استعادة الأراضي في كولومبيا: ما شبب التدني الكبير في أعداد الطلبات؟

بعد أن وصلت عملية استعادة الأراضي الرسمية لكولومبيا منتصف الطريق، تثار أسئلة عدّة عن سبب انخفاض عدد مطالبات استعادة الأراضي عكس التوقعات.

 

يقدّم قانون تعويض الضحايا وإعادة الأراضي (قانون 1448 لعام 2011[1]) لسكان كولومبيا المُهَجَّرين طريقاً جديداً لاستعادة أراضيهم إذ لَقِيَ هذا القانون الثناء والنقد بنفس القدر تقريباً. ولكن ثمّة شاغل رئيسي واحد يثير القلق وهو انخفاض أعداد المتقدّمين. ففي عام 2012، أشارت وزارة الزراعة والتنمية الريفية في كولومبيا إلى أنّه سيُنظَرُ في إعادة الحق لـ 360 ألف قضية من قضايا الأراضي المهجورة أو المُغتَصَبة وذلك بموجب القانون الجديد.[2] ولكن، بعد انقضاء أكثر من نصف فترة صلاحية القانون التي ستنتهي في عام 2021 يتضّح أنّ أعداد مطالبي استعادة الأراضي أقل من ثلث ما كان متوقعاً في عام 2012: فحتى أغسطس/آب 2017، بلغ عدد الطلبات التي تلقتها وحدة إعادة الأراضي 106833 طلباً. ويبدو أنَّ معظم الأشخاص المؤهلين لاستعادة أراضيهم لم يقدموا طلباً في ذلك. وهذا ما يجعلنا نتساءل: لماذا؟

استعادة الأراضي بموجب القانون 1448

يمثل القانون 1448 دوراً مهماً في عملية استعادة الأراضي، إذ يُمَكِّن الذين جُرِّدوا من ممتلكاتهم في سياق النِّزاع المسلح سواء بِمصادرتها أم بإجبارهم على التخلّي عنها من المطالبة باستعادة ممتلكاتهم أو بعودة أراضيهم مادياً وقانونياً. ويسمح القانون أيضاً للعائلات التي لم تكن تمتلك أراضيها رسمياً وقت تهجيرها (لكنها كانت تشغلها أو تحوزها بطريقة مشروعة) أن تحصل على حق ملكيتها ضمن عملية إعادة الأراضي (المادة 72) كما يعد بأن يقدم لتلك العائلات المُصَاحَبَة والدعم الدستوريين كالدعم المالي لتمكنها من حيازة بيوتها أو إعادة بينائها. وينطبق ذلك على كل المهجَّرين بغض النظر عما إذا كانوا قد اختاروا العودة إلى ديارهم أو التوطين في مكان آخر في البلاد. (المادة 66).

ويقدم القانون 1448 أيضاً عدد من الضمانات غير الموجودة في الإجراءات القانونية المعتادة. فعلى سبيل المثال، يتيح القانون استخدام أنواع غير تقليدية ومتنوعة من الأدلة لدعم ادعاءات الاستعادة نظراً لأنّ كثيراً من المتقدمين فقدوا الأوراق الثبوتية بسبب تعرضهم للتهجير القسري تحديداً. وفضلاً عن ذلك، يفترض القانون عدم وجود الموافقة على عمليات نقل ملكية الأراضي بين الضحايا وأي من المُدانِينَ بالانتماء إلى الجماعات المسلحة غير الشرعية أو التعاون معها أو تمويلها. كما يسمح القانون للقضاة بالافتراض بأنّ المعاملات العقارية لم تكن بالتراضي بين الطرفين في الحالات التي يكون فيها المبلغ المدفوع فعلاً أو المُشارُ إليه بالعقد أقل من 50% من ’القيمة الحقيقية‘ ما لم تثبت الأدلة غير ذلك. وتُطبَّق القاعدة ذاتها أيضاً عندما يكون التهجير القسري الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأعمال العنف المستشري قد حصلت في المنطقة المحيطة وخلال نفس فترة الحادثة المزعومة (من عنف أو تهديد) والتي أدَت إلى اغتصاب الممتلكات أو الإجبار على تركها والتخلي عنها. ويُنظَرُ إلى عملية النقل وأيّ اتفاقيات لاحقة تؤثر على قطعة الأرض المعنية على أنّها باطلة ما لم يُثْبَت أنّ المعاملات قد حصلت بالتراضي بين الطرفين (المادة 77). وباختصار، يلغي القانون ’عبء الإثبات‘ لصالح المدعي.

أمّا وحدة إعادة الأراضي فهي مُكَلّفة بمساعدة الضحايا على توثيق قضاياهم ليتمكنوا من المطالبة بإجراء مراجعة قضائية أو يجب عليها أن تتعاقد مع محامٍ من أجل هذه الغاية. وبصفة عامة، ليس على الضحايا دفع أي أتعاب قانونية. أمّا القضاة المتخصصون الذين هم على دراية بمشكلات اغتصاب الأراضي فتقع على عاتقهم مسؤولية اتخاذ القرار القانوني.

ومن الواضح أنّ البرنامج الكولومبي لاستعادة الأراضي حسب تعريف القانون 1448 لديه الكثير من مواطن القوة، طبعاً بالإضافة إلى عدد من نقاط الضعف التي لن تُناقِشُها هذه المقالة. ويمكن للأشخاص العاملين في سياقات أخرى أن يجدوا الكثير لِتَعَلُمِهِ من التجربة الكولومبية من الناحِيَتَيْن الإيجابية والسلبية.

الفشل في جذب المُتَقَدِمين

ثمّة أسباب عديدة تقف وراء انخفاض عدد طلبات استعادة الأراضي، منها: انعدام الثقة في السلطات لا سيما في الأماكن التي كان أو ما زال للسلطات فيها علاقات مع الجماعات المسلحة، وخيبة الأمل تجاه الهيئات الحكومية نتيجة تجارب شخصية سابقة أو نتيجة لتجارب الأصدقاء وأفراد العائلة وغياب الوعي بالقانون أو ضعف فهمه أو مصاعب الوصول إلى المؤسسات المعنية لأسباب عدّة منها طول مسافات السفر الطويلة وتكاليفه.[3]

وفي اجتماع مع أشخاص من قرية تابعة لبلدية بنسلفانيا (قسم كالداس) بدا أنّ قليلاً منهم كانوا على علمٍ بالدعم المُتاح للعائدين أو بحقيقة أنّ قانون استعادة الأراضي لا يقتصر على الأراضي المُصادَرَة فحسب بل يشتمل على الأراضي تلك التي أُجبِروا على تركها أيضاً. وزعم أحد الرجال أنّ الموظفين المسؤولين "رفضوا الأخذ بتصريحاتهم" وهذا ما أومأ عدد من الجيران رؤوسهم اتفاقاً عليه. وقالت امرأة أخرى إنَّها اضطرت للمشي لمدة ثماني ساعات إلى مركز البلدية ليُرفَضَ التعامل معها في نهاية الأمر بحجّة انشغال الجميع.

ومن جانبه، شدّد خافيير [4]وهو أحد الزعماء من بلدية أخرى ممّن يدعمون الضحايا في جميع أنحاء منطقة زراعة البُن على انعدام ثقة الناس بأنفسهم أو في إرادة الحكومة أو قدرتها على الاستجابة لمطالبهم:

"أنا أعرف كيف أدافع عن نفسي حين أتحدث ولكن ثمّة أشخاص يشعرون بعدم الارتياح ولا يملكون طريقة لقول: ’انظروا، لقد أخذوا أرضي، وهذه مشكلتي‘ [....] كما أنّ هنالك كثير من الناس لا يؤمنون بالدولة."

ولكن ربما يكون أكثر التهديدات إلحاحاً لعملية استعادة الأراضي هو محاولة سحقها باستخدام العنف. إذ اغتيل ما لا يقِل عن 72 من أصحاب المطالبات والزعماء الذين طالبوا باستعادة الأراضي، كما تلقّى آلاف آخرون تهديدات بالتعرض لحياتهم. وفي بعض الحالات، يُجبَرُ المُهَجَّرون على الهرب من أوطانهم مرة أخرى بسبب مشاركتهم في عمليات استعادة الأراضي. كما استُهدِفَ أيضاً الممثلون من المنظمات المصاحبة والمدافعون عن حقوق الإنسان فضلاً عن مسؤولي الدولة الذين شاركوا في قضايا استعادة الأراضي. ومن المُسَلّم به وفقاً للوثائق أن ’الجماعات الوارِثة‘ شبه العسكرية مسؤولة عن معظم الجرائم التي تستهدف المطالبين بالأراضي والزعماء المدافعين عن استعادتها.

"صحيحٌ أنّ حالات انتزاع الملكية في كالداس كثيرة ومتفشية ولكن يبقى الخوف أكثر تفشياً. فهنالك كثير من الناس أخبروني [رداً على اقتراح لهم بتقديم طلبات لاستعادة أراضيهم]: ’بالتأكيد لن نفعل، أمي لا تريد مزيداً من المشاكل، فلقد واجَهَتْنا سابقاً الكثير من المشاكل عندما أجبرونا على ترك أراضينا‘". (خافيير)

فالشرطة التي يُفتَرَضُ أن توفّر الحماية لمن هم تحت التهديد كثيراً ما تهمل واجباتها، وغالباً ما يرفض المسؤولون الحكوميون بلاغات أفراد المجتمع المحلي. أمّا التحقيقات في أعمال العنف والترهيب التي تطال عملية استعادة الأراضي فأحسنُ ما تُوصَفُ به أنّها تفتقر إلى الحماس.

ونتيجة للتهديدات ومحاولات القتل الكثيرة، توجه خافيير وغيره من آلاف الأشخاص الآخرين إلى وحدة الحماية الوطنية طالباً للمساعدة. وزعم خافيير أنّ الحماية التي تقدمها الوحدة غير كافية:

"أنا على يقين بأنّ سبب التهديدات التي أتلقّاها هو قيادتي لعملية استعادة الأراضي، وذلك لأنّ كثيراً من مصالح الأشخاص ذوي النفوذ تتحقق بالحفاظ على تلك الأراضي في حوزتهم. كما أنّ التهديدات واضحة: ’إما أن تتوقف عن مساعدة الضحايا والعمل في قضايا استعادة الأراضي أو تموت‘. وفي هذه اللحظة كل ما نملكه من الحماية لا يزيد عن سترة مضادة للرصاص وهاتف لا يعمل."

ويُقَدّم القانون 1448 آليات عدة لمساعدة النازحين داخلياً في كولومبيا على إعادة بناء حياتهم. غير إنّ كثيراً من الأشخاص المُهَجَّرين الذين يرغبون بالعودة إلى أراضيهم يخشون طلب الدعم من الدولة، بينما عاد آخرون دون المساندة المؤسسية بسبب عدم إدراكهم لحقوقهم أو بسبب صعوبة الوصول إلى المؤسسات المعنيّة. وإذا كان معظم الأشخاص المؤهلين لاستعادة أراضيهم قانونياً لم يقدموا طلبات لاستعادة أراضيهم بموجب القانون 1448 فإنّ ذلك بحد ذاته يمثل فشل لعملية العدالة الانتقالية في كولومبيا.

فرانسيس تومسون frances.thomson.lynce@gmail.com

مرشح لنيل درجة الدكتوراه[5] جامعة ساسكس www.sussex.ac.uk

 



[1] يسري قانون الضحايا (1448 لعام 2011) على جميع ضحايا النِّزاع المسلَّح بغض النظر عما إذا كانوا يطالبون بأراضيهم التي فقدوها في النِّزاع أم لا، وبذلك يتضمن القانون عدة محاور لن نناقشها في هذه المقالة.

[2] Restrepo Salazar J C and Bernal Morales A (2014) La cuestión agraria  :Tierra y posconflicto en Colombia, Bogotá: Penguin Random House Grupo Editorial Colombia, pp41-47.

(ريستريبو سالازار ج ك وبيرنال مورالز إ (2014) مشكلة الأراضي: الأرض ومرحلة ما بعد النِّزاع في كولومبيا)

[3] Amnesty International (2014) A land title is not enough: ensuring sustainable land restitution in Colombia

(منظمة العفو الدولية (2014) الأرض ليست حلاً كافياً: ضمان إعادة الأرض المستدامة في كولومبيا)

www.amnesty.org/en/documents/AMR23/031/2014/en/

Human Rights Watch (2013) The Risk of Returning Home: Violence and Threats against Displaced People Reclaiming Land in Colombia

(منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هومان رايتس ووتش) (2013) خطر العودة إلى الديار: العنف والمخاطر التي تواجه الأشخاص الذين يطالبون باسترداد أراضيهم في كولومبيا)

www.hrw.org/report/2013/09/17/risk-returning-home/violence-and-threats-against-displaced-people-reclaiming-land

[4] أخفينا الاسم الحقيقي له حفاظاً على أمنه.

[5] البحث بتمويل من مجلس المملكة المتحدة للبحوث الاقتصادية والاجتماعية ومركز جامعة ساسكس للاقتصاد السياسي العالمي (منحة رقم T83833F)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.