الحماية البديلة في الأردن ولبنان: دور المعونة القانونية

لمّا لم يكن في الأردن ولبنان إطار مُقنَّن لحقوق اللاجئين، وَجَبَ أن يُبدِعَ الفاعلون القانونيُّون في وضعِ الإستراتيجيات وطرائق المقاربة لضمان حماية حقوق اللاجئين عمليّاً.

للأردن ولبنان مُتحدِّياتٌ مشتركة في حماية اللاجئين، ولكنهما عمليّاً في طَرَفَي النَّقِيض. كلاهما لم يوقِّع على اتِّفاقية اللاجئين لعام 1951. وكلاهما يُضِيفُ من اللاجئين عدداً لا يُوافِقُ أحوالَه. وفي كليهما رَضْحٌ جماعيّ (صدمة جماعية) من تهجيرٍ مُتَمَادٍ للاجئين واسعِ النطاق، وهو تدفُّق اللاجئين الفلسطينيِّين منذ سنة 1948 فما بعدُ واللاجئين السوريِّين منذ سنة 2011. وفي السياقَين ثغرات في حماية للاجئين، إلا أنّ الصَّدْعَ في لبنان أوسع كثيراً. ولكن يمكن أن يكون للفاعلين في المعونة القانونية وللمحاكم وللمؤسَّسات الوطنية والمحلية، لكلِّ هؤلاء، دورٌ بنّاء.

إطارُ عملٍ قانونيٌّ وطنيٌّ للاجئين

ما وقعّ الأردن اتفاقيّة اللاجئين ولا وقّعها لبنان، ومع ذلك وقّع كلاهما مذكرة تفاهم بينهما وبين مفوضيَّة اللاجئين تُحدِّدُ النُّقَط الأساسيّة للاتفاق والتعاون. أمّا مذكرة التفاهم الأردنية، الموقَّعة سنة 1998، فتشير إلى التزام الأردن بمعاملة طالبي اللجوء واللاجئين وَفْقَ المعايير الدوليّة، وتؤكد حقوقَهم في التعلُّم والصحّة والأمور الدينيّة وحرية التنقُّل، وفي يُسْرِ الوصول إلى المحاكم والحقّ في المعونة القانونية. وأمّا مذكرة التفاهم بين المديرية العامة للأمن العامّ اللبناني ومفوضيَّة اللاجئين، الموقّعة سنة 2003، فتُجِيزُ لمفوضيَّة اللاجئين أنْ تبتَّ في طلبات اللُّجوء، وتُؤكِّد شأنَ إصدارِ تصاريح إقامة مؤقّتة لطالبي اللُّجوء واللاجئين. وكلا مذكرتَي التفاهم تتنزّل منزلةَ بيانِ التزامٍ من قِبَل الدولتين بحماية اللاجئين إلى حدود معيّنة، إلا أنّهما غير قابلتَين للتَّنفيذ ووزنهما في ميزان القانون خفيف.

وأهمّ من ذلك، أنْ ليس في البلدَيْن إطارُ عملٍ قانونيٌّ وطنيٌّ يُحدِّد الحقوق المُستحقَّة للاجئين. ومعاملة اللاجئين يشملها تشريعٌ يَحكمُ دخولَ المواطنين الأجانب وإقامتَهم. ففي الأردن، يُطبَّقُ القانون ذو الرقم 24 لسنة 1973 الخاصُّ بالإقامة وشؤون الأجانب على كلِّ الأجانب بالسَّوَاء. ولا يُشَارِ فيه إلى اللاجئين إلا في الإقرار بوثائق السفر وإصدارها. واللاجئون في لبنان مُلْزَمُونَ بقانون سنة 1962 الذي ينظم دخول الأجانب إلى لبنان وإقامتهم فيه وخروجهم منه. ويحوي القانون عدداً قليلاً من أَحكامِ الحقِّ في طلب اللُّجوء وإصدار بطاقات الهويّة، لكنه يكاد لا يُنفَّذ. وبسبب خشية لبنان وقلقه من مسألة التوطين الدائم التي أتت بها القضية الفلسطينية، يُصنِّفُ اللاجئينَ في صنف المهجَّرين ويؤكِّد أنّه ليس بلدَ لُجُوءٍ ولا مقصداً نهائيّاً للاجئين، فضلاً عن أن يكون بلدَ إعادةِ توطين. 

هذا وقد أدّى انتفاءُ إطارِ عملٍ قانونيٍّ داخليٍّ شاملٍ يستوعب اللاجئين بآليّاتِ تنفيذٍ مُخصَّصة إلى كَثْرةٍ من الأوامر التوجيهيّة والسياسات والقواعد التي لا تنفكُّ تتغيَّر ولا تعالج دائماً مُقْلِقَاتِ الحماية التي تعرض للاجئين. فالنظام الذي يُقَامُ بتمامهِ على أوامر توجيهية بدل أن يرسخ في إطارِ عملٍ قانونيّ متين هو نظامٌ ضعيفٌ اعتباطيٌّ يُزِيلُ الحقوقَ الأساسيّةَ بالتدريج. وإذ قد استعمل الفاعلون في المعونة القانونية مرّاتٍ حُجَجَ حقوق الإنسان في المُقاضَاة، فهم كثيراً ما اضطرُّوا إلى إيراد حُجَجِ الإنصاف والاعتبارات الإنسانية والاتِّساق، من حيث هي «آليَّاتُ حمايةٍ بديلة»، ولم يُعوِّلوا على القانون. ثم إنّ قواعدَ مختلفة تنطبق على اللاجئين من سياقات مختلفة، كاللاجئين الفلسطينيِّين من لبنان أو من سورية في لبنان، واللاجئين غير السوريِّين في الأردن، وفيهم العراقيِّين والسودانيِّين واليمنيِّين والفلسطينيِّين من سورية والصوماليِّين، فنشأَ عن ذلك أنظمةٌ موازيةٌ تُوصِل إلى اللاجئين السوريِّين حمايةً أكثر مما توصله إلى غير اللاجئين السوريِّين. 

الحقُّ في الإِقامَة

تُلزِم اتفاقية اللاجئين الدولَ بتنظيم صفة طالبي اللُّجوء داخلَ حدود أرضها، ومنهم الداخلين إليها على وجهٍ غيرِ قانونيّ. ومع ذلك، يقضي الفاعلون في المعونة القانونية في لبنان والأردن وقتاً مُفرِطَ الطولِ يناصرون الحقَّ في الإقامة القانونية. وقد فتح كلا البلدين حدودهما للاجئين السوريِّين كرماً إلى أن شَعَرَا أنّهما فتجاوزا قدرتهما على دعم أعداد اللاجئين المتزايدة وقد وَضَحَ أنّ الأزمة صارت حالةً متماديةً من حالات اللجوء. فأنفَذَ لبنان إغلاقَ أبواب حدوده على اللاجئين السوريِّين سنة 2014، وفعل الأردن مثل ذلك سنة 2015.

ولكن منذ ذلك الوقت تسلَّم عددٌ كثيرٌ من اللاجئين السوريِّين يُقدَّر أنّه 663 ألفَ لاجئ في الأردن تصاريحَ إقامةٍ قانونية، في حين أن 80% من اللاجئين السوريِّين في بنان المُقدَّر عددهم بنحو 865 ألفَ لاجئ ليس لهم تصاريح إقامة قانونية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما تزال المُتحدِّيات تعترض اللاجئين غير السوريِّين في الدُّخول إلى الأردن والإقامة فيه. فبعد أن رسمَ الأردن سياسته لسنة 2013 في عدم قبول اللاجئين الفلسطينيِّين من سورية، بات كثيرٌ منهم يعيش في الأردن على وجهٍ غير نظاميّ ويتعرضّ لخطر التَّرحيل. ويُشْرَطُ على اللاجئين غير السوريِّين أن يرفعوا طلباً لنَيْلِ سمة دخولٍ إلى الأردن (تأشيرة) قبل قدومهم، فيُرفَضُ على الأكثر. ومن يدخل إلى الأردن يجهد لينال إقامةً سنويّة، وتُضرَبُ عليهِ رسومٌ إذا أقامَ مُجاوِزاً مدّةَ تصريح إقامته أو سمة دخوله.

وأمّا في لبنان، فما يزال نَيْلُ الإقامة القانونية والحفاظ عليها أمراً شديدَ الصعوبة على اللاجئين السوريِّين، كحالِ اللاجئين غير السوريِّين في الأردن. وفي كانون الأول/ديسمبر 2014، رسمت المديرية العامة للأمن العامّ اللبناني سياساتِ دخولٍ جديدةً وأنظمةَ إقامةٍ مُقيِّدةً، لتضبط التدفُّق الهائل للاجئين السوريين إلى البلد، فاشترط على السوريِّين حتّى ينالوا تصاريح الإقامة أنْ يُقدِّموا جُمْلةً من الوثائق معقَّدةً مانعةً وأنْ يدفعوا رسماً كلَّ سنةٍ قدره 200 دولارٍ أمريكيّ. ثم في أيار/مايو 2015، طلبت وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان إلى مفوضيَّة اللاجئين أن توقف تسجيل أسماء اللاجئين الواصلين إلى لبنان، فاستمرَّ انخفاض معدَّل الإقامة القانونيّة في اللاجئين السوريين. لا يَنطبقُ على أكثرِ اللاجئينَ التَّعميمُ الإداريّ الصادر سنة 2017 للسَّمَاح لبعض اللاجئين بتجديد تصاريح إقامتهم بالمجَّان. ومن غير إقامةٍ قانونيّة في لبنان، يصعب التنقُّل بحرية والعمل والوصول إلى الخدمات الأساسيّة كالرعاية الصحيّة والتَّعليم في المدارس. ويعترض اللاجئين خَطَرُ الاعتقال وإِصدارُ الإشعارات بالتَّرحيل. وحتى لو كانت مثل هذه الإشعارات لا تُنفَّذ في العادة، فهي تُثِيرُ الخَوْفَ بين اللاجئين وتُعَارِض التزاماتِ لبنانَ الدولية.

وإستراتيجيّات الفاعلين في المعونة القانونيّة ضيِّقةٌ سُبُلُها إلى ضمان الإقامة القانونية. وقد أدَّى ما بُذِلَ من جهدٍ في المناصرة، التي يكثر أن تقودها الأمم المتحدة والمنظّمات غير الحكومية، إلى بعض وجوه الاسترضاء كالعفو المحدود بزمنٍ لتنظيم الصفة القانونيّة، وفي بعض الحالات استطاعَ المحامون أن يطعنوا بنجاحٍ في قرارات حَجْز مَنْ ليسَ لهُ إقامة قانونيّة. ومع ذلك، عند النظر في المقاضاة لا بدَّ من تأمُّل ما يعترض أفراد الأسرة الذين ليس لهم إقامة قانونية في المجتمع من مخاطر الحماية وغيرها من العواقب الضارَّة بالمَحْجُوزين (مثل التَّرحيل). وفي قضية مُهمَّة في لبنان، أمرت المحكمة بالإفراج الفوري عن لاجئ عراقيّ كانَ أُدِينَ بدخوله البلاد على وجهٍ غير قانونيّ وصَدَرَ أمرٌ بترحيله. فألقتِ المحكمة الضوءَ على الحقّ في حريّة الاختيار عند الفرد بموجب الدستور اللبنانيّ، وكذلك حظر الاعتقال التَّعسُّفي والحَجْز والنَّفْي بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.[1] ولكن تبقى مثل هذه الحالات استثناءً، ولم يكن منها بعدُ تغييرٌ في ما يُمارَسُ إداريّاً. ويكثر أن لا يستطيع إلا أن يتفحَّصوا شروط الأهلية، وأن يخبروا اللاجئين بكلِّ تغيُّر قد يفيدهم، وأن ينصروا الإفراج عن اللاجئين المَحْجوزين لانتفاءِ إقامتهم القانونية. 

الحماية القانونيَّة من الإعادة القسريَّة

ولكن في السنين الأخيرة، لم يزلْ يَزيدُ رُجوعُ المحاكم اللبنانية إلى مُلْزَمَات القانون الدولي في حقوق الإنسان، ومنها مبدأ عدم الإعادة القسرية. وإذ قد عاقب غالب المحاكم على دخول اللاجئين السوريِّين غير المُصرَّح به إلى لبنان، فقد وافق قضاةٌ آخرون على عوامل مخفِّفة باعتبار حالات القوة القاهرة والاستحالة القانونية بحكم الواقع لدخول اللاجئين السوريِّين بالوسائل المشروعة عند فرارهم من الاضطهاد. وفي قرارٍ من القرارات، ألغت المحكمة أمرَ ترحيل لاجئ عراقيّ مشيرةً إلى الحقّ في طلب اللُّجوء (الوارد في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان)، وإلى حظر الإعادة القسرية الوارد في اتِّفاقية اللاجئين واتِّفاقية مناهضة التَّعذيب.[2] وفي قضيَّةٍ مهمّة سنة 2018 أقامتها منظَّمتين غير حكوميَّتين معنيَّتين بالمعونة القانونية، وجد مجلس شورى الدولة في لبنان –وهو أعلى محكمة إدارية هناك– أنَّ لوائح سنة 2015 الصادرة عن المديرية العامة للأمن العامّ اللبناني، القائلة بتقييد دخول السوريِّين إلى لبنان وإقامتهم، كانت باطلة لأنَّه لا يُصْدِرُ مثل هذه اللوائح إلا مجلس الوزراء. ورأت المحكمة أن دور المديرية العامة للأمن العامّ اللبناني يقتصر على تطبيق اللوائح، وقالت مؤكِّدةً إنّ حتى عمليات الأجهزة الأمنية تخضع للرَّقابة القضائية.[3] ومع أنَّ هذا القرار مهمّ، واستعمله المحامون في المرافعات، لا تزال اللوائح معمولاً بها، وفي أيار/مايو 2019 أعلنت المديرية العامة للأمن العامّ اللبناني والمجلس الأعلى للدفاع في لبنان أنّه يجب ترحيل جميع السوريين القادمين إلى لبنان على وجهٍ غير قانوني بعد 24 نيسان/أبريل 2019.

وأمّا داخلَ الأردن، فيمكن الطَّعن في قرارات التَّرحيل بين يدي المحكمة الإدارية، على أنّ لصانعي القرار سلطةُ تقديرٍ واسعةٌ من غير التزامٍ بإيراد أسباب التَّرحيل. ويقتصر دور المحكمة على ضمان استيفاء الشروط الإجرائية. لكن في الحالات التي يورد فيها صانعو القرار أسباب التَّرحيل، يجوز للمحاكم مُراجعةُ شرعيَّة الأسباب ومَبْلَغ كفايتها لتضمن أن تكون القرارات مبنيَّةً على أُسُس القانون والواقع وأنها لا تتجاوز سلطةَ صانع القرار. وفي بعض الحالات، نجح المعينون القانونيُّون المحليُّون في إقناع المحاكم بإلغاء أوامر التَّرحيل على أساس انتهاك قانون الإقامة وشؤون الأجانب. وطريقةُ مقاربة مستحدثة أخرى، وهي طريقة تشتمل على الخطوط الهاتفيَّة السَّاخنة التي يعمل عليها محامون يستجيبون فوراً في كلِّ ساعةٍ لما يمكن أن يقع من حالات التَّرحيل. وقد تتضمن إِستراتيجيةٌ مقاضاةٍ مستقبليةٌ الاحتجاجَ بالحق في محاكمةٍ عادِلة أو الإجراءات القانونية الواجبة في حالات التَّرحيل الذي قد يقع، هذا مع تقوية الحجج القانونية في الالتزامات الدولية بشأن عدم الإعادة القسرية.

المحاكم وسُبُل الانتصاف

تقع في صميم حماية الحقوق القدرة على المطالبة بتعويضٍ فعّالٍ وقابلٍ للتطبيق من الحقوق المستحقَّة بموجب القانون الوطني أو الدولي. ولكنّ البلدان التي لم توقع في اتِّفاقية اللاجئين مُلزَمَة باحترام حقوق الإنسان للاجئين على الوجه المنصوص عليه في المعاهدات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان التي صدَّقتها الدول، وكذلك أحكام اتِّفاقية اللاجئين التي أصبحت جزءاً من القانون الدولي العُرْفِي، مثل حظر الإعادة القسرية. فهذا ينشئ «آليَّةَ حمايةٍ بديلة» قويّة يمكن بها أن يعزِّزَ الفاعلون في المعونة القانونية شأنَ حجج القانون المحليّ والدوليّ.

فالقانون الأردنيّ يضع في الأولوية التزامات المعاهدات الدولية وحقوق الإنسان في تأويل القانون المحليّ، وقد أقرَّت المحاكم بهذا المبدأ في قرارات مختلفة مثل واجب التحقيق في مزاعم التعذيب، والحقّ في الجنسية، والحقّ في العمل، وحظر الحَجْز التعسُّفي، وافتراض البراءة. ويمكن أن تعين مثل هذه الأحكام على تعزيز إطارٍ معياريٍّ لحماية الحقوق والتأثير في المُشرِّعين. ومع ذلك، تشير المشاورات التي أجراها المجلس النرويجيّ للاجئين مع المحامين والمعينون القانونيِّين في الأردن في شهر شباط/فبراير 2021 إلى أنه صحيحٌ أنّ المحامين يستعملون أحياناً الحجج المتعلِّقة بحقوق الإنسان في إجراءات المحكمة، ولكن لا يشير القضاة إلا في بعض الأحيان إلى المبادئ الدولية لحقوق الإنسان في قراراتهم، ويفضِّلون عليها الاعتماد على التَّشريع الوطنيّ.[4] وأمّا داخل لبنان، فيُدرَّب القضاة على تطبيق الاتفاقيات الدولية في النظام القانوني اللبناني، ولكنّ تأثير هذا التدريب قليلٌ غيرُ مُتَّسِق، ولا سيَّما في القضايا الحسَّاسَة المتعلِّقة بحقوق اللجوء، وهناك انتفاءٌ عامّ ملحوظٌ للإرشاد إلى كيفية تفعيل قانون حقوق الإنسان في فقه القانون وفي الواقع.  

طريقة مقاربةٍ بالمعونة القانونية

خدمات المعونة القانونية للاجئين كثيرةٌ كلا البلدين لإعانتهم على حماية حقوقهم بحسب الأُطُر القائمة. وتسمح اللوائح التي تحكم التمثيل القانوني في كلا البلدين بتقديم خدمات المعونة القانونية لمن يعاني ضيق ذات اليد، بناءً في العادة على طلب المحكمة أو من طريق نقابات المحامين ذات الصلة بالشأن. ومن الوجهة الواقعية، تأتي أكثر خدمات المعونة القانونية للاجئين من قِبَل المعينين القانونيِّين غير الحكوميِّين، يموِّلهم عموماً المجتمع الدولي. ويظهر أنّ سبلَ الانتصاف الإدارية الفعّالة التي يسهل الوصول إليها وآليَّاتِ وفضّ النزاعات غير الرسمية، كسبيل الوساطة، هي التي يفضّلها المستفيدون تفضيلاً بيّناً.

وفي هذا الحيِّز الضيِّق، يعمل المعينون القانونيُّون عملياً بالاتصال بالموظَّفين الحكوميِّين، ومصاحبة اللاجئين للحصول على الوثائق، والتفاوض بشأن النزاعات، وإيصال خدمات توسيع المدارك القانونيّة. ويمكن أن يُؤَدِّيَ المحامون دورَ وسيطٍ عظيم الشأن للاجئين الذين يخشون الاقتراب من السلطات أو الذهاب إلى المحكمة أو فعل أيّ شيءٍ قد يجذب الانتباه إلى حالهم. وهذا إنما يسمح بتسجيل المواليد، وفضّ النزاعات، وجعل الحَجْز أقلّ ما يكون، والطعن في أعمال التَّرحيل. وقد سبق أن نتج عن هذه الجهود قرارات عَفْوٍ محدودة المدَّة من قِبَل السلطات في كلٍّ من لبنان والأردن، سمحت للاجئين بتنظيم إقامتهم وتسجيل زواجهم والتقدُّم بطلبٍ للتسجيل المتأخر لمواليد الأطفال (مع أن مثل هذا العَفْو يقتضي في بعض الأحيان من اللاجئين أن يتخلُّوا عن حقوق أخرى واستحقاقات).[5] على أنّه لا تزال تزيد مواجهة المعينين القانونيِّين لعوائق قانونية وإدارية، تجبرهم على القتال في جبهتين: أولهما حماية الحقوق القانونية للمستفيدين، والثانية الحفاظ على حريَّتهم لإيصال الخدمات إليهم.

وجوه تدبيرٍ عمليّة إلى الحماية

قد يكون من الوهم السياسيِّ في هذا الطور أنْ يُوقِّع الأردن أو لبنان اتِّفاقيةَ اللاجئين. ومع ذلك، يمكن اتِّخاذ تدابير عملية في كِلا البَلَدَين لتقوية أطر الحماية بموجب القانون الوطني. فقد أنشأ الأردن آليّةً إداريةً وتنظيميةً لحماية كثيرٍ من حقوق اللاجئين، مع أنه لا إطارَ قانونيّاً وطنيّاً، ومع المعاملة التفاضلية التي ينفذها تجاه اللاجئين السوريِّين وغير السوريِّين، وهذا يؤدِّي إلى درجاتٍ من الحماية غيرِ متَّسقةٍ. وأما لبنان فمتخلِّفٌ عن الرَّكْب، فهو يعاني مشهداً سياسيّاً مشوَّشاً، ويخشى فيه استمرار تدفُّقِ اللاجئين وتغيُّرِ التَّركيبة السكانية.

لمّا انتفت الأطر القانونية الوطنية للاجئين، أمكن للمحاكم والمعينين القانونيِّين والمؤسَّسات الوطنية والمحليَّة أن يعينوا على سدِّ فجوة الحماية بتأويل التشريعات الوطنية بأعين حقوق الإنسان. وهذا إنما يُوافِق بالكلية معاهدات حقوق الإنسان التي صدَّقها الأردن ولبنان. وطريقة المقاربة هذه، على أنها لا تحلُّ محلَّ الإطار القانونيّ الرسميّ، من شأنها أن تتيح تأويل القوانين واللوائح القائمة بأكثر الطرائق انصرافاً إلى الحماية ما أمكنَ، وذلك باستعمال قدرٍ أكبرَ من اللِّيْن القضائيّ والإداريّ ومن سلطة التَّقدير. وينبغي لهذا أن يؤدِّي من ثمّ إلى تغييرات تنظيمية في سبيل تقنين ما يُمَارَس. ويمكن أن يكون للفاعلين في المعونة القانونية شأنٌ فعّالٌ فيأتون بالحجج المتعلقة بحقوق الإنسان، ويقدِّمون الاعتبارات الإنسانية المقنعة، ويفاوضون في النتائج، ويُوَسِّعون المدارك في الحقوق والخيارات القانونية. وهكذا، يمكن تُفِيدَ طَرَائقُ مقاربةِ الحمايةِ البَدِيلةُ اللاجئين العائشين في ظل القانون، أعظم ما تكون الإفادة. 

 

مارتن كلَترباك martin.clutterbuck@nrc.no

ناصحٌ إقليميٌّ في الشرق الأوسط، من برنامج المعلومات والمشورة والمعونة القانونية، في المجلس النرويجي للاجئين

 

يارا الحصين yara.hussein@nrc.no

منسِّقةٌ قانونيةٌ من برنامج المعلومات والمشورة والمعونة القانونية، في المجلس النرويجي للاجئين في الأردن

 

مازن منصور mazen.mansour@nrc.no

منسِّقٌ قانونيٌّ من برنامج المعلومات والمشورة والمعونة القانونية، في المجلس النرويجي للاجئين في لبنان

 

مُنِكَا رِسْپُو monica.rispo@nrc.no

متخصصةٌ، من برنامج المعلومات والمشورة والمعونة القانونية، في المجلس النرويجي للاجئين في الأردن

 

[1] المحكمة الابتدائية في لبنان (مدنيَّة)، قسم الأمور المستعجلة، القاضي معلوف، القرار ذو التاريخ 20/6/2014

[2] المحكمة الابتدائية في لبنان (جنائيَّة)، القاضي مكنى، 15/4/2008

[3] Saghieh N (2018) ‘Regulating Entry and Residence Requirements for Syrians: A Legal Victory for Lebanon’, The Legal Agenda

(شروط تنظيم دخول السوريِّين وإقامتهم: نصرٌ قانونيٌّ للبنان)

https://english.legal-agenda.com/regulating-entry-and-residence-conditions-for-syrians-a-legal-victory-in-lebanon/

[4] ورشة معونةٍ قانونية تحت عنوان «الحماية الدولية للاجئين» أقامها المجلس النرويجيّ للاجئين مع محامين خارجيِّين ومعينين قانونيِّين، في مركز العدل للمعونة القانونية والتَّمكين، 21-22 شباط/فبراير 2021

[5] انظر على سبيل المثال خطة الاستجابة لأزمة لبنان 2020، ص/13

 https://reliefweb.int/report/lebanon/lebanon-crisis-response-plan-2017-2020-2020-update#:~:text=The%20LCRP%2C%20a%20joint%20plan,the%20protection%20of%20displaced%20Syrians%2C http://bit.ly/Lebanon-CrisisRespPlan-2020،

وانظر أيضاً:

NRC Jordan (2016) Securing Status: Syrian refugees and the documentation of legal status, identity, and family relationships in Jordan, p25

(تحصيل الصفة: اللاجئون السوريُّون وتوثيق الصفة القانونية والهوية والعلاقات الأسرية في الأردن)

www.nrc.no/resources/reports/securing-status-syrian-refugees-and-the-documentation-of-legal-status-identity-and-family-relationships-in-jordan/

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.