إلقاء الضوء على تقرير صفة اللاجئ في الصين

تُعالِج مفوضيَّة اللاجئين كلَّ طلب لجوءٍ إفراديّ في الصين، ولكنّ المعلومات المعلنة للناس حول هذه الولاية التي يدخل تحتها تقرير صفة اللاجئ ما تزال قليلة. لذا كان إلقاءُ الضوء على الإجراءات الرَّاهنة مُعيناً على تحديد التحدِّيات والفرص الموجودة في حماية اللاجئين بالصين.

دخلت جمهورية الصين الشعبية في اتفاقية اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكولها لسنة 1967 في سنة 1982.[1] وقبل ذلك بسنتَين، افتتحت مفوضيَّة اللاجئين مكتبَ مهمّاتٍ في بكِّين استجابةً لأزمة اللاجئين في الهند الصينية[2]، إذ قبلت الصين حينئذٍ أكثر من 280 ألفَ لاجئ ووطَّنتهم محليّاً. وفي سنة 1995، أصبح مكتب المهمات هذا مكتباً فرعيّاً، ثم في سنة 1997، رُقِّيَ فصار مكتباً إقليميّاً، يشمل الصين ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصّة ومنطقة ماكاو الإدارية الخاصّة. ونصت الاتفاقية المُرافقَة بين الصين ومفوضيَّة اللاجئين[3] على جواز أن يصل مكتب مفوضيَّة اللاجئين في بكِّين، بمشاورة الحكومة الصينية ومعونها، إلى اللاجئين من غير معوِّقات، فكنت تلك الاتفاقية أساساً قانونيّاً لمفوضيَّة اللاجئين تجري عليه تقرير صفة اللاجئ في الصين. وتواصل مفوضيَّة اللاجئين تنفيذ جميع ما في ولايتها من تقرير صفة اللاجئ في الصين، وتقرُّ الحكومة الصينية بصفة اللاجئ التي تمنحها مفوضيَّة اللاجئين.

تقريرُ صفةِ اللاجِئ الداخلُ تحت الولاية

يشترط على طالبي اللجوء أن يسجِّلوا طلبهم بأنفسهم في مكتب بكِّين، وحينئذٍ  تصدر مفوضيَّة اللاجئين لهم شهادة طالب اللجوء. فيمكن بذلك أن يرفع طالب اللجوء طلباً للحصول على تصريح إقامةٍ مُوَقّتة من الشرطة الصينية المحلية، فيُقيمُ في الصين إقامةً قانونية وهو ينتظر أن تجرى له مقابلة تقرير صفة اللاجئ.

وقليلةٌ هي المعلومات المُعلنَة للناس حول الطريقة التي يجري بها تقريرُ صفة اللاجئ الداخلُ تحت ولاية مفوضيَّة اللاجئين في الصين. يُطلَب من طالبي اللجوء حضور المقابلات الشخصيّة في مكتب بكِّين وتشير بعض الروايات إلى أن هذه المقابلات يجريها في العادة أحد موظَّفي مفوضيَّة اللاجئين، ويصاحبه مترجمٌ إن احتيج إليه، ويُركَّز في المقابلات على الأسباب التي دفعت رافع الطلب إلى الخروج من بلده. ويحق لرافعي الطلبات الذين ترفض طلباتهم في أوّل مرة يرفعون فيها الطلب أن تُراجِعَ قرارَ رفض طلبهم مفوضيَّة اللاجئين، وفقاً لمعاييرها الإجرائية في ولايتها لتقرير صفة اللاجئ، وينبغي عموماً أن يمنحوا الفرصةَ لتقديم استئنافهم بأنفسهم. ومع ذلك، فلا تخضع قرارات تقرير صفة اللاجئ الصادرة عن مفوضيَّة اللاجئين للمراجعة القضائية في الصين، فرافعو الطلبات الذين أخفق استئنافهم ليس لديهم أيّ سبيلٍ آخر، فيُعدُّون في المقيمين بالبلد إقامةً غير قانونية. ثم إنه ليس لطالبي اللجوء تمثيلٌ قانونيّ عموماً في إجراءات تقرير صفة اللاجئ، ولعل ذلك لنقص المحامين المزاولين المختصّين بشؤون اللاجئين في الصين ولعدم المعونة القانونية لطالبي اللجوء المُموَّلة من القطاع العامّ.

وأمّا طالبو اللجوء المقرُّ لهم بلاجئيّتهم فينالون شهادةَ لجوءٍ صادرةً عن مفوضيَّة اللاجئين.[4]  فيُسمَح لهم بالبقاء موَقّتاً في الصين حتّى تجد مفوضيَّة اللاجئين لهم حلاً دائماً، ويكثر أن يعاد توطينهم في بلد آخر؛ لأن الصين لا تسمح لهم بالاستيطان في أرضها.  ولا حقَّ لهم في العمل، فيعتمدون على مفوضيَّة اللاجئين لتعينهم بإيصالهم إلى الغذاء والسُّكنى والرعاية الصحية والتعليم.[5] وأما من لم يُتبيَّن لهم أسباب مشروعة للبقاء في الصين فيعدُّون في المهاجرين غير الشرعيِّين.

تحدِّيات الوصول إلى اللاجئين وطالبي اللجوء

صحيحٌ أن الحكومة الصينية أبرمت هي ومكتب مفوضيَّة اللاجئين في بكّين أحكاماً في اتفاقية سنة 1995، ولكنّ الواقع أنّ المكتبَ غير قادرٍ دائماً على الوصول إلى اللاجئين وطالبي اللجوء. فالمكتب بعيدٌ جداً عن حدود الصين، حيث يدخل إليها كثيرٌ من اللاجئين وطالبي اللجوء، مثل الكوريِّين الشماليِّين وأصحاب عِرْق الكُوكَنْغ وعِرْق كَتْشِين الذين هجَّرهم النِّزاع المسلَّح في ميانمار. يُضاْفُ إلى ذلك أنّ الصينَ دولةٌ كبيرة، ويصل كثيرٌ من اللاجئين وطالبي اللجوء إليها بدون وثائق دخولٌ مناسبة وبموارد مالية قليلة، فيصعب عليهم شقّ طريقهم إلى بكِّين بسبب ما يُطلَب من النظر في الوثائق الشخصيّة في القُطُر والمطارات والفنادق التي يُحتاجُ إليها للوصول إلى بكّين.

ووفقاً لنسخة سنة 2003 للمعايير الإجرائية لمفوضيَّة اللاجئين في ولايتها لتقرير صفة اللاجئ، يجب أن لا يُجرِيَ المقابلات شركائها المنفذين وينبغي لها «اتِّخاذ كلّ ما يمكن اتّخاذه» في تسجيل رافعي الطلبات ليجري عليهم تقرير صفة اللاجئ خارج مكاتب مفوضيَّة اللاجئين، حين تُصعِّب الأحوالُ في البلد المُضيِّف على طالبي اللجوء الوصولَ إلى مكتب مفوضيَّة اللاجئين.[6] هذا، وقد بُلِّغ أنّ مسؤولين من مكتب بكِّين سافروا في بعض الأحيان إلى مناطق خارج بكِّين، مثل مقاطعة يونان الجنوبية الغربية ومدينة قُوَانتشو الجنوبية، لإجراء تقرير صفة اللاجئ، ولكنّ الظاهر أن ليس ذلك هو المُتَّبع. بل رفضت الحكومة الصينية طلبات مفوضيَّة اللاجئين المتكررة للوصول إلى المناطق الحدودية حتّى تستطيع مساعدة القادمين في شماليّ شرقيّ الصين، الذين فرُّوا من كوريا الشمالية، والذين هُجِّروا من أصحاب عِرْق الكُوكَنْغ وعِرْق كَتْشِين في مقاطعة يونان. فكان من ذلك، أن لم يقدر اللاجئون وطالبو اللجوء الذين لم يستطيعوا السفر إلى بكِّين (ولا سيَّما الذين وصلوا في حالات التدفُّق الجماعي) لم يقدروا عموماً على أن يصلوا إلى حيث يجري تقرير صفة اللاجئ في الصين؛ فهم لا يستطيعون التسجيل وحضور المقابلات شخصياً.[7]

ثم إنه بموجب المعايير الإجرائية لسنة 2003، في الولاية على تقرير صفة اللاجئ، سمحت مفوضيَّة اللاجئين لشركائها المُنفِّذين المَقبُولين بإجراءات التسجيل ورفع الطلبات. ويكثر أن يكون الشركاء المُنفِّذين منظماتٍ غير حكومية، وتُجوِّزُ اتفاقية سنة 1995 المبرمة بين مفوضيَّة اللاجئين والحكومة الصينية صراحةً للمفوضيَّة بإقامة علاقات (بموافقة الحكومة) مع المنظَّمات غير الحكومية المُسجَّلة قانونياً في الصين. فمن الوجهة النظرية، كان بإمكان مفوضيَّة اللاجئين أن تتعاون هي والمنظَّمات غير الحكومية الموجودة خارج بكِّين على السماح للاجئين بالتسجيل ورفع طلبات لجوئهم حيث هم ماكثون. ومع كلّ ذلك، ما يزال شأن اللاجئين موضوعاً حسَّاساً في الصين. وليس لي علمٌ بأيّ منظَّمة غير حكومية مقرُّها الصين تُعِينُ اليومَ في العَلَن اللاجئين وطالبي اللجوء في الصين. ولا يبدو أن مكتب مفوضيَّة اللاجئين في بكِّين قد أقام علاقاتٍ بينه وبين شركاءٍ مُنفِّذين.

على أنّه تسمح المراجعة الأخيرة التي جرت سنة 2020 على المعايير الإجرائية لمفوضيَّة اللاجئين في ولايتها لتقرير صفة اللاجئ، تسمح لها في ظروفٌ استثنائية، بتسجيل رافعي الطلبات من بُعْدٍ، ومشاركتهم بالهاتف أو بالائتمار الفديويّ، إم يم يكن يمكن إجراء مقابلةٍ شخصيّة لأسبابٍ تتعلق بالسلامة والأمن، أو وجود الموارد، أو الكلفة الباهظة، أو معوِّقاتٍ في السفر أو الوصول إلى رافع الطلب، أو شروط الصحة العامة.[8] فيبقى أن ننظر ونرى كيف سيُنفِّذ مكتب مفوضيَّة اللاجئين في بكِّين هذه الأحكام الجديدة؟

أممكنٌ تسليم المسؤولية في المستقبل؟

في عام 2019، قالت ممثلة مفوضيَّة اللاجئين في الصين، سِڤَنْكَا دانابالا، إنّ مفوضيَّة اللاجئين تتوقع نَقْل المسؤولية عن تقرير صفة اللاجئ، بالتدريج، إلى إدارة الهجرة الوطنية الصينية الجديدة، التي أُسِّست سنة 2018.[9] ومما يجدر ذكره أنّ مفوضيَّة اللاجئين أنهت إجراءَ تقرير صفة اللاجئ في ماكاو وهونغ كونغ، بعد أن أنشأت السلطات المحلية في هاتين المنطقتين الإداريَّتين الخاصّتين آليّاتٍ لهذا الإجراء في سنتي 2004 و2013 على التوالي. فمنذ تسعينيّات القرن العشرين، تعمل الحكومة الصينية على صَوْغ قانونٍ وطنيّ للاجئين بمعونة مفوضيَّة اللاجئين. وقد رُفِعَت سنة 2008 مُسوَّدةُ لائحةٍ تنظيمية للاجئين إلى مجلس الدولة لمناقشتها، ولكنّ المسوَّدة لم تُعتَمَد.[10] ولا معلوماتٍ مُعلنةً، وهذه المقالة تُكتَب، في شأن حصول التقدُّم من عدمه في وضع اللوائح الوطنية للاجئين في الصين، ولكنْ يظهر أنه من المستبعد أن تتحمَّل الحكومة الصينية مسؤوليةَ تقرير صفة اللاجئ، ما لم تُجَزْ لائحةٌ تنظيمية للاجئين. نعم، ما يزال إجراءُ تقرير صفة اللاجئ في الصين داخلٌ تحت ولاية مفوضيَّة اللاجئين، ولكنْ من المحتاج إليهِ مزيدٌ من البحث في هذه الأعمال وما يرتبط بها من تحدِّيات الحماية.

 

لِلِي سُنْغ lili.song@otago.ac.nz

محاضرةٌ، في كلية الحقوق، بجامعة أوتاغو www.otago.ac.nz/law/staff/lili-song

 

[1] لتستقيم هذه المقالة على غرضها، قصدنا بجمهورية الصين الشعبية (المشار إليها في هذه المقالة بـ«الصين») برَّ الصين الأكبر، وليس فيه هونغ كونغ وماكاو وتَايوان.

[2] UNHCR UNHCR Representation in China

(بعثة مفوضيَّة اللاجئين في الصين)

www.unhcr.org/hk/en/about-us/china

[3] UN (2000) ‘Agreement on the upgrading of the UNHCR Mission in the People’s Republic of China to UNHCR branch office in the People’s Republic of China. Signed at Geneva on 1 December 1995

(اتفاقية لترقية بعثة مفوضيَّة اللاجئين في جمهورية الصين الشعبية إلى مكتب فرعيّ لمفوضيَّة اللاجئين في جمهورية الصين الشعبية، أبرمت بجنيف في 1 من شهر كانول الأول سنة 1995)

 https://treaties.un.org/doc/Publication/UNTS/Volume%201899/v1899.pdf

bit.ly/UNHCR-China-1995 p71

[4] UNHCR (2018) Submission by the United Nations High Commissioner for Refugees for the Office of the High Commissioner for Human Rights’ Compilation Report Universal Periodic Review: People’s Republic of China and the Special Administrative Regions of Hong Kong and Macao

(رفيعةُ المفوَّض السامي لشؤون اللاجئين إلى مفوضيَّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول الاستعراض الدوري الشامل: جمهورية الصين الشعبية والمنطقتين الإداريّتين الخاصّتين: هونغ كونغ وماكاو)

 www.refworld.org/docid/5b56ffde9.html

[5]من شاء الاستزادة في ولاية مفوضيَّة اللاجئين على اللاجئين في الصين، فلينظر:

 L Song (2020) Chinese Refugee Law and Policy, Cambridge: Cambridge University Press, chapter 4.1.

(قانون وسياسة اللاجئين في الصين)

[6] UNHCR (2003) Procedural Standards,  p3-16

(المعايير الإجرائية)

www.refworld.org/docid/42d66dd84.html

[7] حين قدم الناس واسعاً، كما هو الحال في مَقْدَم اللاجئين من الهند الصينية والهاربين من كوريا الشماليّة، وأصحاب عِرْق الكُوكَنْغ وعِرْق كَتْشِي، قاربت الحكومة الصينية الأمر بنفسها، ولم تُشرِك في ذلك مفوضيَّة اللاجئين إلا قليلاً. انظر:

 Song L (2020), chs 4.2-4.5. 

[8] UNHCR (2020) Procedural Standards, p111 and p145

(المعايير الإجرائية)

www.refworld.org/docid/5e870b254.html

[9] Qian S (2019) ‘UNHCR and China: From Help Receiver to Partners – An Interview With UNHCR Representative in China Dhanapala’, 19 June 2019 [in Chinese; title translated]

(مفوضيَّة اللاجئين والصين: من تلقّي المعونة إلى المشاركة: مقابلة ممثِّلة مفوضيَّة اللاجئين في الصين سِڤَنْكَا دانابالا)

 https://news.un.org/zh/story/2019/06/1034911

[10] UNHCR (2013) Submission by the United Nations High Commissioner for Refugees For the Office of the High Commissioner for Human Rights’ Compilation Report – Universal Periodic Review: People’s Republic of China

(رفيعةُ المفوَّض السامي لشؤون اللاجئين إلى مفوضيَّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول الاستعراض الدوري الشامل: جمهورية الصين الشعبية)

www.refworld.org/pdfid/5135b0cb2.pdf, p1

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.