أثر التَّهجير على المعاقين والمسنين في مجتمع اللاَّجئين السوريين

في سياقات التَّهجير، من المهم للغاية التعرف على بعض المجموعات السكانية التي قد تحتاج إلى اهتمام خاص. وللوعي بهذه الحاجات تبعات أساسية على أنماط الخدمات المقدَّمة وطرق تقديمها

في سياقات التَّهجير، من المهم للغاية التعرف على بعض المجموعات السكانية التي قد تحتاج إلى اهتمام خاص. وللوعي بهذه الحاجات تبعات أساسية على أنماط الخدمات المقدَّمة وطرق تقديمها.

في عام 2013، أجرت منظمتا مساعدة المسنين الدولية والإعاقة الدولية دراسة في الأردن ولبنان لتوفير أدلة وبيانات موثوق بها حول أعداد اللاجئين ذوي الإعاقة والمسنين والمصابين وذوي الأمراض المزمنة وللوقوف على حاجاتهم. وسعت الدراسة أيضاً لإتاحة الفرصة أمام مقارنة هذه الحاجات بحاجات مجتمع اللاجئين الذي يضمهم.[i]

القصور الوظيفي

يقدِّر تقرير الإعاقة العالمي[ii]  أنَّ 15.3% من سكان العالم يعانون من الإعاقة المتوسطة إلى المتقدمة وأنَّ هذه النسبة سترتفع على الأرجح إلى 18-20% لدى السكان المتأثرين بالنِّزاع.[iii]  وبالمقارنة، تبين أنَّ 22% من عينة الدراسة متأثرون بقصور وظيفي وأنَّ 6% منهم في حالة متقدمة. وتبين أيضاً أنَّ واحداً من كل خمسة من المصابين بالقصور الوظيفي يعانون من أكثر من إعاقة واحدة. أما كبار السن فقد كانت النسبة عالية إذ تبين أنَّ 70% منهم يعانون من قصور وظيفي واحد على الأقل. كما أنَّ أرجحية إصابة كبار السن بالقصور الوظيفي العقلي بلغت ضعفي الأرجحية لإصابة الأطفال به.

لكنَّ تحديات جمع البيانات الدقيقة حول القصور الوظيفي والإعاقة في سياق حالات الطوارئ الإنسانية تتجسد جلياً في عدم توافر البيانات في لبنان. وفي وقت الدراسة، لم يزد عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين من ذوي الإعاقة على 1.4% وكان تحديد الإعاقات الحسّية أقل بكثير من الإعاقات الحركية.

وبالنسبة لمن يعاني من القصور الوظيفي، تتمثل التحديات الرئيسية التي يواجهونها في التكيف مع بيئة جديدة في غياب الدعم الأسري والمجتمعي الذي اعتادوا عليه وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية والمتخصصة. وأشارت تقارير فرق الدراسة إلى أنَّ ذوي الإعاقات العقلية وأسرهم كانوا يواجهون التحديات الأكثر صعوبة. وبغياب الصورة الواضحة عن أعداد الأشخاص المتأثرين بالقصور الوظيفي يصعب بطبيعة الحال على المنظمات الاستجابة بفعالية.

وحللت الدراسة أيضاً الصعوبات الماثلة أمام "النشاطات الحياتية اليومية". وتضم هذه النشاطات التي يشير إليها المختصون الصحيون باللاتينية بكلمة ADL التغذية والاستحمام وارتداء الملابس ذاتياً دون مساعدة الغير. وتظهر النتائج أنَّ 45% من اللاجئين من ذوي القصور الوظيفي أو الإصابة أو المرض المزمن يواجهون صعوبات في النشاطات الحياتية اليومية وأنَّ 60% من كبار السن يواجهون هذه التحديات. وبالمقارنة، لم يذكر أكثر من 6% من مجموع اللاجئين الخاضعين للدراسة مواجهتهم لتلك الصعوبات. وتظهر الخبرة أنَّ هؤلاء اللاجئين أقل قدرة على الوصول إلى الخدمات الثابتة، وهذا ما يعني بالنتيجة أنَّ فعالية أي استجابة لحاجات هؤلاء الأشخاص تعتمد اعتماداً كبيراً على إدخال برامج التوعية المتنقلة وتقديم الدعم الأسري واستراتيجيات التكيف المجتمعي ضمن تلك الاستجابة.

الإصابات

الإصابات الناتجة عن النِّزاع من أهم ملامح الأزمة السورية المُلاحَظة. فقد تبين للدراسة أنَّ واحداً من كل 15 لاجئ سوري في الأردن وواحداً من بين كل 30 لاجئ في لبنان أصيب جرَّاء الحرب. ويبين تحليل الفئات العمرية والجندر أنَّ الرجال ممن هم في سن العمل يعانون من تعرضهم لخطر الإصابة وتعود بعض أسباب ذلك إلى دورهم في القتال من جهة ولمسؤوليتهم في جلب الغذاء والماء من جهة إضافة إلى أنَّ بعض الشباب كانوا مضطرين للعودة إلى سوريا لتفقد ممتلكاتهم هناك. وكثير من الأشخاص المتأثرين بالإصابة لا يتلقون الرعاية الكافية.

وفيما وراء الرعاية الصحية المباشرة، تتطلب تلك الإصابات برامج طويلة المدى لإعادة التأهيل الفيزيائي والدعم النفسي بالإضافة إلى حاجة المصابين بقصور وظيفي دائم إلى الرعاية مدى الحياة. ومن المخاوف الخاصة محدودية إتاحة دعم إعادة التأهيل الفيزيائية اللازمة للحيلولة دون تردي الظروف الصحية المرتبطة بالإصابات الحالية ولتخفيف تطور الإعاقة المحتمل ديمومتها. ولذلك، من المهم جداً أن يعمل مقدمو الرعاية الصحية الوطنية والدولية معاً على مواجهة الحاجات الحالية لهذه الفئة من السكان، بل عليهم أيضاً التخطيط للمتطلبات المالية والبشرية بعيدة الأمد بما يفي بإعداد المنظومات الصحية والأسر والمجتمعات لضمان توفير الدعم الكافي. وتمثل حاجات الرعاية بالنسبة للمصابين تحدياً رئيسياً الآن لشركاء المساعدات الإنسانية وللحاجات بعيدة الأمد للمنظومات الصحية في الأردن ولبنان وسوريا في نهاية المطاف. فقد أوضح نظام الأسد أنَّه سيعتبر جميع اللاجئين المصابين العائدين من البلدان المجاورة على أنهم جزء من قوى المقاومة المعارضة للحكومة، ويعني ذلك أنَّ هؤلاء مقدر عليهم مواجهة مستقبل غامض في تلك البلدان.

الأمراض المزمنة

تسجّل الاستجابات الصحية التقليدية في الأزمات الإنسانية إخفاقاً كبيراً في معالجة حاجات الأشخاص الذين يعانون من الظروف الصحية المزمنة لكن غير السارية والتي يمكن إدارتها. وقد تؤدي محدودية الوصول إلى الرعاية والتقطع المتكرر في تقديم الرعاية الصحية إلى مضاعفات خطيرة وارتفاع في مستويات المرض والوفيات.

ولكنَّ كثيراً من اللاجئين يجدون في تكلفة الوصول إلى الخدمات الصحية عائقاً أساسياً. ففي لبنان، الخدمات الصحية مُحالةٌ إلى القطاع الخاص وتستلزم رسوماً مالية للحصول عليها. ومع أنَّه بإمكان اللاجئين على العموم الوصول إلى مرافق الخدمات الصحية، ما زال يُتوقَّع منهم تغطية تكاليف العلاج التي قد تكون أكبر بكثير من قدراتهم المالية. وقال بعض اللاجئين في لبنان إنَّهم لم يتمكنوا من سداد تكاليف النقل للوصول إلى المراكز الصحية ناهيك عن المساهمة المطلوبة منهم في تغطية تكاليف العلاج في المستشفيات.

وفي لبنان والأردن، التثقيف الصحي شبه غائب بالنسبة للمرضى والقدرة محدودة بين الكوادر الصحية على التقييم السليم للمرضى ذوي الأمراض المزمنة، والخدمات محدودة في مجال دعم الفحص المبكر للأمراض المزمنة ولا يوجد هناك متابعة صحية من ناحية الرصد الملائم والفحوصات المخبرية. وأخيراً، من المهم أن ندرك الرابط بين الأمراض المزمنة والإعاقة، فنحن نعلم أنَّ هناك نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يعانون من أمراض غير سارية ممن سوف يعانون من قصورات وظيفية مع تقدم الحالة المرضية.

وكما الحال بالنسبة للاستجابة لحاجات المصابين، تصاحب السمات الرئيسية للأمراض التي يعاني منها اللاجئون السوريون تبعات حادة على دعم المنظومة الصحية. ومن هنا تعمل منظمة المسنين الدولية ومنظمة الإعاقة الدولية مع الشركاء المحليين والدوليين بمن فيهم منظمة أطباء العالم ومؤسسة عامل لتحسين عمليتي تحديد الأشخاص ذوي الأمراض غير السارية وإحالتهم ودعم المنظومات الصحية الوطنية بهدف تحسين مستويات الرعاية.

الصحة النفسية

أفاد أكثر من نصف اللاجئين في عينة البحث والمصابين بقصور وظيفي أو إصابة أو مرض غير سارٍ تعرضهم لعلامة واحدة متكررة على الاقل من علامات التوتر النفسي المتمثل في التغيرات العاطفية أو السلوكية أو المعرفية أو في العلاقات مع الغير. ومجدداً، تتأثر فئة المسنين تأثراً كبيراً مع إبلاغ أكثر من 65% منهم بتعرضهم لتلك العلامات في مستويات أعلى ثلاث مرات من المستويات التي يتعرض لها عموم مجتمع اللاجئين. وفي حين قد تنشغل أجيال الشباب في العمل أو في البحث عن العمل، غالباً ما يُقصَى اللاجئون ذوو القصور الوظيفي أو المسنون منهم عن العمل ويُتركون في معاناتهم لأمد بعيد.

 

ماركوس سكينير  mskinner@helpage.org  مدير السياسات الإنسانية في منظمة مساعدة المسنين الدولية www.helpage.org  

 



[i] هذا المقال مقتبس عن تقرير نشرته عام 2014 منظمة مساعدة المسنين الدولية ومنظمة الإعاقة الدولية. الضحايا غير المنظورين للأزمة السورية: اللاجئون من ذوي الإعاقة والمصابون والمسنون

( The hidden victims of the Syrian Crisis: disabled, injured and older refugees.) ­www.helpage.org/download/537207495fe87

انظر أيضاً مقالة "المسنون والتَّهجير"، بيرو كالفي-باريسيتتي في العدد 43 من نشرة الهجرة القسرية.

www.fmreview.org/ar/fragilestates/calviparisetti

 

[iii] www.fmreview.org/ar/disability  35 انظر أيضاً النشرة الموجزة للعدد

 

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.