المسؤوليات الحقوقية لمؤسسات الأعمال

في حين أنه لا يوجد هناك أي معايير لقانون حقوق الإنسان الدولي والتي تحظر صراحة التهجير التعسفي للأشخاص من جانب مؤسسات الأعمال، فإن على تلك المؤسسات مسؤولية تفادي انتهاكات حقوق الإنسان التي قد تؤدي إلى التهجير، إلى جانب اتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاج انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عنها والتي قد تؤدي إلى التهجير.

 

من الحكمة المقبولة أنَّ للشركات دور كبير يمكن المساهمة به في التخفيف من حدة الفقر وإيجاد فرص عمل جديدة وتحسين الطرق والإصحاح وتسهيل الحصول الأكبر على المياه وتعزيز الخدمات الصحية في المجتمعات. إلا أن الاهتمام الكبير يُولى الآن إلى الآثار السلبية لعمليات الشركات على المجتمعات المحلية، بما في ذلك العمليات التي قد تؤدي إلى التهجير. فالتلوث الناتج عن المصانع ومشروعات التعدين، على سبيل المثال، قد حرم الأشخاص من أرزاقهم ومن مصادر المياه والوصول إلى المواقع الدينية والثقافية. وحتى عندما لا تسبب الشركة الضرر للبيئة، فإن وجودها نفسه يمكن أن يغير البنية الاجتماعية للمجتمع المحلي أو يتسبب في نشوب النزاعات بين المجموعات المختلفة ويؤدي إلى تهجير الأفراد أو الأسر أو المجتمعات بأكملها.

علاوة على ذلك، يطلب إلى مؤسسات الأعمال أكثر من أي وقت مضى خلال جميع عملياتها وبغض النظر عن حجم وطبيعة المشروع، احترام حقوق الإنسان. وقد صيغ مبدأ احترام مؤسسات الأعمال لحقوق الإنسان في وثيقة قُدمت عام 2008 إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من قِبل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول قضية حقوق الإنسان ومؤسسات الأعمال عبر الوطنية وغير ذلك من المشروعات، البروفيسور جون روجي. وقد رحب مجلس حقوق الإنسان بإطار عمل "الحماية والاحترام والانتصاف" الخاص بمؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان[1] (إطار العمل).

ويستند إطار العمل إلى ثلاثة محاور، حيث يتعلق المحور الأول بواجب الدول تجاه الحماية من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأطراف الأخرى، بما في ذلك مؤسسات الأعمال، من خلال السياسات واللوائح التنظيمية والأحكام القضائية المناسبة. في حين يرتبط المحور الثاني بمسؤولية الشركات لاحترام حقوق الإنسان أما المحور الثالث فيتعلق بالحاجة إلى حصول ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان على سبل الانتصاف الفعّالة بأكبر قدر ممكن.

وفي عام 2011، زُوّدت مؤسسات الأعمال بالتوجيهات التشغيلية حول تنفيذ مسؤوليات الشركات لحماية حقوق الإنسان في المبادئ التوجيهية الخاصة بالشركات وحقوق الإنسان: تنفيذ إطار عمل "الحماية والاحترام والانتصاف" الخاص بالأمم المتحدة[2] (المعايير التوجيهية حول مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان) الذي صادق عليه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل كامل. ولا تعد المبادئ التوجيهية بخصوص الشركات وحقوق الإنسان مثل المبادئ التوجيهية حول النزوح الداخلي ملزمة من الناحية القانونية، لكنها متوافقة مع معايير قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدوليين.

ويمثل إطار العمل والمبادئ التوجيهية حول الشركات وحقوق الإنسان دوراً أساسياً في التعجيل من التحول في ضوء علاقة الشركات بحقوق الإنسان. فهي تقدم أساساً جديداً لمؤسسات الأعمال كي تُساءل عن احترام حقوق الإنسان، وبالتالي، كي تتخذ الخطوات اللازمة لضمان ألا تؤدي هذه الإجراءات إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي قد ينجم عنها التهجير.

ورغم أن احترام حقوق الإنسان يبقى الالتزام الطوعي للشركات، فإنه يلقى دعماً واسعاً. وقد تضمنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المبدأ في المعايير المحدّثة لعام 2011 للشركات متعددة الجنسيات[3]. وتقرّ مؤسسة التمويل الدولية (جزء من مجموعة البنك الدولي) التي تقدم القروض لمؤسسات الأعمال في الدول النامية لتنمية التطوير الاقتصادي وتقليل الفقر، بمسؤولية القطاع الخاص تجاه احترام حقوق الإنسان في إصدار عام 2012 من سياستها حول الاستدامة البيئية والاجتماعية[4]. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2011، أصدرت المفوضية الأوروبية سياسة جديدة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي تعبر عن التوقُّع بأن تستوفي الشركات الأوروبية مسؤولية احترام حقوق الإنسان[5]. وفي نفس الوقت، أعلنت رابطة دول جنوب شرق آسيا (أسيان) عن أول دراسة موضوعية حول مفوضيتها الجديدة المشتركة بين الحكومات لحقوق الإنسان والتي ستتناول قضية مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان. وفي القطاع الخاص، هناك منظمات صناعية مثل الهيئة الدولية للحفاظ على بيئة صناعة البترول، وهي مؤسسة عالمية في صناعة النفط والغاز التي تتعامل مع القضايا البيئية والاجتماعية، والمجلس الدولي للتعدين والمعادن، (التي أُسست من أجل تحسين التنمية المستدامة وتعزيز) ومثل هذه المنظمات تعمل على الترويج لتطبيق المنهج القائم على حقوق الإنسان بين أفراد كوادرها وتقديم التوجيهات اللازمة لذلك بالإضافة إلى ذلك، تعمل صناديق الاستثمار على تقييم ممارسات حقوق الإنسان الخاصة بالشركات التي تستثمر فيها بشكل مستمر.

الخطوات التي يتعين على مؤسسات الأعمال اتخاذها

في حين تخضع الشركات للالتزامات المنصوص عليها في القوانين الوطنية، تنص مسؤولية الشركات لاحترام حقوق الإنسان على مسؤولية تفوق معايير القوانين الوطنية. لذلك، حتى عندما تكون الدول غير راغبة أو لا تملك القدرة لتنظيم عمل مؤسسات الأعمال والإشراف عليها ومساءلتها بالصورة المناسبة عن انتهاكات القوانين الوطنية التي تحمي حقوق الإنسان، تبقى الشركات مسؤولة عن احترام حقوق الإنسان.

وتضع المعايير التوجيهية حول مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان خطوتين مهمتين كي تراعيهما الشركات من أجل ضمان احترامها لحقوق الإنسان. الأولى أنه على مؤششة الأعمال أن تصوغ السياسة المعبرة عن مسؤوليتها تجاه احترام حقوق الإنسان. وتعمل هذه السياسة على إعلام الموظفين والمستثمرين والجمهور العام أيضاً أنَّ الشركة قد قطعت على نفسها العهد باحترام حقوق الإنسان. بل يمكن من خلال عملية وضع السياسة تعزيز الدمج الأكبر لمبدأ احترام حقوق الإنسان في ممارسات الشركة وعملياتها اليومية.

أما الخطوة الثانية، فتتعلق بإقامة "عملية العناية الواجبة" لحقوق الإنسان، وذلك المصطلح مأخوذ وموسّع عن الاستخدام في عالم الشركات للإشارة  إلى التحقيق في شركة ما لضمان أنها لا تحمل أي التزامات خفية، بما في ذلك المشكلات المالية أو القانونية أو الصحية والأمنية أو البيئية، والتي يجب أن تشتمل على أربعة عناصر. فأولاً، يتعين على الشركة رفع مستوى عملية العناية الواجبة في الوقت الحالي أو تأسيس عملية جديدة لتحديد الأشخاص الذين قد يتأثروا بأنشطتها والحقوق التي تتأثر من قِبل أنشطة الشركة أو يُحتمل تأثرها. وثانياً، بعد ذلك، على الشركة تحديد الإجراءات التي ستتخذها لعلاج الآثار السلبية الواقعة على حقوق الإنسان ولمنع أو تخفيف الآثار المحتملة. وثالثاً، على الشركة أيضاً تعقُّب أو مراقبة كيفية استجابتها للآثار الفعلية أو المحتملة على حقوق الإنسان من أجل قياس وتحسين فعالية استجابتها. ورابعاً وأخيراً، على الشركة توصيل المعلومات حول الإجراءات التي اتخذتها أو تنوي اتخاذها، فيما يتعلق بالأشخاص المتضررين أو المحتمل تضررهم إلى هؤلاء الأشخاص وأخرين مثل المساهمين والجمهور العام.

ويتعين أن تباشر الشركة العناية الواجبة مع تقييم آثارها السلبية الفعلية والمحتملة على حقوق الإنسان. ثم ستقوم الشركة بتقييم ما إذا كانت متورطة في أي آثار سلبية على حقوق الإنسان من خلال علاقاتها التجارية مع، على سبيل المثال، موردي البضائع كالمواد الخام وزي العمال الموحّد وأجهزة الحاسب الألي وغير ذلك من المعدات والخدمات مثل المساعدة التقنية والأمن. وعلى سبيل المثال، عند شراء أحد المعادن المنقّب عنها لاستخدامه في الصناعات التحويلية فعلى الشركة التحقق من احترام المورد التابع لها لحقوق الإنسان، وبذلك تحدد ما إذا كان للمورد آثار سلبية على حقوق الإنسان أم لا، بما في ذلك التهجير. وحيثما يكون للمورد آثار خطيرة على حقوق الإنسان، فإنه يتعين على الشركة تقييم ما إذا كانت تملك نفوذاً على المورد للتأثير على إجراءاته أو ما إذا كانت الشركة ستنهي علاقة العمل معه.

وفي حين يتعين على الشركة القيام بتقييمات حقوق الإنسان لأنشطة عملها وعلاقاتها بصورة مستمرة، فستلزم التقييمات بشكل خاص عند حدوث تغير كبير في بيئة العمل، سواء أكان ذلك ناجماً عن أسباب سياسة أم عن أي أسباب أخرى وقبل القيام بأي عملية أو نشاط جديد. فعلى سبيل المثال، عندما تخطط الشركة لاستحواذ شركة أخرى، فعليها اتباع العناية الواجبة للتأكد الدرجة التي يكون أو كان للشركة المستهدفة آثار سلبية على حقوق الإنسان الخاصة بالأفراد والمجتمعات التي تعمل بها. ولن تكشف هذه المعلومات فحسب عما إذا كان الأفراد هُجّروا جراء عمليات الشركة، لكنها ستوضح أيضاً ما إذا كانت هناك مخاطر حالية على حقوق الإنسان التي قد تتسبب في التهجير مستقبلاً.

وعند القيام بتقييمات حقوق الإنسان، على الشركات تولية الاهتمام الخاص إلى ملكية الأرض وقضايا الاستخدام، بما في ذلك الكيفية التي استحوذت فيها الحكومة على الأرض المستأجرة أو المشتراة من قِبل الشركة وحقوق الأرض المتعارف عليها وحقوق الاستخدام المجتمعي. ففي أوديشا بالهند، طوقت إحدى الشركات لأراضي الغابات الواقعة ضمن الأراضي التابعة لمصنعها، ومنعت المزارعين القبليين والقرويين من الدخول وتبين اللجنة عالية المستوى مفوّضة من قبل وزارة البيئة والغابات أن فعلها ذلك مخالف للقانون وأن ذلك حدث بالتواطؤ مع المسؤولين المعنيين. وبالإضافة إلى ذلك، على الشركات أن تتخى الحذر حيال الطرق التي قد تتسبب بها عملياتها في إحداث التلوث واحتكار الموارد المائية وتغيير الأنظمة البيئية التي تتسبب في النهاية بالتهجير. وتمثل دلتا النيجر مثالاً واضحاً على الكيفية التي قد يتسبب بها التدهور البيئي الناجم عن تقنيات إنتاج البترول في تهجير السكان.

تشجع المعايير التوجيهية حول مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان الشركات على المشاركة في الحوار مع الأشخاص المحتمل تأثرهم من أجل الفهم الأفضل للمشكلات الضمنية ولوضع أسس الانتصاف المناسبة. كما تقترح المعايير التوجيهية أن تراعي الشركات وضع آلية للتظلُّم التي يسهل على الأشخاص المحتمل تضررهم الوصول إليها بغرض زيادة الاهتمام والسماح للشركة بالتعامل معهم قبل أن تصل المشكلات إلى درجة من الخطورة تتسبب في التهجير. وأيٌّ كانت آلية التظلُّم الموضوعة فيجب أن تتسم بالفعالية وليس أن تكون مجرد إضافة إلى الشكليات. لقد عجزت الشركة المسؤولة عن ميناء داوي في عمق البحر بمساحة 250 كيلومتراً مربعاً والمشروع الصناعي في جنوبي بورما عن تزويد المزارعين بالمعلومات ولم تتح لهم فرصة استشارتهم. لذلك، لم يكن للمزارعين أي نفوذ على المشروع ولا على أثره المستقبلي على حياتهم، وهم يخشون من مصادرة أراضيهم، مما سينجم عنه تهجيرهم. وفي كثير من الأحيان يؤدي عدم استشارة المجتمعات المحلية حول مشروعات التطوير التي تؤثر عليهم إلى ظهور المعارضة ضد مشروعها ما يقود إلى تحملها خسائر كبيرة ناتجة عن تأخير المشروع. ومثال ذلك أنَّ إحدى محاكم الاستئناف الاتحادية في البرازيل بتعليق أعمال الإنشاء الخاصة بسد بيلو مونتي على نهر زينجو في أغسطس/آب 2012 إلى أن تتم استشارة الأشخاص الذين سيتأثرون بسبب المشروع من النواحي الصحية والمعيشية والتراثية الثقافية.

الخلاصة

لا تعفي مسؤولية الشركات لحماية حقوق الإنسان الدول من مسؤولياتها تجاه ضمان احترام حقوق الإنسان من قِبل الأطراف الأخرى، بما في ذلك مؤسسات الأعمال. وينص المبدأ الأول من المبادئ التوجيهية حول مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان على أن "تتخذ الدول الخطوات اللازمة لمنع مثل هذه الإساءات والتحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها وتعويض المتضررين من خلال السياسات والتشريعات واللوائح التنظيمية والأحكام القضائية الفاعلة". لذلك، تبقى الدول المسؤولة الرئيسية عن منع انتهاكات مؤسسات الأعمال لحقوق الإنسان والتصدي لها.

لكن حيث إنَّ مبدأ التزام مؤسسات الأعمال باحترام حقوق الإنسان الموضّح في إطار العمل والمشروح في المعايير التوجيهية حول مؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان، فإن أمام المنظمات غير الحكومية والمستثمرين والجمهور العام الآن معيار يمكن استخدامه من لمطالبة الشركات بأن تمتنع عن التعدي على حقوق الأشخاص، مما يقلل من أسباب التهجير. ويتمثل التحدي المستمر والأساسي في وقتنا الراهن أمام هذه الجماعات في كيفية إنفاذ هذه المعايير وضمان مساءلة الشركات عن الآثار السلبية على حقوق الإنسان.

كورين لوويس CLewis@LexJusti.com شريك في مؤسسة ليكس جاستي للمحاماة (Lex Justi) www.LexJusti.com والتي توفر الاستشارات القانونية بخصوص الشركات وحقوق الإنسان.



[1] إطار عمل "الحماية والاحترام وسبل الانتصاف" (Protect, Respect and Remedy) الخاص بالمشروعات وحقوق الإنسان http://tinyurl.com/UN-BusinessHRFramework

[3] بالإنجليزية: http://tinyurl.com/OECD-MultinationalGuidelines

غير متاح باللغة العربية

[5] http://tinyurl.com/EC-CorpSocialResp غير متاح باللغة العربية

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.