عندما تتحدث النقود: ما وراء عادات الاستهلاك لدى طالبي اللجوء

تُوضِّح السلع والخدمات التي يشتريها طالبو اللجوء الحاصلون على تحويلات مالية غير مشروطة سلوكهم الاستهلاكي الذي يتجاوز حدود تلبية حاجاتهم الأساسية ليصل إلى تحقيق رغبات أكبر بتعزيز انتمائهم المجتمعي.

شهدت ألمانيا ارتفاعاً حاداً في أعداد طلبات اللجوء لدرجة فرضت ضغوطات هائلة على قدرات المنظمات المساعدة جعلتها عاجزة عن توفير المساعدات الفردية الأدق استهدافاً. ولهذا السبب، أقمنا مشروعاً باستخدام الحوالات النقدية لنرى ما إذا كان ذلك سيوضح فهمنا حول عادات اللاجئين في صرف المال وسيساعد منظمات المساعدة في بناء برامج مساعدة أكثر فعالية.

ومن هنا، أقمنا علاقات الشراكة مع مدرستين لتعليم اللغة في ميونخ ووزعنا من خلال هذه الشراكة 60 يورو على كل واحد من المشاركين في المشروع الذين بلغ عددهم 30 مشاركاً من مختلف الخلفيات الديموغرافية وسمحنا لهم صرف المال دون أي قيد أو شرط على مدار عشرة أيام. وتبين أنَّ المشاركين صرفوا في المعدل قرابة 40% من التحويلات النقدية على شراء الملابس والأحذية، وكانت تلك الفئة الأعلى من المشتريات تلتها في الفئة الثانية شراء الطعام بمعدل صرف وصل إلى 22%. أما الفئة الثالثة فكانت لشراء الهدايا بمعدل 9%.

ولكي نقف على فهم أدق للبيانات التي حصلنا عليها، قسَّمنا عينة البحث وفقاً لثلاث من مستويات الدخل الشهري حسب مستوى الرفاه الاجتماعي للمشاركين كما يلي: 275 يورو وما بين 275 يورو و400 يورو وأكثر من 400 يورو. وحددنا مستوى الرفاه الاجتماعي وفق بلد المشارك الأصلي وحجم أسرته المباشرة في البلاد ووضعه الوظيفي. وهكذا، جاء في المرتبة الأولى في الصرف طالبو اللجوء الذين تلقوا أقل من 400 يورو في الشهر في الفئة الأكبر وهي فئة شراء الملابس والأحذية. يقابلهم من يتلقى أكثر من 400 يورو ممن لم يصرفوا أي مبلغ من الحوالة المالية المقدمة لهم على شراء الملابس أو الأحذية. وكان شراء الطعام متساوياً نسبياً عبر جميع مستويات الدخل، كما لوحظ أن جميع الفئات صرفت جزءاً من المال على شراء الهدايا.

وكان جميع المشاركين ممن أقاموا في المخيمات فور وصولهم ألمانيا لكنَّ سبعة منهم عاشوا في المنازل و14 عاشوا في شقق مؤقتة قدمتها الحكومة لهم أما تسعة منهم فما زالوا في المخيمات. إضافة إلى ذلك، مع أنَّ معظم المخيمات تقدم الطعام المطهي لم يؤثر ذلك كثيراً على صرف المال على الطعام بين فئات المشروع.

لماذا يصرفون المال على الملابس والغذاء والهدايا؟

الملابس: قال المشاركون إنَّ الملابس وإن لم تكن حاجة أساسية فهي تمثل وسيلة مهمة للتعبير عن الذات والتمكين. وكان كثير من المشاركون قد تلقوا تبرعات لمرة واحدة فقط لصرفها على الملابس فور وصولهم إلى ألمانيا. ورأى بعض المشاركين أنَّ هذا الدعم كان مهماً لأنَّه مكَّنهم من التخفيف عن أحمال مقتنياتهم في أثناء رحلتهم. لكنَّ طول مدة مكوثهم في ألمانيا أشعرتهم بالحاجة لشراء أنواع مختلفة أخرى من الملابس. وبسبب ضعف الموارد المالية اللازمة لتلبية ضرورات الحياة كالملابس لم تكن لديهم خيارات كثيرة لارتداء الملابس المناسبة لخوض مقابلات العمل أو لمواجهة الظروف الجوية على سبيل المثال. ومن جهة أخرى، شعر المشاركون بالخجل إزاء ارتدائهم للملابس المستعملة كل يوم وقالوا إنَّها منعتهم من الانفصال عن تصنيفهم ’كلاجئين‘ يحتاجون إلى المساعدات الخيرية.

وشعر معظم المشاركين أيضاً بمحدودية قدرتهم على السيطرة على حياتهم في ألمانيا إذ لم يكن لهم اختيار مكان عيشهم عملهم ولا طعامهم أو ملابسهم أو مجال تعليمهم. لكنَّ اختيار الملابس بهدف التعبير عن الذات ظهر في هذا السياق مبالغاً به بعض الشيء.

"أتلقى ملابس مستعملة وينتابني شعور غريب إزاء ذلك. ولذلك أول شيء فعلته كان الذهاب إلى [المتجر الفلاني] وشراء بعض الملابس حسب انتقائي لكي أرتديها وأشعر بالراحة والسعادة بها."

وجاء قرار هذا المشارك بتحديد المتجر الذي سوف يشتري منه الملابس ليسمح له بمواكبة الموضة الدارجة لدى المجموعات الاجتماعية ما أتاح له الفرصة في حرية التنقل الاجتماعي وزاد من حسه بالانتماء.

"لم أكن فقيراً ولم أكن جائعاً. بل لم أهرب إلا بسبب الحرب....نحن لسنا هنا لنبحث عن الطعام. نحن نريد أن نعيش حياتنا"

(هشام، لاجئ من سوريا- 25 عاماً)

وذكر المشاركون أيضاً أنَّ شراءهم للملابس أتاح لهم الفرصة في اختيار انطباع الناس في المجتمع حولهم وحول وضعهم وأنَّ المتاجر التي يمكنهم شراء الملابس منها يمكن أن تؤثر على هذا الانطباع. ومثال ذلك أنَّ بعض المشاركين يصرفون المال غير المشروط الذي تلقونه في شراء الملابس من المتاجر الأغلى. "برأيي الشخصي، يجب أن تظهر في أحسن مظهر."

الطعام: ينظر المشاركون لمسألة اختيار الطعام وجليس الطعام على أنها واحدة من أهم السبل المطلوب انتهاجها لتعزيز الانتماء في المجتمع المحلي والحصول على الاستقلالية. أما طالبو اللجوء الذين يعيشون في المخيمات فلم تكن لديهم سيطرة كبيرة على الطعام الذي يتلقونه إذ ليس لهم سوى تناول الطعام الذي تعدُّه مرافق طهي الطعام. ولا يُسمَح لمعظم المقيمين في المخيمات الطهو بأنفسهم بل عبّر بعض المشاركين عن عدم موافقة الطعام المقدم لهم لأذواقهم أو لثقافتهم.

"لم يكن لدينا المال لذلك كنا نضطر إلى تناول الطعام الذي يقدم لنا في المخيمات وهم في الوضع الطبيعي يطهون الطعام للجميع دون مراعاة الفروق الفردية...ولا أحب كثيراً من الطعام المقدم في المخيمات، وفي بعض الأحيان لا نأكل ذلك الطعام.. لدينا شكوك حول اللحم. فما نوعه؟ وهل روعيت طريقتنا في طهوه؟ لو كان لدينا المال في ذلك الوقت، لكنا طبخنا طعامنا بأنفسنا."

وكانت المشكلات المتعلقة بالشكوك حول اللحم الحلال سبباً في إثارة التوتر بين كادر خدمة الطعام والمقيمين في المخيمات. ومن جهة أخرى، يُقدَّم الطعام في كافتيريا المخيم في أوقات محددة وثابتة في اليوم ويعني ذلك عدم إعطاء المقيمين في المخيم الحرية في اختيار من يجالسون في أثناء تناولهم للطعام ولا كيفية ترتيب جدول وجباتهم اليومية. وعندما يستفيض المشاركون في الحديث عن المعاني المرتبطة بالطعام، يتضح أنَّهم يربطون بين ممارسات الطعام مع الصحة العقلية. واستجابة لذلك، بدلاً من تناول الطعام الذي يقدمه المخيم، يلجأ كثير من المشاركين إلى استخدام بعض المال المتاح لهم في شراء طعامهم بأنفسهم.

ونظراً للمكانة الحيوية للطعام في بلورة الهُوِيَّة الثقافية، يرى طالبو اللجوء في الذهاب إلى متجر الخضار سبباً في الاندماج ومصدراً للشعور بالاستقلال. ويصبح الإعداد الذاتي للطعام وما يصاحبه من شعور بالاستقلال من الأمور الممكن تحقيقها لمن يعيش في الشقق السكنية والمنازل ويفسر غياب ذلك الخيار سبب رغبة الناس بالخروج من المخيمات. فالقدرة على اختيار الطعام تُجسِّد بعض مظاهر اللدونة أي التحرر من بعض أنواع الاعتماد على الدولة.

وتناول الطعام فِعلٌ اجتماعي ووسيلة يستخدمها كثير من المشاركين في بناء العلاقات المجتمعية إذ استخدم المشاركون في عينتنا جزءاً لا بأس به من المال في طهو الطعام بمشاركة أشخاص آخرين. وحتى المشاركون الذين يعيشون في المخيمات ويتلقون الطعام المخدوم عمدوا إلى إحضار المؤن اللازمة لإعداد الطعام المجتمعي.

"اشتريت هذه الخضروات لكي أطهوها وآكلها بصحبة أصدقائي. نحن نتشارك...أنت تشتري ثم أطبخ معك الطعام ونأكل جميعاً معاً. وفي شهر رمضان كنا نطهو الطعام معاً."

ويجد المشاركون راحة عندما يطهون الطعام المجتمعي بأنفسهم خاصة أنه يتوافق مع معاييرهم الثقافية. وقد حدد بالفعل عدة مشاركين متاجر متخصصة في المدينة حيث يمكنهم شراء مكونات الطعام التي لا يمكنهم العثور عليها في متاجر الخضروات الألمانية. ويعزز التردد على المتاجر المتخصصة من الإحساس بالانتماء للمدينة أما المشاركة في طهو الطعام المألوف فيتولد عنه شعور بالراحة النفسية والبدنية.

الهدايا: تمثل الهدايا لمن يقدمها وسيلة للتعبير عن القيم الثقافية والشخصية وتمتين العلاقات بين الفرد والغير. وقد صرف بعض المشاركين جزءاً من المال على الهدايا بغض النظر عن مستوى دخلهم. ومثال ذلك هارون الذي قال إنَّه لو كان في باكستان لأهدى ابنة أخته هدية في عيد ميلادها لكن ذلك شبه مستحيل هذه السنة لأنَّ القانون يمنع طالب اللجوء من استخدام المال الذي يحصل عليه من منظومة الرفاه الاجتماعي في إرسال الحوالات أو الهدايا العينية لأسرته في باكستان. وللالتفاف على هذه القيود، استخدم هارون الحوالة المالية لشراء حذاء ثم أعطاه لزميله في السكن الذي اتصل بدوره بأخيه في باكستان وطلب إليه شراء دمية من هناك وإعطاءها لابنة أخت هارون نيابة عنه.

فالهدية سواءً أكانت تمراً يوزع في شهر رمضان أم أداة لصنع القهوة للصديقة تمثل طريقة لتعزيز المجتمعات الداعمة.

التوصيات

استخدم جميع المشاركين الحوالة المالية غير المشروطة في تعزيز السيطرة الفردية على محيطهم المباشر ويمكن الاستفادة من هذه النتيجة عند اقتراح التوصيات الخاصة بإنجاح اندماج طالبي اللجوء.

بناء قنوات تُمكِّن من الاستقلالية في شراء الملابس: فيما يخص جميع طالبي اللجوء من ذوي الدخل الشهري الذي يقل عن 400 يورو، حبذا لو كان هناك ترتيب لعرض ملابس متبرع بها في بيئة شبيهة بالمتاجر وبيعها بأسعار تفضيلية لأنَّ ذلك سوف يتيح لطالبي اللجوء حرية الاختيار. وفي هذه الحالة، يوصى بأن يكون مديرو هذا المتجر من طالبي اللجوء. وفي حال عدم إتاحة ذلك، يمكن التفكير بتقديم قسائم خاصة بشراء الملابس.

ربط طالبي اللجوء بالعائلات المحلية: التقينا بعدد من طالبي اللجوء في ميونخ ممن بنوا علاقات التواصل مع العائلات الألمانية. ومن خلال هذه العلاقات، يجد طالبو اللجوء استقراراً وإرشاداً يُمكِّنهم من قضاء الوقت مع العائلات في موقع ما خارج المخيم، وهذا ما يحسن أيضاً من مهارات استخدام اللغة الألمانية. وبالمقابل، بمقدور العائلات المحلية أن تتولى دور المرشد لهم نحو تعلم الثقافة الجديدة والمشاركة في الحوار. ويمكن إقامة مثل هذه العلاقات من خلال برنامج رسمي ’للعائلات المضيفة‘.

التكيف مع واقع الإقامة بعيدة الأمد في المخيمات: صممت كثير من المخيمات التي يعيش فيها اللاجئون أساساً لتكون مراكز استقبال قصيرة الأمد لكنَّ الواقع يشير إلى أنَّ المخيم أصبح مأوى بعيد الأمد وهذا ما يعني ضرورة تعديل البنى التحتية المادية وإجراء الترتيبات اللازمة مثل خدمة الطعام بما ينسجم مع هذا الواقع الجديد إذا ما أريد لطالبي اللجوء المحافظة على صحتهم البدنية والعقلية. فعل سبيل المثال، ينبغي لمقدمي الخدمات الاعتراف بثنائية الأدوار التي  تصاحب طهي الطعام وشراء الطعام وتناوله لأنَّها جميعاً تساهم في الحفاظ على الممارسات الثقافية السابقة وتتيح في الوقت نفسه المجال أمام تعلم طالب اللجوء لكيفية التعامل مع مكان إقامته الجديد وتعزز من انتمائه إليه.

 

جوناثان غوه jonathanpgoh@gmail.com

 

صوفي كورشنر sophie.kurschner@gmail.com

 

تينا إسمايل tina.esmail@maastricht.nl

 

جوناثان فان أرنيمان jonathan.e.vanarneman@gmail.com

 

جميع المؤلفين طلاب جامعيون في كلية ماكاليستر، سانت بول، مينيسوتا www.macalester.edu

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.