Skip to content
حقوق اللاجئين من النساء والأطفال في الإسلام

ويستخدم القانون الإسلامي مصطلح «الأمان» للإشارة إلى الملجأ الذي يوفره المسلمون لغير المسلمين. ولا يجوز انتهاك مثل هذا اللجوء حتى ولو كان الشخص الذي تقدَم له الحماية في حالة صراع مع المسلمين [التوبة: 6]. ويرى علماء الفقه الإسلامي أن «الأمان» ينشئ التزاماً لا يحل الرجوع عنه.

وقد ورد في القرآن الكريم وكتب التاريخ العديد من حالات الهجرة التي قام بها المؤمنون والأنبياء. فبعد أن تعرض المسلمون للاضطهاد والتعذيب، هاجروا من مكة إلى الحبشة بأمر من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حيث تمتعوا بحماية ملك مسيحي.  بل كان النبي محمد نفسه لاجئاً، إذ هاجر هو وأتباعه من مكة في عام 622م للهروب من الاضطهاد، وتلقى كلاجئ الرعاية من المجتمعات التي استضافته. وكذلك النبي إبراهيم، فقد اضطر هو وأسرته أن يهاجروا وقد حماهم الله عز وجل [الأنبياء: 71]. وكذلك هاجر موسى إلى مدين بعد أن أساء المصريون معاملته، وهناك حصل على المسكن والعمل وغير ذلك من وسائل الراحة. [القصص: 20-28].

وتوضح هذه الآيات القرآنية أن الهجرة من الممكن أن تصبح ضرورة لأي شخص في أوقات الشدائد أو حينما تكون حياة الشخص ومعتقداته في خطر. بل وتطالب بعض الآيات القرآنية من المؤمنين اللجوء إلى خيار الهجرة في مثل هذه الحالات (إن كانت لديهم القدرة على ذلك) [النساء: 97-99].

ويطلب القرآن الكريم من المؤمنين الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحقوق اللاجئين [المائدة: 1]. إذ يقدم مجموعة من الإرشادات الواجب اتباعها عند التعامل مع اللاجئين والمهاجرين، ويثني على الذين يمدون يد العون للناس في الكروب ويطلب من المؤمنين حماية اللاجئين [التوبة: 100 و117]. فالقرآن يقر بحقوق اللاجئين والنازحين داخلياً، ويمنحهم حقوق معينة بما في ذلك الحق في المعاملة الإنسانية [الأنفال: 72-75 والنحل: 41]. كما أنه يدين الأشخاص الذين تتسبب أفعالهم في حدوث هجرة جماعية ويصفهم بأنهم لا يؤمنون بكلام الله [البقرة: 84-86]. وتنص المادة 12 من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام على: «لكل إنسان الحق، في إطار الشريعة، في حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل بلاده أو خارجها وله إذا اضطهد حق اللجوء إلى  بلد آخر. وعلى البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغ مأمنه».

كما ينص القرآن الكريم على تشريعات معينة لتقديم المزيد من الدعم للنساء والأطفال، الذين هم أكثر عرضة للخطر [النساء: 2، 9، 36، 75، 98، 127 والإسراء: 34]. علاوة على ذلك، ففي ظل مبدأ العدالة، وهو أساس كل التشريعات الإسلامية [الشورى: 15 والنحل: 90]، يجب توفير المزيد من الدعم للذين يتعرضون للمخاطر نتيجة الهجرة واللجوء. ويسري الأمر نفسه على غير المسلمين أو المعارضين للعقيدة الإسلامية [المائدة: 8].

كما تشكل الصدقات الواجبة مثل الخُمس (وهي خُمس الدخل أو غنائم الحرب التي ينبغي على المسلمين التصدق بها) أو الزكاة (وهو جزء مما يمتلكه المؤمن ويتعين عليه إخراجه للأغراض الخيرية)، وكذلك الصدقات التطوعية، موارد وأموالاً يمكن استخدامها لتلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين. كما أن ذلك الجزء من الخُمس أو الزكاة الذي يخصص في الأصل لأبناء السبيل واليتامى والمساكين من الممكن أن يتم إنفاقه على المهاجرين واللاجئين.

بعض حقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء في الإسلام، خاصة النساء والأطفال :

للأشخاص الفارين من الاضطهاد الحق في اللجوء ولهم التمتع بالحقوق المتعلقة بتلك الوضعية.  

يشكل اتخاذ التدابير لتلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص واجب عام.

ينبغي ألا يُترَك اللاجئون عرضة للاضطهاد والظلم.   

حقوق النساء والأطفال في الدول المضيفة هي نفس حقوق النساء والأطفال الذين يلجأون إلى تلك الدولة [الأنفال: 75]. وهذا هو السبب الذي جعل النبي يعلن الأخوّة بين المهاجرين والأنصار وقال «أن حقوق المهاجرين هي نفس حقوق من يستضيفونهم». وبعبارة أخرى، يجب توفير الحماية لهؤلاء النساء والأطفال، سواء كانوا بصحبة عائلاتهم أم لا، تماماً مثل النساء والأطفال في الدولة المضيفة، وذلك وفقاً للقوانين المحلية أو الدولية.

أي قرار يتعلق بالأطفال اللاجئين يجب أن يأخذ في الحسبان مصالحهم الأساسية [البقرة: 220]. ولهم الحق في التنشئة الصحية والتعليم. ومن منظور إسلامي، الأطفال كلهم أبرياء، ويجب تشجيع مواهبهم [النساء: 2-4] ويجب ألا يمارَس أي تمييز ضدهم.

النساء والأطفال، وفقاً لبعض تفسيرات الشريعة، وبما أنهم أكثر عرضة للخطر، يجب أن يعامَلوا معاملة مفضلة (تمييز إيجابي). وقد شدد نبي الإسلام على حقوق النساء والأطفال أكثر من أي فئة أخرى. كما أن الأطفال والنساء اللاجئين هم من أكثر الفئات المحرومة في العالم لذا يجب على المسلمين أن يخصصوا جزءً من جهودهم الخيرية لدعمهم. ومن منظور ديني، فإن كل ما يقدَم لهؤلاء الأفراد هو حق لهم [المعارج: 24، 25].

في حالة أن الوصي على الطفل حصل على اللجوء، يجب أن يُمنح هذا الطفل نفس الوضعية وبهذا يُحفَظ حق الأطفال في البقاء مع أسرهم. 

يجب احترام حق هؤلاء الأفراد في لم شملهم بأسرهم. وفي حالة عدم العثور على آباء هؤلاء الأطفال، يجب على أقرباء الأطفال أن يوفروا لهم الحماية.

يجب تهيئة المجال لعودة هؤلاء اللاجئين إلى موطنهم الأصلي عندما يُرى أن مثل هذه الخطوة مأمونة العواقب [التوبة: 6].

يجب أن يعامَلوا معاملة حسنة في جميع الأوقات.

 

بعض المفاهيم العملية ذات الصلة في الإسلام 

الإحسان: إن جميع الناس المكروبين، وبالأخص الأطفال، يجب أن يعامَلوا بإحسان سواء بالقول أو بالعمل [البقرة: 83 والنساء: 36، 37 والإسراء: 26].

الإكرام: يجب أن تلبى احتياجات الأطفال والمساكين بطريقة محترمة تتفق مع كرامتهم الإنسانية. إذ أن احترام الأطفال وبذل الجهود لتلبية احتياجاتهم هو فرض إلهي. [الفجر: 17، 18].

الإيواء: يجب توفير المأوى والحماية للأطفال، ولا سيما المهاجرين منهم والذين لا يجدون من يرعاهم، وذلك دون توقع الحصول على أي مقابل [الضحى: 6، 10 والقيامة: 8، 90 والنور: 22]. إذ أن عدم الانتباه إلى الأطفال يمثل فشلاً عملياً في تطبيق التشريعات الإسلامية [الماعون: 1-7، البقرة: 177]

 

الخاتمة

تشكل القواعد والتشريعات الإسلامية مصدراً قيماً لحماية حقوق اللاجئين والمهاجرين وملتمسي اللجوء. فبالإضافة إلى المسؤوليات التعاقدية، من الممكن أن تكون هذه القواعد والتشريعات بمثابة وسيلة ضمان دينية لحقوق اللاجئين، وبالأخص النساء والأطفال. كما أن المزيد من البحث في المصادر الإسلامية المبجلة من الممكن أن يؤدي إلى ابتكار آليات جديدة في هذا الصدد.

 الدكتور سعيد رهائي هو عضو هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة مفيد، وعضو لجنة مركز دراسات حقوق الإنسان في جامعة مفيد، وعضو سابق في اللجنة الوطنية لأخلاقيات البيولوجيا التابعة لليونسكو، وكذلك رئيس قسم البحث الفقهي بمكتب آية الله أردبيلي في مدينة قم الإيرانية.   
 

1 سور القرآن: [سورة الأعراف: 128 و 137] و[سورة البقرة: 49، 246] عن بني إسرائيل، و[سورة آل عمران: 195] عن أهل الكتاب، و[سورة الحج: 40] و[سورة الممتحنة: 9] عن المسلمين. وكل الإشارات الأخرى إلى سور القرآن موجودة في النص بين أقواس مربعة على الشكل [اسم السورة:  رقم الآية أو الآيات].

تبرعاشترك