

وأخيراً، بدأ طالبو اللجوء من أنحاء من الهند أو من نيبال التوافد على مخيمات اللاجئين بأعداد ضخمة لأنهم يعرفون أنَّ إعادة التوطين هناك مفتوحة، وأنَّ أطفالهم سيكونون قادرين على الحصول على التعليم المدرسي المجاني، وأنَّهم سيحصلون على خدمات صحية أساسية مجانية أيضاً، ولا يخلو ذلك من تبعات على خدمات الأمن في المخيمات.

 

بيبين غيميري bipinghimire14@gmail.com   

 زميل الدكتوراه في جامعة جنوب آسيا، نيودلهي، الهند www.sau.int



[i] ما زالت مسألة المرأة النيبالية المتزوجة من أجنبي قيد الدراسة في سياق إعداد الدستور الجديد ولمَّا يُبتُّ بها بعد ولمَّا تُترجَم ممارسة عملية على أرض الواقع.

[ii] المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2011) دليل إعادة التوطين

www.unhcr.org/46f7c0ee2.pdf

(Resettlement Handbook)

[iii] مارشيولك س (2013) إعادة التوطين، والتعليم، والقلق ، تقرير  المقتلعين من جذورهم/ المحولة مساراتهم الصادر عن جامعة ديوك http://kenan.ethics.duke.edu/uprooted-rerouted/reports/nepal-marschilok.html

 (Resettlement, Education and Anxiety)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.