’قوافل‘ المهاجرين في المكسيك والحرب على التّهريب

تُظهِرُ مُعَاملَةُ قَوَافلِ المهاجرين وطالبي اللجوء المسافرين عبر المكسيك ما أَوْقَعتهُ مكافحة تهريب الناس من عواقب سيئة على الآخذين في هذا السفر وعلى المدافعين عنهم.

وَصَلتْ إلى المكسيك عِدّةٌ من قوافلالمهاجرين وطالبي اللجوء، منذ أواخر سنة ٢٠١٨. تتجمَّعُ جماعات الناس هذه، وتُسَافرُ معاً، وأكثر الناس فيها من هندوراس، والسلفادور، وغواتيمالا، قَصْدُها الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد كان للقوافل الواصلة إلى المكسيك، على اختلاف هذه القوافل، مصائر مختلفة. فأمّا الذي وصل من القوافل في أواخر سنة ٢٠١٨، فقد استقبلتها السلطة المكسيكيّة ابتداءً بالتردُّد في السماح لها بحُريّة عبور البلد، غير أنها سمحت لها بذلك في آخر المطاف. وأما الذي وصل منها في أوائل سنة ٢٠١٩، فقد أُعْطُوْا وثائق مُوَقّتة يُسْمحُ لها بموجبها البقاء في البلد أو الانتقال المُطلَق فيها، لمدة عامٍ واحد. على أنّ ما تلا ذلك من القوافل فقد قُمِعَت قمعاً لا يثني عنه شيء، ومن هذه القوافل ما اجتمع ابتداءً في مدينة تاپاتشولا جنوبيّ المكسيك في أكتوبر/تشرين الأول سنةَ ٢٠١٩، وما ترك هندوراس في شعر يناير/كانون الثاني من سنة ٢٠٢٠.

وتُثيِرُ الطريقة التي تسلكها الحكومة المكسيكيّة في تصريف أمر هذه القوافل أسئلةً كبرى عن أسباب تألُّف هذه القوافل وأسباب استجابة الدولة لها على هذه الطريقة. وصحيح أنّ هذا الضرب الجديد من ضروب التنقُّل هو في أكثره بديل من عبور الحدود والأقاليم والأراضي من طريق المُهرّبين (الذي نيعرفون في المكسيك باسم ذئاب القيُّوط)، ولكن جزمت الحكومة المكسيكية بأنّ بين مُنظّمي القوافل مُهرّبي ناسٍ، تجعل أعمالهم المسافرين في القافلة على خطرٍ شديد. ويحتمل عقاب تهريب الناس في المكسيك السجنَ لمدةٍ تقع بين ثماني سنين وست عشرة سنة، ويضاف إليها من التّغريم الشيء الكثير. وسعت الحكومة، بربط مَقْدَم القوافل بالحرب التي تشنُّها على مهرّبي الناس، إلى إثبات شرعيّة ضبط القوافل وحَصْرها، وهي في الوقت نفسه تُجرّم هذا الضرب من التنقُّل، وتُجرّم المشاركين فيه، وتُجرّم مناصريهم الذين يدعمون القوافل ويرافقونها.

تجريم القوافل والمدافعين عنها

وفي خلال النصف الأول من عام ٢٠١٩، صرّح ممثلون حكوميُّون بارزون بعدد من البلاغات، أشاروا فيها إلى أنّ بعضَ تنظيم القوافل، في الأقل، أجراه مُهرّبوا الناس. ومن ذلك بلاغٌ صحفي، صدر عن وزارة الماليّة والاستئمان العام، يُعلِنُ أنّه جمّد عدداً من الحسابات المصرفيّة لعدة من الناس، لأن الحوالات التي جرت بها تدلُّ على خَوْض أصحابها في أعمال تهريب الناس، وقال بحجّة لا تقوم على ساقَين إنّ هؤلاء الناس أنفسهم خرقوا القانون بالحثّ على هذه القوافل. فكان من هذا التصريح أن أُبْرِزَ شأن الرّبط بين قوافل المهاجرين وطالبي اللجوء والأعمال الخارقة للقانون.

وأيضاً، فقد جُرّم المدافعون عن الحقوق الإنسانيّة للمهاجرين. ورأى عددٌ من ممثلي الحكومة المكسيكيّة أن المناصرين الداعمين للقوافل خائضون في تهريب الناس، وخصُّوا بالذّكْرِ منظمة شعوب بلا حدود (Pueblos Sin Fronteras). ثم إنّ مُدافِعَين مشهورَين عن حقوق المهاجرين في المكسيك اعتُقِلَا بتهمة تهريب الناس، في خلال المفاوضة التي جرت بين المكسيك والولايات المتحدة في تنقُّل المهاجرين، وذلك لمناصرتهما والتأثير الذي كان لهما وهما يُدافِعَان عن حقوق الإنسان.

القوافل بديلةٌ من القيُّوطيّة

ولكن خلافاً للرأي السيئ الذي تراه الحكومة في القيُّوطيّة (أي أعمال تهريب الناس بين المكسيك والولايات المتّحدة، يأخذ بها ذئاب القيُّوط، وذئاب القيُّوط كنايةٌ عن المُهرّبين)، يستعمل المهاجرون من المناطق ذات الأجور المنخفضة خدمات القيُّوطيّة خطّةً للنجاة. وقد أثبتت معطياتٌ من استطلاع رأي حول الهجرة في منطقة الحدود المكسيكيّة الجنوبيّة، أنّ استعمال القيُّوطية لم يزل خطّةً شائعة جدّاً بين الهندوراسيّين والسِلفادوريّين والغواتيماليّين، الذين يسافرون عبرَ المكسيك ليصلوا إلى الولايات المتحدة.[i] ومع ذلك، تُظهِرُ المعطيات أنّ من له من المال الكافي من الهندوراسيّين لاستعمال خدمات القيُّوطية عددٌ قليل بالقياس إلى الغواتيماليّين والسلفادوريّين. فيعبر الهندوراسيُّون البلد على حِدَتِهم، في جماعات صغيرة أو قوافل صغيرة، ويستعملون مزيجاً من الخطط المختلفة، تجعلهم يستطيعون السفرَ، على الرغم من قلّة المال عندهم أو عدمه. ولقد يكون من ذلك السّفَرُ مشياً أو ركباً على قُطُر الشّحن، معتمدين على شبكةٍ تعاضديّة من المآوي، مُقَامةٍ على طُرُق الهجرة، أو معتمدين على الأخذ في أعمالٍ مُوَقّتة في طريقهم. ثم إنّ القوافل بديلةٌ ممّا عندَ ذئاب القيُّوط من خدمات، فهي آمَنُ لسفر المهاجرين، إذ يجدون فيها لِعِظَم عدد المسافرينالحماية والمعلومات والعَوْن، بقطع النظر عن حالهم الماليّة.[ii]

هذا ويمكن أن يُرَى تجريم المهاجرين وطالبي اللجوء والمدافعين عنهم، في كثير من بلادٍ أخرى، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، والمغرب، ودونك فيما يلي ما اسْتُلَّ من الدروس، لتستفيد منها كلّ الدول: فأولا: لا تستعمل خطاب مكافحة تهريب النّاس لتُثْبِتَ شرعيّة سياسات كَبْح الهجرة. ثانياً: لا تُجرّم تنقُّل المهاجرين واللاجئين (وهي في حالتنا هذه على هيئة قوافل)، بتصوُّرِ ارتباطهم بتهريب النّاس. وأخيراً: لا تُجرّم المدافعين عن حقوق الإنسان (لا بخطابهم ولا بسُنَنِ عملهم)، وإنما هيِّئ لهم أن يقوموا بعملهم الإنسانيّ، من غير أن تُنْهِكَهُم سُلطةٌ أو عصابةٌ إجراميّة.

 

إدوَردُو تُورِّه كَنْتَلَبِيِدْرَا etorre@colef.mx

باحثٌ، في برنامج كَاتِدْرَس كُونَاثِيت، بكليّة فرُنتِهرا نُرْتِه (Cátedras Conacyt–El Colegio de la Frontera Norte)

http://investigadores.colef.mx/cvu.aspx?idinv=375438

 

[i] EMIF (2020) ‘Encuestas sobre Migración en la Frontera Sur de México, 2019

(استطلاعات رأي حول الهجرة في الحدود الجنوبيّة للمكسيك)

www.colef.mx/emif

[ii] Torre Cantalapiedra E and Mariscal Nava D M (2020) ‘Batallando con fronteras: estrategias migratorias en tránsito de participantes en caravanas de migrantes’,

(مُعَاركَةُ الحدود: خطط عبور المهاجرين المنضمّين إلى قوافل الهجرة)

 Estudios Fronterizos, Vol 21, 1–23 https://doi.org/10.21670/ref.2005047

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.