المسببات المباشرة للنُّزوح الداخلي في غواتيمالا

بعد أكثر من 20 سنة منذ نهاية الحرب الأهلية، تشهد غواتيمالا مرة أخرى تصاعداً في النزوح تتعدد أسبابه ويتطلب إبداء الاهتمام به.

أنهى توقيع اتفاقيات السلام في عام 1996 ستة وثلاثين عاماً من الحرب الأهلية بين حكومة غواتيمالا والوحدة الثورية الوطنية الغواتيمالية،[1]وتشير التقديرات إلى مقتل قرابة مائتي ألف شخص خلال الحرب، بينما هُجِّر قرابة مليون شخص غيرهم ما بين نازح داخلي وطالب لجوء في الخارج. وبعد انقضاء أكثر من 20 عاماً على نهاية الحرب، ها هي غواتيمالا، الواقعة في أمريكا الوسطى، تعيش مستويات مرتفعة من القتل والعنف المعمم، وما يصحب ذلك من ارتفاع كبير في معدلات التهجير الجديد.[2]

وفي وقت التفاوض والموافقة على اتفاقيات السلام، بما في ذلك اتفاق إعادة توطين السكان المهجرين بسبب النِّزاع المسلح،[3] أدخلت الحكومة تدابير للتكيف الهيكلي الاقتصادي. وبالرغم من إحراز بعض التقدم، لم يكن هناك تأثير يُذكَر على أوجه التفاوت الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، لم يكن هناك إصلاح شامل في مجال المالية العامة، خاصةً أنَّ الدولة لا تمتلك كثيراً من الموارد اللازمة للاستثمار في مجالات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والسكن وإيجاد فرص العمل. وما زال السكان الأصليون محرومين من حقوقهم ومن الوصول إلى نظام العدالة. وفيما يتعلق بالتعويض، لم يكن متاحاً إلا لعدد قليل جداً من العائلات المتأثرة بالحرب بسبب محدودية الموارد.

وأدى كل هذا، مقترناً بالتفاوت في تنفيذ أحكام اتفاق السلام، إلى تعميق عدم المساواة والفقر في البلد، وإلى زيادة هشاشة الدولة، ما يوفر أرضاً خصبةً للجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات. وتشهد غواتيمالا حالياً ارتفاعاً في معدلات الجريمة، ويؤدي ذلك إلى شيوع الخوف لدى السكان عامَّةً وجهلهم بما تخبئ لهم الأيام في المستقبل.

وحددت بحوث أَجرِيَت في عام 2016 مجموعة واسعة من العوامل التي تشجع النزوح الداخلي في غواتيمالا منها العنف والابتزاز والتهديدات والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات وانتشار الأنشطة التجارية الواسعة النطاق (مثل زراعة قصب السكر وزيت النخيل وتربية الماشية والتعدين وإنتاج الطاقة الكهرمائية) والأحداث الطبيعية والمناخية، ويُضافُ إلى ذلك عوامل الخطر الأخرى التي تؤدي إلى الهجرة القسرية مثل تدهور حالة الظلم الاجتماعي في الحصول على الخدمات الصحية والتعليم والإسكان وسبل كسب الرزق وحيازة الأراضي ( والأكثر تأثراً هم الذين يعيشون في المناطق الريفية والمهمشة)، وهيمنة النظام الذكوري.

وأدى التوسع في الأعمال التجارية على نطاق كبير إلى خفض المساحات المخصصة للمحاصيل الغذائية، ما أدى إلى تهجير أسر وأحياناً مجتمعات بأكملها في شمال غرب البلد. وأدى هذا الوضع بدوره إلى تعريض هؤلاء الأشخاص لخطر الإصابة بالأمراض وسوء التغذية، وضعف إمكانية الوصول إلى سبل كسب الرزق أو انعدامها. وما يزيد من تفاقم ضعفها أعمال العنف والتخويف واستيلاء الشركات الكبرى على الأراضي، والأضرار البيئية التي لحقت بالأرض، وخاصة مصادر المياه، بسبب التلوث والإفراط في استخدام الأنهار وتحويلها.

فمثل هذه الشركات تستفيد من ضعف الدولة ومن الفساد وعدم الكفاءة، ولكنها تستفيد أيضاً من الروابط الوثيقة التي تربط بعض الشركات بعصابات المافيا ومؤسسات الدولة. وترك هذا الوضع المجتمعات المحلية دون حماية، فبعضها يقاوم (مثل الذين يحتجون على التعدين ومشروعات الطاقة الكهرومائية)، في حين يفضِّل البعض الآخر أن يبيعوا ممتلكاتهم ويبحثوا عن مكان آخر ليعيشوا فيه، وغالباً ما يرحلون من أجل البقاء على قيد الحياة.

ومن جهة أخرى، تؤدي الطبيعة الجغرافية لوغواتيمالا وموقعها إلى تعريض البلاد للأحداث المناخية والطبيعية (كالعواصف والانفجارات البركانية والزلازل) التي أدت بدورها إلى التهجير القسري. ومما يزيد من تفاقم هذه الحالة الافتقار إلى تخطيط استخدام الأراضي، وإزالة الغابات الحرجية، وسوء الرقابة على المساكن، ونقص المساكن، وضعف تدابير الوقاية والتأهب. وأكثر الناس تضرراً هم الذين يعيشون بالفعل في الفقر. وعندما تقع مثل هذه الأحداث، يحصل السكان المتضررون على رعاية طارئة، ولكنهم لا يحصلون على مساعدة أطول أجلاً.

من اللامبالاة إلى الاستثمار؟

باختصار، هناك أسباب كثيرة تشجع النزوح القسري الداخلي في غواتيمالا، ومع ذلك لا يوجد سوى قدر ضئيل من اعتراف الدولة بالمشكلات الكامنة وراءها، ويعيش النازحون بسبب العنف في خوف دائم من أن يعثر عليهم مرتكبو أعمال العنف، وبالتالي لا يثقون في الأشخاص الآخرين ولا بالموظفين العموميين. هذا السيناريو يجعل من الصعب للغاية تأمين البيانات حول النزوح، في حين أن الخوف الخفي يمنع الناس من تقديم الشكاوى، الأمر الذي يعيق التحقيق والمعاقبة على الأفعال الإجرامية ويفشل في منع تكرارها،

ويتعين على الحكومة برهنة استعدادها لمعالجة الجوانب الهيكلية التي تسبب النزوح حالياً، وهي بحاجة ماسة إلى إجراء تقييم على نطاق المنظومات (بمشاركة المجتمع المدني) للسياسات العامة وبرامج الوقاية والرعاية التي تستهدف النازحين. وهناك حاجة إلى زيادة الاستثمار في تحسين الظروف المعيشية للسكان الأشد فقراً والأكثر استبعاداً، أولئك الذين يقطنون المناطق الريفية والمستوطنات الحضرية غير المستقرة، مع وضع مناهج محددة للأطفال والمراهقين والنساء والشعوب الأصلية. وهناك حاجة إلى خطة إنمائية وطنية تستفيد منها الفئات السكانية الأكثر ضعفاً، بحيث تسعى إلى القضاء على الفقر وسوء التغذية، وتضمن الوصول إلى النظام المدرسي والعمل، وتعزز الإدارة المستدامة للأراضي. وهذا لا يتطلب البدء من الصفر لأنه توجد بالفعل مبادرات يمكن إعادة النظر فيها.[4]

ويتعين على الدولة أيضاً أن تضع إجراءات لتنظيم الأنشطة التجارية التوسعية والاستخراجية، والتركيز في ذلك على مسائل الشرعية، والنِّزاع الاجتماعي، والآثار البيئية، والآثار المترتبة على إنتاج الأغذية، ودور الموظفين العموميين وعلاقتهم بالأعمال التجارية، وإجراءات السلطات المحلية التي تنتهك حق المجتمعات المحلية في استشارتها. وقبل كل شيء، يجب على الحكومة تحليل ما إذا كانت هذه الأنشطة التجارية مناسبة للبلد من الناحيتين الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، على المدى القصير والطويل.

 

سيندي هيرنانديز بونيلا smhernandezb@url.edu.gt

باحثة، معهد البحوث وإسقاطات العوامل الحركية العالمية والإقليمية، جامعة رافائيل لانديفار، غواتيمالا.

http://principal.url.edu.gt/index.php/investigacion/institutos-investigacion-proyeccion/idgt

 



[1] Conciliation Resources (1997) Negotiating rights: The Guatemala peace process

(موارد المصالحة (1997) التفاوض على الحقوق: عملية السلام الغواتيمالية)

www.c-r.org/accord/guatemala

[2] أشارت تقارير مركز رصد النُّزوح الداخلي إلى 6200 حالية جديدة من النُّزوح الداخلي في عام 2016:

 www.internal-displacement.org/countries/guatemala

[4] مثال ذلك اتفاقا السلام ’خطة لتنشيط وتكييف السياسة الوطنية للتنمية الريفية المتكاملة’ ودعونا نحسن غواتيمالا‘

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.