تقويض الإنماء: الإخلاء القسري في بنغلاديش

ما زالت مشروعات الإنماء واحدة من الأسباب الرئيسية للنزوح في العالم، وعادة ما تكون عمليات الإخلاء قسرية. وتوضح حالة أحد مناجم الفحم المقترحة في بنغلاديش بوضوح احتمالية حصول انتهاكات لحقوق الإنسان في مثل تلك المشروعات كما توضح الحاجة إلى وضع سياسات  أقوى لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ولمنع النزوح وتعزيز نفوذ الاحتجاجات المحلية.

 

تشير التقديرات إلى أنَّ هناك ما يزيد على 250 مليون شخص في العالم ممن هُجِّروا من منازلهم بذريعة الإنماء خلال العقدين السابقين وإلى زيادة عدد الأشخاص المتأثرين رغم تنامي صكوك حقوق الإنسانية الدولية التي تنص على أنه لا يجوز تنفيذ عمليات الإخلاء إلا في الظروف "الاستثنائية" التي يكون فيها "النزوح" أمراً لا مفر منه شريطة أن يكون ذلك "لغرض واحد لا يتعدى تعزيز الرفاه العام".

أما الإخلاء القسري المستند إلى الإنماء والذي ينطوي على انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الأساسية فما زال يُمارس ويصاحبه إفلات مرتكبي ذلك الإخلاء من العقاب نسبياً. ومع ذلك، تتخذ حركات القواعد الشعبية المتنوعة في العالم منهجاً قائماً على الحقوق في تحدي المشروعات التي تهدد بإخلائهم قسراً وتدمير منازلهم ومعائشهم تحت ذريعة الإنماء.

في الشمال الغربي في بنغلاديش، هناك ثمة حركة نجحت في إيقاف عمليات حفر حفرة هائلة مفتوحة في أحد مناجم الفحم الحجري الذي يعرف باسم مشروع فحم بولباري وذلك مدة ست سنوات. فقد كانت شركة غلوبال كول مانجمنت ريسورسز وهي شركة تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها تدعي أنَّ المشروع المقترح سوف "يعود على البلاد بمنافع جمة" وكذلك سيستفيد منه شعب بنغلاديش والمجتمع المحلي. أما المعارضون للمشروع فقد استشهدوا بالبنود والشروط التعاقدية التي ستتيح للشركة المذكورة تصدير 100% من الفحم المستخرج دون أن تدفع أي رسوم للتصدير بل إنها ستُعفى كلياً من الضرائب مدة تسع سنوات مقابل إتاوة ثابتة بمعدل لا يزيد على 6%.

لكن هناك جدل حول عدد الأشخاص الذين سوف يرحّلهم المشروع، فوفقاً لخطة إعادة التوطين التي تتبعها الشركة فإنَّ الشركة تنوي تهجير قرابة 50،000 مواطن. أما لجنة الصادرات التي عينتها الحكومة البنغلاديشية فقد خلصت إلى أنَّ المشروع سوف يكون له أثر مباشر وفوري على ما يقارب 130،000 شخص وأنه سيُهجِّر في النهاية ما يقارب 220،000 شخص على اعتبار أنَّ عمليات التنجيم سوف تجفف أبار المياه وقنوات الري المتوافرة لدى المجتمع المحلي. أما اتحاد السكان الأصليين في بنغلاديش فيقدر عدد السكان الذين سوف يهجّرهم و/أو يفقّرهم المشروع بقرابة 50،000 من السكان الأصليين من 23 مجموعة قبلية مختلفة.

كما أنَّ المشروع سوف يقضي على أرض مساحتها 14،660 إيكراً تشكل الأرض الخصبة منها 80%. ونتيجة لموقع منطقة بولباري المرتفع عن الأرض فإنها واحدة من عدد قليل من المناطق الزراعية المحمية من الفيضانات التي تسحق المحاصيل في أماكن أخرى في البلاد.

ورغم أنَّ 80% من الأسر التي استُهدفت للإخلاء تضم مزارعين وسكاناً أصليين يعتاشون على الأرض فإنَّ خطة إعادة التوطين تنص على أنَّهم لن يُعوَّضوا عن أرضهم التي قد يخسروها بسبب المشروع. فتقول الخطة "إن معظم الأسر سوف تصبح دون أرض". وعدم توفير الأراضي البديلة لهؤلاء الناس يشكل انتهاكاً للمبادئ الأساسية للأمم المتحدة وإرشادات الإخلاء والتهجير للقائمين على الإنماء[i] التي تشترط تعويض أصحاب الأراضي عن أراضيهم المسلوبة بل إن تلك الخطة تُظهر عدم الاكتراث بكمية البحوث الكثيرة التي تُبين أن الاعتماد على التعويض النقدي وحده سوف يؤدي إلى تفقير الناس الذين كانت معائشهم تعتمد في السابق على الأرض.

ورغم التحديات الحالية المتمثلة في نقص المياه، تخطط الشركة إلى تجفيف ما يصل إلى 800 مليون لتر من الماء يومياً في محاولة منها للمحافظة على جفاف المنجم. أما الآثار المتوقعة فتتضمن خفض منسوب الماء إلى ما بين 15 و25 متراً على امتداد يفوق ستة أميال من المنجم ما يهدد وصول 220,000 من الأشخاص إلى الماء. وأخيراً، فإنَّ نقل الفحم عبر محمية غابة سونداربانز التي تعد غابة القرم الوحيدة المتبقية في العالم والتي تعد أيضاً واحدة من مواقع التراث العالمي التي تحميها منظمة الأمم المتحدة للعلم والتربية والثقافة (يونيسكو) من شأنه أن يهدد النظام البيئي الذي يعد مصدراً مهماً للغذاء وكسب الرزق للمجتمعات المجاورة لها والذي يدعم أيضاً ما لا يقل عن 58 نوعاً من الأنواع الحية النادرة والمهددة.

على ضوء ذلك، بدأت الاحتجاجات الجماعية ضد مشروع فحم بولباري في شهر أغسطس/آب 2006 وبعد أن فتحت المليشيات العسكرية غير النظامية النار على قرابة 70,000 من المتظاهرين ما أودى بحياة ثلاثة أشخاص وإصابة 100 آخرين بجروح اشتعل غضب المواطنين فأعلنوا عن إضراب احتجاجي مدة أربعة أيام. ونتيجة لذلك، أُجبرت الشركة على تعليق عملياتها وهربت كوادرها من البلاد برفقة حرس مسلحين بعد أن أقدم المتظاهرون على حرق منازل من اعتقدوا بارتباطه بالشركة أو دعمه لها.

لقد كُتب لنضال القواعد الشعبية نحو إيقاف مشروع منجم الفحم في بولباري النجاح فتمكنوا من إغلاق المنجم لأكثر من ستة أعوام. ثم في أكتوبر/تشرين الأول 2011 انضم عشرات الألوف إلى مسيرة احتجاجية على طول 250 ميلاً من العاصمة دكا إلى بولباري. وفي الشهر نفسه، أوصل المعارضون للمنجم مخاوفهم وهمومهم إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة[ii] الذي اتخذ الإجراء المنسق في أوائل عام 2012 تضمن إطلاق بيان صحفي مشترك للأمم المتحدة تدعو فيه إلى التوقف المباشر للمشروع على أساس أنه يهدد الحقوق الإنسانية الرئيسية بما فيها حق الإسكان وحق الغذاء وحق التحرر من الفقر الشديد. ولاحظ المقرر الخاص أنّ الجهود المبذولة لتخفيف وطأة الفقر سيُتوقع لها النجاح إذا ما أدخلت السياسات الإنمائية الوطنية مبادئ حقوق الإنسان وعززتها.

بمقدور منظمات المجتمع المدني والباحثين والممارسين الإنسانيين المساهمة في تطوير المنهج القائم على الحقوق في توقيف التهجير الذي يمكن تجنبه وذلك من خلال ما يلي:

  • مناشدة المؤسسات التي تمول المشروعات الهدامة بأن تنشئ سياسات حماية أقوى بحيث تفي تلك المؤسسات بالتزاماتها بتجنب التهجير وعدم النظر في المشروعات إلا إذا كانت تتوافق مع المعايير المحددة في مبادئ الأمم المتحدة الأساسية وإرشاداتها التوجيهية حول الإخلاء والتهجير القائمين على الإنماء[iii] وذلك من خلال إجراء تقييم متين للخيارات التي تتيح بتجنب التهجير.
  • دعم الأهداف الإنمائية المحددة محلياً والتي تولي قيمة لارتباط الناس بأوطانهم وأراضيهم ومجتمعاتهم والتي تعزز من حقوقهم.

 

كايت هوشور kate@accountabilityproject.org زميلة باحثة رئيسية تعمل لدى مشروع المساءلة الدولية www.accountabilityproject.org/



[i] اعترف بها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ديسمبر/كانون الأول 2007 www2.ohchr.org/english/issues/housing/docs/guidelines_en.pdf

 

 

[ii] كان مكتب المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الحق بالغذاء رائداً في تنسيق العمل حول هذا الموضوع. كما شارك مقررون خاصون آخرون معنيون بحقوق الماء والإصحاح، والتحرر من الفقر، والإسكان الكافي، وحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي وإنشاء الجمعيات، وحرية الشعوب الأصلية.

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.