التعامل مع مشكلة انعدام الجنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: شبكة جديدة لتعبئة المجتمعات

شبكة إقليمية جديدة معنية بالتعامل مع مشكلة انعدام الجنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعمل على زيادة الوعي وتوفير منصّة لتعبئة المجتمعات.

لطالما كانت مسألة انعدام الجنسية مشكلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) منذ نشأة نظام الدولة القومية الحديث فيها، ووفقاً لإحصاءات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، هناك آلاف الأفراد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون بدون جنسية - وهناك ملايين آخرين إذا قمنا بتضمين الفلسطينيين المُسجلين بموجب نظام منفصل.[1] قد تتأثر عائلات ومجتمعات بأكملها بمشكلة انعدام الجنسية، ويمكن توارث انعدام الجنسية عبر أجيال متعددة، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية.

بصفتنا منسقين لشبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول انعدام الجنسية التي شُكِّلت مؤخراً نسبياً،[2] فإننا ننظر في كيفية تمثيل المواقف والتجارب المتنوعة لأولئك الذين يعملون على مسألة انعدام الجنسية في جميع أنحاء المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإننا ندرس تحدّيًا نواجهه بانتظام: (كيف) يمكن لشبكة إقليمية دعم التدخلات القاعدية التي يقودها عديمو الجنسية وحلفاؤهم على المستويات المحلية أو الوطنية؟

الخطوة التالية في المشاركة

تُعرف هذه الشبكة اختصاراً باسم "هويّتي"، وقد أُسست الشبكة رسمياً في منتصف عام 2020. وعلى الرغم من أن تأسيس الشبكة كان حدثاً بارزاً، إلا أن ذلك لم يكن بالتأكيد بداية العمل على قضية انعدام الجنسية في المنطقة، بل كانت تتويجاً لسنوات عديدة من المشاركة غير الرسمية والمؤقتة. وفي الواقع، التزمت منظمة روّاد الحقوق اللبنانية غير الحكومية بتقديم المساعدة القانونية للأشخاص عديمي الجنسية منذ أوائل القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، كافحت الجهات الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل تشكيل شبكة إقليمية فعَّالة. ويرجع ذلك جزئياً إلى تأثير السياسات التفريقية التي تمارسها الدول الاستبدادية، والواقع الذي يفرض على العديد من مناصري حل مشكلة انعدام الجنسية (لا سيّما من دول الخليج) العمل من مواقع بعيدة في مجتمعات الشتات.

وتهدف هويّتي إلى توسيع نطاق التضامن تجاه الأشخاص المعنيين والمشاركين في العمل على حالات انعدام الجنسية وفيما بينهم.[3] وبالنظر إلى تجارب شبكتنا الناشئة وأوجه تعاونها المختلفة على مدى السنوات القليلة الماضية، فإننا نسلط الضوء على عدد من الدروس المستفادة عند السعي لتسهيل التعبئة المحلية للمجتمعات المتأثرة بانعدام الجنسية. ونقدم أيضاً بعض التطورات المثيرة في السعي الجماعي للحفاظ على حقوق الأفراد عديمي الجنسية، مدفوعاً في المقام الأول بأفراد المجتمعات المتأثرين أنفسهم بانعدام الجنسية.

المشاريع المحلية النشطة

عمد النشطاء عديمو الجنسية، بالتعاون مع حلفائهم، إلى تصميم أجيال جديدة من المشاريع لوضع الأشخاص عديمي الجنسية في مركز الاستجابات البرامجية لهذه القضية. وقد جرت العادة على أن يُنظر إلى الأشخاص عديمي الجنسية على أنهم مجرد مستفيدين من البرامج ولكن أصبح يُنظر إليهم الآن باعتبارهم مشاركين نشطين في إيجاد الحلول. وفي ليبيا، شكّل الطوارق المستبعدون من المواطنة حركتي "لا للتمييز" و"قبائل الطوارق"، واللتين كانتا تقومان بحملات على الأرض من أجل الاندماج من خلال الإصلاح القانوني. ويقول جفر عثمان الأنصاري، ممثل المجموعة الأخيرة: "نحن بحاجة إلى رفع أصواتنا حتى تصل إلى العالم، وأن تسمعها المنظمات الدولية". وفي غضون ذلك، يجمع المشروع التجريبي "مكتوم آيد" (Maktoum Aid) الذي استحدثه الناشط عديم الجنسية سامي حداد في شمال لبنان مجموعة من أولئك الذين يكافحون للحصول على الجنسية من خلال خوض غمار نظام المحاكم المعقد في البلاد. ويكمن ابتكار هذه المبادرة في تركيزها على دعم الأقران والتعلم الذي يتقاسمه أولئك المتأثرون بشكل مباشر بانعدام الجنسية. ويلخص سامي هذا النهج قائلاً: قبل كل شيء، هذه القضية هي قضيتنا نحن، عديمي الجنسية، وعلينا أن نتحمل مسؤولية الذهاب بهذه القضية إلى الحلول اللازمة والعملية. وفي هذه الأثناء، رفع عدد من البِدون في الكويت الملف العام لقضية انعدام الجنسية التي تؤثر عليهم وعلى مجتمعهم من خلال التطوع في المرحلة المبكرة من استجابة اللقاحات الخاصة بفيروس كوفيد-19.

وعلى الرغم من أن تلك الجائحة العالمية جلبت معها تحدّيات غير متوقعة وغير مسبوقة أمام العمل المتعلق بانعدام الجنسية في المنطقة، فقد أدت أيضاً إلى مزيد من التفكير الإبداعي في طرائق البرمجة المستقبلية. وعلى الرغم من وجود تحدّيات كبيرة أمامنا كشبكة إقليمية اُسست في خضم تقييد السفر الدولي وعمليات الإغلاق الوطنية، فقد ساعد هذا الوضع أيضاً على زيادة وعينا بالعوائق الموجودة مسبقاً أمام المشاركة والتي غالباً ما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة انعدام الجنسية؛ حيث تُوضِّح لين الخطيب، صانعة التغيير عديمة الجنسية، هذه النقطة ببلاغة، وتبرز كيف أن نقص وثائق السفر والتأشيرات يقيد من التنقل والفرص المرتبطة بمشاركة الأفراد عديمي الجنسية.[4]

لقد كان الإجبار على العمل عبر الإنترنت فقط مفيداً في بعض الجوانب. وقد شارك ناشطون وأكاديميون عديمو الجنسية من المنطقة في التفكير النقدي حول فرص المشاركة والتعبئة من خلال المساحة الرقمية المُوسعة التي أوجدتها الجائحة.[5] على سبيل المثال، لقد سعدنا باستضافة ورشة عمل عبر الإنترنت – وهي أول نشاط كبير لنا - مع شريك من كل منطقة من المناطق الفرعية الثلاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: وهي الخليج والمشرق العربي وشمال إفريقيا. وعلق أحد المشاركين قائلاً: "كانت هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها أن انعدام الجنسية يمثل مشكلة خارج بلدي"؛ ولذلك نأمل أن تستمر هذه النُهج الإقليمية في إطلاق العنان لإمكانات تعاون وتضامن وإلهام جديدة خارج الحدود الوطنية.

إدارة التوقعات

إننا نعي تماماً المحدودية التي نواجهها. وفي ظل وجودنا في منطقة لا يُعترف فيها بانعدام الجنسية كوضع قانوني محمي، ولا توجد فيها آلية رسمية للاعتراف بشخص ما على أنه عديم الجنسية،[6] غالباً ما يكون هناك عدد قليل من الإحالات الفعَّالة وقد لا توجد إحالات فعَّالة يمكننا إجراؤها لمساعدة الأفراد عديمي الجنسية. قد تمثل المناصرة والتضامن، في كثير من الحالات، الأدوات الوحيدة المتاحة لنا؛ ولذلك نعتقد أنه من الضروري إدارة التوقعات بوضوح.

ليس بمقدورنا حل المسائل المتعلقة بانعدام الجنسية من خلال رفع لافتات بسيطة، ولا تساورنا الأوهام حول الإحباطات وخيبة الأمل التي قد يسببها ذلك لأولئك الذين يسعون (يائسين أحياناً) إلى حل مشكلة انعدام الجنسية لديهم. وبدلاً من ذلك نسعى، في الوقت الحالي على الأقل، إلى مواصلة بناء الوعي بخطورة العيش كشخص عديم الجنسية، والدعوة مع السلطات الوطنية للتغيير، وتحصين وتوطيد الإجراءات المتباينة في جميع أنحاء المنطقة. والأهم من ذلك كله، أننا نتطلع لنرى كيف يمكننا دعم الجهود الشعبية التي بدأها عديمو الجنسية أنفسهم. وقد تم توليد الأفكار الأوليّة لمثل هذه المشاريع العملية من خلال عملية بناء التضامن المشترك عبر المجتمعات المتضررة المختلفة. وذكر أحد المشاركين في ورشة العمل: "لقد بدأنا للتو، ونحن بحاجة إلى المزيد من العمل على تحقيق التواصل والترابط بين الجهات الفاعلة ذات الصلة بالعمل المتعلق بانعدام الجنسية في جميع أنحاء المنطقة. ونحن بحاجة إلى القيام بذلك على وجه السرعة".

 

زهرة البرازي zahra.albarazi@gmail.com @zalbarazi

 

توماس ماكجي tmcgee@student.unimelb.edu.au @ThMcGee

 

منسّقان مشاركان، شبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول انعدام الجنسية (هويّتي)

 

البريد الإلكتروني للاتصال بشبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول انعدام الجنسية: info@hawiati-mena.org

 

[1] على الرغم من أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لديها تفويض لتحديد وحماية الأشخاص عديمي الجنسية، ومنع وتقليل حالات انعدام الجنسية على الصعيد العالمي، إلا إن معظم الفلسطينيين في منطقة الشرق الأوسط يقعون تحت مسؤولية الأونروا.

[2] www.hawiati-mena.org

[3] زهرة البرازي وتوماس ماكجي (2021) "مقدمة عن "هويّتي": شبكة للتضامن مع عديمي الجنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، الشبكة الأوروبية حول انعدام الجنسية https://bit.ly/intro-hawiati

رابط المقال باللغة العربية: https://bit.ly/intro-hawiati-ar

[4] لين الخطيب (2022) "من فضلك لا تشترِ لي تذكرة طيران لتقديم هذا الحدث الخاص بك، فليس لدي جواز سفر" - ولادة سياسة المتحدثين في مجتمع الشبكة الأوروبية حول انعدام الجنسية' https://bit.ly/ENS-policy

[5] جيه بولادوغلي (2022) "عندما يتحدث التابع عبر الإنترنت: مناصرة عديمي الجنسية من خلال الفضاء الرقمي لما بعد الجائحة" دراسات انعدام الجنسية الحرجة https://bit.ly/stateless-advocacy

[6] على الرغم من أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تدعو إلى وضع إجراء وطني لتحديد حالات انعدام الجنسية، إلا أنه لا توجد آلية مماثلة في أي من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2020)، وضع إجراءات لتقرير حالات انعدام الجنسية لحماية الأشخاص عديمي الجنسية، أوراق الممارسات الجيدة، الإجراء 6

https://bit.ly/determination-procedures

الرابط باللغة الفرنسية: https://bit.ly/determination-procedures-fr

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.