موازنة الحقوق بين النَّازحين والعائدين والباقين: دروس من العراق

يُنظَر إلى عودة بعض من 3.1 مليون شخص من النَّازحين داخلياً في العراق إلى أماكنهم الأصلية على أنَّها مؤشر للنجاح في أعقاب الحرب الأهلية التي دارات مؤخراً. ومع ذلك، فالوضع معقد بسبب بعض المسائل الحرجة التي تتعلق بخفض الحقوق المتنافسة وحاجات الحماية.

تسلط الإرشادات التوجيهية للحلول المستدامة للتَّهجير الضوء على ضرورة حماية حقوق النَّازحين داخلياً أينما كانوا، ومن هذه الحقوق حق العودة إلى أماكنهم الأصلية الذي يستند إلى الخيار الطوعي المبني على قرار مدروس إلى جانب توفير السلامة والكرامة. ومع أهمية هذا التأطير، كثيراً ما يغفل حقوق الذين عادوا بالفعل وحاجاتهم و/أو الذين ما زالوا في نزوحهم خاصةً إذا ما كانت العودة الخيار الوحيد لمشكلة النُّزوح.

وهذا هو الوضع في العراق، فقد منحت الحكومة وأصحاب المصلحة المعنيون الدوليون الأولوية لهذا التأطير باعتباره مفتاح النجاح في أعقاب النِّزاع الذي نشب بين الحكومة العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية، وقد يغفل هذا التأطير حقيقة أنَّ العودة عملية مستمرة قد تستغرق سنوات إن لم يكن عقوداً لتكتمل، مثلها في ذلك مثل أي حل آخر من الحلول المستدامة. وأخيراً، قد يغفل هذا التأطير أيضاً عن استحالة العودة في بيئات ما بعد النّزاع إلى الحالة السابقة من الناحية العملية، كما لا يمكن اعتباره حلاً حسب المنظور الحقوقي لأنَّ السياق ربما كان غير عادلٍ قبل النِّزاع وربما ساهم بالفعل في أول تهجير قسري.

ولا يوجد على ذلك دليل أوضح من المجتمعات الموجودة في النصف الشمالي من محافظة نينوى في العراق، إذ تسود العشائرية على هيكلها الاجتماعي، وقد عانت المحافظة من قبل كثيراً من النُّزوح القسري، وضعف البنية التحتية، وقصور في توفير الخدمات العامة وإهمال عام من ناحية التنمية. وتضم نينوى المناطق الريفية متعددة الأعراق التي أصحبت ضمن المناطق المتنازع عليها بين السلطات الاتحادية والكردية، وتحيط بمدينة الموصل الواقعة شمال نينوى وهي من أكثر المناطق تعرضاً لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية في 2014، بل ازدادت سوءاً في بعض الأحيان بتصارع مناطق مجاورة وقرى بأكملها، وكان وصول قوات تنظيم الدولة الإسلامية وإجلاؤها في عام 2015 سبباً في ظهور موجات جديدة من النُّزوح والعودة، وما زالت التوترات والانقسامات قائمة بين كل من المجموعات التي أقامت أو نزحت لفترة قصيرة وبين العائدين من جهة، وبين هذه الفئات السكانية والفئات التي ما زالت نازحة من جهة أخرى.

وفي الوقت الذي بدأت حركات العودة إلى المنطقة شيئاً فشيئاً، كانت النَّزاعات التي تنشب بين السلطات العراقية والكردية وعدم وجود سياسة رسمية للحلول المستدامة التي تتجاوز مجرد التركيز على العودة سبباً في جعل هذه المجتمعات في مأزق إزاء تحديد من يستطيع العودة ومن لا يستطيع ذلك، ويثير العمل الميداني الذي أُجرِيَ في عام 2017 المخاوف الرئيسية التي ينبغي للسلطات العراقية وأصحاب المصلحة المعنيين الدوليين التصدي لها إذا استمروا في انتهاج سياسة التي ترتكز إلى العودة.

حركات العودة في غياب الاستراتيجية

هناك معايير دولية تخص حماية حقوق النَّازحين داخلياً، لكنَّه من المهم أيضاً الانتباه إلى أنَّ النَّازحين داخلياً الذين عادوا بالفعل قد تكون لديهم همومهم الخاصة بالحماية أيضاً، وقد تكون لديهم تظلمات ضد أناس لم يعودوا بعد، وهذا ما حدث في شمال نينوى وفي معظم مناطق العراق التي تأثرت بالنِّزاع مع تنظيم الدولة الإسلامية، فكانت كثير من الجماعات تطلق وسماً جماعياً للأشخاص الذين ما زالوا نازحين على أنَّ عدم عودتهم تعني أنهم مرتبطون بالجماعة المسلحة. وبالفعل، ارتكب العائدون وقوات الأمن التي أخرجت الجماعة المسلحة أعمالاً انتقامية ضد كل من نُظِرَ إليه على أنَّه مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية (وضد ممتلكاتهم)، وعند اعتماد سياسة تضع أولوياتها على حركات العودة دون أن تلقي بالاً للتظلمات التي يدعيها الأشخاص الذين ما زالوا نازحين، بغض النظر عن صحة ادعاءاتهم، ضد من يُفتَرَض أن يستقبلوهم بالترحاب، فهذا يعني أنّ الباب مفتوح لبدء نزاع جديد، خاصة في جو الغموض الذي يحيط بعملية العودة كلها. وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي عمليات العودة بهذه الطريقة إلى تفاقم المطالبات التنافسية بخصوص حقوق الأرض ما لم تُتَّخّذ خطوات مهمة لضمان التحكيم أو استعادة الحالة السابقة للأوضاع بطريقة مناسبة، أو التعويض.

"أحد أهم الأمور لتحقيق السلام هنا أن تمنع الحكومة عودة العرب والعيش مرة أخرى في مناطقنا لأنَّهم السبب الرئيسي وراء وصول قوات تنظيم الدولة الإسلامية إلى هذه المناطق؛ لقد خانونا." (نازح يزيدي)

"إذا لم يرغب الآخرون في عودتنا، فعلى الحكومة حينئذٍ الفصل في هذا الأمر وتقرير مصيرنا، فنحن نريد العودة." (نازح عربي سُنّي)

وأخيراً، من الجدير بالملاحظة أنَّه حتى في المناطق التي يغلب عليها الطابع العشائري وتكون السيادة الرسمية للقانون ثانوية مقارنةً بالتحكيم العشائري، فإن الانقسامات في النسيج الاجتماعي كبيرة جداً لدرجة لا تستطيع القيادة العشائرية معالجتها، ويمكن للدعوة إلى إشراك الحكومة الاتحادية والقضاء أن تمهد الطريق أمام مزيد من التعاون والتنسيق بين العشائر ومن ثم التخلص من النظم القانونية الموازية شيئاً فشيئاً.

"ينبغي للحكومة إيجاد حلول لهذه المشكلات بمساعدة زعماء القبائل وفئة المثقفين، لماذا الحكومة؟ لأنَّ الحكومة لديها آليات لحل المشكلات أكثر من الأشخاص العاديين... يجب أن تسود الثقة بين الناس." (أحد العائدين اليزيديين)

وينبغي للحكومة الاتحادية وأصحاب المصلحة المعنيين إعطاء الأولوية لتطوير خطة عملية لعمليات العودة بعيداً عن التدابير الاعتباطية المتغيرة والمخصصة لهذا الغرض، فكيفية عودة الناس لا تقل أهمية عن عودتهم أو عدم عودتهم.

التوصيات

ينبغي أن ترتكز استراتيجية العودة على فهم جميع حاجات الضحايا للتصدي للمعاناة (السابقة والحالية) مع الانتباه إلى جميع مرتكبي الانتهاكات، وتسعى العشائر والمجتمعات المحلية إلى إحداث تدخلات رسمية للمساعدة في حل المسائل المتعلقة بالعودة، وتُعدُّ هذه المساعي فرصة للربط بين العمليات العشائرية والرسمية، وفي حين أنَّ اعتزام العراق والولايات المتحدة في قرارهما الأخير على وضع آليات للمساءلة بشأن جرائم تنظيم الدولة الإسلامية يُعدُّ بداية مهمة لكنَّه من الجدير بالملاحظة أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية ليس المرتكب الوحيد لجميع الانتهاكات في هذا السياق وأنَّ التظلمات واسعة النطاق، ومن الضروري أيضاً إدراك عدم كفاية إجراءات العدالة الجنائية وأنَّه يجب أيضاً انتهاج مقاربات أخرى مثل جبر الضرر، وتقصي الحقائق، وإصلاح المؤسسات.

كما ينبغي أن تتسم العملية التي من خلالها يخضع الأشخاص المزمع عودتهم للفحص والتمحيص بالشفافية والوضوح حتى يتسنى للمجتمعات فهم المعايير المتبعة من جميع جوانبها وذلك لتمكين النَّازحين داخلياً من العودة.

ويتصل بذلك أيضاً المعايير الواضحة بشأن الانتماء أو الانتساب إلى تنظيم الدولة الإسلامية والعقوبات التي ستصدر بحق من ينتمي إليها وفقاً لدرجة الانتماء، إذ ينبغي أن تكون هذه المعايير واضحة وأن تتشاركها المجتمعات، وسوف يساعد ذلك في تحريك المجتمعات بعيداً عن وسم الناس بصفات معينة أو إصدار عقوباتها على العائدين.

وأخيراً، فالأمر المهم الذي ينبغي تحقيقه هو العمل على توسعة نطاق برامج التماسك الاجتماعي وبناء السلام التي تحدث حاليا في المجتمعات التي عادت بالفعل لتشتمل على الأشخاص الذين ما زالوا نازحين قبل حدوث أي عمليات عودة أخرى، كل هذا من أجل إعداد المجموعتين كلتيهما للعيش معاً مرة أخرى، وللمساعدة في صياغة العمليات التي من شأنها تخفيف حدة النِّزاع والتوتر، ومعالجة التظلمات الحالية والسابقة.

 

ناديا صِدِّيقِي nadia@social-inquiry.org

باحثة، الاستقصاء الاجتماعي (Social Inquiry)

https://social-inquiry.org @inquiry_org

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.