إعادة اللاجئين إعادةً تُصَان فيها كرامتهم

للروهينغيا في بنغلاديش وللسوريِّين في لبنان، توقُّعات مختلفة في ماهيَّة ما تقتضيه الإعادة التي تُصَان فيها الكرامة‘.

تظهر المتطلَّبات التي تقتضيها العودة الطوعية لكي تُصَان فيها الكرامةظهوراً مستمراً في السياسات الإنسانية والمبادئ التوجيهية الإنسانية منذ آواخر ثمانينيَّات القرن العشرين. فعلى سبيل المثال، تنصُّ المبادئ التَّوجيهية بشأن النُّزوح الداخلي التي بدأت في عام 1998، على وُجُوبِ السَّماحِ للنازحين داخلياً بالعودة طوعياً، عودةً آمنةً تُصَان فيها الكرامة، إلى أماكن إقامتهم المعتادة‘. وجاء في دليلٍ صدر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2004 محوره أنشطة الإعادة إلى البلد الأصلي وإعادة الإدماج، تعريفٌ للعودة الطوعية فقيل فيها إنَّها عودة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي عودةً حُرَّةً طوعيةً آمنةً تُصَان فيها الكرامة‘. ومع ذلك، لا يرد في أيِّ وثيقةٍ صراحةً معنى إعادة اللاجئين التي تُصَان فيها الكرامة في الواقع، ولا تنفكُّ المناقشات تدور حول الشروط التي يُحتَاجُ إليها لتكون العودة عودةً تُصَان فيها الكرامة.

فلا تُشكَّل الكرامة من خلال الثقافة فحسب، بل أيضاً من خلال تجارب الناس وما يتطلَّعونَ إليه قبل التهجير وفي أثناءه. ثمَّ إنَّ إعادة الناس المتضررين الذين فرُّوا من الحرب، مثل السوريين في لبنان، وإعادة مَنْ فرُّوا من الاضطهاد والتمييز، مثل الروهينغيا في بنغلاديش، ستبدوان مختلفتَين لا شكَّ.

وفي خلال العام الماضي، لم يزل يُروَّجُ، أكثر فأكثر، لإعادة اللاجئين إلى البلد الأصلي، من حيث هي حلٌّ لمسألة لجوء الروهينغيا والسوريين. واستناداً إلى عملٍ ميدانيٍّ جرى في بلدين مضيفين رئيسيَّين، أي بنغلاديش ولبنان، بين شهر مارس/آذار وأغسطس/آب من عام 2018،[1] يظهر أنَّ هناك أربعة شروط أساسية لا بدَّ أنْ تُشْترطَ لكي تكون إعادة اللاجئين إعادةً تُصَان فيها الكرامة. فيجب أن تكون الإعادة إلى البلد الأصلي محدَّدةً ثقافياً وسياقياً، ويجب ألاّ تكون نتيجةَ اختيارٍ بين خيارين، الاختيار بينهما باطلٌ، وهما تهجيرٌ لا تُصَان فيه الكرامة أو عودةٌ لا تُصَان فيها الكرامة، ويجب ألاّ تؤدِّيَ إلى مزيدٍ من النُّزوح الداخلي حين يعود الناس، ويجب أن تُشْرِكَ المهجَّرين في كل مرحلةٍ من مراحلها. ووجدت بحوثٌ أجراها معهد التنمية الخارجية أنَّ الشروط الأربعة جميعاً مُفتقرٌ اليومَ إليها في ما يُقْترح من إعادة الروهينغيا والسوريِّين.

مراعاة الخصوصية السياقية والخصوصية الثقافية
عند الروهينغيا في بنغلاديش، كانت الكرامة في الغالب مفهوماً اجتماعياً قائماً على الاحترام المتبادل، وأمَّا عند السوريِّين في لبنان، فكانت الكرامة غالباً مفهوماً فردياً مركوزاً في الحقوق الفردية.

وعند الروهينغيا المُسْتطلعينَ في بنغلاديش، يجب أن تَضُمَّ الإعادة التي تُصَان فيها الكرامة، وأن تعني، التمتُّع بالحقوق نفسها التي يتمتَّعُ بها المواطنون في ميانمار، وهذا كله لم يتمتَّعوا به من قبل. فقد قال رجلٌ بلغ من عمره 40 سنةً: "كرامتنا هي قدرتنا على أن نكون أحراراً في وطننا الأصلي وأن يكون لكلٍ منَّا بطاقة إثباتٍ للجنسية. فإن لم يكن لنا ذلك، فكيف يكون لنا كرامة؟"

ولكن يندر أن يَذْكُرَ المهجَّرون السوريُّون في لبنان الذين فرُّوا من الحرب الأهلية أمُورَ الجنسية والحقوق والحصول على الخدمات. فقد قال كثيرٌ من السوريِّين المُسْتطلَعينَ إنهم كانوا قبل تهجيرهم في بُحْبُوحةٍ من العَيْش، يتمتَّعون بالمشاركة السياسية، وبالرعاية الصحيَّة والتعليم المجَّانيَّين. ومع أنَّهم اليومَ محرومون من الحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون اللبنانيُّون، ومع عدم حصولهم على الرعاية الصحية أو التعليم المجَّانيَّين، لم يذكروا هذه المسائل عند الحديث عن إعادتهم إلى بلدهم إلا في النادر. بل كان أكثر أمْرٍ يُهمُّهم هو الأمان، إذ قال أكثر من أربعة أشخاص من كلِّ خمسة أشخاص إنَّهم لن يعودوا حتَّى يكون العَوْدُ آمناً. وذكر كثيرون أيضاً الحاجةَ إلى ضماناتٍ تضمن للعائدين ألاّ يُعاقبوا بفرارهم، أو برفضهم القتالَ، أو بتقصيرهم عن تأييد الطرف المُتَنصر في الحرب. فقد قال أحد الرجال مُوضِّحاً: "أهمُّ شرطٍ من شروط الإعادة التي تُصَان فيها الكرامَةُ هو الأمان. أريد أن أرى هناك أماناً لي ولأُسْرَتي".

إذن لا بدَّ من إمعان النظر في إعادة اللاجئين التي تُصَان فيها الكرامة على حسب قرائن الأحوال. وبالحقِّ، في هاتين الحالتين، كثيراً ما ذكر الروهينغيا المُسْتَطلَعُونَ أنهم شعروا بأنْ ليس للإعادة التي تُصَان فيها الكرامة وجودٌ، إذ لم يتوقَّعوا أن توافق ميانمار على مَنْحِهم الجنسية، على حين كان السوريُّون المُسْتَطلَعُونَ أكثر أملاً وتطلُّعاً إلى العودة إلى بلدهم الأصلي، ولكنْ ليس قبْلَ أنْ تضع الحرب أوزارها ويَعُمَّ الأمان لفعل ذلك.

التَّهجير الذي تُصَان فيه الكرامة
ينبغي ألاّ يواجه الناس الاختيار الباطل فيختارونالعودة إلى بلدهم الأصلي، لا لشيءٍ إلاّ لأنَّهم يرون في ذلك المَهْرب الوحيدَ من حالٍ لا تٌصَان فيها كرامتهم. إذ ذكر كثير من السوريِّين هذه المعضلة، قائلين إنَّ كرامتهم لن تعود لهم إلاّ حين يعودون إلى بلدهم. وقال رجلٌ موضِّحاً إنه إن كان في سورية أمان، فهو مستعدُّ للعيش في خيمةٍ على التُّرابلكي يغادر لبنان ولا يُعامَل معاملةً ظالمةً من بعدُ.

هذا من جهةٍ، ولكنْ من جهةٍ أخرى تُبايِنُها، فصحيحٌ أنْ ليس للروهينغيا حقُّ حرية التنقٌّل والتعليم والعمل، ولكنْ قال عددٌ من الروهينغيا في بنغلاديش إنَّهم يفضِّلون العيش في المخيَّمات ببنغلاديش على أن يعودوا إلى ميانمار، لأنهم أحرار في إقامة شعائر دينهم، وهي إحدى الطُّرُق الرئيسَةُ التي يتصوَّرون بها الكرامة. إذ يقولون إنَّهم في بنغلاديش، على الأقلِّ، يَأْمَنُونَ شرَّ الاضطهاد الديني وإنَّهم إن تُوُفِّيَ أحدهم فسيُدفَنُ دفناً يوافق شعائر الإسلام. ومع ذلك، إنْ مضى قُدُماً اقتِرَاحُ الحكومة البنغلاديشيَّة نَقْلَهم إلى بهشان تشار (وهي جزيرة طينيَّةٌ صغيرة قُبَالة ساحل بنغلاديش) فسيكون الروهينغيا، مثل السوريِّين، أمام اختيارٍ باطلٍ، فلا العودة إلى ميانمار ولا الانتقال إلى جزيرةٍ نائيةٍ، سيحفظ لهم كرامتهم.

ويجب على هيئات المعونة ومناصري حقوق الإنسان أن يسعوا جاهدين إلى إنشاء ظروفٍ تُصَان فيها الكرامة في التَّهجير، بأن يستمعوا إلى ما يقوله المهجَّرون في ما يحتاجون إليه ويرغبون فيه، وبأن يشتركوا مع غيرهم في قطاعات التنمية وبناء السلام والمناصرة، لكي يَحضُّوا حكومات البلاد المضيفة على إنشاء بيئةٍ مُمَكِّنةٍ للاجئين والحفاظ عليها.

مزيدٌ من التَّهجير
لا بدَّ لكي تكون إعادة اللاجئين إعادةً تُصَان فيها الكرامة أنْ يتحقق في البلد الأصلي ظروفٌ اجتماعية وسياسية واقتصادية مقبولة، وينبغي أن تُحَلَّ مشكلة النَّازحين داخلياً الذين من الشَّعبَيْن المتقدمِ ذكرهما. وإلا، فقد يجد هؤلاء العائدون إلى المساكن المدمَّرة أو الاضطهاد المستمرِّ، على سبيل المثال، أنفسهم نازحين داخلياً، ومن ثمَّ لن يكون لهم ما رغبوا من عودةٍ تُصَان فيها الكرامة. ففي ميانمار، ما يزال نحوٌ من 125 ألفاً من الروهينغيا وسطَ ولاية راخين، نازحين منذ أن فرُّوا من العنف عامَ 2012، وقُسِروا على العيش في 36 مخيَّماً أو أشباه المخيَّمات، مُحاطِينَ بأسوار شائكة، لا حريَّةَ تنقُّلٍ لهم ولا حصولاً على الخدمات الأساسية. وأمّا في سورية، فنحوٌ من 6.2 مليونَ نازحٍ داخلياً يعيشون في مواقع جماعية ومستوطناتٍ مؤقَّتة.

إن فُهِمَت ظروف النَّازحين داخلياً في البلد الأصلي وإن أُبلِغَ المهجَّرون الذين يمعنون الفكر في العودة بهذه الظروف إبلاغاً صحيحاً لا انحياز فيه، فسيتيح لهم ذلك اتِّخاذ قراراتٍ صادرةٍ عن علمٍ أعمق في احتمال أن تكون عودتهم تُصَان فيها الكرامة.

إشراك المهجَّرين
أخيراً، وأهمُّ من كل ما جاء آنفاً، أنَّه يجب استشارة المتضرِّرين وإشراكهم في شؤون إعادتهم إلى بلدهم الأصلي. فبدلاً من اللجان الثلاثية الحالية التي تشارك فيها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحكومات البلاد المستقبلة للاجئين والبلاد الأصلية، هناك من يدعون إلى لجانٍ رباعيةٍ، تشتمل أيضاً على ممثلي المهجَّرين، ليساعد ذلك على الحُكْم في كَوْنِ العودة آمنةً وطوعيةً.[2] والظروف التي لا بدَّ منها لكي تقع الإعادة، في حالتَي الروهينغيا والسوريِّين، على حسب تعبيير المهجَّرين، هي ظروفٌ سياسيةٌ طبيعتها. فعند الروهينغيا، أنَّ نُشُوءَ هذه الظروف يقتضي تغييراً في قوانين الجنسية، وعند السوريِّين، يشتمل على عملية سلامٍ، وعند كثير منهم، على تغيير النظام السياسي. ويمكن أنْ تتحدَّث اللجان الرباعية مع المهجَّرين، لتثبيت الظروف التي لا بدَّ منها لتكون العودة عودةً تُصَان فيها الكرامة، ثم أنْ تعمل مع الحكومة في البلد الأصلي لضمان وقوع هذه الظروف.

 كيري هولُواي k.holloway@odi.org.uk 

موظفةُ بحوثٍ، في الفريقِ المعنيِّ بشؤون السياسات الإنسانية، في معهد التنمية الخارجية www.odi.org

[1]مشروع الكرامة في التَّهجير، وهو مشروعٌ يقوم عليه الفريق المعنيِّ بسياسات الشؤون الإنسانية

[2] Crisp J and Long K (2016) ‘Safe and voluntary refugee repatriation: from principle to practice’, Journal on Migration and Human Security, 4(3): 141–147.

(عودة اللاجئين عودةً آمنةً طوعيةً: من المبدأ إلى التطبيق) https://journals.sagepub.com/doi/pdf/10.1177/233150241600400305

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.