مآوي منخفضة التكلفة متاحة محلياً في باكستان

أثرت فيضانات عام 2010 في باكستان على 18 مليون شخص. ومع انخفاض التمويل من الجهات المانحة وحدوث الفيضانات مرة أخرى في عامي 2011 و2012، تطلَّب الأمر من مجتمع المساعدات الإنسانية حلولاً منخفضة التكلفة وفي الوقت نفسه يمكن توسيع نطاقها لتلبية كل من الحاجات الفورية والانتقالية في مناطق جغرافية مختلفة.

تمثلت مقاربة برنامج المأوى بغرفة واحدة الذي نفَّذته منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) في باكستان لتلبية حاجات التعافي للمجموعات السكانية المتأثرة في 2010 في الابتعاد عن الاستجابة المعتادة في حالات الطوارئ. فقد فضَّلتْ المنظمة طرق البناء المحلية والعمل مع المزاولين والمجتمعات المحلية على حد سواء لتحقيق ملكية واسعة النطاق لمنازل منخفضة التكلفة، وتمكنت المنظمة من مساعدة ما يزيد على 77 ألف أسرة متضررة من الكوارث في بناء مآوي تصمد في مواجهة الكوارث. واستخدمت المنظمة في البناء أساليب تقليدية ومواد محلية، ما أدَّى إلى تقليل الآثار السلبية على البيئة والحد من الآثار المتعلقة بالعمل التي تنشأ في المآوي التي تستخدم المواد الصناعية والطوب المحروق. ومن خلال الدعوة إلى إيجاد حل صادر عن البيئة المحلية، كان على البرنامج مواجهة تحديين رئيسيين: إقناع المعنيين بالعمل في المجال الإنساني بتبني مبادئ توجيهية جديدة والـتأثير على التغيير السلوكي طويل الأجل في المجتمعات المحلية.

البناء لتمكين مواجهة مخاطر الكوارث

ينبع سبب تفضيل الفاعلين الإنسانيين استخدام مواد صناعية في بناء المآوي من افتراضات بتفوق مواد البناء الحديثة على مواد البناء المحلية والتقليدية متجاهلة في ذلك الآثار السلبية البيئية والاجتماعية لمواد البناء الحديثة. والسبب الآخر أنَّ نموذج المأوى بغرفة واحدة يتيح الفرصة لإضفاء الطابع الشخصي على هذا النوع من المآوي ما يقود إلى تعميم مبدأ الحد من مخاطر الكوارث.

ويتميز المبنى بغرفة واحدة بانخفاض تكلفته، وصلاحيته كحل لإيواء السكان المحليين بالإضافة إلى قلة آثاره السلبية على البيئة. ومن خلال التدريب المفصَّل على مستوى القرى، شجّع البرنامج المجتمعات المحلية على تبني أساليب الحد من مخاطر الكوارث مثل رفع الوطيدة، وتعزيز قاعدة الجدار من خلال ’المرتكز المحملي‘ واستخدام خليط من الطين والجص منخفض التكلفة للصق الجدران. وأتاحت طريقة البناء هذه مشاركة المرأة في إعادة بناء المآوي، مقارنة بالمقاربة القائمة على المقاول إذ كانت المواد الصناعية تُسلَّمُ مباشرة إما من خلال العاملين في المنظمات غير الحكومية أو من خلال البناة أنفسهم. وساعدت مشاركة الأشخاص في تعافيهم -’التعافي الذاتي‘- في زيادة الشعور بالملكية والفخر بالمآوي الجديدة، ويتضح ذلك جلياً في الزخارف والتصميمات على واجهات الجدران. وأثبت برنامج المأوى بغرفة واحدة أنَّ حلول المأوى الملائمة محلياً والأكثر سلامة التي استفادت من تقنيات السكان المحليين ومن قدراتهم يمكن تنفيذها بتكلفة منخفضة.

وكان التحدي الرئيسي أمام البرنامج يتمثل في تحقيق إجماع وموافقة نظراء الحكومة المحليين والإقليميين والمنظمات غير الحكومية في مجموعة عمل المأوى حول المقاربة المقترحة، لأنَّ النظرة السائدة لتلك المآوي في ذلك الوقت كانت سلبية إذ لم يُنظَر إليها على أنَّها قوية أو متينة ما دامت مبنية بالطرق التقليدية. وإثر ذلك، حدث هناك أخذ وجذب سياسي لا يُستَهَان به بين هيئات إدارة مخاطر الكوارث الوطنية والإقليمية، بعد أن أصبحت تلبية الحاجة الملحة ومحدودية التمويل سبباً في حصول برنامج المأوى ذي الغرفة الواحدة على مزيد من القبول. وخلال الفترة التجريبية، أُعطِيَ متلقو المساعدات مجموعة من الخيارات في صورة مواد يمكنهم استخدامها. ومع ذلك، كان من المستحيل توفير خيار المواد التي ينبغي تسليمها، وتقديم المشورة الفنية المفصَّلة، وبناء القدرات على نطاق كاف. ولذلك، شجَّعت منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) الأسر تشجيعاً كبيراً على اختيار التصميم التقليدي المحلي  لملاءمته لطبيعة الأرض والبيئة المحلية أكثر من المواد الحديثة المصنَّعة، علاوة على أنَّه منخفض التكلفة. وأدَّت ممارسات جمع البيانات المفصَّلة والمشاورات مع أصحاب المصلحة المعنيين الفنيين إلى وضع إرشادات توجيهية لتعزيز البناء ذي الغرفة الواحدة المبني من الطين والجص كنموذج يلائم السياق المحلي.

ونُفِّذَ ما يقرب من 11 ألف و750 دورة تدريبية مجتمعية لأكثر من 500 ألف شخص وأفراد المجتمع المحلي بمن فيهم أكثر من 130 ألف امرأة. وعلى ضوء الدروس المستفادة من الفترة التجريبية، جاء التدريب تفاعلياً وعملياً وغالباً ما استُكمِل التدريب النظري ببناء مأوٍ توضيحية عملية. وعلى هذا النطاق، لم يكن من السهل توحيد نوعية مجموعات التدريب بين الشركاء التنفيذيين لكنّ ضوابط الرقابة مثل المنسقين المجتمعيين، والرقابة المباشرة وآليات الشكاوى ضمنت مراعاة أقصى درجة ممكنة من الجودة.

ملكية المجتمع المحلي من خلال النقد

بخلاف الطريقة المعيارية الموحدة في توفير مواد بناء المآوي، وفَّر البرنامج دعماً نقدياً مباشراً مكَّن الأسر من تقرير خياراتهم حول التصميم، والمواد المستخدمة، وطبيعة عملية البناء وفي الوقت نفسه  تلقي التدريب الفني. وكان الدعم النقدي مشروطاً بمعالم انتقالية مرحلية في إتمام عملية البناء وقد دُفِعَت الأقساط بعد رصد ضمان الجودة.

وأُجريَ تقييم لبرنامج عامي 2011-2012 ثبت من خلاله أنَّ جميع الأشخاص الذين حصلوا على المنح النقدية استخدموها على وجه الخصوص في بناء المآوي. ومع ذلك، ورغم ما أُشِيرَ إليه من كفاية المنح، أشارت الأدلة السردية إلى أنَّ المتلقين للمنح اُضطروا إلى تحمل نفقات إضافية لنقل المواد وشراء مواد إضافية، خاصة الأبواب والنَّوافذ. ومع ذلك، ساهمت هذه المقاربة القائمة على النقد في منح فرصة الاختيار ودعم قدرات المساعدة الذاتية للمجتمعات المحلية كما ساهمت في انتعاش الأسواق المحلية وسلاسل التوريد.

واستخدمت منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) ممارسات جيدة من مشروعات التمويل متناهية الصغر وتبادلت مع لجنة المأوى ذي الغرفة الواحدة ضابط ارتباط   لكل مجموعة من الأسر المستفيدة. وقد عين ضَابِطَ الارتباط القائمون على بناء المآوي كشخص يثقون به ليمثلهم أمام الشريك المحلي وأمام منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة). ووُجِدَ أنَّ هذه الطريقة أكثر فاعلية في الاستفادة من الضغوط التي تمارسها جماعات الأقران لضمان إنجاز جميع المباني ضمن الإطار الزمني المتفق عليه في مجتمع بعينه.

وغالباً ما يكون ضابط الارتباط ذاك زعيماً محلياً كأن يكون زعيماً دينياً محلياً، أو مدرساً أو رجل أعمال/سيدة أعمال شريطة أن يكون متعلماً وقادراً على فتح حساب مصرفي له ثم يتولى مسؤولية تسلم المدفوعات النقدية نيابة عن المجموعة ويوزعونها. ومن خلال وجود هؤلاء القادة المعينين الذين يتولون مسؤولية توزيع النقد ورصد التقدم المحرز، زاد البرنامج من تغطيته زيادة كبيرة لتشتمل على المرأة، وكبار السن، وذوي الإعاقة وغيرهم ممن لا يرغبون أن يكونوا جزءاً من البرنامج بسبب قيود ثقافية.[1]

لكنَّ المشتريات المحلية كانت تحدياً واجهه المشاركون في المشروع في 50% من الحالات، بسبب تضخم تكاليف المواد في حالات الطوارئ على وجه الخصوص، ووجود مشكلات في النقل وتردي نوعية المواد. ومع ذلك، ففي معظم الحالات، أدت مشاركة ضباط الارتباط المجتمعيين والعاملين في المنظمات غير الحكومية في الوساطة المحلية والمشتريات الجماعية نيابةً عن المجتمعات المحلية الموافقة على ذلك إلى التخفيف من هذه التحديات.

كما تأثرت القدرة على بناء المآوي تأثراً شديداً بالموسم الزراعي، فالأسر المضغوطة بشدة في مواردها المالية لا تستطيع تحمل فقدان مصدر دخلها الأساسي. وفي معظم الحالات، يعني هذا أنَّ النِّساء يتحملنَّ مسؤولية كثير من أعمال البناء في حين يعمل الرجال في الحقول. ومع كل ذلك، ليس ثمة ما يشير إلى استياء المجتمع المحلي من نموذج التعافي الذاتي. وفي الواقع، أثبت المستفيدون ارتفاع حسّهم بامتلاك البرنامج بل تمكنوا من صرف الموارد في إضفاء الطابع الشخصي على أبنيتهم.

الخلاصة

لتعزيز قاعدة الأدلة من أجل الاستجابات المستقبلية، يتولى الفريق العامل المعني بالإيواء البحث لفهم اللدونة النسبية، والاستدامة ومقبولية أنواع المآوي المختلفة. وسيمكِّنهم ذلك من تقديم إرشادات وتوجيهات مجربة علمياً حول حلول المآوي منخفضة التكلفة وفي الوقت نفسه تقاوم الفيضانات، وتتفق مع العمارة المحلية ومع أساليب البناء المحلية، وتقلل الآثار البيئية مع تقديم أفضل مردود للإنفاق، حتى لو لم يحقق هذا النوع من المآوي مسألة المتانة تحقيقاً كاملاً حتى الآن.

كما أدخلت استراتيجية المأوى ذي الغرفة الواحدة نموذج البناء منخفض التكلفة في المجتمع المحلي في إقليم السند الريفي حيث لم يكن لدى الأشخاص هناك أي دراية بتدابير الحماية من الفيضانات، لكنَّ استخدام النقد مكَّنهم من ’التعلّم عن طريق الممارسة‘. ومما قِيلَ عند تقييم البرنامج، " إنَّ البرنامج حقق أهدافه بصفة عامة [وإنَّه] محل تقدير عالمي لدى المستفيدين [...] خاصةً النِّساء اللواتي هنَّ البناة التقليديون في جنوب إقليم السند".[2] ومن المثير للاهتمام، بالإضافة إلى إنجازات البرنامج، أنَّ بعض النِّساء تمكَّن من رفد مصادر دخلهنَّ من خلال مهارات البناء اللاتي اكتسبنْها وتعلمنْها في أثناء بناء منازلهن. وبالإضافة إلى ذلك، تحدث المستفيدون من البرنامج عن كثير من المزايا الخاصة بالحد من مخاطر الكوارث التي تعلموها وطبقوها في أثناء عملية البناء. ومع ذلك، ما زالت الأدلة على تقليد الأشخاص الذين لا يتلقون أي مساعدات لأساليب وتقنيات المأوى ذي الغرفة الواحدة محدودة. ومع ذلك، فإنَّ عملية إعادة البناء الواضحة النجاح ’التي يقودها القاطنون‘، وتحقيق أقصى حد ممكن من تغطية الأسر الأكثر استضعافاً واستراتيجيات التنفيذ المشابهة، كل ذلك ما زلنا نستعين به في برامج التعافي الخاصة بالمأوى في عام 2017.

 

أمارا مبارك amubarak@iom.int

مديرة العمليات الإنسانية، بعثة منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) في باكستان

 

سعد حفيظ  shafeez@iom.int
مسؤول البرامج، بعثة منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) في باكستان

منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) www.iom.int

 



[1] بيريريا م م (2016) ’باكستان: إشراك النساء في إعادة التعمير‘ سلايد شير

www.slideshare.net/ManuelMarquesPereira/iompakistanwomen-in-ors

(Pakistan: involving women in reconstruction)

[2] مركز المآوي في بعثة منظمة الأمم المتحدة للهجرة (المنظمة الدولية للهجرة) في باكستان (2014) تقييم برنامج مأوى الغرفة الواحدة في الاستجابة لفيضانات عام 2011 جنوب السند، باكستان، الوثائق القُطريَّة للمنظمة الدولية للهجرة

 www.iom.int/sites/default/files/country/docs/pakistan/IOM-Pakistan-Evaluation-of-One-Room-Shelter-Program-for-2011-Flood-Response.pdf

(Evaluation of One Room Shelter Programme for the 2011 flood response in South Sindh, Pakistan)

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.