مشاركة البيانات الحساسة المتعلقة بالمهجَّرين

هل يمكن لنظام أساسي على الانترنت (web-platform) ومخصص لمشاركة المعلومات الديمغرافية الحساسة المتعلقة بالمهجرين أن يحسّن من الاستجابة وتقديم الخدمات؟

خلال العقد الماضي، أدى تطوير البرمجيات المبتكرة وإتاحة النفاذ النسبي إليها إلى تسارع نمو عدد متنوع من الأدوات المستخدمة في إنشاء بيانات الوقت الحقيقي (real-time) وتحليلها وعرضها بصرياً واستخدامها لغايات الاستجابة الإنسانية. وقد استخدمت منظمة "إنترسوس" (INTERSOS)[1] غير الحكومية الإيطالية نظماً أساسية على الانترنت لنظام المعلومات الجغرافية (Geographic Information System) وذلك بهدف المساعدة على تصنيف وتعقب تحركات السكان وحاجاتهم. وبدأت المنظمة نشر بيانات الإسناد الجغرافي ( (geo-referencing[2] المتعلقة بالسكان المهجرين عام ٢٠٠٥. ثم جُمِعت البيانات حول الفئات السكانية المتأثرة في دارفور، ومن ثمَّ في جارتها التشاد ثم نُشرت على نظام أساسي بنظام المعلومات الجغرافية.

وجُمع أكبر قدر من المعلومات المطلوبة حول تركيبة الفئات السكانية من اللاجئين بما في ذلك التقديرات السكانية التاريخية والحالية، والخلفيات العرقية وتنقلات تلك الفئات، والبيانات القطاعية حول كل من الصحة والتعليم والأمن والمأوى والزراعة وحقوق ملكية الأراضي، وأنماط الاستيطان (مثال ذلك: المأهولة، المهجورة، المدمرة)، وبعض المعلومات الخاصة بالأفراد المستضعفين.

ثم قُدِّمت البيانات المجموعة إلى جمهور أكبر من خلال نظم أساسية مخصصة شبه خاصة ومؤقتة على الانترنت، ونظراً لأنَّ الأدوات على الويب تسمح بتشارك المعلومات في "الوقت الحقيقي"، فقد تمكن الأفراد العاملون في مختلف الوكالات من تقديم المساعدات في تحديث المعلومات المجموعة في الوقت الحقيقي. ومع ذلك، تفاوتت درجة استفادة المنظمات غير الحكومية من هذه النظم الأساسية. فبعضها استخدمت النظام الأساسي للبيانات في حالات معينة دون مشاركة المعلومات أو دون المساهمة في النظام. أما بعض المنظمات الأخرى فقد كان استخدامها للنظام الأساسي على الإنترنت كبيراً رغم أنَّ مستوى استخدامها كان يتغير مع الوقت بتغير الشخص المسؤول عن توجيه تلك الجهود في الوكالة المعنية. لكن تلك الأدوات، إن استُخدمت على نطاق أوسع على أرض الميدان، فستمكِّن، من خلال التعاون، من تحسين مستوى الاستجابة والتنسيق بين الوكالات. ذلك أنَّ استخدام الأدوات المذكورة يساعد في التغلب على تكرار العمل والتقييمات.

ثم عملت منظمة إنترسوس، على ضوء تجربتها في دارفور وتشاد، على توسيع نطاق استخدام الأنظمة الأساسية على الانترنت الخاصة بنظم المعلومات الجغرافية، بحيث تشتمل على مشاريع أخرى. فقد أعادت تصميم تلك النظم الأساسية بما يلبي الحاجات المعينة للسكان المتأثرين، وقدمت بعض الفئات والعروض المرئية المناسبة حسب السياق. ومثال ذلك ما فعلته المنظمة في دارفور وتشاد حيث جعلت "القرية" وحدة التحليل وقدمت مقياساً جغرافياً كبيراً. وفي المقابل، تكونت وحدة التحليل في اليمن من الفرد والمنزل، في حين اقتصرت التغطية الجغرافية على مخيم واحد ومنطقتين حضريتين.

في جميع النظم الأساسية للمعلومات الجغرافية على الويب والخاصة بمنظمة إنترسوس، بمقدور المستخدمين النفاذ إلى البيانات بأربعة طرق مختلفة:

  • كالخرائط الموضوعية المصممة والمخصصة التي يحددها المستخدم (منها على سبيل المثال: وجود النازحين داخلياً أو غيابهم، نقاط توزيع المياه، المدارس، وغيرها)،
  • كالقوائم، والإحصاءات، والجداول التي تُنشؤها قاعدة البيانات بناء على طلب من المستخدم،
  • ضمن جدول إلكتروني بنظام "ميكروسوفت أكسل" (Excel) قابل للتنزيل،
  • ضمن تقرير نصي (text report) قابل للتنزيل.

تمايز النفاذ إلى البيانات الحساسة

وفي سياق نفشي انعدام الأمن، يحتمل أن يكون نشر المعلومات الحساسة مصدراً للضرر على المستفيدين المعنيين ومصدراً لانتهاك خصوصيتهم أيضاً. ومن واقع خبرتنا، يُلاحَظ أنَّ المسائل المتعلقة بنشر المعلومات الحساسة مع ضمان سلامة المستجيبين وأمنهم قد شكلت تحدياً كبيراً للجهود المبذولة لاحترام المبادئ الإنسانية الأساسية. فقد تعمل منظمة ما على إحكام الرقابة على عمليات جمع المعلومات وتخزينها وتحليلها لأن تلك المنظمة قادرة على تطبيق بعض البروتوكولات اللازمة لحماية سرية المعلومات. لكنَّ مرحلة النشر التي تصاحبها مشاركة الوكالات للبيانات تنطوي على عبء إضافي يتمثل في ضمان احترام سرية المعلومات من قبل الوكالات الأخرى التي لا تخضع إلا إلى قدر بسيط أو معدوم من رقابة المنظمة.

وقد عملت إنترسوس، في إطار محاولتها التخفيف من حدة المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن، على تقييد النفاذ إلى بعض المعلومات على أنظمتها الأساسية على الانترنت. فاشترطت على جميع المستخدمين التسجيل أولاً قبل تمكينهم من النفاذ إلى الموقع. كما اشترطت على المستخدمين التعريف بأنفسهم إلى مدير نظام المعلومات الجغرافية وتقديم المعلومات اللازمة حول دورهم، وذلك كله شرط أساسي مسبَّق قبل السماح لهم بالنفاذ إلى قاعدة البيانات أو المساهمة في محتوياتها. وبعد تلك الخطوة، يأتي دور مدير نظام المعلومات الجغرافي على الانترنت في الموافقة على طلبات التسجيل ثمَّ منح المُسجَّلين الجدد كلمات السر الخاصة بهم.

وقد مكَّنت عملية التسجيل تلك من منح حق النفاذ المتمايز للبيانات حسب أنماطها. فقد أتيح لبعض الأعضاء الرئيسيين فرصة النفاذ إلى جميع المعلومات المجموعة بما فيها الأسماء والبيانات الحساسة الأخرى. ومن ضمن الأشخاص الذين حصلوا على هذا المستوى من النفاذ كل من المسؤولين ذوي المناصب الإدارية الحساسة في إنترسوس، وبعض كوادر المفوضية العليا للاجئين، وبعض المديرين المختارين من منظمات أخرى. أما في المستوى الثاني من النفاذ إلى المعلومات، فقد استثني منها المعلومات الشخصية رغم وجود قدرٍ كبير من التفاصيل خاصة فيما يتعلق بالحاجات غير الملباة والمعلومات الاقتصادية. كما أتيح في هذا المستوى النفاذ إلى معظم الهيئات في مجتمع المساعدات التي ضمت موظفين نشطين على أرض الميدان. أما المستوى الثالث والأخير فقد كان مفتوحاً أمام الأكاديميين وبعض المنظمات الأخرى التي لم تكن حاضرة، حيث مُنحوا حق النفاذ إلى المعلومات العامة المتعلقة بالسياق العام دون إمكانية الدخول إلى المعلومات الشخصية للأفراد.

ومن خلال التمايز في مستويات النفاذ إلى المعلومات، يتمكن المرء من حماية البيانات الحساسة مع قدرته في الوقت نفسه على الكشف عنها للفئات المعنية التي يعد وصولها للملفات المذكورة أمراً في غاية الأهمية. وهنا، شعرت إنترسوس أنّها تمكنت من موازنة الأمور على الوجه الصحيح ضمن هذا النظام. لكن حتى مع تمايز مستويات النفاذ، تبقى هناك بعض الأسئلة التي لا بد من الإجابة عنها: من الذي يمتلك البيانات؟  وكيف للمنظمة التي جمعت البيانات أن تضمن عدم إساءة المستخدمين لتلك البيانات؟

لقد وجدت إنترسوس صعوبة بالغة في إعطاء تنبؤات دقيقة حول الاستخدامات الممكنة للبيانات وتصنيفها وفقاً لمستويات حساسيتها. وهي تدرس الآن إمكانية أن تفرض على المستخدمين شروطاً قانونية أكثر صرامة لدى دخولهم إلى الموقع، وذلك سعياً منها إلى الحد من الاستخدامات المحتملة للبيانات من قبل الأفراد الذي يدخلون إلى النظم الأساسية على الانترنت لنظام المعلومات الجغرافي. لكن حتى لو حدث ذلك، يبقى السؤال: كيف يمكن لأي منظمة أن تضمن قدرة جميع المستخدمين الموافَق على تسجيلهم في الموقع على ضمان التخزين المأمون لبياناتهم؟  وكم من الوقت والموارد التي يجب تخصيصها لضمان احترام بعض المعايير الأمنية المحددة؟ فمن جانب، تحتاج الوكالات إلى السيطرة على الاستخدام عن طريق تقليل عدد المستخدمين المخوَّلين إلى أدنى حد ممكن. لكنها، في الجانب الآخر، تقر بالحاجة إلى التعاون، ما يعني بالضرورة الحاجة إلى تعزيز عملية نشر المعارف واستخدام الأداة. وهنا يكمن أحد التحديات المستقبلية الرئيسية وهو التعامل مع تلك المخاوف الأمنية في الأوضاع التشغيلية الصعبة أو الحساسة سياسياً.

نوعية البيانات

عندما تكون البيانات غير دقيقة، أو متناقضة، أو ناقصة، فإن ذلك يؤدي إلى عواقب سلبية على كل من السكان المتأثرين والوكالات الإنسانية على حد سواء. وفي حين أنَّه من المستحيل ضمان الموثوقية الكاملة لجميع البيانات، تبقى المنظمة غير الحكومية قادرة على توفير البيانات المفصلة حول الكيفية التي جُمعت بها البيانات، وبذلك يصبح بالإمكان تحديد مستوى الثقة بتلك البيانات.

وذلك يعني أن على المنظمات العاملة في هذا المجال توضيح كيفية جمعها وترميزها لبياناتها وذلك لتفصّل الخيارات الصعبة أحياناً التي ربما كان عليها اتخاذها. ومن هنا تبرز الأهمية الكبرى لإنشاء كتاب إرشادي للترميز أو، على الأقل، إعداد توضيح مفصل حول عملية جمع البيانات وترميزها، رغم أنَّ لك لا يخلو من تحديات في بيئة العمل التعاوني. تسمح أنترسوس للمستخدمين المسجلين بمن فيهم المستخدمين التابعين للوكالات الأخرى بتحميل المعلومات والتحديثات، كالحاجات المحددة أو عملية تركيب نقطة جديدة لتوزيع الماء على سبيل المثال، إلى النظام.  وبتلك الطريقة، كانت إنترسوس تسعى إلى رفع مستوى موثوقية المعلومات حيث إنَّها لن تنشر سوى المعلومات التي يعتبرها الفريق المسؤول عن تصنيف المعلومات كأنها معلومات يمكن الاعتماد عليها. ولا بد من إيلاء الاهتمام اللازم إلى المنهجية المتبعة وتحديدها للتمكن من التحقق من مستوى موثوقية المعلومات.

فعالية الأداء وكفاءتها

نحن نسعى إلى ضمان ألا تصبح التكنولوجيا غاية في حد ذاتها بل وسيلة في تحقيق غاية أكبر. ومع ذلك علينا أن ندرك وجود مجموعتين من التحديات أمام تحقيق هذا الهدف.

تتمثل المجموعة الأولى من التحديات بالجانب الفني. فلضمان تحقيق أوسع نطاق ممكن من استخدام الأداة، ينبغي لنا إيلاء الاهتمام اللازم بمستوى كفاءة بنية تقنية المعلومات والاتصال بالانترنت منذ مرحلة التصميم. ولا بد من بذل الجهد الدؤوب لرفع الوعي وتوفير التدريب الأساسي على استخدام الأداة ضمن المنظمة وبين المنظمات على حد سواء. وبما أنَّ أوضاع الطوارئ تنطوي على مستوى عال من دوران الكوادر الإنسانية، لا بد من توفير التدريب الدوري للموظفين الجدد على تلك الأداة.

ومن أهم المزايا المفيدة لأداة موجودة على الويب أنَّها تتيح القدرة على رصد عدد الزيارات وتكرارها ونوع البيانات التي تُحمَّل من الموقع بالإضافة إلى نوع المستخدمين. وتلك الميزة تفضي إلى فائدة أخرى تتمثل في إمكانية تحديث النظام نفسه. كما يمكن استغلال معرفة أكثر الاستفسارات شيوعاً في النظام في إنشاء أدوات جديدة تحقق عدداً أكبر من الوظائف، بالإضافة إلى تحديث منهجيات جمع البيانات. وهنا لا بد من الانتباه إلى أنَّ رصد استخدام النظام الرئيسي الجديد عملية مستمرة لا تنتهي بل تتطلب بذل العناية الدائمة والمستمرة.

أما مجموعة التحديات الأخرى فهي تحديات بنيوية تتعلق بمجال التنسيق بين الوكالات. ففي دارفور، توصلت إنترسوس ومجلس اللاجئين الدانمركي إلى تحقيق مستوى قوي من التعاون بينهما في مجال جمع المعلومات الخاصة بتنقلات السكان اعتماداً على نظام أساسي لنظم المعلومات الجغرافية على الانترنت. في حين أنَّ بعض الوكالات الأخرى، وإن ساهمت ببعض التحديثات للنظام، بقيت في أغلب الأحيان مستخدمة غير نشطة للأداة. وبالمقابل، هناك مجموعة أخرى من الوكالات التي طوّرت أدوات مستقلة دون دمجها بالنظم الأساسية لإنترسوس. وليست هذه الحالة حكراً على دارفور وحدها، بل يلاحظ أنَّ تكرار العمل وغياب التكامل مشكلة مستمرة، يرافقها في الوقت نفسه وجود حاجة ماسة إلى التشارك في البيانات والأدوات. لقد حان الوقت بالفعل لإجراء الحوار حول مشكلتي تكرار العمل وهدر الجهود.

بعد تحديد الحاجة، تأتي الخطوة التالية وهي التعاون والاستجابة. وهذه الخطوة ستتمثل أكثر من أي وقت مضى بمشاركة المعلومات التي تجمعها الوكالات المختلفة من خلال النظام الأساسي على الانترنت لنظم المعلومات الجغرافية. وإننا نحث جميع الفاعلين المهمين في هذا المجال إلى الاستمرار في البحث في هذه المسألة، بل نحن نعتقد أنَّ هؤلاء الفاعلين سيكتشفون أنَّ هذا النوع من التعاون والتشارك في البيانات كما أوضحناه في هذه المقالة سيحسن من نصيب المهجَّرين بتحسين المساعدة الإنسانية المقدمة لهم.

بريسكا بينيللي (prisca.benelli@tufts.edu) مرشحة للحصول على درجة الدكتوراه من كلية القانون والدبلوماسية، جامعة توفتس. عملت مديرة للبرامج في إنترسوس في دارفور خلال عامي ٢٠٠٨-٢٠٠٩. 

أليساندرو غارينو (alessandro.guarino@intersos.org) رئيس بعثة إنترسوس إلى اليمن. عمل مسؤولاً للدعم الفني في مشروعات تقنية المعلومات في إنترسوس بين عامي ٢٠٠٦-٢٠١٠.

جين زيمكي (jen@crisismappers.net) مؤسس مشارك ل"الشبكة الدولية للمخططين في أوقات النزاع" (International Network of Crisis Mappers)، وأستاذ مساعد في جامعة جون كارول، وأستاذ زميل في قسم التخطيط في حالات النزاع والإنذار المبكر في "مبادرة هارفرد الإنسانية" (Harvard Humanitarian Initiative).



[2] تحديد موقع شيء ما من خلال استخدام الخارطة أو الإحداثيات

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.