إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في آليات الحماية

في كثير من الحالات، يُمثّل الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول دوراً محورياً في التسبب بالنزوح القسري في العالم.  كما أنّ المسؤولية تقع عليهم إزاء كثير من الإساءات المُرتكَبة لحقوق الإنسان.  وعموماً، على أي حال، لم يُنظَر إلى الفاعلين من غير الدّول على أنّهم يشكلون محوراً أساسياً في العثور على الحلول اللازمة لتلك المشكلات.  فأولئك الفاعلون كيانات لا تتبع للدّول، وبذلك فهم غير قادرين على المشاركة في إيجاد المعايير الدّولية القانونية اللازمة لتنظيم مثل تلك المسائل.  ولا يمكنهم أيضاً الانضمام كأعضاء في المعاهدات الدّولية.  لكنَّ الجهود المبذولة لتحسين مستوى الحماية المقدَّم للمدنيين خلال النزاع المُسَلَّح لا يمكنها بحال من الأحوال تجاهل الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول. 

ومنذ عام 2000، تعمل منظمة نداء جنيف، وهي منظمة سويسرية غير حكومية، على إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول[i] ضمن مساعيها الرامية إلى تحقيق امتثال أولئك الفاعلين للمعايير الإنسانية الدّولية، وذلك بالتركيز مبدئياً على حظر الألغام الأرضية المضادة للأشخاص، ثمَّ حماية الأطفال والنساء ومنع وقوع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء النزاع المُسَلَّح.  ولقد اكتسبت منظمة نداء جنيف تجربة يمكن الاستفادة منها في إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في القضايا التي تمس النزوح الناتج عن النزاعات.

 

تجربة منظمة نداء جنيف في حظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد

تعمل منظمة نداء جنيف مع الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في التصدي لمسألة الألغام الأرضية، ولهذا العمل بُعدَان اثنان أساسيان.  أولهما أنّ المنظمة المذكورة قد تبنَّت"منهجاً دامِجاً" ينبذ استخدام السبل القمعية (كالوسم بالعار) واستبدلت بها السعي نحو تحقيق التغيير من خلال الحوار، والإقناع، والتعاون. [ii]  أما الوجه الثاني لذلك العمل فيتمثل في جهود المنظمة في التصدي لغياب الشعور بالانتماء إلى المعايير الإنسانية من قبل الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول، حيث طوّرت منظمة نداء جنيف آلية إبداعية هي "صك الالتزام للامتثال للحظر الكامل على الألغام الأرضية المضادة للأفراد وللتعاون في مجال العمل لمكافحة الألغام"  (نشير إليه لاحقاً في هذا المقال بصك الالتزام.)

وتُمكّن الآلية المذكورة الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول من إعلان التزامهم بالمعايير المشابهة لتلك التي تنص عليها اتفاقية حظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، وتخزينها، وإنتاجها، ونقلها، وضرورة إتلافها، التي لا يجوز لأولئك الفاعلين، على اعتبار أنهم يشكلون كيانات من غير الدّول، الدخول في تلك الاتفاقية كطرف ولا التوقيع عليها.  وبالتوقيع على صك الالتزام، يلتزم الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول بالحظر الكامل على الألغام المضادة للأفراد، وبالتعاون، حيث كان ذلك مجدياً، في نشاطات نزع الألغام[iii]، كما أنّ ذلك يتيح المجال لعمليات الرصد والتحقق من التزام أولئك الفاعلين بالصك.

وأشركت منظمة نداء جنيف حتى الآن قرابة سبعين من الفاعلين المُسَلَّحين من غير الحكومات في العالم.  وبدءاً بكانون الثاني 2011، وقَّعت 41 منها صك الالتزام بحظر الألغام المضادة للأفراد[iv]، علماً أنَّ هذه المنظمات تنشط في عشرة بلدان وأقاليم مختلفة في كل من بورما/ميانمار، وبوروندي، والهند، وإيران، والعراق، والفلبين، والصومال، والسودان، وتركيا، والصحراء الغربية.

وقد كان من شأن هذه الالتزامات تحسين مستوى الحماية المقدم للمدنيين في المناطق التي تنشط فيها الجماعات الموقعة على الصك.  وعلى العموم، قدّم الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول والمُوقِّعون على الصك المساعدات، وامتنعوا عن استخدام الألغام المضادة للأفراد، وأزالوا مخزوناتهم منها، وتعاونوا في العمل لنزع الألغام في المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم أو في مناطق نشاطهم. [v]  وفضلاً عن ذلك، فقد كان لإشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في حظر الألغام المضادة للأفراد فائدة كبيرة تمثَّلَت في استحداث انطلاقة نحو التركيز على ضرورة حماية المدنيين من أي انتهاكات أخرى بحقهم.  فالمادة الخامسة من صك الالتزامات تنص على أن يتّخذ المُوقِّعون حظر الألغام المضادة للأفراد على أنها الخطوة الأولى وتتبعها خطوات أخرى لتوسيع نطاق الالتزام بالمعايير الإنسانية. كما عبّر كثير من الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول عن دعمهم وتأييدهم لمساعي منظمة نداء جنيف في توسيع نطاق تركيزها العملي ليشتمل على القضايا الإنسانية أيضاً.  كما حُدِّدت قضايا حماية الأطفال والنساء في النزاعات المُسَلَّحة على أنَّها واحدة من الأولويات التي لا بد من التَّصدّي لها.  ونتيجة لذلك، أطلقت منظمة نداء جنيف مؤخراً "صك الالتزام لحماية لأطفال من آثار النِّزاع المُسَلَّح" وهي الآن تستكشف إمكانية تطوير أداة خاصة بحظر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في النِّزاع المُسَلَّح. 

 

عملية الإشراك

تتوقف دراسة إمكانية استخدام أداة مكتوبة موحَّدة كأداة لإشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في مسألة النُّزوح على ضرورة النَّظَر في العملية التي تستخدمها منظمة نداء جنيف في ضمان الامتثال إلى أحكام صك الالتزام الخاص بحظر الألغام المضادة للأفراد.

فقبل التوقيع على الصك، يُجرى حوار مع ممثلي قيادات الجهة الفاعلة المُسَلَّحة المعنية.  ولكي يتسنى إشراك تلك الجماعة، من المهم أن نكون على فهم بالعوامل التي قد تُؤثِّر عليها، ومن المهم أن ندرك أنّ الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول لا يعملون في فراغ سياسي أو اجتماعي.  فمعظم هؤلاء الفاعلين، إن لم يكن جميعهم، يمتلكون قاعدة شعبية أو يستمدون الدعم من المجتمعات المحلية التي تأصلوا منها.  وفي كثير من الحالات، أثبتت عملية التحسيس ورفع الوعي في هذه القواعد الشعبية أو المجتمعات المحلية أهميتها في ممارسة الضغوط على الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول وذلك مقدمة لإحداث التغيير الإيجابي في سلوك هؤلاء الفاعلين.

لكن، ليس جميع الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول التي خاطبتها منظمة جنيف أبدوا تنديدهم لاستخدام الألغام المضادة للأفراد.  ومع ذلك تجنبت منظمة نداء جنيف الاتصال بأولئك الفاعلين من مبدأ "نكسب كل شيء أو لا شيء" بل حافظت على الحوار معها، واستخدمت الوسائل البديلة للتدرّج في الحد من أثر الألغام المضادة للأفراد على المدنيين، منها على سبيل المثال تحديد مناطق معينة وإزالة الألغام منها، وتشجيع الحد من حدوث الظروف المواتية لاستخدام الألغام.

وبما أنّ الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول يفتقرون غالباً إلى الموارد الضرورية، وكذلك يفتقرون إلى القدرات والمعدات اللازمة لتنفيذ التزاماتهم بموجب الاتفاقية خاصةً في مجال نشاطات العمل ضد الألغام، فمن المهم جداً توفير المساعدة لهم في هذا المجال سواءٌ أكان ذلك عن طريق التدريب أم عن طريق تقديم المساعدات الفنية. 

ولضمان وفاء المُوقِّعين بالتزاماتهم، طورت منظمة نداء جنيف آلية رصد الامتثال من ثلاثة مستويات.  في المستوى الأول، يُطلب إلى الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول الإبلاغ عن تنفيذهم لبنود الاتفاقية والتزامهم بها.  وهذه بالطبع عملية رقابة ذاتية تشجّع المُوقِّعين على تحمل مسؤوليتهم إزاء التزاماتهم.  وفي المستوى الثاني، تجري منظمة نداء جنيف اتصالاتها مع الفاعلين الآخرين كالحكومة والمنظمات الدّولية والمحلية المستقلة ووسائل الإعلام لمتابعة المستجدات على الأرض.  أمّا في المرحلة الثالثة، فقد ترسل منظمة نداء جنيف بعثات ميدانية إما على أساس المتابعة الروتينية المنتظمة، أو للتحقق من أي مزاعم تُذكر عن عدم التزام أولئك الفاعلين. [vi]

 

تطبيق مقاربة منظمة نداء جنيف على التهجير؟

لا يوجد بعد تقديرات عالمية حول أعداد الأشخاص الذين ينزحون نتيجة نشاطات الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول.  ومع ذلك، من الواضح أنّ الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول، في كثير من الأحوال، كانوا مسؤولين مسؤوليةً مباشرة أو غير مباشرة عن الحركة القسرية للمواطنين، أو ترحيلهم أو الإبقاء عليهم قسراً في مكانهم.  ومن الواضح أيضاً أنّ الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول مسؤولون عن مختلف أنواع الاستغلال المادي والجنسي للاجئين والنازحين على حد سواء. 

هناك بعض المنظَّمات الإنسانية كالمنظمات التابعة للأمم المتحدة، واللجنة الدّولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل بالفعل على إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول.  وقد اتخذت هذه الجهود أشكالاً عدّة، منها، على سبيل المثال، التفاوض على النَّفاذ إلى السُّكان النَّازحين، وفي حالات أقل، تقديم التدريب إلى الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في مجال حماية النَّازحين. [vii]  ويبدو أنَّ معظم تلك المبادرات قد اتُّخذت على أساس ما يفرضه الحال، وإلى علم كاتبي المقالة حتى الآن لم تُطوّر أي منظمة كانت أداة رسمية للإشراك.  ولذلك، سوف نركز في نقاشنا هذا على مقاربة منظمة جنيف التي يمكن الاستفادة منها في إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في قضايا المعايير المتعلقة بالنزوح.

 

الإطار القانوني

لقد ساعد توضيح نصوص معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد إلى درجة كبيرة في تطوير صك الالتزام بحظر الألغام المضادة للأفراد.  لكنَّ الإطار القانوني المنظّم للنُّزوح أكثر تعقيداً.  فالنازحون، كلّ حسب وضعه، يحق لهم الحصول على الحماية وفقاً لقانون أو لمجموعة من القوانين منها قانون اللاجئين الدّولي، والقانون الإنساني الدّولي، وقانون حقوق الإنسان الدّولي، ونصوصها موجودة أيضاً في عدد من المعاهدات والاتفاقيات.  كما أنّ هناك عدد متنوع من المعاهدات الإقليمية والقوانين الوطنية والمبادئ الإرشادية التي تسعى إلى تطبيق هذه المعايير الدّولية وتسهيل إدخالها في القانون المحلي.

وإذا ما أخذنا كل ذلك معاً في الاعتبار، نجد أنَّ مختلف الصكوك تفرض واجبات تهدف إلى أمرين هما: منع النُّزوح من جهة، وحماية النَّازحين من جهة أخرى في كل مرحلة من مراحل النّزاع والعودة.  وبالإضافة الالتزامات السلبية (أي الامتناع عن إجبار السُّكان على النُّزوح، والامتناع عن ممارسة الإساءات بحق النَّازحين، وإلى ما هنالك)  هناك أيضاً التزامات إيجابية (كضمان النَّفاذ إلى الغذاء، والمأوى، والتعليم وغيرها).  ومن هنا، لا بد لأي صك إنساني حول النُّزوح أن يوازن بين الحاجة إلى تحقيق أكبر درجة ممكنة شاملة في الظروف المختلفة التي يحتمل تعرض الناس فيها لخطر النُّزوح، مع الحاجة الأخرى لضمان إمكانية تطبيق معاييرها على أرض الواقع.

 

الحوافز والمثبّطات 

هناك كثير من العوامل التي تُؤثِّر في قرار الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في الالتزام بالمعايير الدّولية، منها على سبيل المثال مخاوف التعرض لرفاه السُّكان المتأثرين ورعايتهم، والرغبة في كسب المساعدات وتوجيهها إلى الأقاليم الواقعة تحت نفوذهم، ورغبتهم في الحصول على اعتراف بقدرتهم على الحكم.  وهناك بواعث أخرى قد تكون ذات صلة بالنزوح.  لكن هناك عوامل إضافية أخرى لا بد من أخذها في الاعتبار، فمع الأخذ بالاعتبار عملية إلقاء اللوم على الدّول أثناء النُّزوح القسري (كما الحال في حملات الدّولة لمقارعة المُسَلَّحين)، سيكون هناك احتمال أكبر بأن يطالب الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول بتطبيق مبدأ التعامل بالمثل مطالبين بامتثال الدّولة أيضاً بالمعايير الدّولية المتعلقة بالنزوح.  ومن هنا، مهما بلغ الحذر في مقارنة قضايا الألغام الأرضية بالنزوح، تُبيّن خبرة منظمة نداء جنيف أنّ هناك بعض الحالات بالفعل التي التزم فيها الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول بالمعايير الدّولية دون اشتراط تطبيق مبدأ التعامل بالمثل.  فقد كان هناك 36 من أصل 41 مُوقِّعاً على صك الالتزام بحظر الألغام المضادة للأفراد، تنشط في الدّول غير المنضوية تحت ذلك الصك.

ومن المهم أن ننتبه أيضاً إلى أنّه على النقيض من مسألة استخدام الألغام المضادة للأفراد بحد ذاتها، يمكن لانتهاك المعايير الخاصة بالنزوح القسري، في بعض الظروف، أن يشكّل جريمة حرب بل قد يرقى ذلك إلى أن يكون جريمة ضد الإنسانية.  ومن الصعب التنبؤ بأثر ذلك الاعتبار على عملية الإشراك.  فمن ناحية، ، يشير بعض المعلقين إلى الأثر الرادع للعدالة الدّولية.  فالخوف من الملاحقة القضائية قد يُشكِّل حافزاً لدى قادة الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول وقياداتهم العسكرية لضمان امتثال ممارساتهم للمعايير الدّولية.  ومن هنا، يسهل عمل المنظمة الراغبة في إشراك أولئك الفاعلين.  ومن جانب آخر، قد لا يكون الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول راغبين كثيراً في خوض الحوار أو التفاوض بنية حسنة مع مثل تلك المنظمة خشية أن تعمد تلك المنظمة إلى إفشاء المعلومات التي تحصل عليها من الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول (إما طوعاً أو من خلال تعرضهم للمحاكمة)  والتي يمكن استخدامها لاحقاً باتخاذ إجراءات ضد أعضاء الجماعة المُسَلَّحة أو ضد الجماعة المُسَلَّحة ذاتها.  وتتوقع منظمة نداء جنيف الحصول على خبرة في هذا المجال بالذات من خلال عملها مع الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في إطار الصك الجديد للالتزام بحماية الأطفال من آثار النِّزاع المُسَلَّح، حيث إنَّ تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة يُشكِّل جريمة حرب.

 

دعم تطبيق الامتثال ورصده

في الوقت نفسه الذي يصاغ به الصك الإنساني حول النُّزوح، سيكون من المهم التخطيط لإنشاء آليات لتقديم الدعم في التنفيذ ورصد الامتثال.  ومن المرجح أن يكون الدعم الخارجي لتطبيق الالتزامات حول النُّزوح من قبل الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول أمراً في غاية الأهمية في التَّصدّي لقضية الألغام الأرضية.  وبالفعل، فإننا نتطرق هنا إلى اختلاف جوهري بين مسألتين اثنتين.  الأولى أنّ الألغام الأرضية لا بد من نزعها وإتلافها، ما يتطلب، بطبيعة الحال، خبرة كبيرة في هذا المجال ناهيك عن توفير الموارد.  ومع ذلك فهي عملية محدودة تقتصر على التصدي لمسألة الأجسام غير الحيّة كالألغام.  أمّا في حالة السُّكان النَّازحين، ممن لديهم الأهلية والحقوق أيضاً، وممن تعرضوا إلى تجارب مختلفة من الاستضعاف في كل مرحلة من مراحل النُّزوح، فالصورة تصبح أكثر تعقيداً بكثير.  ولتحسين مستوى الحماية المقدمة للسكان المتأثرين، ولتحقيق التغير الدائم، لا بد من توفير الدعم المستمر الذي يعد عاملاً حاسماً في ذلك التغيير المنشود.  

كما سيمثل رصد الامتثال للصك الإنساني حول النُّزوح تحدياً كبيراً، ففي بعض الحالات، سيكون من الصعب جداً التمييز بين الحركة السكانية الطوعية والقسرية وبذلك سيصعب تقييم السبب الحقيقي للنُّزوح.  وفي حين قد يكون النِّزاع سبباً من أسباب فرار الأشخاص من منازلهم، فهناك أسباب أخرى لذلك، ما يُصعّب تحديد فاعل محدد على أنّه المسؤول الحقيقي للنُّزوح. 

ومن التحديات الأخرى أيضاً أنّ بعض الالتزامات الخاصة بالنِّزاع ليست التزامات مُطلَقة.  فعلى سبيل المثال، يحظر القانون الإنساني الدّولي على المدنيين مغادرة مكان إقامتهم ما لم يكن ذلك نتيجة توخي أمن المدنين المعنيين أو ما لم يكن هناك ضرورة عسكرية مباشرة لذلك.  ومع هذا، سيكون من المفيد جداً تقييم مثل تلك الأوضاع مهما لقي من تعارض في الآراء حولها.

 

الخلاصة 

عندما نأخذ بالاعتبار واقع النزاعات المُسَلَّحة في يومنا هذا، لا بد من التركيز على ضرورة تضافر الجهود في تحسين مستوى الحماية المقدم للمدنيين.  لكنَّ تلك الجهود لا ينبغي لها أن تقتصر على التَّصدّي لسلوك الدّول بل لسلوك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول أيضاً.  وفي حين أثبتت الآليات المتّبعة لإنفاذ القواعد على أنها غير كافية، أظهرت تجربة منظمة نداء جنيف أنَّ انتهاج مقاربة دامِجة تمكّن من إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في تغيير سلوكهم دون الحاجة إلى توجيه التهديد أو اللجوء إلى الأساليب القسرية إزاء أولئك الفاعلين. 

ورغم أنَّ الأمر لا يخلو من تحديات في السعي وراء إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في المعايير المرتبطة بالنزوح من خلال تطوير آلية رسمية واستخدامها، فإنَّ مستوى النُّزوح العالمي ومعاناة النَّازحين لن يتطلَّبا من المجتمع الإنساني أن يكون على جاهزية كاملة قبل استكشاف الطرق الناجعة والمبدعة في معالجة هذه المسألة.

 

 

باولين لاكروي، (pauline.lacroix@graduateinstitute.ch) تخرجت حديثاً في المعهد العالي للدراسات الدَّولية والإنمائية في جنيف، وقد عملت متدربة في قسم آسيا في منظمة نداء جنيف عام 2010.  كتبت هذه المقالة بمساعدة باسكال بونغارد (pbongard@genevacall.org) وهو يعمل في منظمة نداء جنيف مديراً للبرامج لشؤون أفريقيا وهو أيضاً مستشار للسياسات فيها، وكريس روش (crush@genevacall.org) وهي مسؤولة رئيسية للبرامج في قسم آسيا في منظمة نداء جنيف (http://www.genevacall.org/  )



[i]  لأسباب عملية، تستخدم منظمة نداء جنيف مصطلح "الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول" للإشارة إلى الكيانات المُسَلَّحة المنظمة التي تقودها أهداف سياسية في المقام الأول والتي تنشط خارج سيطرة الدّولة وتفتقر إلى الصفة القانونية الضرورية لتكون طرفاً في الاتفاقيات الدّولية.  ويتضمن التعريف المذكور جميع الجماعات المُسَلَّحة التي تمارس نفوذاً بحكم الواقع وكذلك الدّول غير المعترف بها أو شبه المعترف بها دولياً.

[ii]  راجع أيضاً Armed Non-State Actors and Landmines (الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول والألغام الأرضية)- Vol III: Towards a Holistic Approach To Armed Non-State Actors? 2007  http://tinyurl.com/GCall-2007

http://www.genevacall.org/resources/research/f-research/2001-2010/gc-2007-nov-ansal3.pdf

[iv]  يمكنكم الاطلاع على قائمة المُوقِّعين على الصك على الرابط التَّاليhttp://www.genevacall.org/resources/list-of-signatories/list-of-signatories.htm http://tinyurl.com/GenevaCallSignatories ومن المهم أن نذكر هنا أنّ عدداً من المُوقِّعين قد غيَّروا صفتهم منذ وقت التوقيع ولم يعودوا مشمولين ضمن الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول حالياً,  فبعضهم أصبح جزءاً من السلطات في الدّولة، في حين حُلّ بعضهم الأخر أو تخلوا عن الصراع المُسَلَّح.

[v]  لمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على (الفاعلون المُسَلَّحون من غير الدّول والعمل لإزالة الألغام وامتثالهم لصك الالتزام بحظر الألغام المضادة للافراد) Non-State Actor Mine Action and Compliance to the Deed of Commitment Banning Anti-Personnel Landmines: January 2008 – June 2010. Geneva Call. 2010 http://www.genevacall.org/resources/research/f-research/2001-2010/gc-2010PR

http://tinyurl.com/GCall-compliance2010

 

[vi]راجع، على سبيل المثال، (تقصي الحقائق خلال النزاع المُسَلَّح: تقرير بعثة التحقق لعام 2009 إلى الفلبين للتحقيق في مزاعم استخدام الالغام المضادة للأفراد من قبل جبهة مورو الإسلامية) Fact-Finding during Armed Conflict: Report of the 2009 Verification Mission to the Philippines to investigate Allegations of Anti-Personnel Landmine use by the Moro Islamic Front. Geneva.

http://tinyurl.com/2010-GC-Report-Philippines

[vii]  راجع نشاطات مجلس اللاجئين النرويجي، Zeender, Greta. 2005 (إشراك الفاعلين المُسَلَّحين من غير الدّول في حماية النَّازحين) ‘Engaging armed non-state actors on internally displaced persons protection’, Refugee Survey Quarterly Vol. 24, no. 3, pp. 96-111.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.