فَلنَعمَل مع المجتمع المحليِّ أو لنعُدْ إلى أوطاننا: المشاركة المحليَّة في موزمبيق

لا يمكن للتدخّل الصحي في أزمة معقدةٍ، كأزمة كابو ديلجادو في موزمبيق، أن ينجح إلا إذا شارك المجتمع المحلي مشاركة فعّالة ونَشِطَ إلى الاستجابة.

لتقديم الخدمات الصحية الأساسية في الأحوال الإنسانية المعقدة في أثناء الجائحة متحدّياتٍ كبيرة. وقد علّمتنا تجربتنا في العمل مع النازحين الداخليِّين في مقاطعة كابو ديلجادو في موزمبيق أن التدخل الصحي لا يمكن أن ينجح إلا بإستراتيجيات مشاركة مجتمعية فعّالة. وبتعبير آخر: إما أن نعمل مع المجتمع المحليّ أو لنعد إلى أوطاننا.

كثيراً ما يكون الانخراط مع المجتمع المحليّ هو الطريقة الوحيدة لضمان قَبُول التدخّل، وهذا يسمح للعاملين في ميدان المعونة الإنسانية باستفادةٍ أَفْعَلَ من الموارد القليلة. وبدون مشاركة مجتمعية يكون نشر إستراتيجيات الاتصال الفعالة للتأثير في التصوُّرات والتأثير في وجوه السُّلوك إلى المستحيل أقرب. ففي الحالات التي يؤدي فيها تدفُّق عدد كثيرٍ من المهجَّرين إلى تكثيف المنافسة في الموارد القليلة وإزعاج التوازن المحلي، ومشاركة المجتمع أمرٌ أساسيّ أيضاً لمعالجة النّزاع بطريقةٍ حساسة للثقافة.

مقاطعة كابو ديلجادو في موزمبيق هي اليومَ موقع لإحدى أكثر أزمات النازحين الداخليِّين إلحاحاً في العالم. فقد أدت الهجمات العنيفة التي شنتها الجماعات المسلحة غير الحكومية في شماليّ شرقيّ البلاد والدمار الناتج عن إعصار كينيث سنة 2019 إلى نزوح نحو 732 ألفَ شخص. يعيش هؤلاء السكان الآن في أحوال محفوفة بالمخاطر مع وصول قليلٍ إلى الخدمات الصحية الأساسية. إذ دُمِّر ما يقرب من 36% من المرافق الصحية في أكثر المناطق تضرُّراً، وأصبح الجزء الشمالي من المقاطعة «منطقةً محظورة» فعّالٌ حَظْرُها بعيدة من متناول الفاعلين في المعونة الإنسانية.[1] وقد أدت الآثار الاقتصادية لجائحة كوڤيد 19 والقيود المضروبة على السفر والتَّجمُّع إلى تعقيد الاستجابة الإنسانية كثيراً.

وتتعاون منظّمة أطباء مع إفريقيا (كُوَام)، وهي منظمة غير حكومية إيطالية، مع المؤسسات المحلية على إنشاء أنظمة للوقاية والتعرُّف والإحالة والمتابعة فيما يتعلق بكوڤيد 19 والكوليرا والإسهال المائي الحاد وفيروس عوز المناعة البشريّ والأمراض المعدية الأخرى (وكذلك في مسائل الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل وسوء التغذية). لقد تعلّمنا أن إتاحة الخبرة الطبية والدعم للنظام الصحي الوطني وحده لا يكفي، وأنّ الوعي الثقافي والمشاركة الفعالة للسكان والمؤسسات المحلية ضرورة إن أُريدَ للنَّجاحِ أن يكون.

المناصرة والرَّصد المجتمعيَّان

جوهر عمل منظّمة كُوَام هو المناصرون المجتمعيُّون ويُعيِّنُ هؤلاء الأشخاص السلطات المحلية، ولكن تشرف عليهم كُوَام وتدفع إليهم أجورهم، وقد يدخل فيهم النازحون الداخليُّون. إذ يفهم المناصرون المجتمعيون السياق المحلي واللغات التي يتحدث بها المهاجرون قسراً. فهم جزء من النظام الصحي المحلي ويتنزلون منزلة حلقة وصل بالسكان المحليين. ويشمل تدريبهم الكشف المبكر والإبلاغ عن حالات تفشي المرض داخل المجتمع إضافةً إلى الحثِّ على وجوه السُّلوك الوقائية كالتَّباعد الاجتماعي وغسل اليدين ووضع الكمامات. وأيضاً فهم يناصرون منع تهميش الأشخاص الذين يعانون من فيروس عوز المناعة البشرية والكوليرا وكوڤيد 19.

هذا وتعمل منظمة كُوَام من قُرْبٍ مع اللجان الصحية في القرية وكبار المجتمع المحلي والمعالجين التقليديين والقابلات والمزاولين الصحيين الرسميين وغير الرسميين. فلجان الصحة القروية لها أهمية خاصة، وهي تتألف من مهنيين طبيين وغير طبيين، وشيوخ القرى، والزعماء الدينيين، وغيرهم من الأفراد المحترمين داخل المجتمع، وتستمدّ هذه اللجان مصداقيتها من السلطة الجماعية لأعضائها. وبالإسهام الفعّال للجان الصحية القروية، أنشأنا نظام مراقبة وبائية لاكتشاف تفشي كوڤيد 19 والأمراض المعدية الأخرى، وذلك باستعمال آليات الكَشْف (مثل الفحوص الخاصة التي تجرى في أثناء الزيارات المنزلية) التي يمكن عدُّها في حالاتٍ أخرى حساسةً أو مُقحَمَة. فمشاركة المناصرين المجتمعيين للجان الصحية المحلية أمرٌ شديد الأهمية لضمان عمل النظام، ولإبقاء المجتمع على اطلاعٍ، وللعثور على الذين يتخلُّون عن علاجهم وإعادتهم.

وأيضاً فقد تعلَّمنا مَبْلَغَ أهمية حَشْد مشاركة شيوخ القرية والقابلات والمعالجين التقليديين (ويسمَّوْنَ هناك فيتيسيروس)، الذين مع أنهم ليسوا مختصِّين رسمياً في ميدان الرعاية الصحية يحظون بالاحترام في مجتمعاتهم المحلية وكثيراً ما تعتمد عليهم السلطات الحكومية. ولهذه الجهات شأنٌ مهمٌّ في توسيع المدارك الصحيّة والحث على امتثال التدابير الوقائية. ففي مقاطعة مونتيبويز، على سبيل المثال، كان للمعالجين التقليديين دور فعّال في إقناع الأُسَر المترددة في الأخذ بغسل اليدين في منازلهم والامتناع عن مراسم الدفن التقليدية. فكان من الأخذ بطقوس بديلة أكثر تواضعاً، إذ أدّى مراسمها عدد قليل من ممثلي المجتمع المحليّ المختارين، أنْ صارت مخاطر العدوى أقل ما يكون. هذا، وللمعالجين التقليدين دورٌ رئيسٌ في تثبيط وَصْمِ المصابين بكوڤيد 19، ومن ثمّ في ضمان تلقيهم العلاج المناسب. 

ثم إنّ التوسط في النزاع بين النازحين الداخليين والمجتمعات المضيفة جزء لا ينفصل من إستراتيجية أكبر لحَصْرِ انتشار الأمراض المعدية، إذ يؤدي الصراع في المجتمع المحلي إلى انتفاء الثقة وتعطيل قنوات الاتصال اللازمة للرَّصد والإحالات والرعاية الطبية. وتحقيقاً لهذه الغاية، وجدنا من المفيد أنْ نعمل مع المحاكم المجتمعية، وأن تزوِّدها بالتدريب الطبي وأن ندعم عملها، وقد كاملنا أيضاً وظائفهم من بأن أدخلنا في عملنا أ) التوسط في النزاعات على المياه والموارد الأخرى ب) والمناصرة نيابةً لضحايا العنف الجنسانيّ ومرافقتهم في أنظمة الصحة والمحاكم.

إِدماجُ مزاولي الرعاية الصحية المهجَّرين

ومن بين الذين هُجِّروا بالنزاع في شماليّ موزمبيق، عيّنا ما يقرب من 600 من العاملين في ميدان الرعاية الصحية التابعين للدولة. وفي حين أن خسارة السكان الذين بقوا ولم يُهجّروا وضاحة، فقد قدم هؤلاء العمال فرصةً لتعزيز الاستجابة الصحية في المناطق التي يصل إليها النازحون الداخليون أوّل مرة. وبمشاركة السلطات الصحية الوطنية، بدأنا التفاوض في شأن إعادة تعيين هؤلاء المهنيين في المرافق الصحية الحكومية الهشة التي تُجُوْوِزت طاقتها الاستيعابية. 

ويساعد العاملون في ميدان الرعاية الصحية المهجَّرون على إنشاء وظائف طبية متقدمة مؤقتة في المواقع التي يُسجَّلُ فيها كثير من النازحين الداخليين وتتعرض فيها السلطات الصحية المحلية لضغوط. وهذه الوظائف متاحة لكلٍّ من المهاجرين والسكان المحليين، وتُعْمَلُ بنظام فرز أساسي بحسب الأهمية لفحص المستطبِّين وإحالتهم عند الضرورة إلى المراكز الصحية الحكومية. ولقد لاحظنا أن إشراك العاملين الصحيين النازحين الداخليِّين قد سَهَّلَ كثيراً التواصل مع جماعات المهجَّرين وحثّ على الثقة. وأتاح إدماج المهنيين النازحين الداخليين في الاستجابة الصحية لهم سبيلاً من سبل المعاش وشعوراً بأن لهم هدفاً وغاية.

إستراتيجية تواصل

كانت مشاركة قادة المجتمع المحلي، وفيهم شيوخ القرى والزعماء الدينيين، أمراً حاسماً في محاولاتنا وَضْعَ إستراتيجيةِ اتِّصالٍ فعّالة لنشر المعلومات الطبية المناسبة للثقافة عند المجتمعات المحلية القاصية بحيث تتوافق والتَّباعد الاجتماعي وقيود السفر التي انفرضت بكوڤيد 19. وبسبب العزلة الجغرافية لكثيرٍ من مواقع إعادة توطين النازحين الداخليين والقيود التي انفرضت بالجائحة، لم يتيسَّر استعمال كثيرٍ ممّا اعتيد استعماله من الأساليب والتقانات المحمولة لتوسيع المدارك الصحية. ومع ذلك، تمكنا من وضع إستراتيجية تواصل مستحدثة بمشاركة المجتمع المحلي.

وكان أحد الأساليب التي أثبتت فاعليّتها حَشْد فرقة من الممثلين المحليين للمساعدة في بث سلسلة من المسلسلات الإذاعية باللغة البرتغالية وست لغات محلية، فنقلت هذه معلومات مهمة حول التخفيف من كوڤيد 19 بسَرْدِ القصص. إذ للمسلسلات الإذاعية شعبية عريضة في موزمبيق، ولا سيَّما في المناطق التي يكون فيها معدّل معرفة القراءة والكتابة منخفضاً. ففي مناطق مونتيبويز وبالاما وشيوري، تصل برامجنا الإذاعية إلى نحو 380 ألفَ إنسان، أي أكثر قليلاً من نصف عدد سكان البلد البالغ 750 ألفَ إنسان.[2] وقدرت منظمة كُوَام أيضاً على التواصل مع السلطات الدينية على الصعيد الوطني والمحلي للمساعدة في نشر إعلانات الصحة العامة الرَّئيسَة بالجماعات الدينية. 

وكان أحد أكبر المتحدِّيات التي اعترضتنا في بداية الجائحة كيفية تفسير المخاطر الوبائية بحيث يفهمها المجتمع المحلي ويأخذها أخذاً جادّاً. وفي خلال الأشهر الأولى للجائحة، كنا محتاجين إلى تبديد كثيرٍ من الخرافات في أسباب كوڤيد 19 وعلاجه، إذ كانت تتكاثر سريعاً داخل المجتمع المحليّ. وفي سبيل فعل ذلك، أشركنا القادة الدينيين المحترمين في تقديم المعلومات الصحيحة بطريقة يمكن فهمها بسهولة ويُسْر. وسمح السواد الأعظم من الجالية المسلمة في كابو ديلجادو باستعمال نظام مكبرات الصوت في مساجدهم لنشر معلومات مدقّقة، وعملت منظمة كُوَام بالسَّواء مع هذه الجماعات الدينية على إدخال المعلومات الصحية في الخدمات الدينية والإتيان باحتفالات دينية بديلة كانت ذات مغزى ولكنها قللت مخاطر المرض المعدي.

وبعد، فمع انتقال أزمة الهجرة إلى ما بعد مرحلة الطوارئ، يحتاج المجتمع المحلي إلى تحقيق النجاح المستمر والالتزام به في برنامج الصحة إن أريد للاستدامة أن تتحقّق. وفي آخر المطاف ما نحن إلا مُيسِّرون. يجب علينا إما العمل مع المجتمع المحليّ أو الاستعداد للعودة إلى أوطاننا.

 

غَبِرْيَيْل كَرْدُونا فُكْس gcardonafox@johnshopkins.it

زميلٌ مشاركٌ، من معهد بولونيا لبحوث السياسات العامة، في جامعة جونز هوبكنز، وباحثٌ رئيسٌ، من برنامج بحوث النزوح الداخليّ، في جامعة لندن

 

جيوفانا دي مِنِيغِي g.demeneghi@cuamm.org

مديرةٌ قُطْرية، في موزنبيق، من منظّمة أطباء مع إفريقيا كُوَام

 

إدْوَرْدو أُكّا e.occa@cuamm.org

رَئيسُ برامج الصحة المجتمعية، في موزمبيق، من منظّمة أطباء مع إفريقيا كُوَام، وباحثٌ، في جامعة ميلان 

 

أندريا أتْزُوري a.atzori@cuamm.org

رئيسٌ في العلاقات الدولية، من منظّمة أطباء مع إفريقيا كُوَام، في إيطاليا

 

[1] Humanitarian Response Plan, Mozambique (Abridged Version), December 2020

 [خطة الاستجابة الإنسانية في موزمبيق (نسخة مختصرة)]

 https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/MOZ_2021_HRP_Abridged_Version_20201218.pdf

[2] المصدر:

 Radio Comunitaria Mpharama de Balama; Radio Comunitaria Girimba de Montepuez; e Radio e Televisao Comunitaria de Chiure; Instituto de Comunicação Social.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.