الطريق نحو الانتعاش: التعليم في مجتمعات النَّازحين

لقد وقع إخفاق في إدماج تعليم اليافعين والبالغين باعتباره مكوّناً معيارياً لا بد من مراعاته أثناء النُّزوح.

في الوقت الحالي، تُوجَّه المساعدات التعليمية الإنسانية نحو التعليم الأساسي مع تهميش تعليم اليافعين والبالغين.  وينعكس ذلك على كلّ من الأولويات السياسية وتخصيص الموارد.  وتُبيّن دراسة مسحية أجرتها بعثة اللاجئات ندرة برامج التعليم المقدَّمة ما بعد مرحلة التعليم الأساسي، بل هي بعيدة المنال للفئات المستهدفة المهجّرة بين الدٌّول المتأثرة بالنِّزاع وفي تلك الدٌّول أيضاً. [1]  وبما أنَّ معظم النَّازحين يعيشون النُّزوح لفترات طويلة قد تصل إلى أكثر من عقد كامل، فهناك حاجة إذن إلى تقديم برنامج شامل للتعليم لهم في تلك الفترة العصيبة.

 

وهناك ثلاث مجالات ضمن تعليم اليافعين والبالغين من شأنها أن تساعد في عملية التنمية، وهي: محو الأمّية، والتعليم الثانوي، والتدريب الفني والمهني.

 

محو الأمية من البرامج المهمة جداً لليافعين والبالغين على حد سواء.  وفي كانون الأول 2009، تُبنّي إطار بيليم للعمل [2]  الذي يطالب "بمضاعفة الجهود مجدداً للحد من الأمية وفقاً لمستويات الأمية عام 2000 بنسبة 50% مع حلول عام 2015. " كما ركّز ذلك الإطار على ضرورة رفع مستوى تعبئة الموارد والخبرات وتقديم المناهج التعليمية اللازمة وإتاحة الآليات اللازمة لضمان الجودة والحد من فجوة محو الأمية بين الجنسين.  وفي الوقت الحالي، هناك نقص في برامج محو الأمية الفعالة خاصة في المناطق التي تعاني من النِّزاع رغم الحاجة الماسة لمثل هذه البرامج.  أمّا محو الأمية فيشكِّل أداة رئيسية للناس عامة لكي يتمكنوا من استيعاب العالم من حولهم وصنع القرارات المدروسة.

 

فضلاً عن ذلك، ليس محو الأمية حقَّاً من حقوق الإنسان فحسب، بل هو حق "تمكيني" لأنّه مقدمة لا بد منها لكي يتمكن الناس من التمتع بكثير من حقوق الإنسان بما فيها حق حرية التعبير وحق المشاركة في الشؤون العامَّة وحق العمل وحق المشاركة في الحياة الثقافية.

 

والنفاذ إلى التعليم الثانوي مجال آخر يتطلب التحسين في ظروف النِّزاع في كل أنحاء العالم.  ووفقاً لبعثة اللاجئات، فإنَّ نسبة النَّازحين اليافعين الملتحقين بالتعليم الثانوي تقل عن 6% في العالم.  والمدرسة الثانوية تتيح بيئة تُمكِّن اليافعين من اكتساب المهارات المعرفية والاجتماعية المهمة بحيث يصبحون فيها أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم.  وبمقدور التعليم الثانوي أيضاً الحد من التعرّض للتجنيد في الجماعات المُسلَّحة غير الحكومية أو الاتجار بالبشر، فكلا النشاطان يستهدفان اليافعين المُهمَّشين.  وبما أنَّ الشباب هم قادة المستقبل في مجتمعاتهم وبلدانهم، فلا بد من توافرهم على المهارات اللازمة لتولِّي مسؤولياتهم وليكونوا على قدر أكبر من التنافسية الاقتصادية.

 

والتدريب الفنِّي والمهني أيضاً له دور هام وحيوي في مجتمعات النَّازحين.  فكثيرٌ من النَّازحين فقدوا مصدرهم الرئيسي لكسب الرزق ما يتطلب منهم بناء مهارات جديدة لتحقيق الاكتفاء الاقتصادي.  وهناك من النَّازحين من يجدون أنفسهم بحاجة للمرة الأولى في حياتهم بكسب العيش بعد النُّزوح.  ومن هنا، تتبين أهمّيَّة وجود مناهج التعليم غير النظامي والمرن في هذا القطاع لتوفير الخيارات الكبيرة المناسبة لليافعين والبالغين المتولّين لمختلف الأدوار والمسؤوليات.  ومع أنّ برامج التدريب الفنِّي والمهني لم تشهد تطبيقاً واسع النطاق في مجتمعات النَّازحين، فيشار إلى أنّ البرامج التي طُبِّقت حتى الآن قد حققت نتائج إيجابية كبيرة.  ولا بد أيضاً من إدماج المرأة بعناية في هذه البرامج، فالمرأة في سياق النُّزوح غالباً ما تكون في وضع أدنى من وضع الرجل في تلقي المعلومات المتعلقة بمثل هذه البرامج خاصة في المجتمعات التقليدية الذكورية.

 

وإلى يومنا هذا، ما زالت الوعود بضمان حق التعليم وعوداً فارغة لم تتحقق بالنسبة للنَّازحين في جميع أنحاء العالم.  وفي كانون الثاني 2010، نشرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) تقرير الرصد العالمي للتعليم للجميع 2010: النَّفاذ إلى المُهمَّشين[3] وقدمت تقديراتها للتقدم العالمي خلال العقد المنصرم نحو تحقيق الأهداف الستة التي حددها المؤتمر العالمي للتعليم للجميع (في داكار 2000).  ويبيّن التقرير أنَّ أبرز التحديات تمثَّلَت في تحقيق التقدم نحو الهدف الثالث وهو "تعزيز التعلُّم والمهارات الحياتية لليافعين والبالغين"  ويقول التقرير "على النقيض من الأجزاء الأخرى من إطار داكار، لقي الهدف الثالث إهمالا جسيماً.  فغياب ذلك الهدف كان واضحاً ليس في أجندات مؤتمرات القمّة عالية المستوى فحسب، بل في حملات المنظَّمات غير الحكومية أيضاً."

 

ووفقاً لتقرير اليونيسكو، لم يتحقق من التقدم سوى القليل نحو تحقيق هدف تخفيض نسبة الأمية إلى 50% وذلك ما يُؤثِّر على ما يقدر عدده بـ 759 مليون شخص في العالم ممن هو فوق سن الخامسة عشرة، أي واحد من كل خمسة بالغين.  ومن الجدير بالذكر أنّ النساء يشكّلن ثلثي نسبة الأمية بين البالغين في العالم.  وبالإضافة إلى ذلك، وبما أنَّ محو الأمية متمركزة كل الارتكاز على اللغة، فإنَّ الأمية تُؤثِّر تأثيراً غير متناسب على الأشخاص المتحدثين بلغات الأقليات واللغات الأصلية حول العالم لأنَّ فرصهم أقل في اكتساب مهارات محو الأمية واستخدامها. [4]

 

قواسم مشتركة

 

لكي نصل إلى فهم واضح للتحديات التربوية المُستبطنة، لا بد من أن نكون على دراية بالقواسم المشتركة بين الفقر, ومحو الأمية، والتعرّض لحالات الطوارئ.  وغالباً ما يكون الأشخاص من ذوي الدخول الأدنى أكثر الفئات التي تتأثر سلبياً بذلك.  وفي الوقت الحاضر، هناك أكثر من 25 بلداً في العالم تشهد أدنى مستوى لمعدلات الأمية بين البالغين وهي إمّا تعيش النِّزاع أو أنّها خرجت للتو منه.  يضاف إلى ذلك أنّ 10 من 25 بلداً من البلدان التي تشهد أدنى معدلات لمحو أمية البالغات هي من البلدان المتأثرة بالنِّزاع.

 

لكنّ القواسم المشتركة بين الفئات الأقل حظاً أكبر من ذلك بكثير.  ومع أنّ إِعدَادَ إحصاءات سكّانية عالمية حول النَّازحين من المهام الصعبة، ما زالت المسوحات الوطنية التي أُجريت في البلدان التي تعيش فيها أعداد كبيرة من النَّازحين تُظهر أنّ من يعيش في الفقر، والأقليات العرقية والنساء متأثرون جميعاً بنسب غير مواتية بالنزوح[5].  ووفقاً لتقرير اليونيسكو "التعليم للجميع" فإنَّ تلك هي القطاعات ذاتها بالنسبة للفئات السكانية التي تتفشى فيها مستويات متدنية من التعليم.  وإضافة إلى ذلك، تُبيّن القواسم المشتركة الحاجة الكبيرة لتعليم اليافعين والبالغين في مجتمعات النَّازحين. ومع أنّ التعليم الأساسي يمنح قيمة كبرى، فهو بحد ذاته لا يكفي لتزويد الأشخاص النَّازحين بالمهارات الضرورية لتجاوز الفترة الزمنية الانتقالية وإعدادهم لبناء حياتهم بعد إعادة التوطين.

 

فلا بد إذن من إدماج تعليم البالغين والتدريب المهني في إطار المساعدات الإنسانية على أنّها مكوّنات حيوية مهمة في عملية الانتعاش.  فالتعليم لن يقتصر على تقديم الدعم في استمرار العيش والاستقرار فحسب للنَّازحين نتيجة النِّزاع، بل إنّه سيقدم المهارات الرئيسية أيضاً لإعداد النَّازحين لمرحلة بناء مستدامة لحياتهم ومجتمعاتهم وبلدانهم.

 

آمي س رواديس (ed4idps@gmail.com) تعمل في قسم إيجاد الوظائف وتطوير المشروعات في منظمة العمل الدَّولية (http://www.ilo.org).  جميع الآراء الواردة في هذه المقالة تعكس وجهة كاتبتها فقط وليس من الضروري أن تكون معبرة عن آراء منظمة العمل الدَّولية.

 

هذه المقالة مقتبسة من ورقة علمية أطول للكاتبة بعنوان Displaced Futures: Internally Displaced Persons and the Right to Education (مستقبل النَّازحين: النازحون وحقهم في التعليم)

http://www.right-to-education.org/sites/r2e.gn.apc.org/files/displaced_futures.pdf

 



[1] Ulrike Hanemann, Literacy in conflict situations (2005)(محو الأمية في حالات النِّزاع)   http://unesdoc.unesco.org/images/0014/001460/146003e.pdf

[3] UNESCO, Education for All Global Monitoring Report 2010: Reaching the Marginalized (2010) (تقرير الرصد العالمي للتعليم للجميع 2010: الوصول إلى المُهمَّشين) http://unesdoc.unesco.org/images/0018/001866/186606A.pdf

[4] UNESCO, The Global Literacy Challenge  (2008) (تحدي محو الأمية العالمي) http://unesdoc.unesco.org/images/0016/001631/163170e.pdf

[5] IDMC, Internal Displacement: Global Overview of Trends and Developments in 2008 (2009)  (النُّزوح: نظرة عامة حول النزعات والمستجدات في عام 2008)

http://www.internal-displacement.org/8025708F004BE3B1/(httpInfoFiles)/8980F134C9CF4373C1257725006167DA/$file/Global_Overview_2009.pdf

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.