شَأنُ الوُسَطاءِ الثقافيِّين ووجوه مسؤوليَّتهم

الوَساطَة الثقافيَّة أمر عظيم الشَّأن في تحسين الوصول إلى خدمات الصحة العقليَّة ورَفْع جودتها.

يتزايد الإقرار بالحاجة إلى الوساطة الثقافية –وهي طَريقةُ مقاربةٍ تتجاوز الاقتصار على خدمات الترجمة– لقضاء حاجات المُهاجِرين وطَالِبي اللُّجوء واللاجئين.[1] ويعمل الوسطاء الثقافيون مع طائفة عريضة من المنظَّمات، ومنها المنظمات غير الحكومية والمستشفيات والمراكز الصحية والشرطة، فيُعِينُون المُهجَّرين في الخدمات الطبية وشبه الطبية، وفي تعزيز الصحة، وفي الخدمات النفسانيَّة والمشورة القانونية.

وقد أجرت منظمة أطباء بلا حدود، التي ما تزال تُوصِل وُجُوهاً من الدعم للمُهاجِرين في جميع إيطاليا منذ سنة 1999، دراسةً لفهم شأن الوَساطة الثقافيَّة في بيسير إيصال خدمات الصحَّة العقليَّة ولفهم المُتحدِّيات التي تَعتَرِضُ مُوصِلي خدمات الوَساطة الثقافية، ولتعلُّم المزيد عن خبرات من الوسطاء الثقافيِّين أنفسهم وعمّا يحتاجون إليه في الدَّعم.[2] فأُجرِيَ  25 مقابلةً مُفصَّلةً مُمْعناً فيها مع وسطاء ثقافيين وموظفي منظَّمة أطباء بلا حدود والمُخبِّرين الرَّئيسين من المؤسَّسات والمنظَّمات الأكاديمية الذين كانوا خبراء في استعمال الوساطة الثقافية مع المُهجَّرين.[3]

شَأنُ الوسطاء الثقافيِّين عظيم

التواصل والترجمة من المهمات الرَّئيسة في عمل كلِّ وسيط ثقافي، وفي هذا تبادلٌ نافعٌ وإعانةٌ على بناء الثِّقة. فالتَّواصُلُ الثلاثيّ الذي يحصل بين الوسطاء الثقافيِّين وعملائهم وأعضاء الفرقة الآخرين (مثل علماء النفس) علاقةٌ ثلاثية عظيمة الأهميَّة تُعِين المستفيدين على الوصول إلى الخدمات الأساسية والإفادة منها. وتُعِين هذه العلاقة على بناء الثقة بين الوسيط الثقافي والعميل، فتُحسِّن من ثمَّ التواصل بين العميل ومُقدِّم الخدمة.

وكثيراً ما يكون الوسطاء الثقافيون حلقة الوصل الأولى بين الناس يتواصلون مع خدمات الصحة العقليَّة. وكثيراً ما يكون الوسطاء قادرين على تيسير فَهْم أكثر ملاءمة وسَبْقاً للحاجات وعلى مَنْع حصول الأخطاء أو على تجنُّب فوات الفرص للوصول في الوقت المناسب إلى الرعاية والخدمات. وكان هذا الاتصال الأوَّلي مفيداً في تقدير حاجات للمهجَّرين التي تقتضي قضاءها فوراً، ولا سيَّما فيما يتعلق بالضائقة النفسانيَّة.

ويُعِين بعض الوسطاء الثقافيين الأطباء أو العاملين في ميدان الصحة العقلية في أثناء الاستشارة الفردية، أو العمل مع النَّاجين من التعذيب والنساء اللاتي اتُّجِرَ بهن. ويعمل آخرون مع هيئاتٍ قانونية وأمنية، ويقدمون المعلومات والترجمة في أثناء جلسات الاستماع القانونية. فيترجمون الكلام والمفاهيم بين العملاء ومقدمي الخدمات، فهذا يحقِّق أن يُفهَمَ العَميلُ وأن يقدرَ على الوصول إلى الرعاية والدعم الذي يحتاج إليه.

عَملٌ صعب يثير الانفعالات

ثمَّ إنَّ العمل صعب على الوسطاء أنفسهم. فكثيراً ما يأتون من جماعات اللاجئين وقد مرّ كثير منهم برحلات وتجارب هجرة مماثلة لما مرّ به الذين يحاولون دَعْمَهم يكثر أن تكونَ راضِحةً (صادمة)، فيصعب عليهم من ثمَّ تعيين بُعْدٍ مناسبٍ وموضوعيٍّ ومهنيّ بينهم وبين كل مات سبق ذكره. وإذ قد كانوا مرُّوا بلجوء صعب في إيطاليا بأنفسهم، فقد جاز ألا يكونوا متثبّتين من أنه هل ينبغي له إخبار عملائهم بهذه التجارب، وإن كان كذلك فكيف؟ فيُتَّهمون أحياناً بالتحيُّز أو يُطلَب إليهم الكذب أو إخفاء المعلومات، فيوضعون في موضع صعب جدّاً.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى قال أحد العاملين في منظمة أطباء بلا حدود إنَّ كَوْنَ بعض الوسطاء الثقافيين سافروا بالطريقة نفسها وثمَّ أصبحوا في وضع مُستقِر «أمر ذو رسالة حَسَنة للناس ... فوجود الوسيط هناك، ولو لم يتحدَّث في بعض الأحيان، كان بالحقّ ذا قيمةٍ زائدة في هذه الحالة، إذ يقلِّل التوتُّر والخوف...».

هذا، ولا يرغب العملاء دوماً في أن يُعِينهم وسيطٌ ثقافي أو أن يتواصلوا معه من قُرْب، ولا يرغبون دوماً في التحدث بلغتهم الأمّ في أثناء الجلسات النفسانيَّة أو السريريَّة. وقال في ذلك أحد الخبراء في الوساطة الثقافية مُبيِّناً: «إنَّها لغة جلَّاديهم». ويُفضِّل بعضهم التعبير عن أنفسهم باللغة الفرنسية أو الإنجليزية بلا وسيط ثقافي يُعِينُ على الترجمة. وصحيحٌ أنَّ عندَ عُملاءِ منظَّمة أطباء بلا حدود أصلاً الحقُّ في رفض دعم الوسيط الثقافي في أثناء جلساتهم، ولكن هناك حاجة إلى مَزيدِ عملٍ لإعلامهم (وطمأنتهم من ثَمَّ) قواعدَ السلوك والسريَّة، ذلك يُعِينُهم على تقرير أمرِهم بينَ رغبتهم في أن يُعِينهم وسيط ثقافيّ وأن يرفضوا ذلك.

وصحيحٌ أنَّ في أُلفَة تجارب الوسطاء طُمَأنينةٌ للعملاء، ولكن التجربة المشتركة بين الوسطاء الثقافيين والذين يعينونهم تجعل عملهم صعباً من حيث الانفعالات، وتجعل احتمالَ مخاطر الرُّضوح (الصدمات) غير المباشرة ونفاد الوسع غير المباشرة قريبَ التحقُّق جداً. وقد يَأخُذُ الوسطاء الثقافيون بإستراتيجيات شخصية للتصدِّي للصعوبة، ولكن دعمَ الحال النفسانية المُدمَج جيداً والإِشرافَ ضروريان لحماية الوسطاء الثقافيين حماية كاملة، ولا سيَّما المُعرَّضين لقضايا حسَّاسَة جداً تتعلق بالصحَّة العقليَّة أو العنف أو التعذيب.

ويلزم عقد اجتماعات منتظمة بين الوسطاء الثقافيين ونظرائهم –مثل علماء النفس والمختصِّين بالعلاج الطبيعي أو الأطباء– قبلَ مُفَاعلَة العملاء وبعدَها. على أنَّ أحدَ القيود على ذلك أنَّ العمل بدوام كامل ليس حاضراً دوماً للوسطاء الثقافيين، وهذا إنما يؤدي إلى شعور كثيرين منهم بانتفاء الاستقرار لحالهم الوظيفي أيضاً.

ثم إنَّ الوصول في الوقت المناسب إلى خدمات الصحَّة العقليَّة للاجئين وطالبي اللجوء مُكوِّنٌ أساسيّ في إيصال الخدمات الطبيَّة الأساسيَّة في إيطاليا، كما هي الحال في كلِّ مكان آخر. والوسطاء الثقافيون ضرورةٌ في تحقيق ذلك ولكنَّ الضغوط عليهم وعلى شأنهم ذاك كثيرة. ومن المُعِينات أيضاً زيادة التركيز على التدريب وتنمية المهارات للوسطاء الثقافيِّين والمُوظَّفين الذين يعملون معهم، فمن شأن ذلك أن يُحقِّق وضوحاً أحسن لشؤون إيصال الخدمة وجَوْدتها، ويُقلِّل احتمالَ زيادة الرُّضوح النفسانيَّة.

 

إيميلي فِنَبلِس emiliecvenables@gmail.com

من وحدة لوكسمبورغ للبحوث العملية، في منظَّمة أطباء بلا حدود بلوكسمبورغ، وقسم العلوم الاجتماعيَّة والسلوكيَّة، في كلية الصحَّة العامة، بجامعة كَيْب تَوْن 

 

كاثِرِين وَيْتهَوس kitwhitehouse@gmail.com

من وحدة لوكسمبورغ للبحوث العملية، في منظَّمة أطباء بلا حدود بلوكسمبورغ

 

كَتْرِينا سبِهْسُو caspissu@gmail.com

من بعثة إيطاليا، التابعة لمنظَّمة أطباء بلا حدود

 

لِلْيان بِتْزِي lilian.pizzi@gmail.com

من بعثة إيطاليا، التابعة لمنظَّمة أطباء بلا حدود

 

أحمد الروسان ahmad.alrousan@rome.msf.org

من بعثة إيطاليا، التابعة لمنظَّمة أطباء بلا حدود

 

إستيفانو دِكَارلو ste.dicarlo@gmail.com

من بعثة إيطاليا، التابعة لمنظَّمة أطباء بلا حدود

 

[1] نستعمل مصطلح «الوَسَاطَة الثقافية» ومصطلح «الوسطاء الثقافيِّين» ونقصد بهما ما بيَّنته المبادئ التوجيهية في منظَّمة أطباء بلا حدود حينَ أُجرِيت الدراسة. فبعد الدراسة صار يُشَار في الوصف الوظيفي المُحدَّث إلى الوَسَاطة بين الثَّقافَات.

[2] يطيب لفرقة البحث أن تُعرِب عن تقديرها وُجُوهَ الإسهام القيّم للمشاركين في الدراسة، وتقديرها دَعْمَ منظَّمة أطباء بلا حدود في إيطاليا. ونشكر بخاصةٍ لفرَنْشِسْكَا زوكارو وأدولين دِغْرَتيَيْه دعمَهما وإسهامَهما في هذه الدراسة البحثية.

[3] انظر العَرْض هنا https://f1000research.com/slides/5-1331.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.