بَرَزَ التهرّب من التجنيد الإلزاميِّ كأحد الأسباب الرئيسية لفرار الشباب الذين يزيد سنُّهم عن 18 عاماً من سورية. وهو أيضاً أحد الأسباب الرئيسية لعدم تمكّنهم من العودةَ. ومع عمل الحكومة السورية على الترويج لحالات العودة، لتُثبِتَ بها استقرارها وسلطتها، ومع ازدياد الضَّغط الدولي من أجل عودة اللاجئين، يمكن أن تكون هذه المسألة زاوية مُفِيدةً، يتم من خلالها تقييم استعداد سورية، في جعل عودةَ شَعْبِها عودةً مستدامة. ومن كل هذا يَبرزُ السؤال: إذا لم يكن بإمكان هؤلاء الرجال العودة بشكل آمن ، فهل ينبغي للمجتمع الدوليِّ أن يُشجِّعَ الآخرين على ذلك؟
ينصُّ مرسومٌ صدر عام 2014 أنَّه يجب على الرجال الذين من هم في سنِّ الخدمة العسكرية (بما في ذلك العدد المتزايد من الشباب الذين بلغوا سنَّ الخدمة وهم خارج سورية) الذين لا يرغبون في الخدمة، ولكنْ يرغبون في العودة إلى سورية، أن عليهم البقاءُ خارج البلد مدَّةَ أربع سنوات على الأقل، ودفْعُ رَسْمِ إعفاءٍ يبلغ 8 آلاف دولار أمريكي. ويُوجِبُ المرسوم نفسه أيضاً على الرجال الذين تزيد سنُّهم عن 42 عاماً (أي الذين تجاوزا سنَّ الخدمة العسكرية)، ولم يؤدُّوا الخدمة، دَفْعَ رَسْمِ إعفاء و قدره المبلغ ذاته - وهو عند اللاجئين عموماً مبلغٌ يستحيل دّفْعُه. وتشير التقديرات إلى أنَّ ما يصل إلى 75 بالمئة من اللاجئين السوريين، راغبون بالعودة[1]، ولكنَّ القضايا المتعلقة بالتجنيد الإلزامي، تمنع مجموعةً كبيرةمن اللاجئين من العودة طوعياً. وإنَّ العدد لعظيمٌ حقاً: و لغاية 19 سبتمبر/أيلول عام 2019، كانت قد سجَّلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 1866881 لاجئاً سورياً من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 سنة و59 سنة.[2]
وللتملُّص من التجنيد الإلزامي صلةٌ بعواملَ أخرى تؤثِّر في قرار الفرار وقرار العودة على حد سواء. وتُبيِّنُ كثيرٌ من الدراسات أنَّ في مثل هذه القرارات, تأتي الأسرة والأصدقاء والشبكات الاجتماعية في المرتبة الثانية بعد السلامة والأمان، ويشمل هذا مخاطر التجنيد الإلزامي والمخاطر التي قد تقع على العائدين فور عودتهم من التملُّص. ومع أنَّ تأكيد الأرقام صعبٌ، تُقدِّرُ التقارير أنَّ آلاف اللاجئين عادوا إلى سورية في عام 2018 وفي أوائل عام 2019. ولا توجد أرقام حقيقية عن أعداد الرجال الذين عادوا وهم في سنِّ الخدمة العسكرية، ولكن يوجد قصصٌ كثيرةٌ لأمثال هؤلاء الرجال، و الذين اختاروا العودة إلى سورية، على الرغم من خطرٍ مُحتمَل عظيم، لأنهم لم يجدوا سبيلاً إلى لمِّ شملِ أسرهم في بلاد اللجوء. ثم إنَّ قرارات العودة تُثِيرُ معضلاتٍ أخرى تؤثِّر في الأسرة كلِّها. ومن ذلك مثلاً، أنَّ اللاجئين من النساء والأطفال قد يختارون بين البقاء مهجَّرين مع الأزواج والآباء والأبناء، وإمَّا العودة إلى سورية بدونهم، وهذا قد يُعرِّضهم -إلى جانب الأثر العاطفي الذي يتركه فيهم الفراق- إلى احتمال خطرٍ أعظمَ خلال رحلتهم، وحتى بعد عودتهم إلى سورية.
وهنالك عدد من البلادِ لا تعدُّ التملُّصَ من التجنيد الإلزامي وحده سبباً لمنح السوريين صفة اللاجئين، على الرغم من الأدلة الكثيرة على المخاطر التي تحيط بهذه الفئة من اللاجئين عند عودتهم، وهذه الحالة شبيهة بالحالة التي في إريتريا. فهناك رأت محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة عام 2016، أنَّ اللاجئين الذين هم من في سنِّ التجنيد الإلزامي، إنْ هم عادوا إلى إريتريا، فسيواجهون الاضطهاد والإساءة. فأدَّى ذلك القرار إلى تعديل سياسة الهجرة في المملكة المتحدة، ودَفَعَ بمزيد من الأدلَّةٍ على أنَّ معاملة الرجال الذين عادوا بعد أن تملَّصوا من التجنيد الإلزامي، حالت دون عودتهم عودةً آمنة، ومن ثمَّ يكون ذلك سبباً لاستمرار لجوئهم.
منح العَفْوٌ العام
في محاولة لمعالجة هذه المخاوف, أصدرت سورية في تشرين الأول عام 2018، مرسوماً غير مسبوقٍ، يمنح عفوٍ عاماً عن جميع المخالفات التي ارتكبها المكلَّفون بالخدمة العسكرية، شريطة أنَّ يُسلِّموا أنفسهم في أيِّ فرع عسكري، وذلك في خلال أربعة أشهر لمَن هم داخل البلد، وستة أشهر لمَن هم خارجها. وعلى الرغم من أنَّ كثيرين عبَّروا عن أنْ لا ثقة لهم بالمرسوم، رفع عدد كثير من الناس أسمائهم. لكنَّهم وجدوا أنفسهم بعدُ ذلك في قوائم التجنيد الإلزامي من جديد في أقلِّ من سبعة أيام، بعد أن استغلَّت الحكومة ثغرةً في المرسوم. وهذا يعكس استمرار الوضع الراهن منذ ثماني سنوات، وليس هذا فحسب، بل إلى جانب ذلك استمرار الأحوال التي فجَّرت الأزْمَة عام 2011 وأدَّت إليها.
ولتجنُّب حدوث هذا مرة أخرى، ولدعم عودة مستدامة، يجب أن يضمَّ أيُّ عفوٍ ناجحٍ شاملٍ في السياق السوري ما يلي:
- إسقاط العقوبات عن الجرائم السابقة التي لها صلة بالتملُّص من التجنيد والفرار من الخدمة العسكرية
- إعفاءٌ من الخدمة العسكرية المستقبلية ( بما في ذلك أي بديل من الخدمات المدنية)، فيكون ذلك إمَّا بلا قيد ولا شرط وإمَّا بفرض رَسْمِ إعفاءٍ مُعتدِل
- ’مدَّةُ سماحٍ‘ طويلة بحيث يُضمَنُ بها تحقيق العودة الطوعية في أحوال آمنة والكرامة فيها مُصانَةٌ، أو لا تُحدَّدُ مدَّةٌ على الإطلاق
- إطلاقُ كلِّ مَن هم يُحقَّقُ في أمرهم حالياً أو مَن سُجِنَوا، بسبب تملُّصهم من الخدمة العسكرية وفرارهم منها
- إعطاء الإذْنٌ للسلطات الدولية بمراقبة أحوالِ العائدين إلى سورية وتثبيتها في وثائقَ ليُعيَّنَ مدى الامتثال العامِّ للعفو
- إستراتيجيةٌ مستهدفةٌ لأنشطةَ التماسك المجتمعي التي تتكفَّل بها الدولة، لتخفيف ردِّ الفعل المعادي الذي قد يَقَعُ على مَن لم يؤدِّي الخدمة
- تسريحٌ تدريجي للذين أتمُّوا مدَّة الخدمة العسكرية، مع تقديم مجالٍ من المنافع المُدرَّجة للرجال وأسرهم، وذلك من أجل تكريم الذين أدّوا الخدمة
أحمد عرمان araman421@windowslive.com
مُنسِّقٌ ميدانيٌّ في مجال العمل الإنسانيِّ في سورية
شذى لطفي shazaloutfi93@gmail.com
مسؤولة برامج، في معهد الولايات المتحدة للسلام بالعراق، إلى ما قَبْلَ أنْ تُنشَرَ هذه المقالة
[1] UNHCR (March 2019) Fifth Regional Survey on Syrian Refugees’ Perceptions and Intentions on Return to Syria
(الاستقصاء الإقليمي الخامس في اللاجئين السوريين وتصوراتهم ونواياهم في العودة إلى سورية) https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/68443.pdf