تعزيز حماية النِّساء والفتيات من خلال العقد العالمي حول اللاجئين

تقدم العملية الاستشارية المنتهجة في إطار تأسيس العقد العالمي حول اللاجئين فرصة نادرة لتضمين المساواة في الجندر ضمن المكوّنات المحورية لهذا الإطار الجديد للسياسات الدولية.

يعد إعلان نيويورك من أجل اللاجئين والمهاجرين الصادر في سبتمبر/أيلول لعام 2016 أول إعلان أصدرته الأمم المتحدة واعتمدته خصيصاً من أجل اللاجئين والمهاجرين، فهو بذلك الوثيقة الأساسية التي تستنير بها خطط العمل المتعلقة بهذا الموضوع، إذ يعيد هذا الإعلان التأكيد بوضوح على مبادئ اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وهو أيضاً أول وثيقة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة خصيصاً من أجل اللاجئين والمهاجرين وتحتوي على التزامات جندرية حازمة.

وتضمن إعلان نيويورك مُسوَّدة اتفاق عالمي بشأن اللاجئين ينص على البدء بتنفيذ مبادرة الإطار الشامل للاستجابة للاجئين. ومع أنَّ التركيز الأكبر في الإعلان انصب على القضايا الجندرية، فما زال الإطار الشامل للاستجابة للاجئين ضعيفاً في تناول هذه القضايا. وللوقوف على ذلك الوضع، أعددنا ’تحليلاً جندرياً‘ للإطار الشامل للاستجابة للاجئين[i] ومن ثَمَّ أشركتنا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإجراء ’تدقيق جندري‘[ii] لخمسة اجتماعات موضوعية عُقِدَت في عام 2017 ولاجتماع المفوض السامي بشأن تحديات الحماية من أجل تقييم كيفية معالجة قضايا المساواة في الجندر وقضايا حماية النساء والفتيات في عملية بناء العقد، وأفادت هذه الاجتماعات الخروج بمسودة برنامج عمل لتنفيذ الالتزامات الواردة في الإطار الشامل للاستجابة للاجئين.

ومع أنَّ أهم التوصيات التي قدمها إعلان نيويورك هي تعميم المنظور الجندري، غالباً ما يؤدي تعميم الأشياء إلى حجبها، وإذا ما أردنا بصدق النجاح في تعميم الجندر، يجب أن نسأل أنفسنا عن النتائج المترتبة على فشلنا في إدراك الحواجز التي تحول دون تحقيق المساواة في الجندر ومعالجتها. فمثلاً، إذا فشلنا في تعريف عدم القدرة على الحصول على المستلزمات الصحية كحاجز يحول دون التعليم، فذلك يعني أنه يجب على الفتيات أن يتغيبن عن المدرسة مدة أسبوع في كل شهر، وإذا لم نسأل عن المخاطر التي تتعرض لها طالبات اللجوء عبر البحر فلن نعرف إذاً أنهن جميعاً تعرّضن للاغتصاب أو غير ذلك من أشكال العنف الجنس،[iii] وإذا لم نسأل عما فعلته امرأة عزباء لتعيش على حصة فرد واحد من المعونة في المخيم فلن نسمع أنَّ معظم النساء يلجأن للجنس كخيار وحيد أمامهن.

لماذا التركيز على النساء والفتيات؟

يعد الخطاب المتعلق بالنساء والفتيات اللاجئات أساسياً في الكشف عن الأسباب التي تحول دون حصولهن على الحماية الدولية الكافية، وخلافاً للتصنيف العام لهن على أنَّهنّ أقلية أو فئة مستضعفة، فَهُنَّ لسن فئة مستضعفة بحد ذاتها، كما أنهن من الناحية العددية لسن أقلية، وعند التحدث من الناحية الاجتماعية بدلاً من الناحية الكمية، يدل مصطلح ’مجموعة أقلية‘ على الذين يعانون من التمييز والتبعية بسبب وضعهم الناجم عن تعرضهم لعدم المساواة في القدرة على اتخاذ القرارات والحصول على خدمات البنية التحتية والموارد والذين تتعرض قدراتهم الشخصية إلى التجاهل، فغالباً ما تعزو الأعراف الثقافية للنساء مرتبة اجتماعية أقل من تلك التي يحظى بها الرجال، وذلك بوضعهن في حالة من الاعتماد على الغير، كما أنَّ انعدام الفرص في التعليم يصعّب عليهن القدرة على اتخاذ القرارات والحصول على فرص عمل مدرة للدخل.

كما أنَّ أهم الاختلافات بين النساء والفتيات من جهة، والرجال والفتيان من جهة أخرى يكمن في التعرض المزمن للعنف الجنسي والقائم على الجندر، فبينما يُعتَرَف بأن بعض الرجال والفتيان اللاجئين يعانون أيضاً من العنف الجنسي، تشير الأبحاث إلى أن معظم النساء اللاجئات والنازحات عانين من هذا الانتهاك لحقوق الإنسان، ويمكن أن يعاني كل من الرجال والنساء من تأثيرات نفسية وإصابات جسدية شديدة كما قد يتعرضون للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، بيد أن النساء يواجهن عواقب إضافية تتمثل بالحمل نتيجة الاغتصاب، كما تقضي كثير من الفتيات اللواتي يحملن في عمر مبكر جداً. وتُعزَل النساء والفتيات عن عائلاتهن ومجتمعاتهن إلى جانب ما يحملنه من عبء ووصمة العار، وغالباً ما تتعرض النساء من ذوات الإعاقة للعنف الجنسي أكثر من غيرهن باعتبارهن هدفاً سهلاً، كما تخضع المثليات والمغيرات للجندر إلى ما يدعى ’الاغتصاب التصحيحي‘ وأحياناً يُقْتَلْن. وأُجبِرَت كثير من النساء على ممارسة الجنس من أجل البقاء بتأمين الغذاء لأنفسهن ولعائلاتهن إضافة إلى وصمة العار الإضافية الناجمة عن ممارسة الدعارة، وتواجه كثير منهنَّ الزواج القسري إذ يشعر الرجال بالعار لعجزهم عن حماية الإناث في عائلاتهم فتتحمل المجتمعات المحلية الإدانة الجماعية.

بيد أن النساء والفتيات اللاجئات لسن مجرد ضحايا سلبيات، إذ يمكنهن إدارة دور الحضانة وتهيئة العناية اللازمة للأطفال الأيتام وتوفير الأماكن الآمنة للنساء اللواتي واجهن العنف الجنسي والقائم على الجندر، وضمان حصول العائلات على الغذاء الكافي وإدارة المشروعات التجارية الصغيرة وتنظيم المدارس الأساسية. ومعظم هذه الأعمال تُنجَز دون تمويل أو دعم خارجي، ففي غياب الرجال، تتولى النساء كل الأدوار الممكنة في الأسرة والمجتمع، فتتولى هذه الأنشطة مجموعة من النساء اللواتي يمتلكن مهارات رسمية إلى جانب نطاق واسع من المهارات غير الرسمية، فالنساء والفتيات اللاجئات يمتلكن وعياً شديداً بالمشكلات التي تواجهها النساء في مخيم اللجوء والمواقع الحضرية، كما لديهن معرفة بالحلول الممكنة.

إلا أن هذه الإمكانات والمهارات والقدرات غالباً ما تكون غير معترف بها. فكثيراً ما يُغَيَّب صوت المرأة بسبب محدودية فرص الحصول على التمثيل في المستويات كافّة، لذلك ثمة حاجة لتقديم دعم موجه يكون معنياً بتعليم النساء مهارات القيادة والمناصرة وقوانين حقوق الإنسان وإجراءات الاجتماعات الرسمية ومخاطبة الجمهور، وذلك لتُسمَع أصواتهن في عملية وضع السياسات وليسهمن بفعالية في المحافل التي يُحتَمَل أن تكون تمييزية وليَضمَنَّ أن دمجهُنّ في مثل هذه العمليات ليس من باب فض العتب.

التدقيق الجندري والتقدُّم في العقد

رغم بطء التقدم الذي أُحرِزَ فيما يتعلق بضمان المساواة في الجندر في العقد إلاّ أنّه كان ملحوظاً، فالتقرير المتعلق بأول اجتماع موضوعي الذي عُقِدَ في يوليو/تموز لعام 2017 ذكر النساء مرة واحدة، بينما لم يرد أي ذكر للجندر أو العنف الجنسي والقائم على الجندر أبداً، كما حضر فريق التدقيق الجندري الاجتماعين الموضوعيين الثاني والثالث في أكتوبر/تشرين الأول، ولكن على الرغم من الالتزام القوي الذي أبداه كبار موظفي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوضوح، كان هناك نقاش صغير ومجدٍ حول المساواة في الجندر، وفي الكثير من الجلسات النقاشية، لولا تدخلات اللاجئين المشاركين لما ذُكر ذلك على الإطلاق، بينما دفعت هذه التدخلات في المجالس الأخرى رؤساءها إلى مراعاة القضايا المتعلقة بالجندر في التوصيات، وكان معظم المتحدثين الرئيسيين من الرجال، وفي حين كان هناك التزام قوي تجاه مشاركة اللاجئين، بالمقابل لم يكن ثمة اعتراف بالحواجز الإضافية التي تواجهها النساء والفتيات اللاجئات لِكي تُسْمَع أصواتهن، ولولا المتحدثون المتفانون والتوجيهات الموجهة إلى رئيس الجلسة لما ورد ذكر النساء والفتيات، ولكانت القضايا الجندرية ستعمم في غياهب النسيان مرة أخرى.

وقدم فريق التدقيق الجندري في تقريره توصيات قوية بشأن الاجتماعات القادمة تؤكد على ضرورة المساواة في الجندر في الجلسات النقاشية، كما اقترح الفريق على رؤساء الجلسات أن يطلبوا من أعضاء الفرق معالجة الأبعاد الجندرية للقضايا التي ستخضع للنقاش.[iv]

وفي الاجتماعات التي عُقِدَت في نوفمبر/تشرين الثاني، كان من الواضح أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد عملت بجد لضمان المساواة في الجندر في الجلسات النقاشية، وفي حين لم يكن ثمة زيادة كبيرة في عدد التدخلات التي تعالج كلا من المساواة في الجندر والعنف الجنسي القائم على الجندر، فلم يكن هنالك تحول مهم وملحوظ في جودة التدخلات التي قدمتها الدول وأصحاب المصلحة، وقد أبدت بعض دول الجنوب العالمي اهتماماً حقيقياً بكيفية معالجة هذه القضايا على المستوى الوطني وكيفية مدها بالموارد اللازمة، وكان هذا التحول الإيجابي انعكاساً للتدخلات الممتازة التي أدلى بها المشاركون اللاجئون بالإضافة إلى بعض رؤساء الجلسات والمتحدثين الرئيسيين.

 وعملت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على قدم وساق مسبَّقاً قبل أن يحين موعد حوار المفوض السامي بشأن الحماية في ديسمبر/كانون الأول لضمان تحقيق المساواة في الجندر في الجلسات النقاشية، وكان أهم ما في الأمر إدراج موضوع جديد في الاجتماع الرسمي على شكل طاولة مستديرة حول المساواة في الجندر، ومن الجدير بالذكر أن معظم المتحدثين في تلك الجلسة النقاشية كانوا من فئة اللاجئين بمن فيهم نساء من ميانمار والسودان بالإضافة إلى شاب سوداني يعيش لاجئاً في أوغندا، كما كان هنالك زيادة ملحوظة في تدخلات كل من دول الجنوب والشمال لزيادة الوعي بالمخاوف الجندرية ولاقتراح توصيات محددة ،وقد تبادلت المزيد من الدول الممارسات الجيدة فيما بينها لدعم استجابات أكثر فعالية لتحقيق الحماية الجندرية.

أما التحدي الحقيقي الذي يواجهنا الآن فهو تنفيذ ذلك كله على أرض الواقع إذ يجب إدراج التزامات الإعلان الصارمة تجاه النساء والفتيات في ديباجة الإطار الشامل للاستجابة للاجئين وبرنامج العمل المعني بتنفيذ الالتزامات الواردة فيه، وينبغي للاتفاق أن يصوغ الحاجات المحددة للنساء والفتيات من جهة والرجال والفتيان من الجهة الأخرى، ويجب عليه أن يدعم التحولات على أرض الواقع لمعالجة عدم المساواة في الجندر والعنف الجنسي المزمن، فهما من أهم العوائق التي تحول دون تحقيق التزامات الإعلان.

ولا بد من تضمين أصوات ومشاركات اللاجئين من النساء والرجال في كل المستويات، وينبغي تضمين إجراءات محددة لبناء المساواة في الجندر في المحاور الأربع لبرنامج عمل العقد، كما ينبغي لتلك الإجراءات أن تكون واضحة ومحددة وقابلة للتحقيق، وعليها أن تشتمل على دعم عملي للدول والجهات الفاعلة من غير الدول، وينبغي أن يكون هناك آلية مساءلة وآليات رصد مجدية للتأكد من أن الالتزامات المتعلقة بالمساواة في الجندر تتحول إلى حماية فعالة لكل اللاجئين. ويمكن للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وكل أصحاب المصلحة الرئيسيين أن يساعدوا من خلال التأكد من أن الإسهامات التي يقدمونها في عملية الاتفاق تعالج المساواة في الجندر في كل جانب من جوانب الحماية.

 

إيلين بيتاوي E.Pittaway@unsw.edu.au

بروفيسورة مشاركة

ليندا بارتولومي linda.bartolomei@unsw.edu.au

مُنظِّمة اجتماعات مشاركة، شبكة أبحاث الهجرة القسرية

جامعة نيو ساوث ويلز، أستراليا www.arts.unsw.edu.au/research/forced-migration-research-network



[i] Pittaway E, Bell C and Bartolomei L (2017) Strengthening the response to refugee women and girls in the Comprehensive Refugee Response Framework, University of New South Wales

(تعزيز الاستجابة للنساء والفتيات اللاجئات في إطار الاستجابة الشاملة للاجئين)

www.unhcr.org/595b7f344.pdf

[ii] ترأس فريق التدقيق الجندري ليندا بارتولوماي وإيلين بيتاوي وضَمَّ ممثلين عن مجتمعات اللاجئين وهم تشيري زاهاو وميليكا شيخ الدين وتينا ديكسون وأباجوك بيار وشذى الريحاوي، وحصل الفريق على دعم إضافي من تشارلون بيل وغيرالدين دوني.

[iii] فعالية على هامش النقاشات الموضوعية للعقد العالمي حول اللاجئين 2: الحماية في البحر

[iv] Bartolomei L, Dixson T, Sheikh-Eldin M, Zahau C and Pittaway, E (2017) Gender Audit Report on the Second and Third Thematic Discussion on the Global Compact on Refugees,

(تقرير التدقيق الجندري حول النقاش الموضوعي الثاني والثالث حول العقد العالمي للاجئين)

www.unhcr.org/5a251b537.pdf

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.