الهجرة العالمية والحاجة للاستجابة العالمية

في عام 2009، أطلقت البعثة الكاثوليكية الدولية للهجرة المرحلة الأولى من عملية "الحوارات" من خلال عقد اللقاءات مع مختلف قياديي الوكالات الرئيسية ذات المصلحة في شؤون الهجرة وهي: منظمة الهجرة الدولية، والمفوضية العليا للاجئين، ومنظمة العمل الدولية، ومعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث.  وسنتطرق في معظم محاور هذه المقالة إلى تلك النقاشات التي دارت  بين البعثة وتلك الأطراف. [i]  ومنذ ذلك الوقت، عُقدَت عدّة اجتماعات للطاولة المستديرة واجتماعات حكومية أخرى في بروكسل، ونيويورك، وواشنطن بما فيها جلسة مع سفراء الأمم المتحدة في نيويورك.

لقد حافظت الاستجابات الوطنية للهجرة، رغم صبغتها العالمية، على الأولوية في تحقيق الاستجابات العالمية، مع أنَّ كثيراً من البلدان ما زالت تفتقر إلى أي برنامج شامل محلي للتعامل مع قضايا الهجرة.  ويستثنى من ذلك نظام اللجوء الذي أصبح له نظام دولي، لكنّه لم يُدمَج بعد بأنواع الهجرة الأخرى، في حين ينبغي لأيّ استجابة عالمية لحاجات الهجرة أن تعالج التحديات والخصوصيات التي تفرضها الهجرة القسرية باعتبارها جزء من نظام اللجوء.  فهناك، على سبيل المثال، قضايا كبيرة تتعلق بهوية المهاجرين وأنماطهم.

وفيما يتعلَّق بسياسة الهجرة، فعادة ما نميل إلى إتِّباع الاستراتيجيات الوطنية إلى درجة كبيرة، لكنّ ذلك لا يكفي فكثير من المبادرات في الماضي[ii] عرضت مسوّغات عدّة تُبرّر الحاجة إلى إيجاد منهج يقوم على قدر أكبر من التعاون والمشاركة في إدارة الهجرة الدَّولية. ومع ذلك كله، لم تلق أي من تلك المبادرات نجاح يذكر في نهاية المطاف.  إذن، كيف يمكن للبلدان أن يساعد بعضها بعضاً في إيجاد تدابير دولية متبادلة معزّزة يمكن من خلالها التعامل بصورة أكثر فعاليةً مع الضغوط المحلية المفروضة على كل منها؟

إطارٌ عامٌّ دولي

قد تبدو فكرة "الحوكمة العالمية" مصدراً للتهديد للبعض، وقد يخشى البعض الآخر أنّ الحوكمة العالمية ستقود في نهاية المطاف إلى إنشاء وكالة جديدة فوق وطنية.  لكن تأسيس إطار دولي لصنع السياسات المتعلقة بالهجرة لا يُعنى بصورة رئيسية بتخلي الحكومات عن سلطاتهم أو فقدانهم لها.    فالحقيقة هي أنَّه في حقبة ما زالت تشهد تسارعاً في العولمة، كان أصحاب العمل، والمهرّبون، وشبكات المهاجرين، والعملاء وفرادى المهاجرين أنفسهم قد نفذوا ما يريدون فعله.  فلا بد من تحسين تدابير جديدة للحوكمة أو استحداثها (في حالة عدم وجودها) لتقنين هذه المبادرات المخصصة وتحسينها والإشراف عليها.  والتحدي هنا لا ينحصر في بعض الحكومات دون غيرها، ولا ينحصر أيضاً على الدٌّول الموسرة.  كما لم يعد من الممكن تقسيم البلدان إلى صنفين: البلدان المرسلة والبلدان المستقبِلة.

ولن تحظى الهجرة الدَّولية كقضية بأكثر من التأييد على المستوى السياسي وصنع السياسات، في حين يرى كثير من الناس ضرورةً لوجود إطار مؤسسي محسّن متكامل قائم على الأسس المعيارية والعمليات الإقليمية المتماسكة.  ولا بد لهيكلية الحوكمة العالمية هذه أن تستند إلى الاتفاقات والعمليات الوطنية وثنائية الأطراف والإقليمية القائمة التي تتيح حالياً حوكمة "خفيفة" في مجال الهجرة العالمية التي تضم: الحوارات ثنائية الأطراف، والإقليمية والعالمية، والبنى والتعاون فوق الوطنية (كالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال)، والهيئات متعددة الأطراف، والأطر الدَّولية القانونية.

ومن المفيد أيضاً إيجاد منبر دولي رسمي دائم يتيح المجال للمناقشة المنتظمة ولاتخاذ القرارات اللازمة بشأن العمل الجماعي.  فتأسيس هذا المنبر قد يساعد البلدان على رسم سياسات متماسكة وشاملة للهجرة على المستوى الوطني.  وينبغي أن يرعى المنبر الاجتماعات الدَّولية المنتظمة للوزراء المسؤولين عن الهجرة حيث يمكنهم مشاركة النظراء بخبراتهم في التشريعات والتنظيم والممارسات المتعلقة بسياسة الهجرة.  وينبغي للمنبر المقترح أيضاً أن يتيح الفرص أمام البرلمانيين لمناقشة القضايا المتعلقة بشؤون الهجرة سعياً وراء صياغة استراتيجيات أفضل لإشراك مواطني بلدانهم.

وتبقى الخطوة الرئيسية تحديد المزايا المحددة التي قد تتأتى عليها البلدان بتبنيها للإطار الدَّولي لعملية اتخاذ سياسات الهجرة.  وهذا بدوره سيستدعي إطلاق حملة عامة بنّاءة لكسب التأييد وذلك للتأكيد للقادة السياسيين وصانعي السياسات ووسائل الإعلام والجمهور عامّة على أهمّيَّة الحوكمة العالمية للهجرة.

هناك أيضاً مجال لتحسين العمليات الحالية كمجموعة الهجرة العالمية[iii] والمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية[iv]، وهناك مجال لبناء العلاقات بين كبرى هيئات الهجرة الرئيسية وإقامة الشراكات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص.  ومن الضروري أيضاً ضمان أن يكون الحوار عالي المستوى في الأمم المتحدة حول الهجرة والتنمية والمخطط لعقده عام 2013 تفاعلياً وموجّهاً بالنتائج بدلاً من أن يقتصر على سلسلة من البيانات المستقلة.

لكنّ للهجرة جانباً أكثر ظلمة وإحباطاً، فبعض المهاجرين يمرّون بتجربة محبطة، في حين يستخدم البعض الآخر عملية الهجرة لغايات غير سليمة. كما يعمد كثير من عديمي الضمير إلى استغلال يأس الناس ما يدفعهم إلى الرغبة في الهجرة أو التعرض للهجرة القسرية.

 

وعلى هذا، تبقى الهجرة عامّةً فرصة لكل من المهاجرين والدول على حد سواء.  فالمهاجرون حالمون ورياديون.  وغالباً ما يخاطرون بكل ما لديهم حتى بأرواحهم رغبة في تحقيق مستقبل أفضل لهم.  وبالمقابل، تساعدهم ثراء أفكارهم وخبراتهم وطاقاتهم على تجديد المجتمعات وإعادة بنائها.  لكنّ موضوع الهجرة نفسه مثير للعواطف ويقود إلى ظهور المخاوف والإدراكات الخطرة التي قد تتسبب في تعرض المواطنين للقلق والإزعاج على اختلاف مشاربهم ومواطنهم.

 

لجميع الأسباب والتناقضات التي ذكرناها، على الحكومات تجنب الوقوع في مأزق الانفراد في إتباع إستراتيجية الهجرة.  كما عليها أن تكون صريحة وشجاعة حيث تفرض الوقائع والضغوط على الحكومات إعادة النَّظَر في السياسة.  ولمساعدة البلدان على تعظيم الفرص التي تتيحها الهجرة، مع أفضلية التَّصدّي للتحديات المرافقة لها، يتعين على القادة السياسيين إرشاد حكوماتنا ومؤسساتنا برفدهم بالرؤية والقيادة الدوليتين اللتين تطلب بهما الهجرة العالمية. 

 

سيرجيو مارشي (smarchi@ictsd.ch) المستشار الخاص للأمين العام للبعثة الكاثوليكية الدولية للهجرة.  وهو أيضاً زميل المركز الدولي للتجارة والتنمية المستدامة ويحاضر حالياً في قسم العلاقات الدولية في جامعة وبستر.  وعمل سابقاً وزيراً في كندا للجنسية والهجرة، وكان سفير كندا لدى الأمم المتحدة ومنظمة التجارة الدولية، ومفوضاً في المفوضية العالمية للأمم المتحدة حول الهجرة الدولية.



[i] Connecting the Dots (الوصل بين النقاط) http://www.icmc.net/pubs/connecting-dots

[ii]  بعثة ويلي براندت عام 1980، وبعثة الحوكمة العالمية عام 1993، والنظام الدولي الجديد للحركة المنتظمة للأشخاص عام 1997، ومبادرة بيرين عام 2001، وبعثة الأمن البشري عام 2001، والبعد الاجتماعي للعولمة عام 2004، والبعثة العالمية للهجرة الدولية عام 2005.

[iv] http://www.gfmd-fmmd.org

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.