العزوف الطوعي عن الحركة: أصوات السكان الأصليين في منطقة المحيط الهادئ

بدأ المجتمع الدولي منذ سنوات قليلة بزيادة التركيز على الحركة وإعادة النقل المخطط له للأشخاص المتأثرين بالتغير المناخي. لكنَّ كثيراً من السكان الأصليين في منطقة المحيط الهادئ يقولون إنَّهم ينوون البقاء في الجزر التي عاش على أرضها أجدادهم.

يتزايد إعراب السكان الأصليين في بلدان المحيط الهادئ عن تفضيلهم البقاء في أراضيهم لأسبابٍ ثقافية وروحية حتى لو عنى ذلك مواجهتهم للتدهور الكبير في الصحة وسُبُل كسب الرزق الناجم عن التغير المناخي، ويصل الأمر في بعض الحالات إلى أن يقولوا إنَّهم مستعدون للموت في أراضيهم بدلاً من أن يُعادَ نقلهم إلى أماكن أخرى، وينبغي للعاملين في مجالَي التخطيط ووضع السياسات المتعلقة بتغير المناخ الاعتراف بمخاوف السكان الأصليين والتواصل معهم بطريقة ملائمة من الناحيتين الثقافية والأخلاقية.

ويبدي السكان الأصليون الذين يمثلون النسبة العظمى من السكان في كثيرٍ من مجتمعات المحيط الهادئ فهماً جيداً للمخاطر المتعلقة بتغير المناخ كاحتمال أن تصبح المناطق الساحلية غير صالحة للسكن. وفي بعض الأحيان، أُشْرِكَت المجتمعات المحلية في التعامل مع قضايا التغير المناخي لعقودٍ عدّة كما أبدَت حكوماتهم نشاطاً واضحاً في المفاوضات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي منذ نشأتها في الثمانينيات. أمّا التغيرات الطارئة على الظروف البيئية في منطقة المحيط الهادئ والتي تؤثر على الأنماط المناخية وإنتاج المحاصيل والثروة السمكية فَحُدِدَت ونوقِشَت على نطاق واسع في منظومات معارف السكان الأصليين، وأصبح من المألوف إطلاق المبادرات المحلية للتكيف مع تغير المناخ التي غالباً ما يمولها المانحون الدوليون حتى في الأماكن النائية.

ورغم تطبيع التغير المناخي في الحياة اليومية في منطقة المحيط الهادئ، ما زال التغير المناخي تهديداً وجودياً يواجه ثقافة السكان الأصليين وهويتها والعلاقة التي تربطها بأرضها وبحرها، كما أنَّ التغير المناخي يهدد حق تلك الشعوب في تقرير مصيرها إذ لا يمكن للبعض أن يقبلوا فكرة العيش دون وطن يعيشون فيه أو يعودون إليه. وثمّة مجموعة من قادة السكان الأصليين في جزر المحيط الهادئ وكبارها وناشطوها يعبرون بوضوح عن عزمهم وتصميمهم المدروس بعناية على البقاء في أراضيهم لأسباب ثقافية وروحية وسياسية، ولعل القضية الأهم من وجهة نظر المقاومين الطوعيين للحركة هذه لا تكمن في السؤال حول "أين سنذهب؟" أو "كيف سننجو؟" بل تكمن في السؤال: "كيف سنحافظ على هويتنا ونبني الطرق المؤدية إلى مستقبل لدن قادر على مواجهة الظروف بحيث نقرر مصيرنا بأنفسنا؟"، كما أنَّ العزوف الطوعي عن الحركة آلية مواجهة هامّة تساعد على تقوية الخصائص الثقافية والروحية لدى الذين يواجهون فقدان وطنهم.

دعم العزوف الطوعي عن الحركة

في الواقع، يبدو أنَّ أحداً لم يُصغِ بما يكفي لأصوات الذين عزفوا عن الانتقال بطوعهم، ولم تؤخذ حاجاتهم بالحسبان عند وضع أُطُر السياسات العامة المتعلقة بتعميم التكيف مع التغير المناخي والحركة، لكنَّ اختيارات السكان الأصليين يجب الاعتراف بها ودعمها حتى إن كانت الفئة التي اختارت العزوف الطوعي عن الحركة تُعَدُّ أقلية بالنسبة إلى السكان الأصليين.

ولا يمكن التعامل مع قضية العزوف الطوعي عن الحركة من خلال السياسات الإنمائية التي رسمتها جهات خارجية ولا من خلال الاقتصار على مجرد توفير المعلومات حول خطر المناخ، إذ إنَّ الذين اختاروا الامتناع عن التحرك من أراضيهم يدركون تماماً الخطر المناخي والروابط المعقدة التي تربط بين الناس والمناخ والمكان. وبدلاً من ذلك، ينبغي للاستجابات الإنسانية الدولية أن تدعم العزوف الطوعي عن الحركة من خلال توظيف المقاربات الملائمة من الناحيتين الثقافية والأخلاقية. ولعل الأهم من ذلك أنه لا ينبغي للسكان الأصليين أن يشعروا في وقت ما أنهم مجبرون على اتخاذ قرار ملزم إما بالتحرك أو العزوف عن الحركة؛ لأنه من المرجح أن تؤدي مثل هذه الضغوطات إلى تفاقم القلق الناجم عن خسارة الديار. ومع تدهور سبل كسب الرزق بمرور الوقت ووقوع الكوارث الطبيعية، قد ينبغي للسكان الأصليين أن يُبدُوا القدرة على تغيير قراراتهم من العزوف الطوعي عن الحركة إلى التحرك الطوعي، وحتى لو اتخذوا هذا القرار، ربما يجب أن يُبدُوا القدرة على العدول عنه واتخاذ القرار بالعزوف الطوعي مجدداً. ولذلك، ينبغي للعمليات الداعمة أن تكون قادرة أيضاً على التكيف وقد تكون ثمة حاجة لأنواع مختلفة من الدعم السياسي والقانوني والنفسي والثقافي والجسدي مع تغير الظروف.

وقبل أن تقع أيُّة كارثة، تتيح النقاشات حول العزوف الطوعي عن الحركة في المناخ المتغير الفرصة للمجتمعات الأصلية والشركاء الخارجيين لإعادة النظر بالتنمية والتحرك والتكيف مع تغير المناخ بطرق مجدية ثقافياً، وقد يشتمل التخطيط للكوارث، على سبيل المثال، على الكبار في السن بصفتهم خبراء رئيسيين فيما يتعلق بخيارات العزوف الطوعي عن الحركة، ويمكن أن تُعتَمَد تلك الخيارات كتدابير مؤقتة تبعاً للظروف البيئية المتغيرة. وبعد الكارثة، ينبغي للمساعدات الإنسانية أن تبدأ في بناء الشراكات مع قادة السكان الأصليين.

وتضطلع حكومة "فيجي" بدور ريادي في عمليات إعادة التوطين في منطقة المحيط الهادئ من خلال العمل الوثيق مع المجتمعات المحلية الفيجية في المناطق الساحلية المعرضة للخطر، وتقديم أمثلة جديدة وناشئة على الممارسات الجيدة للعزوف الطوعي عن الحركة. وتشتمل مسودة المبادئ التوجيهية للانتقال التابعة للحكومة الفيجية على إجراء يجب اتباعه حين يتقرر أنَّ إعادة النقل ضرورية لكنَّ المجتمعات تقرر التمسك بأراضيها وعدم الانتقال. ويتضمن هذا الإجراء: احترام قرار العزوف الطوعي عن الحركة أولاً وآخراً، ثم استكشاف الأسباب التي تؤدي إليه وإجراء النقاشات مع المجتمع المحلي حول التكيف مع هذه الخيارات وحيازة الأراضي، وتضمين قضايا التغير المناخي في المناهج التعليمية الثانوية والأساسية، وضمان الاستعداد النفسي والعاطفي لتأثيرات المناخ.

لكنَّ هذه الإرشادات التوجيهية تذكر أيضاً جواز فرض إعادة النقل في حالة وقوع السيناريو الأسوأ أي الخطر المهدد للحياة. وحتى لو فرضنا أنَّ المبادئ التوجيهية يجب أن تنص على عدم فرض إعادة الانتقال حتى في أسوأ السيناريوهات، فذلك لا ينفي الحاجة الملحة لتقديم الدعم الأخلاقي والقانوني للذين اختاروا العزوف عن الحركة بمحض إرادتهم، فذلك الدعم ضروري لضمان صون حقوق الإنسان وكرامته. وسيتضمن ذلك التأسيس على دليل قانوني مقبول يفيد بأنَّ كل خيارات التكيف المحلية قد استنفدت وأنَّ الحوارات المفصلة بشأن عواقب العزوف عن الحركة قد أُجرِيَت، وأن خيار البقاء كان طوعياً تماماً، ولا بد من وضع القواعد القانونية لضمان منح حقوق الإنسان وكرامته هي الأولوية الأولى في مثل هذه الأوضاع.

الخلاصة

تتطلب مسألة العزوف الطوعي عن الحركة حواراً عابراً للثقافات وأنماطاً جديدة من الدعم لحقوق الإنسان وكرامته مع إيلاء الاهتمام الخاص للوصول إلى درجة أفضل في فهم ودعم شعور السكان الأصليين بالانتماء. ولا يقل أهمية في مجال البحوث والسياسات في الهجرة القسرية تحديد ما إذا كانت الأطر العامة للإدارة المطبقة تسمح في إجراء مثل هذا الحوار أو تقديم تلك الحماية، وغالباً ما تكون مشاعر السكان الأصليين بالانتماء واضحة لكنها غير مسموعة لأنَّ المؤسسات الدولية لا تستجيب بما يكفي لآراء السكان الأصليين، كما أنَّ تعبيرات العزوف الطوعي عن الحركة تصبح تحدياً أخلاقياً حين يُعبَّر عنها على أساس الحق في الموت. فكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتفاعل في هذه الحالة؟ ومن المؤكد أنَّ الحاجة قائمة لبناء أُطر سياسية وقانونية جديدة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تأخذ مجتمعات البحوث والسياسات المعنية بالهجرة القسرية على محمل الجد خيار العزوف الطوعي عن الحركة بين السكان الأصليين، ولا ينبغي تجاهل تلك الأطر بسبب النزعات العاطفية والتعقيدات العرقية المرتبطة بهذه المسألة.

 

كارول فاربوتكو Carol.Farbotko@csiro.au

عالمة وباحثة اجتماعية،، قسم الأرض والماء، منظمة كومونولث البحوث العلمية والصناعية (CSIRO) www.csiro.au

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.