التصدِّي لمُتحدِّيات التَّشارك في معطيات الدَّنَا

تمثِّل العوائق الإدارية والأخلاقية التي تحول دون التشارك في معطيات الدَّنا لتعرُّف هوية المهاجرين المعثور عليهم في طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك– مثالاً على الحاجة إلى حلول طويلة الأمد وإلى أعمال مستدامة.

الدَّنَا (DNA) موروثٌ لا يتبدَّل أبداً، ومقياسٌ قوي في تعرُّف هوية الإنسان من رفاته. وقد تقدَّمت وجوه التَّحسين التقني في استعماله على مر العقود، ولكنَّ العوائق الأخلاقية والإدارية والبيروقراطية تقيُّد استعماله، ولا سيَّما في التعرُّف العابر للأوطان. وهذا بيِّنٌ في الولايات الحدودية من الولايات المتحدة، حيث تُدفَن الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها ويُظَنُّ أنها لمهاجرين من غير أَخذِ عيِّنات الدَّنَا منها أو تُترك لتظلَ بلا اسم عدّةَ سنين.

منذ سنة 2008، عُثِرَ على أكثر من 800 جثمان لا يُعرَف صاحبه في مقاطعة بروكس، على بعد أكثر من 70 ميلاً في شماليّ الحدود بين تِكْسَس والمكسيك.[1] ويجري على هذه الوفيات التي لا يُعلَم سببها تحقيقٌ يشتمل في معظم الأمكنة على تشريح الجثة مع أخذ عينات من الدنا، ولكن في جنوبيّ تِكسَس لم تُتَّبع القوانين وسُنَن العمل في ذلك قبلَ سنة 2013، وهذا يعني أنه لم تؤخَذ عينات من الدنا قبل هذه السنة. ولذا تُنبَشُ القبور اليومَ لجَمْع الدنا والمعطيات الأناسيَّة الأخرى لتحقيق هوية المتوفَّى. وقد تُعرِّفَت إلى الآن 34 جثّة من 163 جثّة من جثث الذي تُوُفُّوا من زمن بعيد، ومزيد من القبور ستُنبَش. وبسبب النقص الذي لم يزل منذ زمن بعيد في تتبُّع الحالات في المنطقة، لا نعرف عددَ القبور الغُفْل أو غير المُعلَّمة التي قد تحوي رفات المفقودين.[2]

وكثيراً ما يستغرق التعرُّف سنين، فعادةً تُرسَل الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها إلى سلطة طبية قانونية لتُتَعرَّف هُويّتها، وهناك في معظم الحالات يجري عليها التشريح، وفيه أخذ عينات من الدنا. ثمَّ تُحمَّلُ معطيات الدنا على نظام معطيات الدنا الاتِّحاديّ: النظام المركَّب لفهرس الدنا. وتُقَابل هذه المعطيات ومعطيات فهرس المفقودين وفهرس أقارب المفقودين. وفي التعرُّف المبنيّ الدنا باستعمال النظام المركَّب لفهرس الدنا نظريّةٌ تقول إنّه في وقتٍ ما سيُخبِرُ أفراد الأسرة عن مَفقودِهم ويقدِّمون عينات «مرجعية أسرية» من الدنا. وحينئذٍ يمكن أن تتسلَّم كلّ ولاية قضائية في الولايات المتحدة بلاغاً بمفقودٍ وعيّنةً مرجعيّة أسرية، ثمَّ ترسل تلك العيّنة إلى مختبرِ دنا تابعٍ للنظام المركَّب لفهرس الدنا.

حاجةٌ إلى التَّنسيق والتَّعاون

وأما الأُسَر المهاجرة فيعترضها عوائق متعدِّدة تعوِّق تعرُّف الهوية. فالنظام المركَّب لفهرس الدنا صُمِّمَ أوَّل ما صُمِّم للقضايا الجنائية لا لتعرُّف هويّة المفقودين. وصُمِّمَ لحماية جَوْدة المعطيات، وفيه قيودٌ على الوصول إلى المعطيات تُنشِئ أعباء ثقيلة في الأعمال الورقية عند رَفْعِ تقارير للجثامين التي لا يُعرَف أصحابها وللعيّنات المرجعيّة الأسرية. ثم إنّ مختبرات الجريمة تُبدِّي النظر في الحالات الفردية التي قد تكون حياة الفرد أو حريته مُهدَّدة بالزوال؛ أي أنَّ مُعالجةَ الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها والعيّنات المرجعيّة الأسرية قد تُؤخَّر. وأيضاً تقتضي مختبرات النظام المركَّب لفهرس الدنا رقمَ تقريرِ حالةٍ للمفقود من ولاية من الولايات القضائية الأمريكية، وهذا قد لا يكون ممكناً إذا رُفِعَ التقرير خارجَ الولايات المتحدة.

وأهمُّ من ذلك أنه في حالات المفقودين العابرة للأوطان، من المقتضيات الاتِّحادية لنظام المركَّب لفهرس الدنا أن يَجْمَعَ العينات المرجعية الأسرية موظَّفو إنفاذ القانون. ولكن قد لا يرغب أقارب المفقودين في إعطاء سلطات إنفاذ القانون عيّناتٍ مرجعيّة أسرية، وربما كان السبب في ذلك خوفَهم من أن يُبعَدُوا هم أو أفراد أسرهم. وفوق ذلك، يمكن أن يعرِّض الإدراك العامّ بتقرير المفقود حياةَ الأسرة والمُهاجِر للخَطَر. إذ يكثر أن يَقَعَ الابتزاز على أفراد الأسرة الذين يُخبِّرون بالمفقود.

هذا، وتستمرّ عدّة من الجهود الحكومية وغير الحكومية في تحسين البحث والاسترجاع، وتعرُّف الهوية، والاتصال والإعادة إلى الوطن. مثال ذلك: أن بعض السلطات القضائية ابتدأت في إرسال الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها والعيّنات المرجعيّة الأسرية إلى مختبر دنا خاصٍّ لا يطلب أخذَ عيّنات مرجعيّة أسرية في حضور سلطات إنفاذ القانون، وقد أسهم ذلك في تعرُّف هويّة كثيرٍ من الأفراد. ويمكن أن يقبل المختبر الخاصّ أيضاً الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها والعيّنات المرجعيّة الأسرية من بُلدانٍ أخرى. على أنّ أكثرَ الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها واردة في النظام المركَّب لفهرس الدنا، وبعضها وارد في قاعدة معطيات خاصّة، وأما العيّنات المرجعيّة الأسرية فأكثرها مُودَعٌ قاعدةَ معطيات خاصَّةً لا في النظام المركَّب لفهرس الدنا. فأنشأَ ذلك نظامَين لمعطيات الدنا منفصلٌ بعضهما من بعض، يعتريهما النَّقص في الحالات الإفرادية، ففُوِّتت فرصٌ في تعرُّف الهويّات.

ومع مرور السنين، اجتمعت جماعات مختلفة من أصحاب المصلحة للتصدِّي لهذه المُتحدِّيات وغيرها من مُتحدِّيات تعرُّف الدنا. وفي أصحاب المصلحة جميع طبقات إنفاذ القانون، وقضاة الصلح، والمسؤولون الطبيُّون القانونيُّون، والقنصليات، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات الإنسانية، وُمناصِرو أُسَر المهاجرين، وعلماء الأَناسَة الشرعيِّون، والقيِّمون على قواعد المعطيات، وخبراء الدنا، والمسؤولون الحكوميُّون، وخبراء حقوق الإنسان. وقد نشأت بعض التحسُّن باجتماع هذه الجهود، مثل: تحسين الاتصال بين أصحاب المصلحة، وإنشاء قاعدة معطيات إنسانية جديدة حتَّى يُقَابَلَ بين العيّنات المرجعيّة الأسرية التي لا وجود لها في النظام المركَّب لفهرس الدنا وبين الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها في النظام المركَّب لفهرس الدنا، ومن التحسين أيضاً أنَّ المسؤولون القنصليُّون صار يسمح لهم بجَمْع العيّنات المرجعيّة الأسرية لتُودَعَ النظام المركَّب لفهرس الدنا.[3]

وأما شَأنُ الأكاديميِّين فسلوك طُرُق للمقاربة البحثيّة غير متحيِّزة لفحص فجوات السياسة ووجهات النظر المختلفة التي تقيُّد التَّقدُّم. وقد وضعت فرقتنا إستراتيجيةَ بحثٍ تركز همَّها في استعمال معطيات الدنا في التعرُّف، وفي آذار/مارس 2020 عقدنا ندوةً لأصحاب المصلحة المحترفين وتناقشنا في خيارات السياسة (وفي نيَّتنا أيضاً أن نستجمعَ أُسَر المفقودين العابرين للأوطان). فمكَّننا ذلك من سرد المُتحدِّيات التي حدَّدها أصحاب المصلحة ومن النظر في الأولويات والمقترحات التي تقدِّمها كلّ جماعة من أصحاب المصلحة بين يديها.

أهداف مختلفة وأولويَّات مختلفة

ومع حُسْن نيّة أصحاب المصلحة جميعاً، تؤدِّي الضغوط السياسية والاختلافات الشَّديدة في الأولويات المبنيّة على الأهداف إلى الخلاف وسوء التواصل بشأن في شؤون السياسات. مثال ذلك، أنَّ عند وحدة من وحدات العدالة الجنائية مصلحةٌ في الحفاظ على النزاهة في قضية مفقود يمكن أن تكون جريمة قتل. ومثل ذلك، أنَّ أَمنَ الحدود له مصلحة في معرفة هويّة المهاجرين والمنتسبين إليهم حتَّى يتحقَّق العصابات والمشتغلين بالتَّهريب. ويُبايِنُ ذلك أنَّ المنظَّمات الإنسانية تَنْصُرُ حقَّ الأسرة في المعرفة وإعادة أعزّائها إلى الوطن من غير نظرٍ إلى دخولهم في أعمالٍ غير قانونية. ولكلِّ هدفٍ من هذه الأهداف قيمةٌ جوهرية، غير أنّ الاختلاف فيها يجلب الخلاف والجَّدَل.

هذا، وكثيرٌ من المعلومات المحيطة بالمفقود العابر للأوطان بالغٌ في الحساسيّة. وتُعدُّ المعطيات الجغرافية التي يُعثَر فيها الرفات مفيدةً في العثور على مزيدٍ من الناس وفَحْصِ في طُرُق التَّهريب. ويمكن أن يستغلَّ المهرِّبون أو الخاطفون أسماءَ أفراد أُسَر المفقودين أو يمكن أن تُستعمَل في التحقيق في انتهاكات الهجرة في الولايات المتحدة. وأيضاً يمكن استعمال معطيات الدنا من المفقودين ومن أفراد أسرهم في التحقيق في الأعمال الإجرامية. وبالنظر إلى هذه الحساسيات، ترى أنَّ انتفاءَ الثقة بين جماعات أصحاب المصلحة كثير. ففَهم الأعمال الجارية ومصالح أصحاب المصلحة خطوةٌ أولى في التقدُّم، وفي هذه المرحلة من بحثنا يمكن ملاحظة بعض ميادين رئيسة لتحقيق التَّحسِين.

تحويل السَّرديَّات المحيطة بالجثامين التي لا يُعرَف أصحابها: كثير من وجوه الافتراض تحجب تصوُّر الأحوال المُلابِسة للمفقودين عند الحدود. وأحد وجوه الافتراض أنَّهم مهاجرون جميعاً. نعم، كثيرٌ منهم مهاجرون ولكن ليس كلّهم. ووجه افتراض آخر هو أن المهاجرين جميعاً هاجروا من المكسيك وبلدان في أمريكا الوسطى. ولكن تتزايد اليوم أعداد المهاجرون الذي يأتون من جميع العالم إلى أمريكا الجنوبية ليقصدوا الشَّمال إلى الولايات المتحدة. ووجه افتراض آخر يقول إن المُتحدِّيات التي تعترض التعرُّف بالدنا مقتصرة على المهاجرين المفقودين. لكنَّ الواقع أنّ كثيراً من قيود التشارك في المعطيات وقيود التمويل مضروبةٌ على جميع ضروب التَّحقيق المتعلق بالمفقودين. وقد عدَّلنا لغتنا بأخرةٍ فاستبدلنا بمصطلح «المهاجرين المفقودين» مصطلح «المفقودين العابرين للأوطان» لنُبيِّنَ تماماً أن المُتحدِّيات ليست مقصورة على المهاجرين أو على مناطق معينة من العالم، ولنُبرِزَ المسائل الخاصّة بوجوه التعرُّف العابرة للحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

تحسين التواصل: سوء التفاهم متخلِّلٌ في المنظَّمات، ولا سيِّما حين يدخل في الأمر أصحاب مصلحة كثيرون. ولذا كان الوضوح والصَّراحة ضروريّان في تنفيذ السياسات الجارية، وصَوْغ سياسات جديدة، والتواصل بين المنظمات.

رَفْعُ الحلول الإبداعية: أكثر النتائج الواعدة لبحثنا هي الأفكار التي يمكن أن تُحسِّن الحال الراهنة. مثال ذلك، أنَّ كثيراً من أصحاب المصلحة عبّروا عن دعمهم العامّ لاستعمال أدوات «الدنا السريع» في تحليل معطيات الدنا سريعاً في الجثامين التي لا يُعرَف أصحابها والعيِّنات المرجعيَّة الأسرية. ويمكن أن يَستعمِلَ هذه الأدوات غير ذي خبرة، إذ في طَوْقها معالجة العينات في 90 دقيقة، وهي تُحمَل وحملها يسير بالقياس إلى غيرها. وقد اتُّفِقَ اتِّفاقاً قويّاً على الحاجة إلى آلية لتدريب الأفراد غير العاملين في إنفاذ القانون وإعطائهم الشهادات، حتَّى يصبحوا جامعي عيّنات مرجعيّة أسريّة.

وصحيحٌ أنّ آليات السياسة الدقيقة المحتاج إليها لتحقيق التَّحسين ما تزال غير واضحة، ولكن كلُّ صاحب مصلحة لقيناه يوافق على أنَّ إصلاحَ سُنَن العمل المتّبعة اليوم ضرورة. فنأمل أن يكون في بناءِ إطارٍ سياسيّ مبنيّ على الأولويات والحلول التي يقودها أصحاب المصلحة إعانةٌ على الإتيان بحلول مستدامة.

 

سارة كَتْسانِس sara.katsanis@northwestern.edu  @GxJustice

بوفيسورة بحث مساعدة، في طب الأطفال، بكلية الطب في فِنْبِرغ، من جامعة نورثوستِرْن، ومستشفى آن وروبِرت لوري للأطفال في شيكاغو

 

ديانا مادِن dimadden@luriechildrens.org

مُنسِّقةٌ بحوث السلوك، في مستشفى آن وروبِرت لوري للأطفال في شيكاغو

 

كُورتنِي سِگِرْت csiegert@txstate.edu

مُرشّحةٌ لنَيْلِ درجة الدكتوراه، بكلية علم الإنسان، في جامعة تِكْسَس

 

إدوَردو كانالِس ecsouthtexashumanrights@gmail.com

مُؤسِّسٌ ومدير، في مركز سَوْث تِكْسَس لحقوق الإنسان

 

كَيْت سبَرْدلي mks@txstate.edu  @kate_spradley

بروفيسورةٌ، بكلية علم الإنسان، في جامعة تِكْسَس

 

كلُّ ما ورد من آراءٍ في هذه المقالة هي آراء مؤلِّفيها وليست آراء الجهات التي ينتمون إليها أو يعملون فيها ولا آراء المموِّلين. وقد دَعَمَ هذا العملَ منحةٌ أرقامها R01HG009923 من المعهد الوطني لبحوث المجموع المُورِّثي البشري (الجينوم البشري).

 

[1] صحيحٌ أن مقاطعة بروكس لا تقع على الحدود، ولكنّها تتناول كثيراً من وفيات المهاجرين بسبب وجود بقعة تفتيش تابعة للجمارك ودوريات الحدود الأمريكية.

[2] Spradley M K and Gocha TP (2020) ‘Migrant deaths along the Texas/Mexico border: a collaborative approach to forensic identification of human remains’, Forensic Science and Humanitarian Action: Interacting with the Dead and the Living

(وفيات المهاجرين على طول الحدود بين تِكْسَس والمكسيك: طريقة تعاونيّة تُقَارِبُ تعرُّفَ هويّة الجثامين في الطب الشرعيّ)

 https://doi.org/10.1002/9781119482062.ch34

[3] Budowle B, Bus M M, Josserand M A and Peters D L (2020) ‘A standalone humanitarian DNA identification database system to increase identification of human remains of foreign nationals’, International Journal of Legal Medicine 134(6)

(نظام قاعدة معطيات قائمٌ برأسه لتعرُّف الدنا في المعونة الإنسانية بغيةَ زيادة تعرُّف جثامين المواطنين الأجانب)

https://link.springer.com/article/10.1007/s00414-020-02396-9

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.