التعليم من أجل العودة: اللاجئون الصوماليُّون في داداب

يعني إيجاد حلٍّ دائمٍللاجئين الصوماليين في داداب ضمان أن يكون عندهم المعرفة والقدرة والثقة والمؤهلات المطلوبة من أجل عودةٍ جادَّةٍ دائمة.

في عام 1991، مع اندلاع الحرب الأهلية في الصومال، أقيمت مخيمات للاجئين حول بلدة داداب الحدودية الصغيرة في شماليِّ شرقيِّ كينيا. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت داداب موقعَ أوسع حالات اللجوء وأطولها مدَّةً في العالم. وكانت ذروة عدد اللاجئين الذين استضافتهم المخيمات أكثر من نصف مليون لاجئ. ومنذ شهر يوليو/تموز 2019، هناك في المخيمات 211 ألف لاجئ، 96% منهم صوماليُّون، وُلِدَ معظمهم في المخيمات أو نشؤوا فيها.[i]

ولمَّا كان اللاجئون الصوماليُّون غير مواطنين، كانوا غير متمتِّعين بحماية الدولة، وكانت حقوقهم في التنقُّل والعمل مقيَّدة. ولقد كان من التهديدات والخطف والهجمات العنيفة التي ارتكبتها في كينيا جماعة الشباب المسلحة والمتشددة التي تتَّخذ من الصومال مقراً لها، أنْ نمَّت سوءَ الظنِّ بهؤلاء اللاجئين والخَوْفَ منهم، وتتَّهمهم الحكومة الكينية بأنهم مُخْتَرقُونَ من الجماعة. وإذ قد وقع اللاجئون في داداب بين شقِّي الرحى، فعنف وعدم استقرار في أرض وطنهم، ودولة مضيفة لا ترغب في إدماجهم، فقد أُجْبِرُوا على البقاء في المخيمات بسبب الافتقار إلى خيارات أخرى.

برنامج العودة إلى البلد الأصلي في كينيا
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، وُقِّعَ على اتفاق ثلاثي بين حكومتَي كينيا والصومال وبين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ثم استناداً إلى ذلك الاتفاق الثلاثي من حيث هو إطار عملٍ قانوني، وُضِعَ برنامج للعودة الطوعية إلى البلد الأصلي في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2014، واتُّخِذَتْ فيه مقاربةٌ تتدرَّج فيها العودة تدرُّجاً، فأوَّل الأمر إتاحة الأموال والموارد لدَعْمِ مَن يختارون العودة، ثم يُسَار في هذا الطريق إلى حالات عودة رسمية تدعمها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.[ii] ولكن على الرغم من البرنامج، ما مِن حوافز العودة إلى الصومال إلا القليل.

ولقد قال مَن عاد من اللاجئين، إنَّ قِلَّة الغذاء والخدمات الأساسية، قد جعلت بقاءهم أو إعادة تأسيس عيشهم، أقربَ إلى المستحيل. وقد رؤوا أيضاً أنَّ جودة المأوى والتعليم لم تكن عالية كما توقَّعوا. وذكروا أنَّ في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الشباب المسلحة، كان التنقُّل مقيَّداً، وأنّ الخَطَرَ العامَّ أنشأ الخوف.[iii] وعلى الرغم من هذه الأخبار، أعلنت الحكومة الكينية في مايو/أيار عام 2016، خططاً لإسراع عودة اللاجئين الصوماليين إلى بلدهم وتعطيل المخيمات نهائياً. ثم بعد شهرين من ذلك الإعلان، وجَّهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التماساً للحصول على أموال لكي تنقل جميع اللاجئين غير الصوماليين -والذين كانوا وَسْطَ إعادة التوطين- من مخيمات داداب إلى مخيم كاكوما للاجئين في شماليِّ غربيِّ كينيا، ولكي تدعم أيضاً حالات العودة الطوعية من داداب إلى الصومال. ومن جهةٍ، أصرَّت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة الكينية على أن تكون حالات العودة طوعيةً، لكنْ من جهةٍ أخرى، وَضَحَ للاجئين الصوماليين الباقين في المخيمات، من نَقْلِ اللاجئين غير الصوماليين الشامل، أنَّ تعطيل المخيمات نهائياً كان قاب قوسين أو أدنى.

نعم، قد تكون العودة الطوعية إلى البلد الأصلي حلاً للتَّهجير مرغوباً فيه، ولكن تدور حوله أسئلةٌ، فكيف تكون العودة دائمةً في ظلِّ هذه الظروف؟ لقد كان من أمر الحوافز النقدية المُعطَاةِ في برنامج العودة إلى البلد الأصلي، أنْ كان يحصل كثيرٌ من أفراد المجتمع المضيف (الذين قد لا يكونون لاجئين لكنْ صوماليِّينَ عِرْقاً) على المبلغ المُعطَى وهو 200 دولارٍ أمريكي، ثم يعودون إلى كينيا، فيستعملون المال غالباً ليؤسِّسوا به لتجارة صغيرة. وأهم من ذلك شأناً، أنَّ دَفْعَ كينيا عودة اللاجئين إلى بلدٍ يعيش مرحلةَ ما بعد النّزاع وما يزال متأثراً بالعنف والتجنيد القسري وضعف البنية التحتية للتعليم والصحة، أدَّى إلى عودة اللاجئين إلى مخيمات داداب أو نزوحهم داخلياً في الصومال.

وبعد الدَّفعِ إلى العودة الطوعية، أغلقت الحكومة الكينية إدارة شؤون اللاجئين فيها، التي كانت تشرف على تسجيل اللاجئين الجدد. والكيان الحكومي الحالي المكلَّفُ شؤونَ المهجَّرين -أي أمانة شؤون اللاجئين- غير مُفوَّضٍ إليه تسجيل الناس في داداب، وانقطع أيضاً تسجيل الجُدُدِ من وافدين وعائدين عند المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. فغدوا لا يستطيعون الحصول على بطاقات الحصص الغذائية وغيرها من الموارد والخدمات. وطالبوا اللجوء غير المسجلين أكثر عرضةً للخطر حين لا يستطيعون الحصول على الغذاء ولا يكون لهم صفة، نعم، قد تقلِّلُ هذه المقاربة الأرقام الرسمية، لكنَّها تتجاهل حاجات الناس.

التَّعليم: تَنْمِيةُ القُدْرَة على العودة
إذا أُرِيدَ إعادة بناء الظروف من أجل السلام في مجتمعٍ يعيش مرحلة ما بعد النّزاع، فأفضل استثمار لذلك هو الناس الذين يطلبون العودة ليُعِيدُوا بناء دولتهم. ومنذ شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2014، عاد أكثر من 84 ألفَ لاجئٍ من كل ميادين الحياة إلى الصومال، في ظلِّ برنامج العودة إلى البلد الأصلي، الذي تُعنَى به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.[iv] ويرغب معظم اللاجئين الذين عملوا في مدارس داداب مُعلِّمينَ، والذين حصلوا على مِنَحٍ دراسية وشهادات علمية، يرغب معظمهم في العودة إلى الصومال لكي يُعِيدُوا بناء عَيْشِهم ويخدموا بلادهم الأصلية. ولقد رأينا عِدَّةَ خِرِّيجين في مشروع التعليم العالي بلا حدود للاجئين، يعودون إلى الصومال لإيجاد عملٍ لم يستطيعوا إيجاده في كينيا، مثل أن يعملوا في القطاع الخاص أو الحكومي، أو أن يعملوا مع المنظمات الدولية غير الحكومية، أو أن ينشؤوا هم أنفسهم مدارس. فالفرص التي يستطيعون إيجادها في الصومال تمكِّنهم من بناء مهاراتهم لكي يصبحوا موظفين حكوميين ثم قادةَ الأمَّة وهم يتمتَّعون بسُبُل معيشة مستدامة. فبالتعليم، يستطيع اللاجئون أنْ يَرَوْا أنفسهم عواملَ تَعْمَلُ في التغيير. وباستثمارنا في عقول اللاجئين وقدراتهم، نستثمر في الأفراد الذين سيعودون ليُعِيدُوا البناء ويحوِّلوا المجتمع المدني في بلدٍ يعيش مرحلة ما بعد النّزاع.

نشأ في المخيمات جيلٌ من الشباب، ذهبوا إلى المدارس، ثم بالبرامج والمِنَحِ التي تُدِيرُها المنظمات غير الحكومية، حصوا على مؤهلات أكاديمية في المراحل الابتدائية والثانوية وما بعد الثانوية. وبمؤهلاتهم الأكاديمية، يرَوْنَ فُرَصاً لوظائف مجدية ومستدامة مع المنظمات الدولية غير الحكومية، ومع حكومة أُعَيدَ إنشاؤها لإعادة بناء المجتمع المدني، إنَّها وظائف ما كانوا ليصلوا إليها في كينيا.[v] ولكي تُيسَّرَ عودةٌ أمدها طويلٌ، آمنةٌ، تُصَانُ فيها الكرامة، نقول مُقتَرحينَ إنَّ الذي يُحتاجُ إليه هو أنْ يَحُلَّ محلَّ برامج العودة إلى البلد الأصلي الاسْتِثمَارُ في بناء قدرات اللاجئين بناءً جاداً من خلال التعليم والمؤهِّلات المعترف بها.

أوتشان ليوموي anepo@my.yorku.ca

عبد القادر أبيكار abikar14@my.yorku.ca

مرشَّحُونَ لنيل درجة الماجستير في التربية من خلال مشروع التعليم العالي بلا حدود للاجئين، ومُعلِّمُونَ لاجئون، ومُرْشِدُونَ في برنامج جامعة يورك، يعملون في داداب

هايون كِم haeunkim@yorku.ca

مدير برامج، في مشروع التعليم العالي بلا حدود للاجئين www.bher.org

 

[ii] UNHCR ‘New procedures set for Somali refugees to return home voluntarily from Kenya’, 11 November 2013

(وَضْعُ إجراءات جديدة للاجئين الصوماليين لكي يعودوا من كينيا إلى بلدهم طوعياً)

www.unhcr.org/en-us/news/press/2013/11/528102b49/new-procedures-set-somali-refugees-return-home-voluntarily-kenya.html

[iii] Human Rights Watch ‘Kenya: Involuntary Refugee Returns to Somalia’, 14 Sept 2016

(كينيا: عودة اللاجئين إلى الصومال عودةً غير طوعية)

www.hrw.org/news/2016/09/14/kenya-involuntary-refugee-returns-somalia

[v] نظراً إلى أنْ ليس للاجئين حقٌّ في العمل في كينيا، لا يستطيعون العمل إلا عاملين بحوافز، وتُدفَعُ إليهم أجور منخفضة ثابتة، وتكون غالباً جزءاً قليلاً ممَّا يحصل عليه المواطن الكيني إذا هو عمل في الوظيفة ذاتها.

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.