حماية كرامة السوريين المُهجَّرين

ماذا تعني كلمة كرامة للاجئين السوريين والعاملين السوريين في المجال الإنساني والتنموي؟ وما الذي يمكن للمنظمات الإنسانية فعله أو الامتناع عن فعله لتساعد السوريين في الحفاظ على كرامتهم وحمايتهم؟

باعتباري سورية لها باع طويل في التحليل والبحوث والكتابة في المجال الإنساني، حَرِصتُ منذ مدة طويلة على الكتابة عن أهمية الكرامة للسوريين في هذا الوقت على وجه الخصوص، لكنَّني مع ذلك أجد نفسي على الدوام عاجزة عن تفسير أبسط الأمور لمن يسألني عن أحوالي وأحوال عائلتي في سوريا، فتلك أسئلة غالباً ما يطرحها علي الناس بحسن نية منهم لكنَّها توقِظُ فيَّ الشعور بالإذلال الكبير الذي يشعر به المرء حين يفقد قدرته في السيطرة على كل ما هو عزيز في غضون بضعة أيام أو شهور أو سنوات. ومنذ انطلاقة الانتفاضة الشعبية في سوريا، كانت الكرامة وما زالت العنوان الرئيسي لمطالبات الناس على المستويين الفردي والجماعي معاً، فكانت صرخة أطلقتها الجموع منذ الأيام الأولى وتبلورت في واحدة من أقوى الشعارات وأكثرها بروزاً: "الشعب السوري ما بيِنذَل." بل تكرر التركيز على الكرامة في المراحل اللاحقة في الأعمال المكتوبة والشعارات والأعمال الفنية والخطاب السياسي والاجتماعي. فلا غرابة إذن أن عَبَّر كثير من السوريين بعد اندلاع النزاع وما تبعه من تهجير قسري هائل عن استيائهم مما تعرضوا له من إذلال وامتهان للكرامة الإنسانية ليس من القِوَى الحاكمة في سوريا فحسب بل من الجهات الأخرى التي أصبحت حياة المُهجَّرين رهناً بأمرهم في الشتات.

وللكرامة معان عدَّة يتفاوت تفسيرها من شخص لآخر، وظهر ذلك التفاوت في المقابلات التي أجريتها في إطار هذه الدراسة،[1] إذ تقول صحفية قابلتها: إنَّ "الكرامة بكل بساطة هي أن اُعامَل كإنسان". إنها تعني أنَّ لي حقوقاً وأن أتمتع بإمكانية الوصول إلى المعلومات متى شئت دون إذلال وأن يحظى فضائي الخاص بالاحترام بمنأى عن الانتهاك." وفي مقابلة أخرى، قالت طبيبة وناشطة في مجال المساعدات :إنّ "الكرامة [تقاس] بمدى شعورك الرافض للإذلال وبقوة تصدّيكَ له."

تأثير المنظمات وتمثيلها للاجئين

نادراً ما وُجِّهت التساؤلات للمنظمات الإنسانية الدولية وموظفيها أو أُخضِعَت للبحث والتدقيق إزاء الأثر الذي يمكن أن تتركه سلوكاتها وتصرفاتها على كرامة اللاجئين، سواء أكانت تلك التصرفات مقصودة أم غير مقصودة، خاصة أنَّ كثيراً من المزاولات السوريات قُلنَ إنَّ اللاجئين السوريين يُقابَلون عند تسلمهم للمعونات بصراخ الموظفين عليهم بل قد تصل الأمور إلى حد توجيه الشتائم لهم. وذكرن إنَّ الرجال يرسلون زوجاتهن لاستلام المساعدات بدلاً منهن لاعتقادهم بأنهُنّ أكثر قبولاً وتسامحاً مع تلك التصرفات المهينة، إذ يقول أحد اللاجئين السوريين في لبنان: "نشعر كأنَّنَا فئران تجارب. ففي كل مرة، تأتي إلينا المنظمات الدولية بعددٍ لا يُحصَى من استبيانات تقدير الاحتياجات ثم تغادرنا دون أن نتلقى منهم بعدها أية مساعدات. إنهم يعتقدون أننا لا نملك شيئاً نفعله في هذه الحياة سوى أن نملأ استماراتهم ونجيب على أسئلتهم. وهذا قلة احترام لنا. فنحن أيضاً لدينا كرامة."

وفيما يتعلق بالمعونات المالية التي توزعها المنظمات غير الحكومية، قال أحد مُتسلِّميها إنَّ: "التمويل الإنساني والإنمائي الذي تقدمه لنا المنظمات الدولية مهين للغاية. يبدو الأمر كأننا نتوسل للحصول على المال ... نتوسل حرفياً." وقال متطوع سوري يعمل في لبنان عن المنظمة الدولية التي تطوع فيها: "باعتبار أننا متطوعون سوريون، كانوا يدفعون لنا مبالغ قليلة تشبه العدم مقابل القيام بأعمال طويلة ومضنية نيابة عنهم ... أنا أحتاج للبقاء على قيد الحياة وبكرامة أيضاً." كل هذه التجارب ما هي إلا أمثلة واضحة على اختلال التوازن في علاقات القوى التي تضع اللاجئين السوريين والمزاولين السوريين في كفة والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة الإنسانية في الكفة الأخرى الراجحة من الميزان.

والمشكلة تكمن في النظر للاجئين على أنهم ضحايا عاجزون ويائسون، ونادراً ما تُواجَه هذه المشكلة بصراحة ناهيك عن تناول تلك المشكلة على مستويَي رسم السياسات وصنع القرار. فباستثناء بعض الحالات الملحوظة، كثيراً ما صَوّرَت المنظمات الإنسانية في موادها الإعلانية السوريين على أنهم ضحايا عاجزون بغية جمع التبرعات. فالكثير من تلك الإعلانات تستخدم صوراً لأطفال سوريين بائسين يكونون غالباً في إحدى مخيمات اللجوء. وهذا محبط للغاية، ويتعارض مع الحملات التي أُطلِقت في الفترة الممتدة بين الثمانينيات والتسعينيات للحض على مزيد من الاحترام في استخدام الصور. وحين يُسأَل الموظفون الدوليون العاملون في المساعدات الإنسانية في النقاشات غير الرسمية عن الغاية من استخدام مثل هذه الصور، لا يخفي بعضهم استياءهم من سياسة منظماتهم في ذلك الشأن، في حين يرى آخرون أنَّ نجاح المنظمات الإنسانية في جمع التبرعات يعتمد اعتماداً كبيراً على تصوير اللاجئين في حالة من اليأس والعوز باعتبارهم في حاجة ماسة إلى المساعدات الدولية.

منع امتهان الكرامة

إن الكيفية التي يحاول بها السوريون دوديك فيهم العاملون في المنظمات الإنسانية، حفظ كرامتهم معقدة جداً بل تلقى كثيراً من العداء والمعارضة. فكثيرًا ما تجاهلني صانعو القرارات في المواقف التي كنت أتمتع بها بكامل قدرتي كأي استشارية أو خبيرة، إذ يجب أن تكون على سوية مكافئة من الاحترام والقَدْر. وتلك ليست معاناتي وحدي إذ عبرت إحدى النساء السوريات المُؤسِّسَة لمنظمة سورية مختصة في التعليم وتقديم المساعدات والإنماء عن رأي مماثل قائلة: "إنني ككل السوريين الذين يشاركون في لقاءات تجمعهم مع الهيئات الإنسانية الدولية أشعر بإذلال لا مثيل له. إنَّهُم يتحدثون إلينا كما لو كنا أطفالاً أو أغبياء أو كما لو كنا بكل بساطة بلا قيمة ... حتى حين طلبت منا إحدى هيئات الأمم المتحدة انتخاب ممثل عن المنظمات السورية رشحنا ثلاثة مرشحين. ثم في النهاية قرروا اختيار شخص غير سوري لتمثيلنا. وكانت تلك إهانة بالغة في حقنا." وفي حالات كهذه، قد أسعى شخصياً ومن معي للحفاظ على كرامتنا بالتراجع وفرض العزلة على أنفسنا.

ومن الواضح أنَّ هذه القضايا المعقدة والصعبة لا تقتصر على سوريا وحدها بل من المحتمل أن تكون سائدة في جميع الاستجابات الإنسانية قاطبةً. لكنني آمل أن تشجع هذه المقالة الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية على مناقشة وتقييم أو إعادة تقييم فهمهم لمعنى الكرامة ولسلوكهم في أثناء استجاباتهم الإنسانية حول العالم. كما يجب إعطاء الفرصة للسوريين

اللاجئين والعاملين في المجال الإنساني والتنموي من الانخراط المباشر والفعال في هذه المناقشات وإشراكهم في وضع السياسات التي تؤثر على حياتهم أيضاً.

خلود منصورKholoud.mansour@cme.lu.se

مستشارة وباحثة من سوريا، جامعة لوند

www.cmes.lu.se/staff/kholoud-mansour



[1]تتقدم المؤلفة بالشكر لمبادرة الحماية من المحلي إلى العالمي (L2GP) لدعمها لهذا البحث.

www.local2global.info

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.