معطيات وأدلة في الهجرة القسرية: نظرات في التقدُّم والمُتحدِّيات

تقدَّمت في العقود الأخيرة جماعات العاملين في ميدان المعونة الإنسانية والإنمائية تقدُّماً عظيماً في جَمْع المعطيات واستعمالها في دعم إعداد البرامج. ومع ذلك، ما تزال هناك متحدِّيات وثغرات كبيرة تستدعي طُرُق مقاربة جديدة وإقامة مشاركات جديدة.

عندما اعتُمِدَت أهداف التنمية المستدامة وجدول أعمال 2030 في نيويورك شهرَ أيلول/سبتمبر 2015، بيَّنَ الطموح في «أنْ لا يُترَك أيّ شخصٍ متخلِّفاً عن الرَّكب» و«أنْ يُبلَغَ إلى أبعد المُتخلِّفين عن الرَّكب أولاً» بيَّنَ تماسكاً عالميّاً مُجدَّداً في مزيد عملٍ لتقليل الفقر. وفي حين أن أهداف التنمية المستدامة نفسها لا تحتوي على أحكام مُحدَّدة للمُهجَّرين والمهمَّشين، بدا بوضوحٍ أن إدراجهم فيها سيكون من الأولويّة إن كان هذا الهدف ممكن التَّحقيق. وكان الأمر الأقلّ وضوحاً كيفيَّة إنجاز توليد المعطيات والأدلَّة لإثبات تقدُّم التنمية عند هؤلاء السكَّان. وعلى وجه الخصوص، كيف يمكن تسخير التقدُّم في المعطيات والتِّقانة الرَّقمية للوصول إلى البلدان والأشخاص الذين يظهر أنهم مَحصُورُون في دوَّامة طويلة من النِّزاع والإقصاء والفقر؟

وكان في الأحكام التفصيلية لأهداف التنمية المستدامة جملةٌ مفيدةٌ، وإن كانت بعيدةَ الشَّأْوِ، من الأهداف والمشيرات يقاس بها التقدُّم في جدول أعمال 2030.[1] وقد أُخِذَت فكرة جزءٍ من هذه الأهداف من التطوُّر السَّريع في التِّقانة والقدرات الرقمية التي أتاحت أخذَ المعطيات أخذاً أوسعَ وأكثر نجوعاً في خلال العقدَين الماضيين. وأيضاً أُبرِزَت الحاجة إلى معطيات وأدلة أكثر تدقيقاً في الاتفاقَين العالميَّين: اتفاق اللاجئين واتفاق الهجرة.

ونظراً إلى جهود فرقة الخبراء المعنيَّة بإحصاءات اللاجئين والنازحين الداخليِّين التي أنشِئت بعناية لجنة الإحصاء في الأمم المتحدة سنة 2016، أخذ يَنشأُ مذّاك مشيرٌ إلى إدراج السكان المُهجَّرين.[2] وهو أمر يبشر بخير في إدراج هذه الفئات إدراجاً أكثر انتظاماً في ضمن ما يبذل من جهد جَمْع المعطيات والإحصاءات الوطنية. وهو أيضاً أمرٌ ينشئ اندفاعاً للتَّفكير الذي تشتد الحاجة إليه في عدّة من المسائل التعريفية المتعلقة بالتَّهجير التي ما تزال تقتضي حلّاً.

وعلى الرغم من التقدُّم المنجز في المعايير، عَرَضَ بسرعةٍ عددٌ من المُتحدِّيات المألوفة. فانتِفاءُ الأمن والنِّزاعُ والعُنفُ، كلّ ذلك عوَّق جَمْع المعطيات جمعاً مدقّقاً وآمناً في كثيرٍ من أفقر بلدان العالم. إذ يتركز الفقر تركّزاً متزايداً في هذه الدول نفسها، حيث كانت القدرات الحكومية على توليد الإحصاءات الوطنية ضعيفة. وكانت عاقبة ذلك أنْ لم يكن هناك معطياتٌ تكفي للتَّحليل المحتاج إليه. فمن بين 1.5 مليار شخص من أكثرِ الناس عرضةً لخطر الإقصاء من وَعْدِ جدول أعمال 2030، هناك 79 مليون مُهجَّر ونازح داخليّ على التقدير داخلَ بلادهم أو خارجها.[3]

هذا، ومن طَبْعِ التَّهجير والتنقُّل أن ينتج عنهما قضايا اقتصادية عملية وسياسية يمكن أن تمنع إدماج اللاجئين والمهاجرين وعديمي الجنسية والنازحين الداخليِّين في الإحصاء الوطني للسكَّان وأعمال التسجيل الضرورية. ففي حالة اللاجئين والمهاجرين، لا ترغب عدّة من الحكومات المُضِيفة في تخصيص الموارد لجمع معطيات مفصَّلة عن مواطني بلدٍ آخر. وكثيراً ما يُعوِّق الأمن والوصول والتنقُّل والإرادة السياسية جعلَ جَمْع المعطيات عن النازحين الداخليِّين في الأولوية. وبقطع النظر عن مكاسب الكفاءة المرتبطة بالاستحداث التقني، هناك قضايا تتعلق بالحماية والسَّرية تَجعلُ جَمْع المعلومات من قِبَل الدول عن المستضعفين والمُهمَّشين أكثر تعقيداً وحَسَاسيةً.

وقد جرت العادة في الطوارئ بأنَّ أكثر من يَجمَع المعطيات عن المهجَّرين الهيئات الإنسانية والنظراء الحكوميون. وقد ركزت هذه الجهات همّها أولاً في جمع المعلومات الكميَّة وتقدير الحاجات الأساسية التي لا بدّ من أن تُقضَى. ومع مرور الزمن تحسَّن المبلغ الذي بلغته هذه التقديرات وجَوْدتها وإيصالها تحسُّناً عظيماً. وأصبحت المعطيات المُصنَّفة في وجوه الضَّعف سِمَة قياسية في الاستطلاع الإنساني.

وأيضاً، فقد كان لتطبيق التِّقانة الرَّقمية تأثيرٌ مهم في البنية التحتية للهيئة وفي موظَّفيها وكفاءتها. إذ إنَّ الجَّمْع المعطيات سريعاً وإدماجها الأكثر انتظاماً في إعداد البرامج والميزانيات أفادَ التَّنفيذ واستعمال الموارد. ومن الأمثلة البيّنة على ذلك استعمال تِقانة الهاتف المحمول في التَّسليم الفعَّال للحوالات المالية. فهذه التطورات الحَسَنة إنما تمثّل تقدُّماً عظيماً في سُنَن العمل المتّبعة في ميدان المعونة الإنسانية.

المخاطر والمُتحدِّيات والمخاوف

على أنّه ما تزال هناك مسائل وثغرات كبيرة، وبعضُ السَّبب في ذلك انتشار نُظُم المعطيات والتطبيقات نفسها، وبعضُه أيضاً ارتفاع عدد الأزمات المتمادية. وقد بُولِغَ أحياناً في الأقوال المتعلقة بإمكان التَّحويل، في حين تُغُوضِيَ عن المخاطر المتعلقة بجَمْع المعطيات وخَزْنها ونَقْلها، وذلك للاستعجال في ضَمِّ القدرات الرَّقمية.

هذا وأدَّت جهوزيَّة تِقانة المعلوماتيَّة الجديدة إلى ظهور مُتحدِّيات جديدة ومختلفة اعترضت كلّاً من المُعِينِين والمُعَانِين. فقد يكون بيِّناً لمواطني بلدٍ من البلدان المزايا المُحتمَلة في معطيات القياس الحَيَوي (البيومتريّ) القابلة للتشغيل البَينيِّ مثلاً. لكنَّ مثل هذه الأنظمة يمكن أن تجلب مخاوفَ قانونية وأمنية للاجئين وأن تمثل عقبات عملية في طريق الإدماج إذا أُنشِئت بموازاةِ النماذج الوطنية.

وقد تزامنت مكاسب الكفاءة المحتملة من استعمال التقانة الرقمية مع زيادة تركيز الدول المانحة على القيمة بالقياس إلى المال والمحاسبة. وفي الوقت نفسه، يستدعي الاستعمال الأكثر انتشاراً لتقانة المعطيات مزيدَ استثمار في رأس المال والمُعدِّات والموظَّفين والتدريب الاختصاصيّ. وأيضاً يشير الكمّ الكثير من المعطيات الموجودة إلى درجةٍ أعلى من الجهد المبذول في المعالجة وإعداد التقارير. ويُضَاف إلى ذلك، أنه في انتفاءِ الاتفاق على مبادئ وإجراءات تشغيل معيارية لإخراج المعطيات وجَمْعها ونقلها، تزايدت المخاوف من جودة المعطيات وأمنها.

ومع زيادة عدد الاستطلاعات والتقديرات، زادت الحاجة إلى مزيدٍ من التنسيق في المحتوى والتَّسليم لتجنُّب التكرار بلا فائدة والسَّأَم في المقابلات. فحدثت وجوهٌ من الاختلال كبيرةٌ بين كمِّ المعطيات التي وُلِّدت حديثاً والقدرة على تحليلها بعمق أو تحويلها إلى مادة في السياسة العامّة أو البرامج. وأدَّت زيادة الملكية وإمكان وصول المهجَّرين أنفسهم إلى المعطيات والمعلومات إلى بعضِ اضطرابٍ في العلاقة بالمُعِينينَ ودفع إلى تفكير جديد في شؤون عدم المساواة والمحاسبة.

ومع ذلك، لا يلزم من التقانة نفسها أن تُغيِّر وجوه عدم المساواة أو أن تقلِّل وجوه الضعف من تلقاء نفسها. وبالعكس يمكن أن تعزِّز التقانة وتقوِّي علاقات القوة غير المتكافئة في المستوى المنظَّمي والمحلي والأسري والفردي. وأيضاً فللفَجْوة الرَّقمية بُعدٌ جنسانيّ وعرقيّ وسلاليّ. وتستدعي معالجة وجوه الاختلال هذه التزامَاً سياسيّاً بمزيدٍ من الإدماج، وبسياساتٍ تمكينيَّة، وبترتيبات تنفيذٍ دَاعِمة.

ثم إنّ أخذ المعطيات الأكثر فاعلية وكثافة يزيد المخاطر في الأَمْن والسرِّية. إذ يمثّل التسرّب المحتمل، العَرَضِيّ أو غيره، للمعلومات الشخصيَّة والخاصَّة مخاطرَ معيّنة تحيط بالمستضعفين والمُعِنِين الإنسانيِّين حَيثُ لا أمان في التشغيل. وأيضاً فتقارب المصالح بين شركات المعطيات في القطاع الخاص وبين الدول في ميدان جَمْع المعلومات الأمنية والاستخباريّة يُثِير عدداً من النُّذُر لمنظَّمات المعونة الإنسانية. 

ومع ذلك، فقد ألقى العدد المتزايد من البلدان العالقة في أزماتٍ مُتمادِية الضوءَ على الحاجة المُلحَّة إلى تقليل وجوه الضعف وإلى الاعتماد على برامج الطوارئ قصيرة الأجل وعلى التمويل. وكما هو مُقَرٌّ بهِ واسعاً فهذه الأمور غير مستدامة ويمكن أن تثبط نموَّ القدرات الوطنية. وأيضاً فقد أدَّى ارتفاع الكلفة إلى عَقْدِ وجوهٍ من الالتزام جديدةٍ لدعم مزيدٍ من التعاون والتكامل بين الفاعلين في ميدان المعونة الإنسانية وميدان الإنماء وبناء السلام وحلِّ النزاعات، ومن أهمّ المكوِّنات في ذلك الاهتِمامُ المُشترَك والالتزام بتولِيد معطياتٍ وأدلَّةً موثوقاً بها.

هذا ويُحتاجُ إلى معطيات أكثرَ تفصيلاً في استهلاك الأسر المعيشية وأصولها ومصادر دخلها لرَسْم السياسات وإعداد البرامج المناسبة لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاجتماعية الاقتصادية. وينبغي في مواضع التَّهجير أن يشتمل الاستطلاع على جَمِيع السكَّان المتضرِّرين حتَّى يُعزَّز التَّماسُك الاجتماعيّ ويُضمَنَ تَحقيقُ التَّكافؤ. ويقتضي الأمر بذلَ قَدْرٍ من الجهد والوقت والموارد أكثرَ كثيراً في تصميم هذه الإجراءات وتنفيذها. ومع ذلك، فبدون هذا الاستثمار سيكون أسَاسُ الدعم الأكثر إنصافاً والأطول أمداً مَفقوداً.

وقد ألقى حجم الأزمة السورية الضوءَ على الحاجة إلى تقدير الآثار الاجتماعية والاقتصادية، لا التي أثّرت في المهجَّرين فحسب، ولكن معها التي أثّرت في اقتصادات البلدان المُضِيفة وسكَّانها. وكشفت هذه الأزمة عن ثغرات مهمة في نظام جَمْع المعطيات العالمية وتعريفاتها ومنهجياتها المُستعملَة أصلاً في الأهداف الإنسانية. وسدُّ هذه الثغرات لا يقتصر على زيادة الاستثمار التقنيّ في توليد المعطيات. ففي الكثير من البلدان المتضرِّرة بالأزمات، يدخل في سدّ الثغرات التغلُّب على كثير من العقبات العملية، مثل وَهن البنيَّة التحتية، وضعف التَّوصيليَّة، وتقييد الوصول، والأحوال الأمنية التي يعتاص توقُّعها. وآخر شيءٍ، في الترتيب لا في الأهميّة، أنّ تحويلَ المعطيات إلى أدلّة تُغيِّرُ في السياسة العامّة وفي القدرات المؤسَّسية والتنفيذيَّة لا يُحقَّقُ بالاقتصار على الأعمال التقنيّة المحضة. فلا بدَّ من أن يصاحب ذلك دِبلُمَاسيَّةٌ حَسَنةُ الحيلة ومهارةٌ سياسية تحثُّ على التغيير وتَحفِزُهُ.[4]

وحين أُطلِقَت أهداف التنمية المستدامة كانت إحصاءات التَّهجير في العالم تستند في كثيرٍ من الأحيان إلى إجراءات التسجيل الابتدائيّ في الطوارئ، أو كانت تُؤخَذُ من مصادر ثانوية.[5] ولم يكد يكون هناك جُمَلُ معطيات أو أدوات فردية أخذت ما يخلِّفه التَّهجير من آثار اجتماعية اقتصادية طويلة الأمد في الآمال الإنمائيّة للسكَّان المتضرِّرين. ومذّاك لم يزل يُلحَظ الازدياد في عدد الدراسات والاستطلاعات والتقديرات التي أجريت في طائفة واسعة من البلدان، وكثير منها أُجرِي من طريق النُّظُم الوطنية.[6] إلا أنها ما تزال متواضعة في الاستيعاب، لذلك ما تزال الحاجة إلى توسيع نطاقها تُلِحُّ. ولكن التقدُّم مُشجِّعٌ، إذ يُقِرُّ عددٌ أكثر من البلدان بالفرصَ المتاحة من طريق الحصول على معطيات مُدقَّقة قابلة للمقابلة.

على أنَّ القدرات الوطنية على الإحصاء وجَمْع المعطيات في البلدان المتضرِّرة بالنِّزاع العنيف بها حاجة ماسّة إلى تنمية المؤسسات وتقويتها. ويُعدُّ تَوسيعُ القدرات الرقمية وتَثبيتُ البنية التحتية والتوصيليَّة الملائمتَين أموراً لا غنى عنها في دَعْم أهداف التنمية الوطنية والبشرية التي هي أوسع. ويُلقِي اتفاق اللاجئين العالمي الضوءَ خصوصاً على الحاجة إلى حَشْد موارد أكبر لدعم مثل هذه المطالب في مواضع التَّهجير.

ويُضَاف إلى ذلك، أنه ما تزال هناك عقبات سياسية مُهمَّة تحول دون إدماج المُهجَّرين. فمع المسائل العملية في الوصول والموارد هناك مخاوف حول التركيبة السكّانية العِرقية أو الدينية، وحول احتمال أن تُستعمَلَ المعطيات والأدلة في أغراضٍ سياسية وأمنية. وفي مثل هذه السياقات، يجب في الفوائد الإنمائية التي لا شكَّ فيها الناتجة عن الاستثمار في التِّقانة الرقمية الجديدة أنْ لا يُهمَلَ البتَّة احتمال إساءة استعمال المعطيات، ولا سيَّما المعلومات الشخصية. ويجب أن يأخذ هذا الشاغل في الاعتبار أخذاً أعمق في السياق السياسي والأمني ​وإطار الحوكمة والمنهجيات والبروتوكولات التي يعمل بها مُقدِّموا المعطيات. وأمّا المهجَّرون فيمكن أن تكون خدمات المراسلة مصدر تمكين للمعلومات، ويمكن أن تكون الهواتف المحمولة عواملَ تمكين فعّالةً في الحوالات المالية، وأن تكونَ وسائل مفيدةً في الحصول على المعلومات عن أحوال صلاح المعيشة لتعلم بها هيئات المعونة حين يكون الوصول مُقيَّداً. وأمّا الحكومات التي تسعى إلى التحكُّم بالتنقُّل أو تثبيطه، فيمكنها أيضاً الكشف عن معطيات مهمة في الحركات والمواقع والمقاصد.

وفي أسوأ المشاهد حالاً، يُعزِّزُ استِعمالُ الدُّولِ التِّقانةَ الرقمية المُتقدِّمة القدرات على المراقبة وجَمْع المعلومات الاستخباريَّة، ممّا يمكن تشغيله لاعتقال الجماعات والأفراد وحَجْزهم وإبعادهم. فسلطة الحكومات على الاجتهاد في استعمال المعلومات تستدعي الانتباه إلى شروط مشاركة المعطيات وأحكامها من قِبَل الشركاء في التنمية وشؤون المعونة الإنسانية. 

ثمَّ هناك مسائل أخلاقية مهمَّة في جَمْع وتَبَادلِ المعلومات الشخصية المستخرجة من فئات المستضعفين، ولا سيَّما اللاجئين والمهاجرين (الذين قد لا يكونون محميِّين بموجب القوانين الوطنية في حماية المعطيات وأمنها). وتبتدئ هذه المسائل من قَبُول الأفراد الذين انتُقُوا جَمْعَ هذه المعطيات واستعمالها، وثمَّ الالتزام الرسميّ بحماية المعطيات وخَزْنِها ونقلها بأمان، ثمَّ إخفاء الهوية المنهجيّ في كلِّ المُعرِّفات الشخصية التي يمكن أن تعرِّض سلامة الأفراد للخطر.

وقد أدّى في العقد الماضي انتشار التقانة الرقمية وتطورها سريعاً إلى نشوء مستحدثات كثيرة في كلِّ من التطبيقات والمُعدِّات. على أنّه أدَّى أيضاً إلى التَّجزُّؤ في جَمْع المعطيات واستعمالها في الأحوال التي تقتضي المعونة الإنسانية، ويعزى بَعضُ السبب في ذلك إلى زيادة عدد المُشارِكين. واستجابةً لذلك كَثُرَ كثرةً بيّنة إِنشاءُ بروتوكولات حماية المعطيات واتفاقيات التشارك فيها والتوجيهات الأخلاقية والتقنية الشاملة التي يُقصَدُ بها إلى تنظيم الميدان.

كلّ ذلك يُمثِّل جملةً عريضةً من سُنَن العمل الحَسَنة مع إمكانٍ حقيقيّ لتوسيع المبدأ الإنساني الأساسي: «الامتناع عن الإضرار» حتّى يدخُلَ الفضاءَ الرَّقمي. وهذا إنما يُبيِّن من نفسهِ إدراكاً أوسع بينَ المزاولين بالحاجة إلى تهدئة الحماسة في تقانة المعطيات مع قَدْرٍ أكبرَ من التعقُّل في تطبيقها واستعمالها الخُلُقيّ. ولكن ربما كان المُحتاج إليهِ، بالنظر إلى الطَّبْع الحَرَكيّ (الديناميكي) للقطاع، إِدخالُ بعض المبادئ الأساسية في مدونةٍ من مدوّنات قواعد السلوك أو في جملة من المعايير الدنيا التي ينبغي لكلِّ أصحاب المصلحة التزامها.

مقاربة مشتركة لتقوية القدرة

كان من الاستجابة للاهتمام المتزايد بالأدلة الاجتماعية الاقتصادية وبتعزيز نظام المعطيات العالمي في التَّهجير المتمادي– أنْ وافق البنك الدولي ومفوضيَّة اللاجئين على توحيد جهدهما ومواردهما ليُنشِئا في كوبِنهَاغِن مركز المعطيات المشترك بين البنك الدولي ومفوضيَّة اللاجئين في شؤون الهجرة القسرية. وكان التركيز بخاصةٍ على دعم طُرُق المقاربة الإنسانية والإنمائية التكميلية لتوليد المعطيات الأولية واستعمالها من قِبَل طائفة واسعة من أصحاب المصلحة المشاركين في البلدان المتضرِّرة بالنِّزاع والعنف.

فحُدِّدت أربعة أهداف رئيسة في مركز المعطيات المشترك: 1) الحثُّ على جَمْعٍ أكثرَ منهجيةً في جَمْع المعطيات الاجتماعية الاقتصادية عن المُهجَّرين، 2) جَعْل معطيات الهجرة القسرية مصدراً مفتوحاً مع إخفاء الهوية واتِّخاذ إجراءات وقائيّة تفي بالشروط القانونية في حماية المعطيات، 3) دعم الاستحداث لتحسين جَمْع المعطيات، 4) تقوية الاستدامة في الأنظمة العالمية لجَمْع المعطيات.

على أنّ المرحلةَ الأولى من برنامجِ العمل في مركز المعطيات المشترك الذي مدّته أربع سنين تتزامن اليومَ هي وجائحة داء الحُمَة التاجية (فيروس كورونا). وليس غريباً أنَّ هذا قيَّد الجهود المبذولة لدعم جمع المعطيات في الميدان بالتفاعل وجهاً لوجه –وهو هدف أساسي– ولكنَّه أعان أيضاً على تعزيز الأهمية العظيمة لإدراج المُهجَّرين والمُهمَّشين في برامج الصحة العامّة والحماية الاجتماعية. وقدَّمت دراسة حديثة دعمها مركز المعطيات المشترك بين يديها بعض الأفكار العميقة في تأثير داء الحُمَة التاجية في المُهجَّرين. وورد فيها أيضاً مثال أوَّلي في أنَّ الجَّمع بين جَمْع المعطيات جَمْعاً مستحدثاً والتصميم المضبوط للعيِّنة والتحليل المُدقَّق يمكن أن يأتي برؤى قابلة للتَّنفيذ حتَّى في أماكن التشغيل التي فيها ضَرَر.[7]

هذا، ويطمح مركز المعطيات المشترك بعمله ومشاركاته إلى جَعْل الأحوال الاجتماعية الاقتصادية المتوسّطة الأمد والطويلة الأمد عند المُهجَّرين أكثرَ وضوحاً وسهولةً للوصول إليها، وإلى تقوية القدرات عند أصحاب المصلحة المُهتمِّين لتمكين التقدُّم في تحسين النتائج لهم. وتُقدِّم المقالات الواردة في هذا الموضوع الخاصّ من نشرة الهجرة القسرية أفكاراً عميقةً في بعضٍ من المسالك والمنهجيات الرئيسة التي سيأخذ فيها مركز المعطيات المشترك ويحثُّ عليها في مستقبل الزمان.

 

إيْوِن مَكْلِيُود ewen.macleod@gmail.com 

مدير شؤون الصُّمود والحلول سابقاً في مفوضيَّة اللاجئين، ومستشارٌ خاصّ للمفوِّض السامي

 

[1] SDG 17 https://sdgs.un.org/goals/goal17

[2] https://unstats.un.org/unsd/demographic-social/Standards-and-Methods/files/Principles_and_Recommendations/International-Migration/2018_1746_EN_08-E.pdf

[3] World Bank (2017) Forcibly Displaced : Toward a Development Approach Supporting Refugees, the Internally Displaced, and Their Hosts, Chapter 1

(المُهجَّرون: نحو طريقة إمائيّة في المقاربة تدعم اللاجئين والنازحين الداخليِّين ومُضيفِيهم)

 https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/25016

[4] See Read R, Taithe B and Mac Ginty R (2016) ‘Data hubris? Humanitarian information systems and the mirage of technology’, Third World Quarterly 37(8)

(العجرفة في المعطيات؟ نُظُمُ معلومات المعونة الإنسانيَّة وسراب التِّقانة)

https://doi.org/10.1080/01436597.2015.1136208

[5] انظر تقرير الاتِّجاهات العالمية: التَّهجير في سنة 2015

 www.unhcr.org/statistics/unhcrstats/576408cd7/unhcr-global-trends-2015.html

وانظر التقرير السنويّ لمركز رصد النُّزوح الداخلي سنة 2015

 www.internal-displacement.org/publications/annual-report-2015

[6] انظر على سبيل المثال:

 Verme P and Schuettler K, ‘The Impact of Forced Displacement on Host Communities: A Review of the Empirical Literature in Economics

(وَقْعُ التَّهجير على المجتمعات المُضِيفة: مراجعة الدراسات التجريبية السابقة في علم الاقتصاد)

www.jointdatacenter.org/literature_review/the-impact-of-forced-displacement-on-host-communities-a-review-of-the-empirical-literature-in-economics/

[7] www.jointdatacenter.org

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.