السوريُّون في ألمانيا: الأسباب التي تدعو الأفراد إلى العودة أو البقاء

ليس اللاجئون السوريُّون في أوروبا جماعة واحدةً متجانسة، إنما هم أفراد وأُسَرٌ جاؤوا من بقاعٍ سورية مختلفة، فتجاربهم في المنفى مختلفة، وتوقُّعاتهم في العودة مختلفة.

يُشِيرُ بحثٌ أُجْرِيَ على اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى أنَّ عودةَ اللاجئين الذين كانوا موظَّفين في سورية -ولا سيَّما الذين وظَّفتهم الحكومة- تَرْجِحُ على عودة غيرهم.[i] وينطبق هذا خصوصاً على الذين تزيد سِنُّهم على 40 عاماً، فهم يميلون إلى استصعاب تعلُّم لغة المجتمع الذي يُضيِّفُهم وإيجاد وظيفة تُناسِبُ درجاتهم التعليمية، وهم في استصعاب ذلك أكثر من اللاجئين الأصغر منهم سناً. كل هذا، فضلاً على أنَّ المستطيعين العودةَ إلى وظائفهم السابقة يمكن أنْ يستأنفوا عَيْشَهم في بلادهم الأصلية استئنافاً سهلاً. وتشعر هذه الفئة من اللاجئين أيضاً، أكثر من غيرها، باقتلاعها من ثقافتها، وتحنُّ إلى أنْ تعود إلى عيشتها السابقة.

ولكنْ قد تكون العودة الطوعية التي تُصَانُ فيها الكرامة على فئات اللاجئين السوريين الأخرى أصْعَبُ. من ذلك مثلاً، وفق المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، أنَّ ثلاثة أرباعٍ إلا قليلاً (أي 73.8% - 532 ألفَ شخصٍ و799 شخصاً) من طالبي اللجوء في ألمانيا عام 2016 -ومنهم السوريُّون- يَصْغُرُون عن 30 عاماً. عُلِّمَ معظمهم ودُرِّبوا في ألمانيا وتعلَّموا اللغة الألمانية، ويكسب كثيرٌ منهم راتباً جيداً، ويَرَوْنَ أنَّهم مندمجون في المجتمع الألماني. ومع ذلك، لن يفيدهم شيءٌ من مؤهلاتهم في سورية. ولذا، لا يُحتمَل أنْ تَرْغَبَ هذه الفئة من اللاجئين في العودة إليها. فلو أنَّ هؤلاء اللاجئين الشباب الذين يكسبون اليومَ رزقهم في ألمانيا بَقَوْا في سورية، لَنُظِرَ إلى كثيرٍ منهم على أنَّهم، بحسب المعايير التعليمية السورية، ذوو درجةٍ تعليميةٍ رديئة، ولَعاشوا عيشةً صعبة جداً، حتَّى لو كان ذلك قبل الحرب، ولَعملوا غالباً في أعمال صعبة تقتضي منهم جهداً جسمانياً في البناء والزراعة. وبعد ما أصبحوا يتمتعون به من أمْنٍ وتأمين اجتماعيٍّ وصحيٍّ، وأهم من كل ذلك، كرامتهم المُصانَةُ في ألمانيا، فغير مُحتمَلٍ أنْ يختاروا العودة إلى سورية.

وأمَّا العودة الطوعية التي تُصَان فيها الكرامة، فالظاهر أنَّ حال الأطفال اللاجئين -ولا سيَّما الذين وُلِدُوا في ألمانيا أو الذين كانت سِنُّهم أقل من سبعةٍ يومَ قَدِمُوا- هي أصعب الأحوال. فقد اندمج هؤلاء الأطفال كلَّ الاندماج في النظم التعليمية المضيفة، وهم لا يعرفون قراءة اللغة العربية ولا كتابتها. وفي بعض الحالات، لا يتكلَّم الأطفال اللاجئون إلا بلهجة أمهاتهم وآبائهم (وليست هي اللغة العربية الفصحى التي يُتعلَّمُ بها في المدارس السورية)، حتى إنَّ بعضهم لا يستطيعون التكلُّم بلهجة أمهاتهم وآبائهم. والواقع أنَّ كثيراً منهم يَكْثُرُ أن يغلب عليهم كونهم من مواطني البلاد التي يعيشون فيها الآن، لا البلاد التي يأتي منها الآباء والأمهات. وستكون العودة إلى المجتمع السوري ونظمه التعليمية عليهم صعبةً. فإن أفرطَ في تبسيط أمرهم وصُنِّفوا سوريِّين بسبب جنسية آبائهم، فمن المُحتمَل، إن هم عادوا إلى سورية، أن يغالبوا الدراسة وأن يشعروا بأنهم مجفوُّون من المجتمع. وهذا يخالف اتفاقية حقوق الطفل، ولا سيَّما التعليق العام رقم 6 الذي يقول: "لا يجوز للدول إعادة طفلٍ إلى بلد فيه أسباب حقيقية تدعوا إلى الاعتقاد بوجود خطر يُعرِّض الطفل لضرر لا يُعوَّض".[ii]

ليس اللاجئون السوريُّون في أوروبا جماعة واحدةً متجانسة، وإن طُبِّقتْ عليهم جميعاً سِيَاسةُ عودةٍ واحدة غير متمايزة، فسيُضِرُّ ذلك كثيراً منهم، ولا سيَّما الأطفال واللاجئين الشباب ذوي الدرجات التعليمية التي هي أقلُّ من غيرهم. ولذا، لا بدَّ أن يُوسَّع فَهْمُ خصوصية كلِّ مرحلةٍ من مراحل حياة الناس، وظروفِهم في المنفى ومراعاتها، وذلك من أجل أنْ تُضمَن لتهجيرهم حلولٌ، تَجْتمِعُ فيها المناسبة والطوعية والاستدامة.

أحمد العجلان ahmad.ajlan@uni-bielefeld.de

باحثٌ في معهد البحوث المتعددة التخصصات التي محورها النِّزاع والعنف، في جامعة بيلفيلد www.uni-bielefeld.de/ikg

 

[i] See Al Ajlan A (2019) ‘Older Refugees in Germany: What Are the Reasons for the Difficulties in Language-learning?’, Journal of Refugee Studies

(اللاجئون المسنُّون في ألمانيا: ما هي أسباب مصاعب تعلُّم اللغة؟)

https://academic.oup.com/jrs/advance-article/doi/10.1093/jrs/fez056/5532152

[ii]  اتفاقية حقوق الطفل، التعليق العام رقم 6 (2005) www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/crc.aspx

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.