قانون مكافحة التهريب في النيجر وما في آثاره من مَفْسدَة

لتجريم الاتّجار بالبشر في النيجر جملةٌ من آثار سيئة تقع على المهاجرين وطالبي اللجوء، وعلى مَن سبق أن هرّبهم، وعلى المجتمعات المُضيّفة. فلا بدّ من الأخذ في غير هذه السبيل.

يمرّ بشماليّ النيجر منذ عهد بعيد من دفقات المهاجرين وطالبي اللجوء أولوانٌ؛ ذلك أنّ موضع النيجر محاذٍ موضعَ ما دُرِجَ على سلوكهِ من طُرُق الهجرة في غربيّ إفريقيا. وكان في هذه الدفقات المُلوّنة مهاجرون يبحثون عن العمل في غير مكانٍ في المنطقة، وجماعةٌ من المهاجرين وطالبي اللجوء الآملين أن يصلوا إلى أوربا، من طريق ليبيا في الأكثر. ونشأ في هذا السياق نِظَامُ تهريبٍ فيه شيء من الرسميّة بالقياس إلى غيره، ثم آل الأمر إلى أنه أسهم في الاقتصاد المحليّ كثيراً.

ولكن مع اشتداد الدفقات في منطقة الساحل والصحراء في أوئل العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، اشتدّ اهتمام الاتحاد الأوربي بمَنْعِ الآتينَ من غربيّ إفريقيا من الوُصُولِ إلى أوربا. فبدأت النيجر تتعاون هي والاتحاد الأوربي في كَبْح الهجرة وفي السياسات الأمنيّة، ولمّا كانت سنة ٢٠١٥، أقرَّت تشريعاً وطنيّاً شاملاً في مكافحة التّهريب.ولمّا زاد الاتحاد الأوربي خوضه في المنطقة في هذه المدة، ووجبت الاستجابة لزيادة عدد الواصلين إليهِ من طالبي اللجوء والمهاجرين، أنشأ صندوقاً، صُنْدوقَ الطوارئ الاستئمانيّ لإفريقيا، لتمويل البرامج في التنمية، وضبط الحدود، والهجرة، ابتغاءَ مَنْعِ دفقات الهجرة غير النظامية من أصلها.

وقد خُصِّصَ للنيجر في السنين الأخيرة من معونة الاتحاد الأوربي الإنمائية مقدارٌ عظيم، منها 1.2 مليار يُوروٍّ بين سنة ٢٠١٤ وسنة ٢٠٢٠ فقط. وقد دعم صندوق الطوارئ الاستئمانيّ لإفريقيا، الذي يندرج تحته مشاريع بقيمة ٢٥٣ مليون يُوروٍّ، ما بُذِل من جهد في مكافحة التهريب، وكان دعمه هذا بتدريب موظفي الحدود النيجريّين، وبتيسير مشاريع أعمال صغيرة لمَن سبق أن اشتغلوا بالتهريب، فتكون لهم سبيل معاش بدلاً من التهريب. فإن نُظِرَ إلى الأمر من زاوية كَبْح الدفقات من شماليّ النيجر يُرَى أن هذه السياسات ناجحة، إذ قُدِّرَ أن الدفقات انخفضت نحواً من خمسة أضعاف عن الحال الذي كان عليه المعدّل قبل بدء الكَبْح.

على أنّ هذا الانخفاض أدّى أيضاً إلى عديدٍ من النتائج السيئة. أولها، أنّ قانون مكافحة التّهريب حدّ التنقُّل الإقليميّ بغير وجه حقٍّ، إذ مَنْعَ كل المواطنين غير النيجَريّين من السفر شماليّ أغاديز. فينبغي أن يُسْمحَ بالهجرة عبرَ النيجر قانونيّاً لكثيرٍ من المهاجرين وطالبي اللجوء الذي كَثُرَ أن يعبروا شماليّ النيجر في طريقهم. ثم إنّ النيجر عضوٌ في الجماعة الاقتصادية لدول غربيّ إفريقيا، ولهذه الجماعة مقاربةٌ مشتركة للهجرة، تَضَعُ في الأولويّة حريّةَ التنقُّل لمواطني الدول الداخلة في الجماعة، وتُعْلِي شأنَ حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين.[i] ويُضْعِفُ منع التنقُّل هذا ما تبذله النيجر من الجهد في جبهتين، فيعوّق قدرة مواطني الجماعة الاقتصادية لدول غربيّ إفريقيا على حرية التنقّل، وتُعَرقِلُ قدرة طالبي اللجوء على الفرار من النزاعات المسلّحة، وغير ذلك من أسباب العنف البلاد المجاورة، مثل مالي ونيجيريا.

ويُضَافُ إلى ذلك، أنّ حملةَ كَبْح التّهريب هذه كان لها وَقْعٌ شديد في كلٍّ من اقتصاد شماليّ النيجر وهي منطقة معزولة في إحدى أفقر البلاد في العالم، والفرص الاقتصادية المُتَاحة للمهاجرين وطالبي اللجوء. فأفضى تطبيق المنع المفاجئ بالنيجَريّين إلى خلوّ أيديهم من البدائل لكسب الدّخْل الذي كانوا يكسبونه من قبل، من مئات الآلاف على التقدير من المهاجرين وطالبي اللجوء العابرين مُدُناً مثل أغاديز، خلال مدة الذروة بين ٢٠١٥ و٢٠١٦. ولا يُقْصَدُ هاهنا من السكّان النيجَريّين ناقلي المهاجرين فحسب، بل يُقصَدُ إلى ذلك أصحاب المطاعم والفنادق والأسواق، التي ارتفق بها المسافرون. وفوق ذلك، أدّى الحد من عبور النيجر لمن يبحث عن فرص عمل في الجزائر وليبيا أو في مكانٍ آخر في القارة الإفريقيّة، أدّى إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية في بيئةٍ تقع عليها التحدّيات أصلاً.

أخيراً، أنشأ هذا المنع كثيراً من الأخطار الأمنية، أحاطت بالسَّواء بالمهرّبين، وبمن يحتمل أن يكونوا عملاءَهم، وبسكّان المنطقة في نطاق أعرض. وصحيح أنّ الدفقات انخفضت، ولكنها لم تنتهي كلّها. إذ اضطر المهرّبون وعملاؤهم إلى اتّخاذ طرق بديلة حولَ أغاديز وغيرها من الأماكن التي تكثر فيها الحراسة، ويغلب أن ينتقلوا من بلد إلى بلد، من البلاد المجاورة، مثل تشاد، حيث الطرق أقل أمناً أو شهرةً. وكانت الحال من قبلُ أنْ يَصْحَبَ سيّاراتِ المهرّبين أفرَادُ أَمْنٍ معتمدين من الدولة، ولكن صارت الحال اليومَ إلى أنّ المهرّبين يفعلون كلّ ما في وسعهم ليتجنّبوا الشرطة والجيش، حتى لو اقتضى الأمر أن يتركوا الركّابَ في الصحراء. ونتيجةً لذلك، ومع عدم المعطيات التامّة، يظهر أنّ عدد الوَفَيَات قد ارتفع كثيراً، ارتفاع الصّاروخ إلى السماء، إذ يُقدّر أنّ عدد المهاجرين الذين يموتون وهم يعبرون الصحراء الكبرى يبلغ ضعف عدد الذين يموتون غرقاً في البحر المتوسط.[ii] ثم إنّ التوتّر بين السكان المحليّين والمهاجرين قد ازداد، وهذه علامة يُثِيرُ القلق ظهورها في منطقةٍ ينكمش اقتصادها أصلاً، ويهددها وجود العصابات المسلّحة من غير الدول.

استجابات السياسات وتحليلها

ومع أن بعض التدابير تُتَّخَذُ اليومَ لحماية مَن هم عرضة لخطر أن يَتَخَلّى عنهم المهرّبون الذين يخافون عقاب قانون مكافحة التهريب، ينبغي لهذه التدابير أن تُمدَّدَ ويُحسَّنَ دَعْمُها. مثال ذلك: أنّه ينبغي للمانحين أن ينظروا في زيادة المعونة الماليّة والإمداديّة (اللوجستيّة) للفاعلين، من مثل المنظمة الدولية للهجرة، التي تقوم اليومَ بمهمات الإنقاذ والتنجية في الصحراء. ويمكن أن يُصَاحِبَ التمويلَ الإضافيّ ضمانُ عَفْوٍ من سلطات إنفاذ القانون للمهرّبين الراغبين في كشف الطرق التي سلكوها أو المواضع التي تُرِكَ فيها المسافرون وتقطّعت بهم السبل. وصحيحٌ أنّ هذه المقاربة ذات الشقّين لا تعالج الدوافع الكامنة لهذه الظاهرة، ولكنّها تأخُذ بعضَ الأخذ في معالجة ارتفاع عدد القتلى في الصحراء.

وقد اتُّخِذَت برامج سُبُل المعاش التي يموّلها الاتحاد الأوربيّ بديلاً من المهرِّبين، من خلال أمورٍ، أكثرها تمويله إنشاءَ الأعمال التجارية الصغيرة. ومع ذلك، نُقِدَت هذه البرامج بِبطء أوقات تطبيقها، وصرامة معايير الأهلية فيها، وقيودها من حيث تحويل الدخل المُولَّدِ بالنّقل والإسكان وتقديم الطعام، إلى المهاجرين وطالبي اللجوء. ولهذه القيود آثارٌ جندرية أيضاً، إذ إنّ النساء (اللواتي في الغالب مشاركات في صناعة التهريب مشاركةً غير مباشرة) أقلّ قدرةً من الرجال على الحصول على مال التمويل ليكون لهنّ سُبُل معاش بديلة. فينبغي للمموّلين الدوليّين، مثل الاتحاد الأوربي، أن يضعوا في الأولويّة توسيعَ برامج سُبُل المعاش، وضمان أن يصل التعاون الإنمائيّ الأوسع وغيره من المعونة الماليّة إلى المستفيدين وأن يفيدهم مباشرةً. وإذ قد كان من المهمّ الإقرار بأنّ هذ التغيير الاقتصادي المنهجي ليس قصير الأمد، أمكنَ أن تكون الخطوات الواضحة لتحسين الحال الحاضرة هي تقليل انتشار مواطن الضعف والتوتّرات في شماليّ النيجر. ثم إنّ هذا التقليل من الضغوط الاقتصادية يمكن أن يُخَفِّفَ الأعمالَ العدائية على طالبي اللجوء والمهاجرين الذين ما زالوا يحاولون العبور عبر أغاديز.

وبعدُ، فقد جَلَبَ قانون مكافحة الإرهاب في النيجر، وتعبيره في الواقع عن حراسة الحدود الأوربيّة، أضراراً جسيمةً في شماليّ النيجر. ومع أنّ القانون قد سَنّتهُ السلطات النَّيجَريَّة، يبقى مفهومه وتنفيذه متأثّرٌ تأثُّراً واضحاً بمصالح الاتحاد الأوربيّ وتمويله. وفي آخر الأمر، لن يزيل هذا الضرب من السياسات الموجّهة إلى الضّبْط الدوافعَ الكامنة وراء هذه الدفقات المختلفة، ولا يستمرّ إلا في توليد النّزاع، والشقاء الاقتصاديّ، وسُنَنَ عملٍ خطيرةٍ في التّهريب. فإذن ينبغي إلغاء قانون مكافحة التّهريب، ويبغي للنيجر والاتحاد الأوربيّ أن يَنْظُرَا في سياسات بديلة، تكون أحسنَ توافقاً هي والسياق الإقليميّ، والحاجات والمصالح التي عند السكان المحليّين، والمهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين.

 

كُولِين مُوزِر colleen.moser@graduateinstitute.ch

مُرَشّحةٌ لنَيْل درجة الماستر في الدراسات الإنمائيّة، في المعهد العالي للدراسات الدوليّة والإنمائية https://graduateinstitute.ch/

 

[i] Tubiana J, Warin C and Saeneen GM (2018) ‘Multilateral Damage The impact of EU migration policies on central Saharan routes’, Clingendael Reports

(ضررٌ متعدد الأطراف: وَقْعُ سياسات الهجرة عند الاتحاد الأوربي في الطرق الصحراوية الوسطى)

https://www.clingendael.org/pub/2018/multilateral-damage

 

[ii] Miles T and Nebehay S (2017) ‘Migrant deaths in the Sahara likely twice Mediterranean toll: U.N.’ Reuters

(الأمم المتحدة: من المحتمل أن يكون عدد وفيات المهاجرين في الصحراء ضعف عددهم في البحر المتوسط)

https://www.reuters.com/article/us-europe-migrants-sahara/migrant-deaths-in-the-sahara-likely-twice-mediterranean-toll-u-n-idUSKBN1CH21Y

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.