الاتصال الهاتفي بالأهل في الوطن

مجرد الحصول على التكنولوجيا لا يحل مشكلة التواصل بين المشردين وعائلاتهم.

يعد الهاتف أهم أداة تكنولوجية لتمكين الاتصال ما بين المشردين الذين أعيد توطينهم وأفراد أسرهم وأفراد عائلاتهم. ومع ذلك فإنَّه لا يخلو من التحديات تتضمن على سبيل المثال محدودية الخيارات المتاحة لإجراء الاتصال في "الوطن" والتكاليف المادية المترتبة على ذلك.

ونظراً لندرة الدراسات التي تتناول الدور الرئيسي لتكنولوجيا الاتصالات في الحفاظ على العلاقات بين اللاجئين وأفراد العائلات المشردة في الخارج، فقد قرر باحثون من جامعة التكنولوجيا في مدينة سيدني إجراء بحث حول استخدام اللاجئين وطالبي اللجوء لتكنولوجيا الاتصالات في عدة سياقات وهي التشرد، والاحتجاز، وإعادة التوطين. ونشرت نتائج البحث عام ٢٠٠٩ في تقرير بعنوان Technology’s Refuge ("ملاذ التكنولوجيا").[1]

وفي ورشة عمل لاحقة أُقيمت لمتابعة القضية،[2] سلط اللاجئون، المدافعون عن القضية، والمنظمات الدولية غير الحكومية، وإدارات خدمات إعادة التوطين، والباحثون االضوءَ على القضايا المتعلقة بتحديات الإبقاء على الاتصال من بلدان إعادة التوطين مع أفراد العائلات المشردين: وتحديداً وضع اتصال اللاجئين المعاد توطينهم في أستراليا مع أقربائهم المشردين في أفريقيا نموذجاً. كما طرح المشاركون في ورشة العمل المذكورة عدداً من التوصيات وأفكار المشروعات رغم عدم قدرتهم في ذلك الوقت على تحديد جدواها.

وفي حين أنَّ اللاجئين المعاد توطينهم في أستراليا كانت الخيارات التكنولوجية متوافرة، إلا أن الأشخاص الذين يريدون الاتصال بهم في الوطن يعانون من محدودية النفاذ إلى تلك التكنولوجيات. وحتى بالنسبة لمن كانوا يحظون بالنفاذ إلى تكنولوجيا الاتصال فقد كانت لديهم مشكلة رداءة خطوط الاتصال الأرضي أو ضعف تغطية شبكة الهاتف المحمول، يقابلها ارتفاع التكاليف المالية المترتبة على المستخدمين في أستراليا لإجراء الاتصال. وكان الاتصال يجري بين الجهتين بعد موازنة الأمور والتفكير بأفضل الطرق المناسبة لأفراد العائلة المشردين وذويهم في أستراليا حسب توافر الإمكانات والقدرة المالية على دفع فواتير الاتصال.

وقد ذكر المشاركون في ورشة العمل أنَّ بعض الأماكن في أفريقيا تفتقر إلى تغطية الاتصالات، وحتى في الأماكن التي تتوفر فيها التغطية يلاحظ أنَّها تنقطع باستمرار، مع وجود مشكلة تداخل الخطوط التي تظهر بين حين وآخر. كما عانى بعض المستخدمين خارج البلاد من مشكلة ضعف إرسال الشبكة وعدم موثوقية خدمة مصدر تزويد الكهرباء في بلد المستقبل التي تشكل مشكلة كبيرة، رغم تفاوت حجمها من منطقة إلى أخرى. كما أنَّ النمو السكاني في بعض المناطق يُضعف من قوة الشبكة نظراً لشح الطاقة الكهربائية. عدا عن ذلك، قد يعاني بعض الأفراد من صعوبة في الحصول إلى الكهرباء لشحن هواتفهم النقالة.

مواءمة التكنولوجيا لحاجات العائلات

قد لا تخلو مساعي التوصل إلى أفضل التكنولوجيات اللازمة للاتصال لمختلف العائلات من مصاعب خاصة إذا كان أفراد العائلة مشردين، ويعود ذلك إلى بعض العوامل كتنوع خدمات الاتصال، وقدرة أفراد العائلة المادية إزاء استخدامها وما إذا كانت لديهم المهارات اللازمة لاستخدامها. وقد لاحظ أحد المشاركين أنَّ أغلب أفراد أسرته خارج البلاد كانوا مضطرين للاستعانة بالغير للنفاذ إلى تكنولوجيا الاتصال. كما ذكرت إحدى المشاركات الصعوبات التي واجهتها في الاتصال بزوجها في المخيم قائلة إنها أرسلت إليه مالاً لشراء هاتف لكنَّ الأشخاص الآخرين في المخيم كانوا يستخدمون ذلك الهاتف ما يجعلها تنتظر ساعات طويلة إلى أن تتمكن من الاتصال به.

بالنسبة للخيارات غير المكلفة كالبريد الإلكتروني، والاتصالات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت (VOIP) والتراسل الآني فقد لا تكون متوافرة أو رخيصة الثمن خاصة أنَّ النفاذ إلى الإنترنت في أفريقيا مكلف جداً. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يعرف أفراد العائلة المشردين كيفية استخدام تلك التكنولوجيات.

أما الذين أعيد توطينهم فقد كانوا يتكفلون بدفع معظم نفقات الاتصال بالأقرباء المشردين أو المقيمين في مخيمات اللاجئين، وعادة ما يكون ذلك من خلال إنشائهم للاتصال ودفعهم للأجور المترتبة عليه. لكن غيرهم كان يفضل إرسال المال لأقربائهم لإجراء الاتصال بهم في أستراليا حيث كان ذلك، في بعض الأحيان، أقل كلفة.

وكان الاتصال مع العائلة في الخارج مكلفاً بالنسبة لكثير من اللاجئين المعاد توطينهم ممن كانوا يعانون من مشكلة عدم قدرتهم على تحديد الخيارات الرخيصة والملائمة لمنطقتهم في أفريقيا وذلك عندما يجدون عدداً كبيراً من الخيارات في صناعة الاتصالات أكثر مما ينبغي ناهيك عن عدم توفر الخدمة المستمرة من قبل مزودي تلك الخدمات. واقترح المشاركون تأسيس آليات أفضل لمسائلة مزودي خدمات الهاتف المحمول وبطاقات الهاتف المدفوعة مُسبَّقاً وذلك من خلال جهة تنظيم مناسبة. وعلى وجه الخصوص، دعا المشاركون إلى وجود مراقب لخدمات بطاقات الهاتف المدفوعة مُسبَّقاً بما يضمن الحد الأدنى من الجودة.

وكانت الهواتف المحمولة أو خدمات البطاقات المدفوعة مُسبَّقاً الوسائل الأكثر شيوعاً واستخداماً لإجراء الاتصال رغم اختلافها من إقليم لآخر. وغالباً ما كان اللاجئون المعاد توطينهم يستخدمون عدداً متنوعاً من مزودي الخدمات المختلفة لكي يتمكنوا من تخفيض النفقات ثم سرعان ما يصبح من المعروف بين أفراد مجتمع أولئك اللاجئين عندما يقدم مزود الخدمة خياراً قليل الكلفة للاتصال.

كما إنه من الضروري أن يشتمل دورات التدريب لاستخدام تكنولوجيا الاتصال في مخيمات اللاجئين وبين اللاجئين المعاد توطينهم على تعليم المستخدمين الطرق التي يمكن للاجئين استخدامها للاتصال بذويهم في الخارج مقابل تكلفة أقل، ومنها على سبيل المثال التدريب على استخدام الاتصال الصوتي أو الدردشة عبر الإنترنت، علماً أنَّ قليلاً من اللاجئين حديثي القدوم إلى بلد إعادة التوطين على علم بطريقة الاستفادة من تلك التكنولوجيات.

وأشار المشاركون إلى أنَّه من المفيد توفير مصدر رسمي لتقديم المعلومات المحدَّثة حول خيارات الاتصال مع أفراد العائلات في الخارج. ويمكن الحصول على تلك المعلومات من وجهاء المجتمع المحلي، ومزودي خدمات الاتصال، ومنظمات المهاجرين التي لديها اطّلاع جيد على السوق ومعرفة تجريبية. ومثل تلك المعلومات لا بد من نشرها في مجتمعات اللاجئين عن طريق الأشخاص المناسبين في تلك المجتمعات أو عن طريق المتطوعين أو العمال.

كما يمكن السعي لإنشاء موقع على الإنترنت ترعاه شركات الاتصال الموجودة في سوق الاتصالات في أفريقيا لتوفير خيارات الاتصال للاجئين المعاد توطينهم لكي يتمكنوا من الاتصال بأفراد أسرهم وأصدقائهم.

واقترح المشاركون فكرة أخرى تتمثل في إقامة "غرفة للدردشة" على شبكة للتواصل الاجتماعي وذلك لتوفير منبر على الإنترنت يمكِّن اللاجئين من مناقشة تحديات الاتصال وتحديد الخيارات الأفضل للاتصال بعائلاتهم النازحين أو المقيمين في مخيمات اللاجئين. ومثل هذا المنبر التفاعلي على الإنترنت سيساعد اللاجئين على تجنب الوقوع ضحية الاعتماد على المعلومات القديمة غير المحدثة. لكن المشاركين لاحظوا أيضاً أنَّ نسبة محو الأمية الحاسوبية ضئيلة في المجتمعات الأفريقية ورجَّحوا أنَّ قليلاً من الناس هناك يعرفون طريقة استخدام الشبكات الاجتماعية على الإنترنت.

ومن أهم المخاوف المنتشرة بين بعض اللاجئين إمكانية تتبع الحكومات التي هربوا من اضطهادهم لمكالماتهم ورصد أماكن وجودهم ما يُصعِّب من قدرتهم على البوح عما "يشعرون به حقيقة في وجدانهم" للأصدقاء والعائلة. فهناك رقابة شديدة تُمارس على الاتصالات مع بعض الدول عدا عن أنَّ المكالمات تخضع للتنصت.

 

الخلاصة

أكد المشاركون في ورشة العمل على ملاحظة التقرير التي تفيد بأنَّ صحة اللاجئين العاطفية وقدرتهم على التوطين مرهونة إلى درجة كبيرة بإدامة شبكات الاتصال التي يستخدمونها للتواصل مع عائلاتهم وذلك لضمان أماكن وجودهم وسلامتهم. ومن العوامل الحاسمة والحيوية في الحفاظ على سلامتهم هو توفير تكنولوجيات الاتصال اللازمة لكي يتمكن اللاجئون من العثور على أفراد عائلاتهم المفقودين، والتواصل معهم، وإعلام العائلة والأصدقاء بحاجاتهم واستلام المعونات المالية.

ويمكن تسهيل تلك العملية من خلال توفير المنظمات للتوجيه اللازم حول تكنولوجيا الاتصال ومنتجاتها وخدماتها بالإضافة إلى تقديم التدريب على استخدامها. ويمكن للمنظمات تحقيق ذلك أيضاً من خلال تسهيل الشبكات غير الرسمية ضمن مجتمعات اللاجئين وبينها. كما أنَّ لصناعة الاتصالات دور في توفير التوعية للمستهلكين والمعلومات والخدمات المناسبة لهذه الشريحة من السوق.

 

ليندا ليونغ (Linda.Leung@uts.edu.au) محاضرة أولى أقدم في معهد وسائل الإعلام التفاعلية والتعلم في جامعة التكنولوجيا، سيدني. (www.iml.uts.edu.au)



[1]  Leung L, Finney Lamb C and Emrys L, Technology’s Refuge: the Use of Technology by Asylum Seekers & Refugees. 009. Sydney: UTS ePress.  ("ملاذ التكنولوجيا: استخدام التكنولوجيا من قبل طالبي اللجوء واللاجئين") . يمكن قراءة التقرير أيضاً على الموقع التالي http://utsescholarship.lib.uts.edu.au/dspace/handle/2100/928

[2]  تقرير ورشة العمل موجود على هذا الموقع www.shopfront.uts.edu.au/news/images/Refugees_and_Communication_Technology.pdf

 

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.