استخدام التكنولوجيا في إنقاذ الأمهات والأطفال حديثي الولادة

في عام ٢٠١٠، أجرت اللجنة النسائية للاجئين بحثاً للوقوف على أسباب بقاء تنفيذ التدخلات الصحية الخاصة بالأمهات في الأوضاع الإنسانية دون المستوى المطلوب. كما سعى ذلك البحث أيضاً إلى رسم خارطة تحدد الشخصيات والقيم والمواقف لدى عمال صحة الأمهات وكذلك التحديات الخاصة التي يواجهونها في توفير خدمات الأمهات أثناء النزاعات، ولوضع الاستراتيجيات اللازمة لتسهيل التغيير السلوكي بين الممارسين لتوفير الخدمات الصحية للأمهات بمستوى أعلى من الجودة.                                               

وتشير النتائج الرئيسية للبحث أنَّه رغم قوة وتوافر السياسة والإرشادات العالمية لصحة الأمهات في البيئات المتأثرة بالنزاع، يكمن الإخفاق في تطبيقها. وقد كشف البحث عن وجود إجماع عام بأنَّ حملات صحة الأمهات لم تكن تصل إلى الميدان بما هو مطلوب وأنَّه كلما زادت المسافات في الميدان، انخفضت احتمالية مصادفة الممارس لحملات صحة الأمهات ومنتجاتها.

ومن الأفكار الشائعة التي ظهرت الحاجة إلى "الدعاة السبّاقون لصحة الأمهات" في المنظمات الإنسانية خاصة على المستوى الذي تقدم فيه الخدمات، للاستمرار في رفع الوعي بين مقدمي الخدمات وتمكينهم في مجال الرعاية الهادفة إلى إنقاذ حياة الناس التي يمكنهم أن يؤدوها وينبغي لهم أن يؤدوها. كما بيّن البحث أنَّ الممارسين غالباً ما يعملون في فراغ نسبي، في بيئة لا تقدم كثيراً من التفاعل بين النظراء أو دعمهم أو الإقرار بدورهم. ومع ذلك، كشف البحث عن مسألة مهمة حيث ذكر المستجيبون أنَّهم كانوا يستخدمون الإنترنت والهواتف النقالة مرة واحدة على الأقل في اليوم، بالإضافة إلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" (Facebook)، كما كانوا يستخدمون الرسائل النصية القصيرة خاصة أثناء عملهم الميداني.

نظام أساسي لفيسبوك

استجابة للنتائج التي توصل إليها البحث، أنشأت اللجنة النسائية للاجئين وشريكتها "التسويق من أجل التنمية الدولية" (وهي شركة فنلندية للاتصالات) صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان "ماما" (Mama) مستفيدة من شعبية الموقع المذكور بين المستجينين في البحث.  وقد أصبحت مبادرة "ماما" رائدة في تحقيق الترابط بين موقع فيسبوك وخدمة الرسائل النصية القصيرة التي تعد من العوامل الحاسمة للممارسين الموجودين في عمق الميدان ولا يستطيعون النفاذ بانتظام إلى الإنترنت. وبفضل الإمكانات الجديدة التي يقدمها موقع فيسبوك في جَمعِ القياسات الكمية والنوعية، تعمل شبكة "ماما" أيضاً على دمج التطبيقات لقياس التغيرات بين الأعضاء في الممارسة العيادية المبلغ عنها مع مرور الوقت. ويكتسب ذلك الأمر أهمية خاصة لأنه يمكَّن اللجنة النسائية للاجئين من رصد فعالية المنهج المتبع في الوصول إلى الممارسين وتسهيل التغير السلوكي.

أما الغاية القصوى لصفحة "ماما" فتتمثل في تقديم المساعدة للممارسين على تشكيل مجتمع لتقديم الدعم المتبادل ولتبادل المعلومات حول المعايير والأدوات والتكنولوجيات القائمة، التي ثبت نجاحها، وتشجيع استخدامها.

وتحقيقاً لذلك الغرض، تطلب صفحة "ماما" إلى الممارسين الميدانيين تعريف أنفسهم، كما تطلب إلى المنظمات الإنسانية تسمية بعض أعضائها من الممارسين الصحيين ليكونوا "الدعاة السبّاقون لصحة الأمهات في البيئات المتأثرة بالنزاع." بعدها، لا بد لهؤلاء "الدعاة" من أن يشعروا أنهم جزء من مجتمع أكبر يضم نظراء لهم يعملون جنباً إلى جنب في ابتكار الحلول. كما تتيح شبكة "ماما" الفرص لأعضائها في تقديم دعم للنظراء، وتتيح للممارسين أيضاً أحدث الأدوات والمعلومات والإرشادات المتعلقة بميدانهم وبصورة ملائمة. أما عتبة المشاركة فتسعى الصفحة لجعلها في أخفض درجة ممكنة عن طريق الاقتصار على استخدام المصطلحات والتكنولوجيات الأساسية المناسبة لتشجيع الأعضاء على الانضمام إليها. والهدف النهائي من ذلك بناء نظام أساسي للتواصل بعيد المدى يمكَّن الممارسين من التعلم وصقل مهاراتهم وإنشاء شبكة للدعم وتبادل المعلومات على مدى الأعوام القادمة.

تطبق صفحة "ماما" البرامج التطبيقية التالية:

  • الاختبار المسبق لـ"حزمة الخدمات الدنيا الأولية"

عندما ينضم العضو الجديد إلى صفحة مجتمع "ماما" على موقع فيسبوك   (www.facebook.com/mama.wrc) يُعرض عليه الإجابة على اختبار قصير مصمم للتوعية بالأهمية الكبيرة لـ"حزمة الخدمات الدنيا الأولية" (MISP)[1] وللتأكيد على دورها الكبير المُثبت في البيئات المتأثرة بالنزاع. وبعد إتمام ذلك الاختبار، يحال الأعضاء إلى دورة تدريبية عن بعد تُقدم من خلال الإنترنت ويمكن للأعضاء الحصول على شهادة باجتياز الدورة المذكورة.

  • مسح التقييم الذاتي

يُطلب إلى الأعضاء فور الانضمام إكمال مسح للتقييم الذاتي الذي يمكِّن كل مشارك من تقصي نقاط قوته ومدى معرفته بحزمة الخدمات الدنيا الأساسية والتكنولوجيات القائمة والتعرف إلى المهارات التي يجب عليه تعلمها. ثم تُجمع المعلومات وتُعرض من خلال "بروفايل المهارات" المرئي وسهل القراءة الذي يركز على الجوانب التي يجب على الممارس تطوير نفسه فيها، كما يحدد للعضو المجالات التي يمكن له الاستفادة منها في مجتمع "ماما".

  • الخبرات الميدانية

من خلال تطبيق "الخبرات الميدانية والدروس المستفادة" (Field Experiences and Lessons Learned) يُشجَّع الأعضاء على مشاركة بعضهم بعضاً بخبراتهم السابقة الناجحة منها والفاشلة في مجال ممارسته. ويُشجَّع الأعضاء أيضاً على نشر لقطات الفيديو والصور التي تخصهم بالإضافة إلى قصص ممارساتهم الموجزة. وفي هذه الحالة، يشار إلى اسم مقدم تلك المشاركات على "الحائط" العام في صفحة "ماما" على فيسبوك ثم يُشجع الخوض في النقاشات وتشارك الأمثلة. كما يُمنح المشاركون توجيهاً حول الإرشادات الأخلاقية لمثل تلك القضايا بغية الحفاظ على السرية.

  • "الشارات" الرقمية

تتيح صفحة "ماما" أمام المشاركين فرصة لكسب "شارات" رقمية إقراراً منها بالتحصيل الذي حققه العضو في مجالات عدة كالتفاعل، ومشاركة الممارسات المثلى، والجلوس إلى الاختبار المسبق لحزمة الخدمات الدنيا الأساسية.

  • الرسائل النصية القصيرة

بإمكان الممارسين الموجودين في بيئات عمل ميدانية نائية إرسال أسئلتهم أو تعليقاتهم عبر "خدمة ماما للرسائل النصية القصيرة" (Mama SMS)، وفي هذه الحالة، تُنشر الرسائل تلقائياً على صفحة "ماما" على فيسبوك، ويمكن بعدها للأعضاء الآخرين إرسال أجوبتهم على تلك الرسائل. ثم يصوّت أعضاء مجتمع "ماما" على الإجابة الأفضل. وبعد اختيار ما لا يقل عن ثلاثة أعضاء لإجابة معينة على أنها الإجابة الأفضل، تُرسل الإجابة إلى المشارك الأصلي. (لكن لا بد من ملاحظة أنَّ خدمة "ماما" للرسائل القصيرة ليست من نظم الإجابة السريعة، ويجب ألا تُستخدم في حالات الطوارئ الصحية). 

تساعد خدمة الرسائل النصية القصيرة على ضمان إمكانية مشاركة الأعضاء حتى لو كانوا في مواقع نائية. وتُخزَّن الرسائل والتعليقات جميعها على حائط صفحة "ماما" على فيسبوك، علماً أنَّ هذه هي المرة الأولى التي تُدمج فيها خدمة الرسائل النصية القصيرة بموقع فيسبوك.

  • عداد الأشخاص الذين أُنقذت حياتهم

تستخدم صفحة "ماما" عداداً اسمه "عداد الأشخاص الذين أُنقذت حياتهم" (Lives Saved Counter) يمكن للأعضاء من خلاله تسجيل عدد النساء والفتيات وحديثي الولادة الذين ساعد الأعضاء في إنقاذ حياتهم نتيجة تدخلاتهم القائمة على الأدلة وإضافة إلى النشاطات الأخرى التي أدوها في إنقاذ حياة النساء أثناء الحمل والولادة. وتلك طريقة من طرق الإقرار والاحتفاء بالطرق الناجعة بدلاً من الاكتفاء بالممارسة الاعتيادية المتمثلة بتسجيل حالات الوفيات. وبهذه الطريقة، يساعد التطبيق أيضاً على تحديد البيانات المتعلقة بالطرق المتبعة والاتجاهات المجتمعية العامة، وهي بدورها معلومات تتم إعادة ذكرها في صفحة مجتمع "ماما".

  • المدربون

تدعو صفحة "ماما" الخبراء الميدانيين والدعاة السبّاقين لصحة الأمهات كل شهر إلى مشاركة الأعضاء معارفهم وخبراتهم حول موضوعات محددة بصفتهم "مدربو صفحة ماما" بحيث يقدمون المعلومات الفنية، والمشورة المفيدة في التطوير المهني، ويذكرون كلمات داعمة ومشجعة للشبكة. ويثير قسم "مدربو صفحة ماما" عدداً من النقاشات المخصصة حول موضوعات معينة مع التركيز على عملهم وتجاربهم الفريدة والقيِّمة.

  • المراقب

يوجد في الشبكة مراقبون مهمتهم ضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية في نشر الموضوعات، كما يبلغون الأعضاء بأسماء المدربين القادمين وموضوعات النقاش (التي يقررها المراقب)، ويعلنون عن الحلقات التدريبية، والمؤتمرات والتحديثات ذات الصلة بالميدان، ويسلطون الضوء على المساهمات المبنية على دراسات الحالات ويشجعون النقاش. كما يبرز المراقب المساهمات الميدانية ويشجعونها لما لها من دور في تعزيز القاعدة المعرفية وتطويرها في صفحة "ماما".

أطلقت الشبكة حملة "ماما: معاً نحو ولادات آمنة وقت الأزمات" في ٢١ أبريل/نيسان ٢٠١١. وفي تاريخ نشر هذه المقالة، بدأت الفكرة تترسخ لدى المكاتب الرئيسية، والمنظمات الدولية وغيرها من المنظمات المحلية المختلفة الراعية لصحة الأمهات. ويلاحظ على وجه الخصوص في الأسابيع الأربعة الأولى بعد إطلاق الحملة أنَّ صفحة "ماما" تخطت هدفها الرقمي المحدد بالخمسمائة مستخدم حيث بلغ عددهم ٦٤١ عضواً وتخطت أيضاً ١٤٠٠٠ مشاهدة للرسائل المنشورة فيها. وحالياً، يبلغ قوام  "ماما" قرابة ٧٥٠ عضواً كما سجلت أكثر من ٨٣٠٠٠ مشاهدة لموضوعاتها المنشورة. ومع ذلك، يبقى على الصفحة اجتياز المرحلة الثانية والأكثر أهمية وهي الوصول إلى الممارسين الميدانيين. وتحقيقاً لهذا الغرض، ستستخدم الصفحة مختلف الشبكات والمؤتمرات والتدريبات الميدانية خلال العام القادم.

وسائل الإعلام الاجتماعية ومخاطرها

تتميز وسائل الإعلام الاجتماعية في طبيعتها بالاعتماد الكبير على المشاركين في تطوير المحتويات والمشاركة في النقاشات والتشارك بها. فهذه التكنولوجيات الحديثة توفر إمكانات جديدة لوضع النقاش بيد المشاركين لضمان تمكينهم بل قيادتهم أيضاً في النقاشات الدائرة في مجالات اختصاصهم المختلفة.

ومع أنَّ ذلك كله يعد تطوراً مثيراً للاهتمام، فإنَّ نشر المواد المختلفة على صفحات الفيسبوك يثير بعض المخاوف إزاء الخصوصية وملكية المعلومات. فحيث إنَّه يمكن قراءة صفحة "ماما" كما لو كانت موقعاً عاماً على الإنترنت دون أي قيود على المشاهدين، من المهم توخي الحرص والحذر والتمسك بالمعايير الأخلاقية عند نشر المشاركات على الموقع. ويجب على القصص المنشورة أن تراعي مبدأ السرية، ولنشر الصور ينبغي الحصول على الموافقة من الأطراف المعنية. وهنا، تناشد اللجنة النسائية للاجئين المستخدمين التمسكَ بمبادئ المسائلة والإرشادات الخلقية، علماً أنَّ الإرشادات والاقتراحات تلك متوافرة ويُواصل تطويرها. وتحتفظ صفحة "ماما" بحقها في إزالة أي مشاركة تعدها غير ملائمة.

هناك قضايا أخرى لا بد من أخذها في الاعتبار أيضاً تتمثل في ملكية البيانات والمعلومات. فالحائط المخصص لصفحة "ماما" يملكه ويستضيفه موقع فيسبوك. ومن جهة أخرى، تقع التطبيقات المحوسبة التي تستخدمها "ماما" (والمدرجة إلى يسار الجدار) ضمن ملكية اللجنة النسائية للاجئين، وتستضيف تلك التطبيقات على عدة خوادم خارج موقع فيسبوك. ولذلك، يُشجع المستخدمون على مشاركة قصصهم وصورهم وخبراتهم من خلال تلك التطبيقات التي صممت خصيصاً للحفاظ على ملكية البيانات بدلاً من نشرها على الحائط. ولا يجوز بأي صورة كانت استخدام المعلومات المحمَّلة على صفحتي "الخبرات الميدانية" و"مدربو ماما" سواء كانت نصوصاً أم صوراً من قبل فيسبوك. كما تعمل اللجنة النسائية للاجئين على تطوير دليل إرشادي للمساعدة على فهم إعدادات الخصوصية لضمان فهم المستخدمين لكامل نقاط القوة والمخاطر التي ينطوي عليها استخدام مثل هذه التكنولوجيات.

وخلال عملية تطوير مبادرة "ماما" المستمرة، سيقتصر استخدام البيانات التي تأتيها من خلال موقع فيسبوك على رصد مدى كفاءة الوصول إلى الجمهور المستهدف وذلك لتطوير المشروع. ونتوقع أن تحقق بعض تطبيقات "ماما" نجاحاً أكبر من غيرها ونتطلع إلى مشاركة النتائج وتحديث المبادرة.

 

ساندرا كراوس (SandraK@wrcommission.org) مديرة برنامج الصحة الإنجابية،  وديانا كويك (DianaQ@wrcommission.org) مديرة الاتصالات في اللجنة النسائية للاجئين (http://womensrefugeecommission.org)



[1] تُفصِّل "حزمة الخدمات الدنيا الأولية" الإجراءات ذات الأولوية المطلوبة لمنع الارتفاع المفرط في الوفيات بين الأمهات وحديثي الولادة، والإعاقة عند الولادة، وتخفيف احتمال نقل فيروس نقص المناعة البشرية ومنع ومعالجة تبعات العنف الجنسي بالإضافة إلى التخطيط لخدمات شاملة في مجال الصحة الإنجابية.

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.