مبادئ إعادة اللاجئين مُضيَّقٌ عليها

يزداد أكثر فأكثر انتهاك القوانين والقواعد التي وَضَعَها المجتمع الدولي لضمان أن تقع إعادة اللاجئين المُنظَّمةُ إلى بلدهم الأصلي، بحيث تشتمل على حماية حقوقهم.

في شهر يونيو/حزيران من عام 2019، قالت وكالة الأنباء أسوشيتد برس إنَّ "السلطات اللبنانية تشنُّ أكثر حملاتها عداءً على اللاجئين السوريين لكي يعودوا إلى بلدهم... إذ تحمَّلت ما يكفي من عبء استضافة أعلى تجمُّعٍ للاجئين في العالم على أساس النسبة بين عدد سكان البلد المضيف وبين عدد اللاجئين."[1] وقال وزير الخارجية اللبناني جبران بَسِيل، شارحاً موقف بلاده، إنَّ معظم السوريين يبقون في لبنان لأسباب اقتصادية، لا لأسباب حمائية، وأشار إلى أنَّ نصف مليون سوريٍّ يعملون في لبنان، مخالفين لقوانين العمل، ولا يُعادُونَ إلى بلدهم.

وتابع جبران بَسِيل قائلاً إنَّه يجب أن يكون هناك عودة تدريجية للراغبين في العودة، وبعد يومين فقط من قوله هذا، هدَّد الجيش اللبناني بتدمير مساكنَ نحوٍ من 25 ألفَ لاجئٍ يعيشون قٌرْبَ بلدة عرسال الحدودية، وكان السبب، ظاهرياً، أنَّهم انتهكوا اللوائح الحكومية التي تمنع السوريين من إقامة مبانٍ خرسانية. فقال متحدِّثٌ باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استجابةً لهذه الأحداث، إنَّ "هذا الوضع يزيد العبء المالي عند اللاجئين، ونحن نعلم أنَّ معظمهم يعانون الفقر"، وقال إنَّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ستوفِّرُ للاجئين المتضررين موادَ بناءٍ جديدةً، كالقماش المشمَّع والخشب.[2]

وليست هذه الأحداث المُقْلِقةُ مَقصُورةً بحال من الأحوال على لبنان. فقد وضع المجتمع الدولي منذ زمن طويل مجموعة من القوانين والقواعد غايتها ضمان أن تقع إعادة اللاجئين بحيث تشتمل على حماية حقوقهم. ولكنْ عملياً، زادت الدول المضيفة والمانحة، مع اشتراك الأمم المتحدة أحياناً، أكثر فأكثر سلوكها مسالكَ تنتهك تلك الحقوق.

القوانين والقواعد
في السَّبعين سنةً الماضية، دُوِّنتْ قوانين مقاربة المجتمع الدولي لإعادة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي في عدد من الوثائق. ومن هذه الوثائق: اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وواسطات إقليمية كاتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية بشأن اللاجئين لعام 1969، وسلسلةٌ من الاستنتاجات المتعلّقة بالحماية الدولية للاّجئين من اللجنة التنفيذية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المعروفة باستنتاجات اللجنة التنفيذية ExCom Conclusions)، وكتابٌ دليلٌ صدر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعنوانه دليل العودة الطوعية: الحماية الدولية.[3] وتورد هذه الوثائق سلسلةً من المبادئ الأساسية.

أوَّل هذه المبادئ، أنَّ اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية تنصُّ على أنَّه "يجب في كلِّ حالٍ احترام الصفة الطوعية جوهراً في عودة اللاجئين."، وبتعبير آخر، يجب أن يكون اللاجئون قادرين على اتِّخاذ قرار حُرٍّ وصادرٍ عن علم في شأن عودتهم إلى بلدهم الأصلي، ويجب ألاّ يتعرَّضوا لأيِّ ضغط جسمانيٍّ أو ماديٍّ أو نفسانيٍّ يدفعهم إلى ترك البلد الذي هُم فيهِ لاجئون.

وثانيها، أنَّه يجب أن تقع العودة إلى البلد الأصلي بحيث تكون آمنةً مُصَانةٌ فيها الكرامة. ويجب ألاّ يُرْغمَ اللاجئون أو يُقسَروا جسمانياً على الانتقال أو على ما يُهدِّدُ أمنهم. ويجب أن يكونوا قادرين على العودة بالسرعة التي تناسبهم، من غير أن ينفصلوا عن أفراد أُسَرِهم، وينبغي كما نصَّ دليل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "تُعامِلَهُم سلطات بلادهم الوطنية معاملةً فيها احترام وأن تَقْبلَهُم قبولاً تاماً".

وثالث هذه المبادئ، يتعلَّق بالحاجة إلى تنسيقٍ في حركة العودة إلى البلد الأصلي تنسيقاً فعَّالاً، ويتحقق هذا غالباً بإنشاء لجانٍ ثلاثية تضمُّ الدولة المضيفة والبلد الأصلي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي هذا، تتكفَّل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتمثيل مصالح وهموم اللاجئين، وبضمان أن تسير العودة في طريقٍ تُحترَمُ فيه حقوقهم الإنسانية احتراماً تاماً.

ورابعها، أنْ وافق المجتمع الدولي على أنَّه لا ينبغي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تشجِّعَ على عودة اللاجئين وأن تعمل على إنجاحها إلاّ في حالات تكون حدثت فيها تغيُّراتٌ جوهريةٌ في بلادهم الأصلية. ومثال ذلك في الأحوال العادية، تغيير الحكومة، وانتخابات ديموقراطية، وجريان عمليات بناء السلام التي تتبع الأمم المتحدة، وإعادة حُكْمِ القانون.

وخامسها، أنَّه خلال العقود الثلاثة الماضية، تحمَّل نظام اللاجئين الدولي مسؤوليةً أثقل بكثيرٍ عند عودة اللاجئين. فوَفْق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يجب أن تكون العودة إلى البلد الأصلي مرتبطةً بإعادة الإدماج وأن تكون مستدامةً في طبيعتها، وهذا يعني أنَّه ينبغي أنْ يكون العائدون قادرين على استعمال كل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية، ومن ذلك حقُّهم في إيجاد سُبُل معيشة آمنة.[4]

وأخيراً، اتفقت الدول والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على الحاجة إلى اتِّباع مقاربة شاملة للوصول إلى حلولٍ دائمةٍ، وفيها يُجمَع بين العودة الطوعية، والاندماج المحليِّ، وإعادة التوطين في بلد ثالث. ففي كل حالة من حالات اللجوء، ينبغي اتِّباع هذه الحلول الثلاثة كلها، ويُحدَّدُ التوازن بينها على أساس كلِّ حالةٍ على حِدَتِها.

حقائق الإعادة إلى البلد الأصلي
مبادئ إعادة اللاجئين إلى البلد الأصلي إذاً واضحةٌ بيِّنة. ولكن ما مدى احترام المعايير التي وافق عليها المجتمع الدولي من الوجهة العملية؟ السجلُّ التاريخيُّ لذلك غير مكتملٍ يا للأسف، وفي الزمن المعاصر، تتعرَّض هذه المعايير لضغط يزيد أكثر فأكثر.

ولقد عدَّ نظام اللاجئين الدولي أكثر فأكثر، على الرغم من التزامه المُعْلَنِ اتِّباعَ مقاربة شاملة للوصول إلى حلولٍ دائمةٍ، أنَّ الإعادة إلى الوطن الأصلي (على أساس طوعيٍّ عادةً ولكن ليس بالضرورة أن تكون على هذا الأساس دوماً) هي النتيجة المُثْلَى والمفضَّلة. وتفسير السَّبب في ذلك ليس صعباً. إذ لا تريد الدول المضيفة في المناطق النامية من العالم بقاءَ اللاجئين في أراضيها لأجل غير مسمى، وفي معظم الحالات، تُصرُّ على ألاّ تمنح اللاجئين خيار الاندماج المحلي. وتحرص الدول المانحة على وَضْعِ حدٍّ لحالات اللجوء التي يطول أمدها ولبرامج المساعدة المُكلِّفةِ والطويلة الأمد، على حين أنَّ البلاد الأصلية تكون حريصةً غالباً على سَنْدِ شرعيَّتها من خلال إظهارها أنَّ مواطنيها المنفيين مستعدُّون للتعبير عن استيائهم من ظروف العيش في البلاد التي هم فيها، ويكون تعبيرهم هذا بعودتهم إلى بلادهم الأصلية.

وأمَّا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -وهي هيئةٌ تموِّلها الدول وتحكمها، ومن ثمَّ هي سريعة التأثُّر بهموم تلك الدول- فقد أصبح هدفها الرئيسيُّ هو إعادة أكثر عدد من اللاجئين إلى بلادهم الأصلية، وهذا يدلُّ على الفائدة التي تُعِيدُها المنظَّمةُ على مَنْ فيها من أصحاب المصلحة المعنيين الأساسيِّين. حتَّى إنَّ مفوَّض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، ساداكو أوغاتا، أعلن أنَّ عقد التسعينيَّات من القرن العشرين هو "عَقْدُ العودة إلى البلد الأصلي"، وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأت المنظَّمة في وَضْعِ أهداف سنويةٍ، لا بل شهريةً أيضاً، للعودة إلى البلد الأصلي، وذلك في برامجها التي في البلاد الكبيرة.

وهكذا، تُنحِّي الجهات الفاعلة في نظام اللاجئين الدولي أكثر فأكثر فكرةَ أنَّ العودة إلى الوطن ينبغي أن تكون في طبيعتها طوعيةً، آمنةً، تُصَانُ فيها الكرامة، ومن هذه التنحية صُوَرٌ ودرجات من الإرغام تَقَعُ على اللاجئين لتُثِيرَ وتحافظ على حركات العودة الجماعية إلى البلاد الأصلية. وهذا كان حال عودة 200 ألفٍ من لاجئي الروهينغيا من بنغلاديش إلى ميانمار في أوائل التسعينيَّات، وحال إعادة نحوٍ من 350 ألفَ لاجئٍ روانديٍّ من تنزانيا عامَ 1996، وحال ما يسمَّى العودة المُنتظِمةلـ40 ألفَ لاجئٍ بورونديٍّ من تنزانيا عامَ 2012. ومن الحالات التي هي أقرب إلى اليوم من التي ذُكِرَت آنفاً، هي إعادة اللاجئين الأفغانيين من باكستان وإيران، وإعادة اللاجئين الصوماليين من كينيا، وكان في كِلتا الحالتين ضروبٌ مختلفةٌ من الوعيد والإرغام. ومن هذه الضروب تقليلٌ في مستويات المساعدة، وتهديدٌ بإغلاق المخيَّمات، ومضايقاتٌ يومية من عند المسؤولين الحكوميين.

ولقد شهد العقد الماضي أيضاً جهوداً صاعدةً بذلتها الدول الصناعية لإعادة اللاجئين وطالبي اللجوء إلى بلادهم الأصلية، إمَّا عن طريق الترحيل، أو عن طريق برامج العودة الطوعية المُساعَدِ عليها، وفيها تُتَاح حوافزٌ مالية للعودة إلى البلد الأصلي. وغنيٌّ عن البيان، أنَّ هذا كان دليلاً قوياً على دَعْمِ البلاد المضيفة في المناطق النامية التي ترغب في أنْ تتحقَّق مغادرة اللاجئين أراضيها.

وتصرُّ الدول اليومَ على وجوب أنْ تقع الإعادة إلى البلد الأصلي بحيث تكون أسرع بعد وصول اللاجئين إلى بلد اللجوء، حتى لو لم يكن في ظروف بلادهم الأصلية تغيُّر جوهريٌّ. ففي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، على سبيل المثال، بدأت كلٌّ من بنغلاديش وميانمار والجهات المانحة الرئيسية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مثل الاتحاد الأوروبي، بدأت في تدقيق النَّظر في خياراتٍ لإعادة 700 ألفِ لاجئٍ من الروهينغيا، بعد أربعة أشهر فقط من فرارهم من الفظائع الواقعة في بلدهم، وذلك في وقتٍ ما زالَ في البلد يجري تهجير واسعٌ نطاقه.

ومثلُ ذلك، أنْ شهد العامان الأخيران جهداً دولياً صاعداً يُبذَلُ للتخطيط والإعداد لحالاتٍ من عودة اللاجئين واسعة النِّطاق إلى سورية، على الرغم من بقاء نظام الأسد ممسكاً بالسلطة، واستمرار وجود حليفيه الروسي والإيراني في البلد، وانتشار العنف وانتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً واسِعَ النِّطاق.

وقد أثيرت أسئلةٌ خطيرةٌ تتعلَّق بدور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من حيث هي وسيطةٌ في مفاوضات الإعادة، ومن حيث هي حامية لحقوق اللاجئين. وبحثت المُنظَّمة، تحت ضغطٍ من الدول المضيفة والدول المانحة، عن طرقٍ جديدة للتشجيع على العودة والعمل على إنجاحها، ومن ذلك دَفْعُ مِنَحٍ وافرةٍ من منح الإعادة إلى البلد الأصلي، وتُدْفَعُ إلى اللاجئين الذين لا يصلهم إلاّ مبالغ قليلةٌ من مبالغ المساعدة، وتراكمت على كثير منهم ديونٌ ثقيلة.

ومن الأدلَّة ما يشير إلى أنَّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أخفقت في الخوض بما فيه كفايةٌ في هموم اللاجئين وفي فَهْمِها، وذلك في سياق العودة. وهذا شُوهِدَ عملياً، واستُنْكِرَ، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، حين وقَّعت المُنظَّمة على اتفاقية سرية بينها وبين الحكومة الميانمارية لإعادة الروهينغيا إلى بلدهم.[5] وأعمُّ من ذلك، أنَّ الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين لعام 2018، يوضِّحُ موقف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيقول: "ليست العودة الطوعية مشروطةً بالضرورة بإنجاز الحلول السياسية في البلد الأصلي".[6] إذن ليس مستغرباً، في ظلِّ كل هذه الأحداث، أنْ يعطي لبنان نفسه إذناً بأن يدخل في مناقشات ثنائية مع دمشق وموسكو تدور حول عودة اللاجئين إلى سورية، وبأن يشتكي تعويق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حين تقترح أنَّ الظروف في سورية قد لا تكون بعدُ حسنة الاستجابة لإعادة اللاجئين إعادةً واسعة النطاق.

الاستجابات السياسية والبرنامجية
القُوَى التي قوَّضت المبادئ المُقرَّرة لإعادة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي راسخةٌ رسوخاً عميقاً، وزوالها غير وارد غالباً في المستقبل القريب. ومع ذلك، يوجد من الإجراءات والتدابير ما يمكن اتِّخاذه لوقف التدهور (وعسى أن تَعْكُسه) في معايير إعادة اللاجئين الذي شوهد في السنوات الأخيرة.

أولاً: ينبغي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تتمسَّك بالمبدأ الذي يقول إنَّ العودة يجب أن تكون طوعيةً، آمنةً، تُصَان فيها الكرامة، وأن تُبنَى على أساس التغيُّرات الجوهرية والدائمة في البلد الأصلي. وتتحمَّل المُنظَّمةُ في هذا الصدد مسؤوليةً واضحة، ويجب عليها القيام بها حتَّى لو كانت تُعقِّدُ العلاقات التي بينها وبين الدول المضيفة والدول المانحة. وإن تعرَّضت المُنظَّمةُ لضغوطٍ لكي تدخل في عمليات إعادة اللاجئين التي لا توافق المعايير المنصوص عليها في دليل العودة الطوعية، فعليها إمَّا أن ترفض فعل ذلك، أو أن تكون واضحةً صريحةً كلَّ الوضوح والصراحة، في طبيعة اشتراكها وتعليله.

ثانياً (وقد يكون هاهنا للاتفاق العالمي بشأن اللاجئين دورٌ قيِّمٌ): لا بدَّ من الابتعاد عن فكرة الإعادة إلى البلد الأصلي باعتبارها النتيجة المُفضَّلة، ولا بدَّ من الارتداد إلى مقاربةٍ أشمل وأكثر تنوُّعاً للوصول إلى حلول دائمة. وهذا سيقتضي تحديداً أكثر انتظاماً للحالات التي قد يستفيد فيها جزءٌ من اللاجئين على الأقلِّ من الاندماج المحلي. وسيقتضي أيضاً بذل جُهْدٍ لإيجاد أماكن جديدة لإعادة التوطين، وذلك لسدِّ الفجوة التي أنشأها التَّخفيض الشديد الذي أقرَّته الحكومة الأمريكية حديثاً في حِصَّتها. فيجب استنباط حلولٍ جديدة وإنشاء طريق بديلة. وقد يكون من ذلك، مبادرات الاعتماد على النفس التي لا ترقى إلى الاندماج المحلي التامِّ، والتأشيرات والممرَّات الإنسانية، وبرامج لمِّ شمل الأسرة وتنقُّل اليد العاملة، والمِنَح الدراسية، وترتيبات حرية التنقُّل.

ثالثاً: ينبغي أن تصبح عملية إعادة اللاجئين أكثر تشاركيةً وشمولية. وهذه مُهمَّةٌ ليست سهلةً غالباً، فينبغي أن تحاول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إقناع الدول بالحاجة إلى إنشاء لجانٍ رباعية، يكون للاجئين فيها صورة من صُوَرِ التمثيل المنظَّم. ولكي تُيسَّر هذه المقاربة، التي لم تُجرَّب في الماضي قطُّ، ينبغي للمُنظَّمة أيضاً أن تفحص الطرق التي يمكن بها تنظيم هذا التمثيل تنظيماً تكون فيه الجدوى والعدالة في أقصاهما.

رابعاً: بعد عقود من المناقشات، أصبح من عهدٍ قريبٍ البنك الدولي وغيره من الجهات الفاعلة في المجال الإنمائي والمجال المالي، أكثر اندفاعاً ورغبةً في الخوض في مسائل اللاجئين، بدءاً من البلاد التي هي مجاورةٌ لسورية، واليومَ في أماكن أخرى أيضاً مثل بنغلاديش وإثيوبيا. غير أنَّ هذا الخوض ليس من دون خطر. فمن جهةٍ، خَطَرُ ألاّ تكون مشاركة الجهات الفاعلة في المجال الإنمائي واسعة النطاق أو مستدامةً كما يأمل كثيرٌ من أصحاب المصلحة المعنيين الآخرين ويتوقَّعونها أن تكون، ومن جهة أخرى، خَطَرُ أن ينظر القطاع الإنساني إلى مشاركة الجهات الفاعلة في المجال الإنمائي على أنها الحلُّ الأمثَلُ لمصاعبه المزمنة، ولا سيَّما الفجوات في التمويل ودورات البرامج القصيرة الأمد.

ومع كل ذلك، يَعِدُ التحوُّل إلى مقاربةٍ أكثرَ إنماءً بعِدَّة مزايا عظيمة الشأن. إذ يمكن أن يقلِّلَ الضغوط الاقتصادية والبيئة التي تشعر بها البلاد والمجتمعات المحليَّة التي تستضيف أعداداً كثيرةً من اللاجئين، وهذا مِنْ ثمَّ يقلِّلُ مَيْلها الطبيعي إلى حالات العودة غير الطوعية والسابقة أوانها. ويمكن أيضاً أن تُتِيحَ للاجئين سُبُلَ معيشة أكثر أمناً، وسمتوياتِ عيشٍ أفضل في بلاد اللجوء، وهو ما يُمكِّنهم من التخطيط والإعداد لعودتهم في آخر المطاف، إنْ هم اختاروا العودةَ. وإن طُبِّقَت مقاربة إنمائية في البلاد الأصلية التي حدث في ظروفها تغيُّر جوهري أو هو جارٍ حدوثه فيها، فيمكن أن تُتِيحَ للعائدين والسكان المقيمين على السواء فرصةً لإعادة بناء عَيْشِهم وإعادة تأسيس العلاقات بينهم، ومِنْ ثمَّ إحْقَاقُ أن تكون العودَةُ مستدامةً في طبيعتها.

جِف كرِسْب  jefferyfcrisp@gmail.com
باحثٌ مشاركٌ، في مركز دراسات اللاجئين، بجامعة أكسفورد www.rsc.ox.ac.uk وزميلٌ مشاركٌ في برنامج القانون الدولي، بِدَارِ تشاتام

 

[1] Associated Press ‘In Lebanon, Syrian refugees face new pressure to go home’, 20 June 2019

(في لبنان، يواجه اللاجئون السوريُّون ضغطاً جديداً للعودة إلى بلدهم) www.apnews.com/0a77b3506e6d4c12a877ef059fdc4f4a

[2] Naharnet, 12 June 2019 www.naharnet.com/stories/en/261366

[3] UNHCR (1996) Handbook – Voluntary Repatriation: International Protection

(دليل العودة الطوعية: الحماية الدولية)

 www.unhcr.org/uk/publications/legal/3bfe68d32/handbook-voluntary-repatriation-international-protection

[4] UNHCR (2008) ‘UNHCR’s role in support of the return and reintegration of displaced populations: policy framework and implementation strategy’

(دور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دَعْمِ المُهجَّرين وإعادة إدماجهم: إطار السياسات وإستراتيجية التنفيذ) www.refworld.org/pdfid/47d6a6db2.pdf  

[6] UNHCR (2018) ‘The Global Compact on Refugees’, section 3.1 para 87

(الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين)

www.unhcr.org/events/conferences/5b3295167/official-version-final-draft-global-compact-refugees.html

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.