أطر عمل الحماية القانونية

يعمل التَّهجير واسع النطاق المرتبط بالانتفاضات الشعبية الأخيرة في شمال أفريقيا على دعم وتحدي دور آليات الحماية القانونية.

لأكثر من 60 عاماً، قدمت اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (اتفاقية اللاجئين لعام 1951) حجر الأساس لتوفير الحماية الدولية للأشخاص المُهجَّرين. وهي تمثل مصدراً مهماً لحماية الكثيرين ممن فروا من الانتفاضات الشعبية في شمال أفريقيا، مع مصادقة العديد من دول  الوجهة مثل مصر وتونس والجزائر وإيطاليا ومالطة[1] عليها.

تنطبق اتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلى جانب بروتوكول 1967 الخاص بها، على أي شخص " ....بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد" المادة 1 (أ) (2)). والأشخاص المستوفون لهذا التعريف هم لاجئون ويستفيدون من عدد من الحقوق وفقاً للاتفاقية، بما في ذلك الحق في العمل والتعليم والسكن، علاوة على الحماية من الإعادة القسرية، التي يُقصد بها رد الشخص المكان الذي تكون فيه حياته أو حريته مهددتين (المادة 33)[2].

إلا أن السياق الأوسع لتهجير الشمال أفريقيين يلقي مزيداً من الضوء على بعض القيود الخاصة بالاتفاقية بخلاف التعريف المحدود والفني للاجئ الذي قد يستثني العديد من الأشخاص الذين هم في حاجة فعلية للحماية. ولن يتضمن تعريف الاتفاقية الأشخاص الفارين من العنف المعمم أو النزاع المسلح نظراً لعدم قدرتهم على إقامة رابط بين مخاطر الأضرار التي يتعرضون لها وأحد الأسس الخمس المحددة للاضطهاد. وبالإضافة إلى ذلك، ينحصر مفهوم اللاجئ الوارد بالاتفاقية على الأشخاص الذين ينتابهم خوف راسخ من الاعتقال فقط، فيما يتعلق بالدول التي يحملون جنسياتها. ولا يستطيع الأشخاص ممن يُطلق عليهم "مواطني دولة ثالثة"، بما في ذلك العمال المهاجرين واللاجئين من الدول الأخرى الذين يعيشون ويعملون في دول شمال أفريقيا وقت الثورات، الحصول على الحماية وفقاً لاتفاقية اللاجئين، حسب خوفهم من وقوع الضرر لهم في هذه الدول.

وبالنسبة للأشخاص الواقعين خارج نطاق اتفاقية اللاجئين، فإنه يمكن للعديد من التطورات اللاحقة في حماية المُهجَّرين قسراً أن تقدم مصدراً بديلاً للحماية. وتعد اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية الحاكمة للجوانب الخاصة من مشكلات اللاجئين في أفريقيا لعام 1969 (اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969) أحد هذه المصادر التي تستهدف التعامل مع جوانب حماية اللاجئين الأفريقية والتي لا تتناولها بدقة اتفاقية 1951[3]. وبصورة أساسية، فإن تعريف اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969 للاجئ يتضمن الحماية كي يشمل أي شخص " اضطر إلى مغادرة مسكنه الوطني واللجوء إلى مكان آخر خارج مسكنه الأصلي أو الوطني، وذلك بسبب عدوان خارجي أو احتلال أو هيمنة أجنبية، أو بسبب حوادث تخل إخلالا خطرا بالنظام العام، " (مادة 1 (2)). ويشتمل ذلك على التهجير الناتج عن أوضاع الصراع واسع النطاق، كما كان الحال في ليبيا.

وكما الحال في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، يستفيد اللاجئون وفقاً لاتفاقية 1969 أيضاً من مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحول دون إعادتهم إلى المنطقة التي تتهدد فيها "حياتهم أو سلامتهم البدنية أو حريتهم". كما أنهم يستفيدون من النطاق الشامل لحقوق اللاجئين الموضحة في اتفاقية 1951، على الرغم من أن اتفاقية 1969 نفسها لا تتضمن قائمة مقارنة للحقوق فإنَّ ذكرها صراحة لنيتها بأن تكون اتفاقية "إقليمية مكمَّلة" لما سبق تمثل أساساً قوياً لتزويد اللاجئين بالحقوق المتساوية وفقاً لكلا التعريفين.

وفي حين أن نطاق تعريف اللاجئ باتفاقية 1969 هو أشمل من نظيرتها لعام 1951، فإنه يفرض التزامات الحماية على الدول الأفريقية فقط ولا تمتد لتشمل أكثر من 45000 شخص، ممن عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا والذين يجب أن يعتمدوا على التعريف الأضيق لاتفاقية 1951 لوضع اللاجئين. وحتى في أفريقيا، فإنه يمكن رفض إعطاء اللاجئين حسب اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية الفرصة للوصول إلى الحلول الدائمة مثل إعادة التوطين التي لا تُتاح بصورة عامة إلا للاجئين، بحسب اتفاقية 1951.

وتخضع صفة اللاجئين في كل من اتفاقيتي 1951 و1969 إلى الاستثناءات وشروط توقيف الصفة لكل منهما، والتي تمكّن من رفض منح الوضع المحمي للاجئين عند ارتكاب اللاجئ لجريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية أو أي جريمة أخرى خطيرة غير سياسية[4] أو قد تُزال تلك الصفة إذا ما "انتهت الظروف التي اعتُرف بالشخص بموجبها على أنه لاجئ "[5]. إلا أن هذه النصوص يجب تأويلها في ضوء الهدف والغرض الإجمالي لكل اتفاقية، والذي سيكون تقديم الحماية، وبذلك، فإنه يجب تطبيقها بشكل حذر. على سبيل المثال، أوضحت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنَّه لاعتماد تغيير الظروف في البلاد على أنه سبب يوجب وقف منح صفة اللاجئ لا بد لذلك التغيير من أن يكون "أساسياً وثابتاً ودائماً" إلى درجة كافية[6]. وفي حين أن العديد من الليبيين ممن غادروا البلاد خلال ذروة الصراع قد عادوا الآن، تعني الطبيعة العنيفة لتغير النظام في ليبيا أنها لن تمثل التغير المستقر والدائم لضمان وقف وضع اللاجئين في المستقبل القريب.

وبالإضافة إلى اتفاقيتي 1951 و1969 الخاصة باللاجئين، يقدم قانون حقوق الإنسان الدولي الأشمل الحماية للأشخاص المٌهجَّرين، من خلال توسيع مبدأ عدم الإعادة القسرية ليشمل من يستوفي شروط الحصول على صفة اللاجئ ومن خلال استحداث الحد الأدنى من معايير التعامل مع كافة الأشخاص ضمن المنطقة الجغرافية أو الاختصاص القضائي لدولة ما. وكمثال، فإن العهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل، جميعها تمنع الدول من إعادة الأشخاص إلى المواقع والأوضاع التي سيتعرضون فيها للأذى.

وفي أوروبا، تم تنفيذ هذه الالتزامات الأشمل لعدم الإعادة القسرية وفقاً لنظام "الحماية الثانوية". لكن، يلزم القول أن مبدأ عدم الإعادة القسرية مقبول الآن بشكل واسع بل إنه قد دخل في أعراف القانون الدولي العام، لذلك، فإن الالتزام بعدم إعادة الأشخاص إلى الأماكن التي سيتعرضون فيها للأذى ملزم على كافة الدول، بما فيها الدول التي ليست طرفاً في أي من المعاهدات المعنية.

خارج شبكة الحماية

تعكس صكوك الحماية الدولية والإقليمية المذكورة أعلاه الاختلافات القانونية والمعيارية التي طال أمدها بين الفئات المختلفة للاجئين، خاصة بين المهاجرين ممن يُطلق عليهم "القسريين" و"الطوعيين". وتفرض تدفقات الهجرة المختلطة، حيث ينتقل المهاجرون ("الطوعيون") الباحثون عن فرص كسب الرزق واللاجئون وغيرهم من اللاجئين القسريين بشكل متزامن بين الدول والمناطق، مصاعب في تحديد الأشخاص الذين يحتاجون بالفعل إلى الحماية. علاوة على ذلك، تتحدى الدوافع المختلطة للمهاجرين الأفراد الفارق المفهومي بين اللاجئين والمهاجرين الآخرين.

في السياق الشمال أفريقي، يشكل العمال المهاجرين المهجَّرين مثالاً واضحاً للتحديات التي تفرضها النماذج الحديثة للتهجير أمام أطر العمل الحالية. فعلى سبيل المثال، فر عدد كبير من العمال المهاجرين االصوماليين والسودانيين والإيريتريين من ليبيا إلى دول الجوار مثل مصر وتونس. وتنص الاتفاقية الدولية لعام 1990 حول حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على الحقوق الأساسية للعمال المهاجرين في دول إقامتهم، إلا أنها لا تتعامل مع القضية الخاصة بالتهجير. وحيث يمكن للعمال المهاجرين أن يثبتوا أنهم سيواجهون الأذى الجسيم إن عادوا إلى دولهم الأصلية، فإنه بإمكانهم الاستفادة من المبدأ الأشمل لعدم الإعادة القسرية، لكن، وبصورة عامة، وعلى الرغم من مواجهة مواقف الاستضعاف بدرجة تساوي أو تزيد على مواجهة المواطنين المهجرين لها فلا يُمنح العمال المهاجرون إلا ما ندر الصفة الخاصة للعديد من الأشخاص المهجرين الآخرين.

كما يُلاحظ أيضاً أن غياب حماية القانون الدولي للأشخاص الذين لم يعبروا الحدود الدولية، مثل الأشخاص النازحين داخلياً، هو سمة أخرى من سمات حوكمة النزوح القسري على المستويين الدولي والإقليمي، على الرغم من أن المعايير التوجيهية حول النزوح الداخلي[7] واتفاقية الاتحاد الأفريقي لحماية ومساعدة الأشخاص النازحين داخلياً في أفريقيا (اتفاقية كامبالا[8]) تمثل صورتين من صور التطور في هذا المجال. وبصورة خاصة، تقدم اتفاقية كامبالا، المتبعة بصورة إجماعية من قِبل الاتحاد الأفريقي في أكتوبر/تشرين الأول 2009، التزامات قانونية من جانب الدول الأفريقية لتوفير الحماية للأشخاص النازحين داخل حدودهم. ورغم أن هذا لم يدخل حيز التنفيذ بعد (حيث يستلزم التصديق من قِبل 15 من الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي، كحد أدنى)، تظهر خبرة الاتحاد الأفريقي الأهمية المستقبلية الممكنة لهذا الصك في المنطقة.

إلا أن التحدي الأكبر أمام الحماية قد يكمن في التنفيذ الفعلي لآليات الحماية القانونية الدولية والإقليمية. وفي بعض الدول، فإنه من اللازم إدخال الالتزامات العرفية وتلك المنصوص عليها في المعاهدات إلى القانون الوطني قبل تطبيقها على المستوى الوطني. وفي حالة أخفقت الدول في تلبيتها التزامات إزاء الحماية الدولية، فإن هناك فرصاً محدودة لتعويض المتضررين. وحيث تملك العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان آليات للمراجعة وتقديم الشكاوى، تتسم هذه الآليات ببطء العمل ويمكن أن تكون لها نتائج، يُذهب تأخيرها بأهميتها لدى الشاكي. وهناك غياب واضح لأي اجراءات مماثلة وفقاً لأدوات الحماية الخاصة بالاجئين. وتمثل خبرة النزوح في شمال أفريقيا فرصة لمراعاة الكيفية التي يمكن بها تعزيز آليات الحماية الدولية والإقليمية لضمان عدم تقويض حدود النطاق والتنفيذ لأهداف الحماية الكلية التي جاءت هذه الآليات من أجلها.

تمارا وود tamara.wood@unsw.edu.au هي مُحاضِرة ومرشحة لنيل درجة دكتوراه بجامعة نيو ساوث ويلز www.unsw.edu.au.



[1] انظر "من وقّع على أي قسم، ملحق نشرة الهجرة القسرية حول الإسلام وحقوق الإنسان والنزوح" www....

[4] اتفاقية اللاجئين لعام 1951، مادة 1 (و)

[5] اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969، مادة 1 (4) (هـ)

واتفاقية اللاجئين لعام 1951، مادة 1 (ج) (5)

[6] خلاصة اللجنة التنفيذية التابعة للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رقم 68 (1992)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.