لِقاءُ قَضَاءِ بنغلاديش اتِّفاقيّةَ اللاجئين لعام 1951

صحيحٌ أنّ بنغلاديش ما صدَّقت اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ولكنّ يشير عددٌ من الأحكام القانونية الأخيرة إلى احترامٍ لعناصر أحكام الاتفاقية.

إذا تُكُلِّمَ في أمر اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وتطبيقها في بنغلاديش على سياق حال اللاجئين الروهنغيِّين، فمعظم ما سيجيئ في الكلام هو من قَبِيل ما يلي: «ما صدَّقت بنغلاديش اتِّفاقيةَ اللاجئين لعام 1951 ولا بروتوكولَها [...]». نعم، هذا القول دقيق من الوجهة الواقعية، إلا أنّه لا يعني أن بنغلاديش خِلْوٌ من إطارِ عملٍ مُوجَّهٍ إلى دَعْمِ اللاجئين وحمايتهم. وسيأتي بعدُ النظر في المحكمة العليا في بنغلاديش من حيث بروزها كياناً يحتمل أن يكون قادراً على دَعْمِ حقوق اللاجئين من أمثال الروهنغيِّين.

في أيار/مايو من سنة 2017، أصدرت محكمة الطعون العليا في المحكمة العليا ببنغلاديش حكماً ذا شأنٍ خاصّ. وعند النظر في أهمية مبدأ عدم الإعادة القسرية فيما يتعلق بإم دي رفيق، وهو لاجئ روهنغيّ محجوزٌ مدةً طويلة بعد إتمامه عقوبة السجن الرسمية، رأت المحكمة العليا أنّ اتفاقية اللاجئين لعام 1951 «أصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي الذي يلزم كلّ دول العالم، سواء أوقّع بلدٌ رسميّاً في الاتفاقية أم دخل فيها أم صدّقها أم لم يفعل شيئاً من ذلك».[1]

وفي سنة 2007، اعترفَ رفيق بدخوله بنغلاديش على وجهٍ غير قانوني؛ فاعتُقِلَ وابتُدِئ بالإجراءات عليه. وقد أقرَّ رفيق بذنبه وحُكِمَ عليه بالحَبْس خمس سنين بموجب المادة 14 من قانون الأجانب لعام 1946. وفوق ذلك أمر القاضي سلطات الحَبْس بإعادته إلى ميانمار بعد أن يقضي عقوبته. وفي سنة 2016، رداً على التماسٍ رفعته وحدة بحوث تحرُّكات اللاجئين والمهاجرين (Refugee and Migratory Movements Research Unit)، طُلِبَ إلى الدولة بيانُ سبب بقاء رفيق قابعاً في السجن وقد أتمَّ عقوبته البالغة خمس سنين في أيار/مايو 2012. وفي 31 من أيار/مايو 2017، بعد ثلاث جلسات استماع بتمامها، رأت المحكمة العليا أن رفيق قد سُجِن من دون سلطة قانونية منذ انقضاء مدة حَبْسه. وأيضاً أَمَرَتِ الدولة بالإفراج عنه فوراً وإيصاله إلى وحدة بحوث تحرُّكات اللاجئين والمهاجرين، التي ستنسِّق مع مفوضيَّة اللاجئين لإيواء رفيق في مخيمٍ للاجئين في كُكْس بازار.

وصدرت أحكام مماثلة لما تقدَّم في سنة 2013 وسنة 2015. ففي سنة 2015، أمرت المحكمة بالإفراج عن خمسة لاجئين روهنغيِّين (كانوا يحملون بطاقات تثبت لاجئيَّتهم صادرة عن مفوضيَّة اللاجئين) لإعادتهم إلى مخيم كوتوبالُنغ للاجئين حيث كانوا يعيشون من قبل. على أنّ الحكم الصادر سنة 2015 لا يشير إلى مبدأ عدم الإعادة القسرية مع أنّه في الأصل المبدأ الذي أيدته المحكمة العليا في طريقها إلى إصدار الحُكْم.

 

ومما هو جدير أن يقارن الحُكْمُ الصادر سنة 2015 والحكم الصادر سنة 2017 في شأن رفيق. فعلى عكس ما حصل للاجئين الروهنغيِّين الخمسة سنة 2015، لم يُعَدْ رفيق إلى ميانمار بعد إخلاء سبيله مع أنّه ليس بين يديه بطاقة اللاجئ. وأقرَّت المحكمة العليا بأن رفيق من المحتمل أن «يتعرض للاضطهاد أو التعذيب» وأن حياته قد تكون معرَّضة للزوال إذا أُعيدَ إلى ميانمار. وقد علَّلت قرارها بالإشارة إلى أنّ بنغلاديش من الدول الموقعة في اتفاقية عام 1987 لمناهضة التعذيب التي تنص على أنه لا يجوز للدول الأطراف أن «تطرد أو تُعِيد (والمعنى أن «تُعِيد قسراً») أو تُسلِّم أيّ فردٍ إلى دولةٍ أخرى فيها أسباب حقيقية تدعوا إلى الاعتقاد بوجود خطر يُعرِّضه لخطر التعذيب».[2]

القانون الدوليّ والمحليّ

يشير دستور جمهورية بنغلاديش الشعبية إلى القانون الدولي مرّتين. أولاهما أنّ المادة 25 تنصُّ (في معرض الكلام على المبادئ الأساسية غير القابلة للتنفيذ قضائيّاً لسياسة الدولة في الدستور) على ما يلي:

تَقُومُ الدولة في علاقاتها الدولية على مبادئ احترام السيادة الوطنية والمساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول الأخرى، والتسوية السلمية للنزاعات الدولية، واحترام القانون الدولي والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، […].

ويتبع ذلك المادة 145 أ التي تحكم اعتماد وتدوين المعاهدات الدولية في القانون المحلي، وتنصُّ على أن يضع الرئيس المعاهدة بين يدي البرلمان لمناقشتها. ولكن تنصّ المادة 7(2) بوضوح على أنّ الدستور هو «القانون الأعلى في الجمهورية»، وهو من ثمَّ يبطل كلّاً من القانون الوطنيّ والدوليّ؛ فمع مرور الزمن، عزَّزت السوابق القضائية فكرةَ أنّه إذا حدث تعارضٌ فإنّ القانون الوطنيّ يُغلَّبُ على القانون الدوليّ.[3] ويُحتَاجُ إلى إدماج المعاهدات الدولية في التشريع المحليّ ببنغلاديش قبلَ أن تصبح قابلة للتنفيذ قانوناً. وقد بانَ هذا التفسير في عددٍ من الأحكام، منها في قضية حسين محمد إرشاد ضدّ بنغلاديش حيث رأت دائرة الاستئناف في المحكمة العليا أنّه: «[صحيحٌ] أنّ معايير حقوق الإنسان العالمية، سواء وردت في الإعلان العالمي أو في العهود، ليست قابلة للتنفيذ رأساً في المحاكم الوطنية، ولكنّ أحكامها إذا أُدمِجَت في القانون المحلي، صارت قابلة الإنفاذ في المحاكم الوطنية».[4]

وإذ قد انتفى كلّ حكم دستوري يُصوِّر بوضوح حالة «القانون الدولي العُرْفِي» في النظام القانوني ببنغلاديش، يظل المبدأ المقبول عموماً أنّ القانون الدولي العُرفِي مُلزِم ما دام لا يُعارِض القانون المحليّ. ولذا كان في الحالات التي يُترَك فيها للمحاكم الخيار بين إنفاذ قانون محلي أو إنفاذ قانون دوليّ عُرْفِي في شأن موضوع معين، اتجاه سائد ببنغلاديش وهو التزام القانون الداخليّ.

ومن الضروريّ اعتبار السياق المتقدِّم الذِّكْر عند نَقْدِ لقاءِ قضاءِ بنغلاديش اتفاقيةَ اللاجئين لعام 1951. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ما صدَّقت بنغلاديش اتفاقيةَ اللاجئين لعام 1951 ولا بروتوكولَها، وليس فيها قوانين وطنية تعالج مسائل اللاجئين. ثمّ إنّ بنغلاديش مأمورةٌ في الدستور باحترام القانون الدوليّ ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. في ضوء الحجّة المقنعة القائلة بأن مبدأ عدم الإعادة القسرية أصبح الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي العُرْفِي، ليس يُستغرَب أن تلتزمَه المحكمة العليا في بنغلاديش، لانتفاءِ قانونٍ داخليٍّ يُعارِضه.

فهل غالتِ المحكمة العليا إذ أشارت إلى اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بأكملها على أنها قانون دوليّ عرفيّ؟ من المستبعد أن يكون هذا الموقف الذي وقفت فيه المحكمة العليا خطأً عن سَهْوٍ؛ ذلك أنّ الحكم الصادر سنة 2017 ينص بوضوحٍ على ما يلي: «صحيحٌ أنّ بنغلاديش ما صدَّقت رسمياً اتفاقية وضع اللاجئين، ولكن جميعَ اللاجئين وطالبي اللجوء من عشرات دول العالم إلى دول أخرى نُظِمَتْ أحوالُهم بهذه الاتفاقية وبموجبها أكثرَ من ستّين (60) سنة. وقد صارت هذه الاتفاقية اليومَ جزءاً من القانون الدولي العُرْفِي [...]».[5]

إنّ لقاءَ قضاء بنغلاديش اتفاقيّةَ اللاجئين لعام 1951 في قضية إم دي رفيق جديرٌ أن يُذكَرَ؛ لأنه يُظْهرُ المحكمة العليا من حيث هي كيان لا شكّ أنّ فيه قوّة على إعانة اللاجئين وحمايتهم. ولكن مع ذلك، رُبَّما ينبغي أن يحذر بعض الحذر من تصنيف المحكمة العليا الشديد لاتفاقية اللاجئين لعام 1951 على أنها «قانون دولي عرفي»، ولا سيَّما لامتناع بنغلاديش من تصديقِ اتفاقية اللاجئين مع أنّها بلدٌ مُضِيفٌ للاجئينَ رئيسٌ.

 

إم سَنْجِيب حسين sanjeeb.hossain@exeter.oxon.org @SanjeebHossain

زميلٌ في دراسات ما بعد الدكتوراه، في جامعة أوسلو[6]

 

[1] Refugee and Migratory Movements Research Unit (RMMRU) v Government of Bangladesh, Writ petition no. 10504 of 2016, Bangladesh: Supreme Court, 31 May 2017

(وحدة بحوث تحرُّكات اللاجئين والمهاجرين ضدّ حكومة بنغلاديش)

 www.refworld.org/cases,BAN_SC,5d7f623e4.html

[2] المادة 3(1)

https://reliefweb.int/report/world/convention-against-torture-and-other-cruel-inhuman-or-degrading-treatment-or-punishment

[3] Karim B and Theunissen T (2012) ‘Bangladesh’ in Dinah Shelton (Ed) International Law and Domestic Legal Systems: Incorporation, Transformation, and Persuasion, Oxford University Press

(بنغلاديش)

[4] 21 BLD (AD) (2001) 69 https://opil.ouplaw.com/view/10.1093/law:ildc/476bd00.case.1/law-ildc-476bd00

[5] Refugee and Migratory Movements Research Unit (RMMRU) v Government of Bangladesh, Writ petition no. 10504 of 2016, Bangladesh: Supreme Court, 31 May 2017

(وحدة بحوث تحرُّكات اللاجئين والمهاجرين ضدّ حكومة بنغلاديش)

 www.refworld.org/cases,BAN_SC,5d7f623e4.html

[6] دَعَمَ هذا البحثَ مَشروعٌ اسمه أَسَيْل (ASILE)، وهو مشروعٌ ورد عليه مالٌ من برنامج البحث والابتكار الذي يتبع برنامج الاتحاد الأوروبي: أُفُق 2020، وذلك باتِّفاقيّةِ منحةٍ هذه أرقامها (870787).

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.