البرهنة على ممارسة التعذيب: المطالبة بالمستحيل

أظهر بحث جديد أنَّ الأخطاء التي ارتكبها العاملون المختصون بالتعامل مع طلبات اللجوء في وزارة الداخلية في أثناء تعاملهم مع التقارير الطبية للاستدلال على التعذيب تجعل من المستحيل على النَّاجين من التعذيب ممن يسعون إلى طلب اللجوء في المملكة المتحدة إثبات تعرضهم للتعذيب. وقد تكون العواقب وخيمة على الأفراد المعنيين، وقد تفرض بالمثل أعباء إضافية على الخدمات العامة والتمويلات المخصصة.

تشير دراسة حديثة إلى أنَّ 27 % من البالغين من المهاجرين القسريين ممن يعيشون في بلدان مرتفعة الدخل مثل المملكة المتحدة هم ممن نجوا من التعذيب.[1] ويعاني كثير منهم من حاجات بدنية، ونفسية، واجتماعية، وقانونية معقدة جرَّاء تعرضهم للتعذيب وبسبب رحلتهم التي غالباً ما تكون مطولة ومحفوفة بالمخاطر بحثاً عن السلامة، وما زال النَّاجون يخبروننا على الدوام أنَّ همهم الأكبر تأمين وضعهم القانوني بسرعة من خلال منظومة اللجوء.

وتعد التقارير الطبية-القانونية شكلاً من أشكال الأدلة المعترف بها والمقبولة المقدمة بناء على طلب ممثلي طالبي اللجوء لمساعدة صانعي القرار في إثبات العناصر الفعلية الرئيسية لطلب اللجوء. وتمثل هذه الأدلة أهمية محورية للنَّاجين من التعذيب الذين ربما ليس لديهم الكثير غير تلك الأدلة ليثبتوا تعرضهم للتعذيب، لأسباب نابعة من الصدمة النفسية، وقد يكون من الصعب جداً عليهم تقديم وصف شامل ومفصَّل لما حدث لهم.

وتولت مؤسسة "الحرية من التعذيب" (Freedom from Torture)  إجراء تحليلات مفصلة حول كيفية تعامل أخصائيي اللجوء في وزارة الداخلية في المملكة المتحدة مع 50 تقريراً طبياً-قانونياً.[2]وتشير النتائج إلى أنَّه في مثل هذه الحالات يكون كثير من قرارات وزارة الداخلية ضعيفة ويجب أن يصححها القضاة. واتضح في 76 % من الحالات في بحثنا هذا المعروفة نتيجته أنَّ الشخص الذي يتبع استئنافاً ناجحاً هو الذي يُمنَحُ طلب اللجوء. ويبلغ متوسط معدل نجاح طلبات استئناف اللجوء 30%. وفي كثير من الحالات التي راجعناها، يستند قاضي الهجرة في حكمه إلى قوة الأدلة الطبية ونوعيتها في مرحلة الاستئناف. ويشير ارتفاع معدل نقض الحكم في مرحلة الاستئناف، حتى لو كان لمجموعة صغيرة نسبياً من الحالات، إلى فشل خطير ومنهجي في صناعة قرارات اللجوء حول دعاوى التعذيب في المملكة المتحدة.

معيار الإثبات

وجدنا في جميع حالات البحث أنَّ العاملين على ملفات طلب اللجوء أخفقوا في تطبيق معيار الإثبات القانوني الصحيح في دعاوى طلب اللجوء في المملكة المتحدة. فلكي يمنح العاملون اللجوء، عليهم أن يقنعوا أنفسهم أنَّ مقدم الطلب ’من المرجح بدرجة معقولة‘ أن يكون صادقاً. وفي الواقع العملي، أثبت بحثنا أنَّ عاملي طلبات اللجوء يطالبون بمعيار مختلف من الأدلة غير الأدلة الطبية للتعذيب، وهو معيار أقرب إلى المعيار الجنائي أي ’بما لا يدع مجالاً للشك‘. فعلى سبيل المثال، يرفض عاملو طلبات اللجوء الأدلة الطبية بسبب أنَّ المختص السريري لا يمكنه أن يعزو الإصابات عزواً مطلقاً إلى التعذيب. ويتعارض هذا المعيار تعارضاً شديداً مع معيار الإثبات المطلوب ’بدرجة معقولة‘. وفي حالات أخرى، يفترض عمال طلبات اللجوء افتراضاً خطأً أنَّ الإصابات الجسدية المُقَيَّمَة أقل من ’تشخيص‘ التعذيب (بمعنى أنَّها ليس لها أي أسباب أخرى محتملة) ولا تعد دليلاً يعتد به على التعذيب.

استجواب الخبير الطبي أو استبدال رأيه

 وجدنا أنَّه في 74% من حالات طلب اللجوء، يفضل عمال طلبات اللجوء آراءهم الشخصية على الأمور الطبية أو يصدرون أحكامهم السريرية إلى درجة تتجاوز مؤهلاتهم. وفي 30% من الحالات، شكَّكوا في رأي الخبير الطبي وقدراته وخبرته في توثيق التعذيب. ويتعارض ذلك مع توجيهات وإرشادات سياسات وزارة الداخلية  التي وجّهتهم إلى "عدم منازعة النتائج الطبية أو الدعوة إلى إصدار أحكام سريرية من عند أنفسهم حول الأدلة الطبية أو الأمور الطبية عموماً."[3] وقالت وزارة الداخلية في سياستها إنَّ الأطباء البشريين وأي أطباء سريريين ممن يعملون في منظمة الحرية من التعذيب يتميزون "بالموضوعية والحيادية" فضلاً عن أنَّهم مدربون، وذوو خبرة، ومؤهلون لإعداد التقارير الطبية-القانونية المتعلقة بالتعذيب، بما في ذلك التقارير المتعلقة بتقييم ظروف الصِّحة العقليَّة.

تقييمات المصداقية

في 84% من الحالات في بحثنا، رفض عمال طلبات اللجوء الأدلة الطبية لأنَّهم توصلوا بالفعل إلى نتيجة سلبية بشأن مصداقية القضية. وتوضح سياسة وزارة الداخلية أنَّ الأدلة الطبية يجب أن يُعْتَدُّ بها بعناية كجزء من عملية النظر في الأدلة، وأنَّ قرار المصداقية لا يجب أن يصدر قبل مراعاة الأدلة الطبية مراعاة تامة.  ويُظْهِرُ بحثنا ممارسة عمال طلبات اللجوء السيئة في هذا الصدد، بما في ذلك امتناعهم عن  الاعتداد بالنتائج السريرية أو بالأخذ بأجزاء من أدلة التعذيب (خاصة الأدلة النفسية)، ونتائج المصداقية المتوصل إليها حتى قبل النظر في الأدلة السريرية.

قصور في فهم المعايير الدولية

في 54% من حالات البحث، أظهر عمال طلبات اللجوء قصوراً في فهم وتفسير الأدلة الطبية للتعذيب التي أُعِدَّتْ طبقاً للمعايير الدولية المعترف بها والواردة في بروتوكول اسطنبول[4] والتي قدمت كدليل في دعاوى طلبات اللجوء. فعلى سبيل المثال، أخطأ عمال طلبات اللجوء في توجيههم الانتقاد لاستخدام الأطباء لمصطلحات محددة في بروتوكول اسطنبول أو طعنوا على غير وجه الدقة في امتثال الأطباء لمنهجية تقييم درجة الاتساق بين الإصابات المادية الجسدية (الآفات) وسبب التعذيب الذي أدلى به الشخص نفسه.

الخطوات القادمة

بالنسبة للناجين من التعذيب الذين بحاجة إلى الحماية، فغالباً ما يكون لعدم تصديقهم بالإضافة إلى إساءة معاملة أدلتهم الطبية آثار نفسية مدمرة، ما يعيق فرصهم في إعادة التأهيل والدمج الاجتماعي. وهذا ما يزيد الطين بلَّة ويضع عبئاً لا يُستَهان به وغير ضروري على الخدمات العامة والتمويلات التي تواجه أعباءً تفوق طاقتها. ويؤدي سوء معاملة عمال طلبات اللجوء لأدلة التعذيب الطبية إلى طعونات واستئنافات طويلة ومكلفة وحاجة مطالبي اللجوء هؤلاء إلى الدعم المالي في منظومة اللجوء لأشهر أو حتى لسنوات.

ودعت منظمة الحرية من التعذيب، في توصياتها، وزير الداخلية إلى اتخاذ تدابير فورية لتحسين صناعة القرار في قضايا طلب اللجوء التي تتضمن أدلة تعذيب طبية. ولدى وزارة الداخلية سياسة قوية موجودة بالفعل ولكنَّ المشكلة تكمن في غياب التنفيذ الفعَّال لها. ونعمل الآن مع وزارة الداخلية للبدء في معالجة الموضوعات والمسائل التي أثارها بحثنا، مع التركيز على تقديم تدريب مكثف وفعال أكثر من ذلك بالإضافة إلى الرصد المستمر للممارسة.

وقد أوصينا أيضاً بضرورة وجود تدقيق عام مستقل لتطبيق معيار الإثبات بتوسع أكبر في الواقع العملي في قضايا طلبات اللجوء في المملكة المتحدة. وينبغي أن يستند هذا التدقيق في أدلته إلى النَّاجين من التعذيب وأصحاب الخبرة في تقديم أدلة خبيرة في دعاوى طلبات اللجوء، والمنظمات القانونية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى العاملة في مجال اللاجئين.

 

لوسي غريغ lugregg@hotmail.com

مستشارة رئيسية سابقة في السياسات

 

جو بيتيت jpettitt@freedomfromtorture.org

قائد فريق الباحثين

 

منظمة الحرية من التعذيب  (Freedom from Torture)

www.freedomfromtorture.org

 

لمزيد من المعلومات يرجى الاتصال بجو بيتيت أو سيلي رينولدز sreynolds@freedomfromtorture.org.

 



[1] سيغفاردسدوتير إ وفايز م. وريدهولم هيدمان إ.م. وسابونشي ف. (2016) ’انتشار التعذيب وغيره من الأحداث الصادمة المرتبطة بالحرب وأثرها على المهاجرين القسريين: مراجعة نظامية‘ التعذيب 25 (2) ص 47

www.researchgate.net/publication/304524383_Prevalence_of_torture_and_other_war-_related_traumatic_events_in_forced_migrants_A_systematic_review

 (Prevalence of torture and other war-related traumatic events in forced migrants: A systematic Review’ in Torture)

[2] الحرية من التعذيب (2016) البرهنة على التعذيب: طلب المستحيل: سوء معاملة وزارة الداخلية لأدلة الخبرة الطبية

www.freedomfromtorture.org/provingtorture

(Proving Torture: Demanding the impossible: Home Office mistreatment of expert medical evidence)

[3] وزارة الداخلية في المملكة المتحدة (2015) تعليمات سياسات اللجوء والتقارير الطبية القانونية المقدمة من مؤسسة هيلين بامبر  ومنظمة التقارير الطبية القانونية للمؤسسة الطبية

https://www.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/444410/MLR_Foundation_Cases__External_v4_0.pdf

(Asylum Policy Instruction, Medico-Legal Reports from the Helen Bamber Foundation and the Medical Foundation Medico-Legal Report Service)

[4]مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان  دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (’بروتوكول اسطنبول‘)

www.refworld.org/docid/4638aca62.html

(Manual on the Effective Investigation and Documentation of Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment (‘Istanbul Protocol’))

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.