أعَلَى العَوْدةِ مَقْسورون؟ عَوْدةُ اللاَّجئينَ المُيسَّرةُ إلى ميانمار

على الرغم من التطوِّر الذي وقع أخيراً على الحال السياسية في ميانمار، ومن الظروف الصعبة في تايلند، بين اللاجئين نفورٌ منتشرٌ مُستحكِمٌ من المشاركة في آلية العودة الرسمية المُيسَّرة.

لمَّا كان في أوائل عام 2016، كان النِّزاع في ميانمار يتحوَّل. إذ وُقِّعَ على اتفاق وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، ثم تولَّت الحكومة الجديدة السُّلطةَ في شهر أبريل/نيسان عام 2016. وكانت المناطق التي عاد إليها العائدون في جنوبيِّ شرقيِّ البلد، تعيش مدَّةً من استقرار الحال بالقياس إلى غيرها. ولذا ظُنَّ أنَّ اللاجئين المقيمين في تسع مناطق لاستيطان اللاجئين في تايلند سيكونون مُهتمِّين بالعودة إلى ديارهم. وفي عام 2016، وضعت حكومتا ميانمار وتايلند آليةَ عودةٍ مُيسَّرة، بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلا أنَّ الآلية أخفقت في توليد اندفاعٍ للعودة يُعتدُّ بهِ، ولم يَخْتَر المشاركةَ فيها إلى اليومِ إلاّ 729 لاجئاً من 100 ألفٍ من أهالي البلد.[1]

مواقف أصحاب المصلحة المعنيين
ولزاعمٍ أن يزعم أنْ لو عاد اللاجئون لَدلَّ ذلك على السلام والإرادة السياسية الصادقة، عند السلطات والمنظمات العرقية المسلحة، لتجاوز النِّزاع. ولَكان يمكن أن يكون في ذلك فرصة للحكومة، تعرض فيها قدرتها على تأمين الأقليَّات. ومع ذلك، لم ترى بالضرورة الحكومة ولا الجيش ولا المنظمات العرقية المسلحة، أنَّ لعودة اللاجئين الرسمية أولويةً لا تُؤَخَّر. وكان عرا كثيراً من أصحاب المصلحة المعنيين الشكُّ في سرعة المفاوضة السياسية، التي قد تتحقَّقُ في آخر المطاف من خلالها عودة اللاجئين.

ولم يُوقِّع في اتفاق وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني إلاّ ثمانية من المنظمات العرقية المسلحة التي عددها 15. وهكذا لم يُقِمْ هذا الاتفاق ولا الذي يليه، أيْ اتفاق بيدَونسو (الذي حدَّد 37 نقطة مُتفقَاً عليها في الطريق إلى السلام)، مسرحاً للعودة وطيداً. وعند تنصيب الحكومة الجديدة، دخلت ميانمار مرحلة جديدة في الطريق إلى بناء الدولة، لا إلى نهايتها. فكان يُحتَاجُ إلى كثير من الإصلاحات، وفي الوقت نفسه، كان لا بدَّ من المفاوضة في توازن القوى الهشِّ بين الحكومة المدنية والجيش على جميع المستويات. ثم كان في كلِّ يومٍ شيءٌ من التشويش في الكيفية التي عليها عمل عمليات اتِّخاذ القرار في السلطات. ومع مواجهة هذه المسائل المعقدة، لم تمنع السلطات والمنظمات العرقية المسلحة اللاجئينَ من العودة، لكنها لم تكن مستعدةً لأنْ تَنْشَط إلى العمل في إنجاحها.

ثم إنَّ اللاجئين أنفسهم -وهم من شعب الكارين وغيرهم من المجموعات العرقية في جنوبيِّ شرقيِّ ميانمار- لم يُلحُّوا على العودة أيضاً. صحيح أنَّ التغيُّر السياسيَّ الحادِثَ في ميانمار أنشأ شيئاً من التشوِّقِ، لكنْ كان احتمال العودة عند كثير من اللاجئين غير واضح المعالم، وكانوا غير راغبين في التخلِّي عمَّا لهم من حرية محدودةٍ في المآوي المؤقتة في تايلند، من غير دليل حقيقيٍّ على منافع العودة. ولقد أُعِيدَ توطين كثير من اللاجئين من تايلند إلى بلد آخر، واستمرَّ الذين بقوا في تعليق الأمل على أنهم هم أيضاً سيُعادُ توطينهم، وإن كانت إعادة التوطين قد أوقِفَت على التدريج.

هذا، واتَّخذ اللاجئون قرارات عظيمة الشأن، اتِّخاذاً جماعياً، لا اتِّخاذاً إفرادياً، وكان في قراراتهم ميل عامٌّ إلى اتِّباع قادتهم الذين هم أيضاً كانوا في الغالب متأثرين بالمواقف السياسية للمنظمات العرقية المسلحة. وقد كان عند اللاجئين في العموم دافع ضعيف إلى المشاركة في تنمية الدولة وبناء السلام وتولِّي المُهمَّات فيهما. ورأى كثيرون أنَّ السلطات في ميانمار، لم تُبيِّن من أنها سترحِّبُ بعودتهم، ما فيه كفاية. فكان قادة اللاجئين تردَّدوا في توجيه كلِّ أنشطة دعوتهم إلى ميانمار، ولم يرغبْ بعضهم في قيادة العودة، لا بل أرادوا أن يكونوا آخر العائدين. ثم إنَّ اللاجئين تصوَّروا العودة في مجموعات، فأدَّى هذا إلى تثبيط القرارات الفردية التي تُقرَّر فيها العودة. وما أظْهرَ اللاجئون عموماً من ضرورة العودة إلى ميانمار شيئاً.

دور المجتمع الدولي
لم يرى أصحاب المصلحة المعنيون الرئيسيُّون -اللاجئون والسلطات في ميانمار والمنظمات العرقية المسلحة- أنَّ وقت العودة قد حان في عامي 2016 و2017، ولكنَّ بعض مَن في المجتمع الدولي قالوا عن ذلك الوقت إنَّه مناسب لإنشاء اندفاعِ عودةٍ بين اللاجئين وتعزيزه. ولم يكنْ في ذلك الوقت إلحاح من الحكومة التايلنديَّة، بل كانت مستعدةً لقبول مرحلة انتقالية في السياسة وهيكل الدولة والسلام في ميانمار، قبل عودة اللاجئين. على أنَّ المانحين الرئيسيين قد بدؤوا يعربون عن نواياهم في تنقيص المال -إلى حدٍّ بعيد- الذي يُموِّلون به المنظمات غير الحكومية التي تُعِينُ مَن في المآوي المؤقتة في تايلند.[2] فأنشأ ذلك هماً كبيراً عند كلٍّ من اللاجئين والمنظمات غير الحكومية، إذ هو يُصِيبُ كَبِدَ بقائهم. وأعربت بعض المنظمات غير الحكومية عن قلقها من الشِّدَّة التي أُلقِيَتْ على اللاجئين، ليعودا بقَطْعِ حبل الإعانة. ورأى آخرون أنَّ تحويل الإعانة من المآوي في تايلند إلى المناطق التي يعود إليها العائدون في ميانمار، أمرٌ مُسوَّغ، ولا سيما أنَّ بعض المنظمات في تايلند دعمت المناطق التي تُحتمَل العودة إليها في الجانب الميانماري من الحدود بين البلدين، دعماً مُطَّرِداً.

لم تُعِنْ الحال العامة في ميانمار على عملٍ تامِّ الصفات يعمل في إنجاح العودة التي فيها أمان وصَوْنٌ للكرامة، ولا سيما في ظلِّ أزْمة الروهينغيا عام 2017، ولكنَّ الجهات الفاعلة الخارجية التي فضَّلت العودة، زعمت أنَّ هناك ضرورة إلى وضع آلية، في الأقل، لاستيعاب أولئك اللاجئين الذين رغبوا في العودة طوعياً. وحَمَلتْ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مسؤولية ما يحتاج إليه تيسير العودة من استعداد، ثم كانت أوَّل عودةٍ مُيسَّرة في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2016. على أنَّه حتى في ظلِّ الإعانة المنقوصة في المآوي والحوافز النقدية المُعطَاة، لم يختر العودة إلا عدد قليل من اللاجئين، وهذا يشير إلى أنْ ليست هموم اللاجئين معلقة على الإعانة وحدها.

العقبات الحقيقية في الطريق إلى العودة
أبرزت المناقشات التي أدارتها مجموعة التركيز حول العودة وإعادة الاندماج، وجرت في ميانمار في عام 2016[3]، خمسة جوانب من الهموم المُستحكِمة في اللاجئين (وغيرهم من أصحاب المصلحة المعنيين) محورها العودة التي قد تكون، ودونك هذه الجوانب:

  • السلامة الجسمانية والأمن: لا تحسُّنَ في عملية السلام، ولذلك يمكن أن يجد اللاجئون العائدون أنفسهم بعدُ عالقين في أعمال عنفٍ في المناطق التي عادوا إليها، ويمكن أيضاً لعودة اللاجئين أن تؤدي إلى زيادة في الجرائم والاضطرابات. وعبَّر اللاجئون أيضاً عن همومهم في الأخطار التي تسببها الألغام الأرضية غير المُعلَّم لها وغير المُزَالة.
  • وثائق الجنسية: أمَّا الذين لا يملكون مثل هذه الوثائق (ولا سيما الذين لهم ملامح تحيط بها المشكلات، كمَنْ اشتُبِهَ من قبلُ في تورُّطهم في أعمال تمردية أو إجرامية، أو مَن ما يزال الاشتباه فيهم قائماً، أو مَن هم من الأقليَّات العرقية والدينية)، فيحتاج أمرهم إلى درجات عالية من حسن النيَّة لكي يثقوا بالسلطات ويرفعوا طلباً إليها، ولا سيما أنَّ السلطات أو غيرها يمكن أن تستعمل وثائق الجنسية أو عملية استصدارها أداةً للتمييز.
  • حيازة الأراضي: ربَّما تكون منازل اللاجئين دُمِّرت أو صُودرَت. فلا بدَّ من بناء منازل جديدة (وإيجاد الأرض التي ستقام عليها) من أجل اللاجئين العائدين، ولا بدَّ أيضاً من ردِّ الأملاك إلى أصحابها أو تعويضهم عنها. وحقُّ التملُّك في ميانمار عموماً معقَّدٌ، وهو سائرٌ شيئاً فشياً إلى أن يكون سبباً في نزاعات جديد.
  • الخدمات الأساسية: تضرَّرت من النِّزاع معظم مناطق العائدين الريفية، وعانت سنوات طويلة من الإهمال والتخلُّف التنموي، وتفتقر المناطق التي يعود إليها العائدون إلى الخدمات الأساسية، كخدمات الصحة والتعليم والكهرباء والطرق. ويعبِّر اللاجئون أيضاً عن همومٍ مرتبطة بمسائل مُوسَّعة في حقوق الأقليَّات، ومثال ذلك الاستعمال القليل لِلُغاتِ الأقليَّات في التعليم.
  • فرص المعاش: يُحتَاج إلى وظائف جديدة أو صناعات جديدة في المناطق التي يعود إليها العائدون. واقتصاد جنوبيِّ شرقيِّ ميانمار معتمدٌ كثيراً على الحوالات المالية التي يُرسِلُها الذين يعملون في خارج ميانمار، في تايلند خاصةً.

ولقد نوقشت كثير من هذه الهموم في مجموعات التَّركيز، لكنَّ هذه الهموم تُظهِرُ التحدي الرئيسي الذي يتحدَّى إعادة الإدماج، ألا وهو الأمن البشري. فيجب أن تكون معالجة هذا الأمر جزءاً من إستراتيجيةٍ أمدها طويل لبناء الدولة والسلام، ولكنْ لم تظهر خريطَةُ طريقٍ لإعادة الإدماج، ولقد يُفسِّر عِظَمُ المهمة المقبلة، السَّببَ الذي يجعل كثيراً من اللاجئين لا يَروْنَ العودة أمراً واقعاً.

إنَّ الثِّقةَ لَأسَاسُ الأمن البشري. إذ تقتضي آلية العودة المُيسِّرة أن يُلغيَ اللاجئ العائد تسجيله في قاعدة بيانات اللاجئين، وقوائمَ الإعانة في المآوي، ثم بعد ذلك، يُرفَع اسمه إلى حكومتي ميانمار وتايلند للحصول على ترخيص. ولمَّا كان للاجئين من الثقة بالسلطات القليلُ، رأوا أنَّ في العودة الرسمية مظنَّة خطر، وفضَّلوا إخفاء هويَّتهم. فبين عامي 2012 و2017، عاد على حسب ما قُدِّرَ 18 ألفَ لاجئٍ[4] عودةً غير رسمية إلى ميانمار. ومَن تسجَّلَ من هؤلاء في العودة المُيسَّرة، اختاروا في آخر الأمر العودة من غير إعانة.

ودعا اللاجئون، من أجل بناء الثقة، إلى إشارات تُظهِرُ حُسْنَ نيَّة السلطات والمنظمات العرقية المسلحة، فيكون ذلك دليلاً على التزامهم السلام، وتخفيف حدة التوترات وحدة التحيُّز والتعصُّب على صعيد المجتمع. لكنَّ الذي حدث، هو تأخيرٌ طويلٌ في معالجة حكومة ميانمار قائمةَ أسماء اللاجئين الذين رفعوا طلبات لتُيسَّر عودتهم، فلم يُعِنْ هذا على تقليل سوء الظنِّ فيها.

وفي دراسة الحالة هذه التي تدور حول العودة المُيسَّرة، يمكن الاستفادة من عدة نقاط. أولاً: لم تكن آلية العودة المُيسَّر جزءاً من إطار عملية السلام، ولم تُعبِّر عن إرادة اللاجئين الثابتة في العودة، بل كان لها صلة أوثق بالاستجابة للضغوط الخارجية التي هدفها عودة اللاجئين.

ثانياً: لم يكن قرار العودة مجرَّد مسألة إعانة وحوافز (وإن طُلِبَ في بعض الحالات زيادة مجموعة مساعدات العودة، والإعانة في المناطق التي عاد إليها العائدون). وقد دارت كثير من هموم اللاجئين، في الواقع، حول الحاجة إلى الأمن البشري، فمِنَ الأمن الجسماني إلى مِلك وثائق الجنسية وسُبُل المعاش.

ثالثاً: قد يرتبط قرار العودة بإمكان إسهام اللاجئين في بناء الدولة والسلام، لكنْ كان يمكن أن يُفعَلَ المزيد لإقدار اللاجئين على الوثوق بالسلطات، ولتنمية مداركهم ليدركوا دورهم في عمليتَي بناء الدولة والسلام.

رابعاً: يحتاج المجتمع الدولي إلى النظر في مقاربة أشمل، تَضَعُ العودة في سياق السلام والتنمية. فقد كان للمجتمع الدولي دور في تعزيز العودة والمساعدة على إنشاء آلية العودة الميسَّرة، وذلك وفق مبدأ إعانة اللاجئين الذين يرغبون في العودة طوعياً، عودةً آمنة تُصَانُ فيها الكرامة. ولكنْ نظراً إلى أنَّ اللاجئين يولون الأمن البشري وبناء السلام اهتماماً خاصاً، يُحتَاج إلى تنميةٍ أمَدُهَا أطول، من أجل تحسين الظروف في المناطق التي يعود إليها العائدون.

إنَّ قرار العودة معقَّدٌ، ومتأثرٌ بعوامل الدَّفع والجذب جميعاً. ثم إنَّ بُطْءَ العودة في حالة اللاجئين الميانماريين، إنما يشير إلى أنَّ بعض الأحوال السياسية وأحوال الأمن البشري والتحسُّن في بناء السلام، كل هذا، يجب أن يحدث ليُولَّدَ للعودة اندفاعٌ. نعم، قد يُعِينُ المجتمع الدولي على جَعْلِ الاندفاع أعظم ما يكون، ولكنه لا يُنشِئُه.

ياكا هاسِغاوا yukahsgw@hotmail.com

ممثلٌ مساعدٌ للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا،
وكَبِيرُ المنسِّقينَ الميدانيِّينَ سابقاً في ميانمار بين عامي
2015 و2017.

كلُّ ما ورد من آراءٍ في هذه المقالة هي آراء كاتبها وقد لا تستوي هذه الآراء وآراء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

[1] يُسِّرتْ عودة 71 إنساناً، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى ميانمار في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، ثم عودة 93 إنساناً عام 2018، ثم عودة 565 إنساناً عام 2019.

[3] UNHCR (2017) ‘UNHCR Report on Return and Reintegration Workshops in Southeast Myanmar’, January 2017.

(تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ورشات إعادة الاندماج في جنوبيِّ شرقيِّ ميانمار)

 شارك في المناقشات نحوٌ من 500 شخص من مجموعات أصحاب المصلحة المعنيين المختلفة والمجتمع الدولي. 

[4] انظر الحاشية رقم 2.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.