أزمة اللاجئين في لبنان والأردن: الحاجة إلى الإنفاق على التنمية الإقتصادية

الطريقة الأكثر فعالية لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين هي أن تتولى الدول المجاورة دوراً قيادياً في الإنفاق على المشاريع التنموية وتحديث البنية التحتية واستحداث الوظائف، وتحديداً تلك المناطق في هذه الدول التي تفتقر إلى التنمية.

أدى دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان والأردن إلى نشوء تحدياتٍ إجتماعية وإقتصادية غير مسبوقة في كلا البلدين. وهي تحديات يشعر بها المواطنون اللبنانيون والأردنيون يومياً سواءً على صعيد إرتفاع أجور السكن وإنخفاض مستوى توافر الخدمات العامة أو حتى البنية التحتية لكل من قطاعي الصحة والتعليم اللذان يتحملان ضغوطاً تتجاوز طاقتيهما معاً. ومما لا شك فيه أنَّ كلتا الدولتان المضيفتان كانتا كريمتين في التعامل مع اللاجئين على نحوٍ منقطع النظير، وتحديداً على المستوى الإجتماعي. بيد أنَّ التوتر بين المجتمعات المُضيفة واللاجئين السوريين في المجتمع اللبناني بات واضحاً للعيان، وأصبح الخطاب الحكومي والمجتمعي حول اللاجئين في كلتا الدولتين، وعلى نحوٍ ملموس، مثيراً للاستياء.

وحتى في حال تمَّ التوصل إلى تسوية سياسية ووقفٍ لإطلاق النار داخل سوريا، فمن المرجَّح أنْ يبقى اللاجئون حيث هم الآن ولسنوات عدة؛ وبناءً عليه، تحتاج هذه الأزمة لتخطيط طويل الأمد من جانب الحكومات المُضيفة بالتعاون مع المجتمع المدني المحلي والمؤسسات متعددة الجنسيَات. وتتطلب هذه الأزمة، على وجه التحديد، إيلاء الإهتمام لاحتياجات التنمية الاقتصادية، ويشتمل ذلك على تطوير البنية التحتية وإيجاد فرص للعمل وتحسين مستوى المعيشة لجميع الفئات السكانية واللاجئين والمجتمعات المُضيفة المستضعفة.

وقد فرضت هذه الأزمة ضغطاً هائلاً على القدرات المالية لكلا البلدين، ومن البدهي أنْ يدفع ذلك إلى مزيدٍ من الإنفاق الحكومي. وعلى أيّ حال، فالإنفاق على التنمية مبرر ولجملةٍ من الأسباب، هي: أولاً، يعاني اقتصاد كل من لبنان والأردن من مشاكل اقتصادية مُسبقاً. ثانياً، سيصب الإنفاق الاقتصادي في مصلحة المواطنين في هذين البلدين، فضلاً عن اللاجئين السوريين؛ وعدم الإنفاق خشية أنْ يُعد ذلك حافزاً للاجئين للبقاء سيضر بمواطني البلدين بقدر الضرر الذي سيعاني منه اللاجئون. ثالثاً، أدت حقيقة أنَّ غالبية اللاجئين في كلا البلدين غير متواجدين في المخيمات إلى مُشاكل مثيرة للتحديات على وجه الخصوص لأنَّ الوصول إلى اللاجئين وخدمة احتياجاتهم يُعد أكثر كلفةً مقارنة مع ما هو حاصل الآن بخلاف ذلك. وهذا يعني أيضاً أنَّ الإنفاق على التنمية العابر للحدود هو السبيل الأكثر فعالية لمعالجة الأزمة الإنسانية.

ويعاني الأردن ولبنان من تحدياتٍ اقتصادية قبل حدوث أزمة اللاجئين. فمثلاً، انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بين الأعوام 2009 وحتى 2012 من 8.5% إلى 1.4% في لبنان، ومن 5.5% إلى 2.7% في الأردن. وفي لبنان، أدى اندلاع الانتفاضات العربية إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر ,السياحة. في حين انخفضت امدادات الغاز المصري  إلى الأردن في أغلب الأوقات في عام 2012 بسبب التخريب المتعمد لخطوط الأنابيب التي تربط بين البلدين، مما أدى إلى زيادة تكاليف الوقود في الأردن.

ومن ناحية أخرى، فالتحديات الاقتصادية التي تواجه البلدين أكثر عمقاً مما ذُكر. فقد كشف التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن لعام 2010 عن الفترة 2006-2008 عن زيادة من 22 إلى 32 في عدد جيوب الفقر، والتي تُعرَّف على أنَّها المناطق أو أجزاء من المناطق حيث يكون ما نسبته 25% أو أكثر من السكان تحت خط الفقر الخاص بالدولة. ووجد التقرير نفسه أنَّ المحافظات الثلاث الأكثر اكتظاظاً بالسكان، عمَّان وإربد والزرقاء، تحتوي على 57% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. ومنذ أوائل شهر مارس/آذار 2014، يتواجد 58% من اللاجئين السوريين المسجلين في تلك المحافظات الثلاث. وتضم محافظة المفرق- حيث يقع مخيم الزعتري وأقل بقليل من 30% من اللاجئين السوريين المسجلين- أعلى نسبة فقر ومعدلات الأمية في الأردن (جنبا إلى جنب مع محافظة معان).

ويمتاز الوضع في لبنان بوضوح عدم المساواة الاقتصادية والإقليمية، يرافقه الانقسامات الاجتماعية العميقة وخطوط التصدع الطائفية التي تفاقمت بسبب النزاع السوري. ويتواجد ستون بالمائة من اللاجئين السوريين المسجلين في المناطق الشمالية ومناطق سهل البقاع، وهي تعد من المناطق الأكثر فقراً في لبنان. فالمنطقة الشمالية سجلت أدنى نصيب للفرد من الإنفاق في البلاد، علاوة على أعلى مستويات عدم المساواة. وعلى مدى التاريخ، فهاتين المنطقتين مهمشتان، حيث شهدت مرحلة إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان في عام 1990 تدفق معظم الثروات إلى منطقة بيروت الكبرى.

ومع ذلك، يرغب كل من الأردن ولبنان في البدء في الإنفاق على المشاريع الرئيسية للتنمية. وهناك تخوّف ​​من أنَّ الاستثمار الواسع النطاق في اللاجئين سيوفر حوافز لمزيد من تدفق اللاجئين- أو اندماج اللاجئين الحاليين في المجتمعات المحلية. واعترف أحد الوزراء الأردنيين في عام 2013 أنَّ الظروف قد تمت معايرتها بحيث يُوفر الحد الأدنى من المساعدات، وعليه لا يكون لدى اللاجئين أي حافز للبقاء؛ وعلى ما يبدو أنَّها كذلك السياسة غير المعلنة في البلدان المُضيفة الأخرى[i].

وهذه الطريقة في التفكير تجانب الصواب، وحتى من منظور المصلحة الذاتية، وللأسباب التالية. أولاً، تجاهل هذه القضية يضرُّ بالسكان المحليين، وبالقدر نفسه يضر بالسكان من اللاجئين. ثانياً، يعتمد قرار العديد من السوريين أو قدرتهم على العودة إلى ديارهم على عدد من القضايا الأخرى أيضاً. فسيفضِّل السوريون القادمين من المناطق التي انعدمت فيها فرص الحياة الاقتصادية أو اولئك الذين يخشون جداً من تعرض حياتهم للخطر البقاء، حتى لو كان ذلك يعني أن يعيشوا  في فقرٍ مُدقع. ثالثاً، سيسبب تجاهل القضية المزيد من المشاكل بدرجة أكبر لو جرت محاولات للتصدي لها وجهاً لوجه. فالبلدان المُضيفة تمتلك الحافز لتوفير العيش الكريم للاجئين تجنباً للمشاكل الاجتماعية التي ستنشأ عن أحوال الفقر المدقع والعوز. والجميع له مصلحة في إبقاء الأطفال في المدارس بعيداً عن الاستغلال. وأخيراً، ستسفيد جميع الدول المجاورة من سورية المستقبل القوية اجتماعياً واقتصادياً. وسيغدو السماح اليوم للسوريين بمواصلة سعيهم لتأمين سبل عيشهم وبناء قدراتهم استثماراً طويل الأمد في الاقتصاد الإقليمي.

واما ما يتعلق في الحالة اللبنانية، فعلاوة على المخاوف من اندماج اللاجئين في المجتمع، تكمن القضية الأخطر في ضعف قدرات الدولة. فاللبنانيون معروفون اعتيادهم التصريح بأنه "ليست لدينا دولة"، حال سؤالهم عن سبب ضعف الخدمات المقدمة أو السبب في تداعي البنية التحتية، في حين يُنظر إلى الأزمة الحالية على أنَّها فرصة لتعزيز قدرة الدولة وعلى جميع المستويات. فقد يوفر تدفق المساعدات الخارجية للحكومة الإمكانية لتعزيز قدرتها دون الضغوط المالية الملازمة لها.

ويعني التحول إلى التنمية الاستثمار في تطوير البنية التحتية للمياه والكهرباء والصحة، وكذلك إطلاق مشاريع (ربما بمزيجٍ من مشاركة القطاعين العام والخاص) التي يمكن أن تستحدث فرص العمل وتخفف من حدة الفقر. يجب أن تستهدف هذه المشاريع المناطق الأكثر ضعفاً، مثل سهل البقاع والمنطقة الشمالية في لبنان ومحافظة المفرق في الأردن. وينبغي أن يستهدف هذا النوع من الإنفاق جميع المجتمعات المستضعفة، لا سيما المناطق الأقل حظاً في الحصول على الخدمات. وينبغي أن يصاحب هذا الإنفاق حملات توعية على نحوٍ يمنح كلاهما، أي الإنفاق والتوعية، المجتمعات المحلية القدرة على التعبير عن مظالمهم والترويج للجهود التي تبذلها والدولة والمجتمع المساند لتلبية احتياجاتهم جنباً إلى جنب مع احتياجات اللاجئين. وتمثل زيادة المساهمات المحلية والشفافية وتوعية وسائل الإعلام مفتاحاً لاستفادة المجتمعات المحلية والوطنية من هذه المشاريع وتوعية مجتمعات اللاجئين بحقوقهم على نحوٍ أفضل.

هناك حاجة ماسة للتعاون الوثيق حتى تتكامل جهود المؤسسات متعددة الجنسيات، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مع تلك الجهود التي تبذلها البلدان المُضيفة ومفوضية الأمم المتحدة الساميةللاجئين ومنظمات الإغاثة الأخرى، بدلاً من العمل بمقاصد متضاربة.

يجب التفكير مليّاً باستمرار أهداف السياسة القائمة مسبقاً مثل ضبط الأوضاع المالية العامة وخفض نسب الدين مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي حسب الاحتياجات الجديدة للتنمية والاستثمارات في البنية التحتية. ورغم تحوّل نهج المفوضية نحو التنمية كما ورد في خطة الاستجابة الإقليمية 6[ii]، إلا أنَّ هذا التحول لا يمكن تحقيقه دون تحقيق التسوية  وتعاون جميع الأطراف. وقد أظهرت جميع أدبيات البحث الأكاديمي وكذلك السياسات الخاصة بالسياسات الاقتصادية في حالات نشوب النزاع وحالات ما بعد النزاع أنَّ السياسة الاقتصادية التقليدية التي تركز على التقشف أو خفض النفقات الحكومية غير كافية وحتى انَّها تقود إلى نتائج عكسية في مثل هذه الظروف. ويجب وضع الأولوية للأهداف السياسية على القضايا الاقتصادية في هكذا حالات[iii]. ورغم أنَّ هذه البلدان نفسها ليست في حالة حرب، إلا أنَّها تعاني من عدوى الاضطرابات الإقليمية التي يطول بها الأمد.

وسيكون لمبادرات التنمية التي تشرف عليها الدولة، مثل الاستثمار في البنية التحتية في مجالات الخدمات والرعاية الصحية والتعليم وإيجاد فرص العمل واستهداف المجتمعات المُضيفة وكذلك مجتمعات اللاجئين منافع تتمثل في تعزيز قدرات الدولة وتخفيف التوترات في الوقت نفسه نتيجة لمعالجة احتياجات اللاجئين. ورغم أنَّ المبادرات واسعة النطاق تنطوي على مخاطر معينة، إلا أنَّ التقاعس عن أداء الواجب ينطوي على المخاطر نفسها، وتحديداً عندما يصبح مجتمع اللاجئين والمجتمعات المُضيفة، وعلى نحو متزايد، مجتمعات غير مستقرة.

عمر س. ضاحي، odahi@hampshire.edu، أستاذ مشارك في الاقتصاد في كلية هامبشاير، www.hampshire.edu ، وأستاذ زائر في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، http://carnegie-mec.org/

وفر المجلس العربي للعلوم الاجتماعية والوكالة السويدية للتنمية الدولية الدعم للمادة البحثية لهذه المقالة. والآراء الواردة في المقالة تعبر عن آراء الكاتب وليس بالضرورة عن آراء مركز كارنيغي للشرق الأوسط أو المجلس العربي للعلوم الاجتماعية أو الوكالة السويدية للتنمية الدولية.

 


[ii]  أنظر المقالة للكاتبين روجر زيتير وهيليوس رواديل صفحة 5-10

[iii]  بويس جيه كيه أودونيل م. (2007): السلام والثروات: سياسات اقتصادية لمرحلة بناء الدولة ما بعد الحرب. لين رينير، باولدر

(Peace and the Public Purse: Economic Policies for Postwar Statebuilding.) www.peri.umass.edu/236/hash/66aec14aa0e2ccd4a1b4aaed1f9cd9b7/publication/266/

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.