مقاربة دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة بُطُرق مجتمعيَّة

لا تسمح قيود التشغيل في السياقات الإنسانية دوماً بتخصيص الوقت والموارد الكافية للأعمال التشاركية التي لا غنى عنها في إنشاء طُرُق مقاربة مجتمعية لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة.

يُقوِّض التَّهجير والمُرهِقات المرتبطة به مصادرَ استقرار الناس مثل الهوية الفردية والجماعية، والشعور بالمكان والانتماء، والحالة القانونية والاجتماعية. ويمكن أن يُرْجِعَ دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة استعادة الإحساس بالعَيْش الطبيعي، وأن يلأَمَ الجروح الجماعية، وأن يدعم الهوية الفردية والجماعية.

ولكنّ الاستجابات الإنسانية تقوم عموماً على بنياتٍ في علاقات قوة لا مساواة فيها. وتُقدَّر الخبرة المَوَاضِيعيَّة أكثر من تقدير المعارف المحلية وفي بعض الأحيان تُفرَض. ويكثر أن لا يشترك الذين هم الأكثر تأثُّراً بالبرامج في إعدادها وتنفيذها وتقويمها، وتكون المنظمات مسؤولة أمامَ الجهات المانحة لا حصراً أمامَ المجتمعات المحليَّة المتضرِّرة بالأزمة التي توصل إليها الخدمة. وفي ميدان الصحَّة العقليَّة، للثقافات وأنظمة المعتقدات وحركيَّات (ديناميَّات) القوة تأثيرٌ شديدٌ في تصور الأمراض، ومنها الأعراض، وفي صَوْغ الاستجابات، ومنها العلاجات ووجوه التدخُّل في الحال النفسانيَّة. لذلك هناك خطر متأصل في برامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة في الأحوال المقتضية للمعونة الإنسانية، ويتمثل هذا الخطر بتكرار حَرَكيَّاتٍ حمَّالةٍ للمشكلات لوجوه التدخُّل الإنساني ورعاية الصحَّة العقليَّة بالسَّواء من خلال أ) التركيز على وجوه ضعف المهاجرين قسراً، وإهمال صمودهم وفاعليَّتهم، ب) وفَهْم الاستجابة للشّدائد بطريقة مقاربةٍ في الطبّ الحيوي، ويُخاطَر بذلك بِعَدِّ المشاركين في برنامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة مرضى نفسانيِّين، ج) ثمَّ إنشاء أنظمة الاعتماد على المعونة التي تُدِيم حركيَّات القوة التي لا مساواة فيها.

وإحدى طرق التغلُّب على هذه المخاطر أنَّه بدلاً من دعم المجتمعات المتضرِّرة بالأزمة في بناء استجاباتها الخاصّة للشدائد، ينبغي أن تُستعمَل طريقة مقاربة مجتمعية؛ أي طريقة مقاربة تقوم على فهم أن المجتمعات يمكن أن تكون سائقاتٍ إلى رعاية نفسها وتغيير نفسها، وينبغي أن تشارك مشاركةً مفيدةً في جميع مراحل الاستجابة لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة. 

هذا، وتتميِّز طرق المقاربة المجتمعية لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة بأنَّها:

  • تعي أهمية الاستجابة الجماعية للشدائد وللتَّماسك الاجتماعي في تقرير حُسْن حال الفرد والمجتمع،
  • وتُفعِّل أنظمة الدعم المتعددة التخصُّصات المراعية للسياق، المُعتمدَة على وجوه القوة القائمة للمجتمعات المحلية المتضررة، بدلاً من الاقتصار على إيصال الخدمات في الاستجابة للعَجْز الناجم عن الطوارئ،
  • وتدعم العمل التشاركيَّ للمجتمعات المحليَّة في جميع مراحل المشاريع،
  • وتقصد إلى استعادة أو تعزيز البنيات الجماعيَّة والنُّظُم الجماعية التي هي ضرورةٌ للحياة اليومية وحُسْن الحال.[1]

 

وقد حدَّدت المنظمة الدولية للهجرة سبع درجات مختلفة من مشاركة المجتمع المحليّ في برامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة.[2] أمَّا الدرجات الثلاث الأُوَل، فحين لا يكون للمجتمعات المحليَّة قوة في اتِّخاذ القرار، إمّا أن تُشارَكَ المجتمعات المحليَّة في المعلومات وإما أن تُجمَع منها وإما يُقتَصَرَ على مشاورتها. وأما الدرجات التاليتان فأولاهما حين تُشارِك المجتمعات المحليَّة في تخطيط الأعمال ولكن تظل قوتها قليلة (وهذه تُعرَف باسم المشاركة المجتمعية «الوظيفية») وثانيتهما حين تشارك المجتمعات المحليّة مشاركة تامّة في أعمال صُنْع القرار (وهي المشاركة «التفاعلية»). وتتميَّز الدرجتان الباقيتان بمِلكيَّة المجتمع المحليّ، إذ تتحكم المجتمعات الملحيَّة في صنع القرار وتعمل الهيئات عمل المُيَسِّرات، وتتميزان أيضاً بالتَّمكين، إذ تكون المجتمعات المحليَّة قادرة على الاستجابة لحاجاتها الحاليَّة بدعمٍ خارجي قليل. على أنَّ برامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة ينبغي أن تقصد دوماً إلى درجات تمكينٍ للمشاركة المجتمعية، وينبغي أن يكون الموظَّفون واضحين في شأن قيودهم.

طريقة مقاربة مجتمعيَّة في بنغلاديش وجنوب السُّودان

وتُبيِّنُ برامج المنظمة الدولية للهجرة في بنغلاديش وجنوب السودان ضرورة التقدير التَّشاركيِّ المُستمِر وأهميَّةَ العمل مع المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الحكوميين في قطاع دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة، وذلك لأجل بناء القدرة على إيصال الخدمات وتمكين تبادل المعارف التي ستستمرُّ بعدَ كلِّ وجهِ تدخُّلٍ من وجوه التدخُّل في دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة.

ففي بنغلاديش، حيث هُجِّرَ نحوٌ من 720 ألفاً على التقريب من الروهينغيا، تعمل فِرَق دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة من المنظمة الدولية للهجرة مع مُتطوِّعين مجتمعيِّين من الروهينغيا والمجتمعات المُضِيفَة، فيعملون مع المعالجين التقليديين والزعماء الدينيين ومع غيرهم. وإذ قد كانت إستراتيجيات التصدِّي لصعوبة المعيشة التي حدَّدتها المجتمعات المحليّة تضمَّنت الاعتماد على الدعم الأسري والاجتماعي والسُّنن الدينية المتَّبعة، فقد ركزت الفِرَق على تسهيل الأعمال الجماعية التي المُنصبَّة على حِفْظ التراث الثقافي والشعائر والاحتفالات. وتضمَّنت هذه الأعمال إِنشاءَ مطابخ جماعية، وتيسير الحوار الأسري، وعقد مراسم الشِّفاء، وإنشاء مركز اسمه مركز الذاكرة الثقافية. فكان في المطابخ والحوار الأسري أحيازٌ آمنة لمناقشة المسائل المُلحَّة، ويضاف إلى ذلك، أنَّ التجمع غير الرسمي في عملٍ تقليدي عزَّز الشعور بالانتماء للجماعة. وقد اشتملت احتفالات الشفاء على مُكوِّن قوي بين الأجيال وسمحت لأفراد المجتمع بالتفاعل مع رواياتهم التاريخية وهويتهم الثقافية والمجتمعية، وكذلك بزيادة فرص التواصل الاجتماعي. وأتاح مركز الذاكرة الثقافية بجمعه الفنون والحِرَف التقليدية وإنتاجها وعَرْضها منصةً تشاركية لأفراد مجتمع الروهينغيا تحفظ لهم الشعور بالهوية والتراث الثقافي، وكذلك تضمن استمرار ذلك في أجيال الشباب.

وثبت أن الحفاظ على الهوية الجماعية والتراث الثقافي مُكوِّنات لا غنى عنها في استعادة الصحَّة العقليَّة وحُسْن الحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة والحفاظ عليهما عند الأفراد وعند مجتمع الروهينغيا الأوسع.

وكثيراً ما تؤكد برامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة أمرَ الاستدامة بتعزيز أنظمة الخدمات الصحيَّة والاجتماعيَّة. ففي جنوب السودان، حيث يحتاج سبعة ملايين ونصف مليون من الناس (7.5) إلى معونة إنسانية، منهم مليون وثلاثة أعشار المليون (1.3) من مجموع مليون وستّة أعشار المليون (1.6) من النازحين الداخليِّين في البلد، ولا يمكن الوصول إلى فئاتٍ عريضةٍ من السكَّان في خدمات الصحَّة العقليَّة القائمة. لذلك يركز برنامج المنظمة الدولية للهجرة همّه في تعزيز البيات الأسرية والمجتمعية والدعم، بمشاركة مقدِّمي الخدمات الصحيَّة والاجتماعيَّة العاملين اليوم. هذا ومع تقديم البرنامج خدمات مُباشِرة للمجتمعات المُهجَّرة في أمكنة تشبه المخيمات، وسَّع نطاق وجوه تدخُّله في سنة 2017 لتشمل بناء القدرات لأصحاب المصلحة الحكوميِّين، ولتخدم المجتمعات المُضِيفة. وبتعاونٍ قامَ بين البرنامج ووزارة الشؤون الجنسانية والطفل والرعاية الاجتماعية، يشتمل البرنامج اليومَ على 35 مُختصّاً اجتماعياً من وزارة الدولة في واو في غربيّ بحر الغزال، فكان عملهم متمِّماً لعمل موظَّفي المنظمة الدولية للهجرة في دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة. وقد أسهم هذا في الاحتراف والخبرة العملية لهذه الفِرقَة، بالتدريب في أثناء العمل الذي يجمع بين العمل الاجتماعي ومهارات دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة مثل معالجة الحالات الفردية، والإسعاف النفسانيّ الأوليّ، والمشورة الأساسيَّة، والإحالة.

ويركز المختصُّون الاجتماعيُّون همَّهم على بناء الاعتماد على الذات والفَاعليَّة عند أفراد المجتمع المحليّ. فباستمرار حضورهم ومشاركتهم اكتسبوا ثقةَ قادة المجتمع المحليّ وأفراده، ففسح ذلك لمناقشة المواضيع المهمة، مثل الحمل المبكر وتعاطي المخدرات والعنف بين الشباب، وللإحالة إلى الخدمات المناسبة عند الضرورة.

ويتشارك المختصُّون الاجتماعيُّون وموظَّفو دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة في العمل على تيسير جلسات الحوار بين الأجيال في المجتمعات المُضِيفة ومناطق العودة، فيعملون إما مباشرةً وإما بمعاونة المنظَّمات الوطنية غير الحكومية. ويُخصَّص للشَّباب من الأمكنة مثلما يُخصَّص لكبار السِّن للتعبير عن مظالمهم، مثل ما يلقاه كبار السِّن من عدم الاحترام والتواصل داخل نظام الأسرة، وما يلقاه الشباب من الإهمال. وهذا العمل إنما يقتضي لكي ينجح وقتاً ويُكرِّر الموظَّفون زيارة الأسر والمجتمعات نفسها. ثمَّ إنَّ العمل مع المختصِّين الاجتماعيِّين وغيرهم من موظَّفي الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية يضع الأساس للمشاركة المجتمعية التي يسوقها التَّمكين في إعداد البرامج لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة، فتُنقَلُ الموارد من ثمَّ وتُتبَادل المعارف مع الفاعلين الوطنيِّين فيسترُّون في تقديم الخدمات بمجرّد خروج الشركاء في المعونة الإنسانيَّة.

فطريقة المقاربة المجتمعيَّة لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة ضرورةٌ في دعم صُمُود الأفراد والمجتمعات وفاعليَّتهم في سياقات التَّهجير، وضرورةٌ في إتاحة دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة للناس من مشارب مختلفة ليأتي الدَّعْم خُلُقيّاً وملائماً للثقافة ومستداماً، ثمَّ هي ضرورةٌ في معالجة حُسْن الحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة عند الفرد والمجتمع داخلَ البنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع التي تؤثر في عَيْشِ المُهجَّرين. وصحيحٌ أن سياقات الطوارئ وبنيات المعونة الإنسانيَّة عموماً يكثر أن لا تحثُّ على مقاربة دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة بطُرُق مجتمعيَّة، ولكنَّ الدَّعمَ المجتمعيَّ يظلُّ ممكناً فِعلُه إذا دخل الفاعلون في العمل مع المجتمعات المحليَّة وضمنوا أن يتحقق في إعداد البرامج ما يُعبِّر عن حاجات المجتمعات المحليَّة نفسها ومواردها.

 

غولِيَالِمو سكِينِينَا contactpss@iom.int  @metonimia

رئيسٌ، في القسم العالمي للصحَّة العقليَّة والاستجابة النفسانيَّة الاجتماعيَّة والتواصل بين الثقافات

 

مارين راغونو contactpss@iom.int

مستشارةٌ، في القسم العالمي للصحَّة العقليَّة والاستجابة النفسانيَّة الاجتماعيَّة والتواصل بين الثقافات

 

دِمِتْرُو نِرسِيسِيَان dnersisian@iom.int

مدير برنامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة، في بنغلاديش

 

هَيْدَا رِيدَه hrieder@iom.int

مديرة برنامج دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة، في جنوب السودان

 

من المنظَّمة الدوليَّة للهِجرَة

 

[1] IASC Community-Based Approaches to MHPSS Programmes: A Guidance Note

(طرق المقاربة المجتمعية لدَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة: مذكّرة إرشادية)

https://reliefweb.int/report/world/community-based-approaches-mhpss-programmes-guidance-note

[2] IOM (2019) Manual on Community-Based MHPSS in Emergencies and Displacement

(دليل دَعْم الصحَّة العقليَّة والحال النفسانيَّة الاجتماعيَّة المجتمعيِّ في الطوارئ والتَّهجير)

 www.iom.int/mhpsed

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.