الإنذار المبكر للجرائم المتعلقة بالفظائع الجماعية

منذ إصدار تقرير بطرس بطرس غالي تقريره خطة السلام[1] منذ حوالي ٢٠ عاماً، ظهرت النداءات إلى الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات لتحسين آليات الإنذار المبكر لكل من الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المعقدة. فقد تلقى الإنذار المبكر لمنع الجرائم المتعلقة بالفظائع الجماعية اهتماماً أقل رغم العلاقات الواضحة مع القضايا الإنسانية مثل الاضطرابات المدنية والصراعات والنزوح الناشئ (الذي غالباً ما يكون جماعياً).

وقد عقدت منظمة أوكسفام أستراليا مؤتمراً حول "الإنذار المبكر للحماية" في كمبوديا في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٠ بالشراكة مع الوكالة الأسترالية للتنمية الدولية و"مركز آسيا والمحيط الهادئ لمسؤولية الحماية" والتحالف الدولي لمسؤولية الحماية، حيث جمع المؤتمر بين خبراء التكنولوجيا والجهات الفاعلة التابعة للأمم المتحدة والمجتمع المدني لمناقشة كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في تقليل تعرُّض المجتمعات للعنف الجماعي، بالإضافة إلى البرامج الفعّالة ميدانياً.

أيضاً، خلقت صور التكنولوجيا الحديثة فرصاً جديدة لجمع المعلومات المجتمعية وللإنذار المبكر. وإن بعض البرامج مثل "يوشاهيدي"[2] و"خريطة الشارع المفتوحة"[3]، بوصفها أدوات رسم خرائط الأزمات التي يتم فيها الاستعانة بمجموعة كبيرة من المصادر الجماهيرية، تُحدث ثورة في أسلوب جمع معلومات الأزمة وإتاحتها[4].

علاوة على ذلك، توفّر هذه الأنظمة فرصاً للسكان المتضررين أنفسهم لإطلاع بعضهم البعض والسلطات الحكومية والعالم أجمع بما يحدث بحقهم. فعلى سبيل المثال، استخدم برنامج "Uwiano  للسلام"[5] في كينيا موقع يوشاهيدي لمراقبة والاستجابة للعنف خلال الاستفتاء الكيني الذي انعقد في ٤ أغسطس/آب ٢٠١٠. وقد تضمّن البرنامج الأدوات والخصائص الإلكترونية لتعقُّب ورفع التقارير عن واستعادة الأدلة حول أحاديث الكراهية والتحريض وغير ذلك من صور العنف أو التحريض على العنف من خلال الرسائل النصية والصوتية والفيديوية. كما تم رسم خرائط الرسائل الواردة من خلال تكنولوجيا تحديد الأماكن جغرافياً. وساعدت المعلومات المجموعة برنامجَ Uwiano للسلام في إخطار الشرطة والسلطات والمجتمعات بنشوب العنف، عندها كان يمكن لمتلقي المعلومات القيام بالاستجابات المناسبة إما من خلال التجنُب أو التدخُّل.

وقد اختُبرت إمكانات التكنولوجيات الجديدة مثل رسم خرائط الأزمات لتعزيز الاستجابة الإنسانية عند حدوث النزوح عام ٢٠١١ في ليبيا.[6] ورغم أن أساليب دمج هذه الخرائط بفاعلية في الاستجابة الإنسانية لا تزال تتطور، تتضح إمكانيات التقييم المُحسّن للاحتياجات الإنسانية. لكن بعض العوائق والمخاطر التي يلزم النظر إليها بعين الاعتبار تخفف من إمكانات رسم خرائط الأزمات التي يتم فيها الاستعانة بالمصادر الجماهيرية.

أولاً، في حين أن استخدام الأنظمة القائمة على التكنولوجيا في البيئات القمعية أو حيث يُعاق استخدامها يبدو جذاباً للوهلة الأولى، إلا أنه يلزم الانتباه إلى أن التكنولوجيا ليست دائماً مأمونة، وبالتالي قد يواجه من يعملون على رفع التقارير بعض المخاطر. فمن المهم جداً وضع إستراتيجيات حماية هوية وأمن الأشخاص المشاركين في هذه الأنظمة القائمة على التكنولوجيا وضمان وعيهم بالمخاطر.

من الأمور ذات الصلة هي القلق لدى بعض الجهات الفاعلة الإنسانية بشأن مخاطر الحماية الممكنة لرسم خرائط الأزمات التي يتم فيها الاستعانة بالمصادر الجماهيرية. فعلى سبيل المثال، تتضمن تقارير المخاطر التي يقدمها السكان المتضررون أو راسمو خرائط الأزمات من المتطوعين الأماكن المحددة للجماعات التي تواجه مخاطر الهجمات، مما يزيد من خطر استهدافهم. وسيكون من المفيد تقاسُم معرفة المجتمع الإنساني حول إدارة المعلومات بصورة مراعية للحماية مع مجتمع رسم خرائط الأزمات.

ثالثاً، وفي حين ستناسب الأنظمة القائمة على التكنولوجيا الدولَ ذات توصيلية الإنترنت الواسعة مثل مصر وكينيا، فسيُطبق الحد الأدنى منها في دول مثل تيمور الشرقية نظراً لنقص تغطية الإنترنت خارج العاصمة. وحتى في الدول التي يكون بها مستوى مرتفع من التوصيلية، فسيتم استثناء الجماعات المستضعفة مثل الأشخاص النازحين داخلياً من الحصول على التكنولوجيا.

وأخيراً، فإن الأنظمة الإلكترونية هي بطبيعتها غير حصينة. ففي أوائل عام ٢٠١١، أغلقت الحكومات الشمال أفريقية شبكات التواصل الاجتماعي، وفي أغسطس/آب من نفس العام، تم إيقاف الاتصال اللاسلكي بالإنترنت في سياق الاضطرابات الاجتماعية الناشئة. الجدير بالاهتمام أنه يمكن للحكومات والجهات الفاعلة الأخرى والكوارث الطبيعية إغلاقَ قنوات الاتصال، مما يجعل الأنظمة الإلكترونية أقل قابلية للعمل أو حتى معطلَّة تماماً. وقد تكون حلول الإنذار المبكر القائمة بشكلٍ مطلقٍ على التكنولوجيا غير كافية في بعض الأحيان. حينها، سيقتضي الأمر وضع آليات احتياطية غير معتمدة على الاتصال بالإنترنت.

لقد وجد تقرير الإغاثة في حالات الكوارث 2.0، الذي بحث المساهمة التي قامت بها "المجتمعات الفنية والتطوعية" الدولية تجاه جمع المعلومات والاستجابة لحالات الكوارث في هايتي، أن هناك تواصل محدود رسمي وغير رسمي بين العمل المنجز من قِبل المجتمعات الفنية والتطوعية ونظام التنسيق الإنساني.[7] ومع اعتبار مشاركة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مع "فريق العمل الاحتياطي في ليبيا" تطوراً واعداً، فإن هناك الكثير من العمل اللازم تنفيذه لتطوير آليات التنسيق الفعّال بين مختلف الجهات الفاعلة بغية تسهيل الاستجابة الإنسانية المحسّنة.

من الإنذار إلى الحماية

يعدّ تحويل الإنذار المبكر إلى إجراء وقائي فعّال في الوقت المناسب عمليةً معقّدة ومحفوفة بالكثير من التحديات الهامة والتي يأتي من بينها وفرة المعلومات حول الظواهر المعقّدة مع المعرفة المحدودة وفهم ما تعنيه المعلومات. أيضاً تستلزم كيفية التنبؤ بأنماط السلوك التي سينتج عنها العنف المنظم التحليلَ السياقي المتطور. وتشتمل التحديات الأخرى على القضايا المتعلقة بتوقيت الإنذار، والإنذارات الكاذبة المؤدية إلى تجاهل التنبيهات المستقبلية، والعجز عن الإنذار المؤدي إلى نقص الإجراءات الوقائية. كذلك كانت الحاجة لإيجاد أساليب تعزيز القدرة المحلية على الإنذار وتلقي الإنذارات محورَ اهتمام أساسي بالمؤتمر الذي انعقد في نوفمبر/تشرين الثاني.

وعلى الرغم من كل هذه القضايا، فمن الواضح أن لمشروعات الإنذار المبكر المصممة والمُقادة مجتمعياً والقائمة على التكنولوجيا، مثل برنامج Uwiano للسلام، تأثيرها الهام، فهي توضح إمكانية دعم التكنولوجيات الجديدة للمجتمعات كي تزيد من الاحتياط للتهديدات التي تواجهها. ومن أجل تحقيق هذه الإمكانية، تظهر الحاجة للمزيد من العمل للجمع بين العديد من المجتمعات التقنية مع المستجيبين الإنسانيين والمجتمعات المتضررة لتحسين الممارسات وتخفيف المخاطر.

فيبي وين بوب (p.wynnpope@bigpond.com) هي استشاري مستقل في الشؤون الإنسانية.

للحصول على مزيد من نتائج المؤتمر والعروض التقديمية للمتحدثين، يمكنكم زيارة: www.oxfam.org.au/earlywarning



[1] تقرير الأمين العام للأمم المتحدة خطة السلام (وثائق الأمم المتحدة A/47/277–S/24111) ١٧ يونيو/حزيران ١٩٩٢

[4] تستخدم Mapkibera.org/wiki، على سبيل المثال، خريطة الشارع المفتوح، وهي أكبر منطقة عشوائية في كينيا والتي يبلغ عدد سكانها مليون شخص.

[6] انظر مقال جيفري فيلافيسيس صفحة 7

 

إخلاء مسؤولية

جميع الآراء الواردة في نشرة الهجرة القسرية لا تعكس بالضرورة آراء المحررين ولا آراء مركز دراسات اللاجئين أو جامعة أكسفورد.