يعيش في الإكوادور قرابة 135000 مهجّر كولومبي ممن فروا من ديارهم منذ عام 2000 وبذلك تعد الإكوادور أكبر مستقبل للاجئين وطالبي اللجوء في أمريكا اللاتينية. وعلى النّقيض من المدن التي تبسط فيها الدولة نفوذها القوي، يعتري الضّعف الشديد حضور الدّولة في المناطق الحدوديّة.
للإكوادور دستور تقدّمي يكفل للأجانب الحقوق الأساسيّة نفسها الممنوحة للإكوادورييّن، ومع ذلك يواجه كثير من الكولومبيّين مصاعب جمّة على أرض الواقع في الحصول على الحقوق التي يكمِّلها لهم الدستور وقانون اللّجوء الدولي. فكثير منهم واجهوا استقبالاً عدائياً لهم في بلدهم الجديد بل حتى المسؤولين المحليين المعنيين بحماية القانون والنّظام وحقوق الإنسان صدرت عنهم في بعض الأحيان مواقف وسلوكات تمييزية ضد الكولومبيين.
وبهذا الإطار، قال أحد موظفي الأمم المتحدة في إقليم إيسميرالداز الواقع في المنطقة الساحلية قرب الحدود مع كولومبيا موضحاً الحسابات السياسية التي غالبأً ما يجب على الموظفين المحلّلين إجراءها: "عندما لا تتمكن واردات الحكومة المحلية من تلبية المستويات المستهدفة فمن الطبيعي أنهم لن يكونوا قادرين على تقديم الخدمات الكافية لجميع السكان ما يدفعهم إلى إيلاء أولوياتهم للاشخاص الذين يمنحونهم أصواتهم ودعمهم السياسي أو بمعنى آخر الإكوادوريين".
والأسوأ من ذلك أنَّ المهاجرين الذين ليس لديهم وثائق رسمية تقل فرصهم للحصول على المساعدات من الدولة أو غيرها من الحلفاء المحتملين. وفي الواقع، في حين أنَّ أكبر مخاوف الكولومبيين الحاملين للوثائق الرسمية تدور حول تعرضهم للأذى من الجماعات المسلحة الخارجة على القانون وعدم حصولهم على الموارد الاقتصادية الكافية، فإنَّ المهاجرين الذين لا يمتلكون تلك الوثائق يخافون أكثر من الدولة ومن تعرضهم للاحتجاز والترحيل.
دور الشّبكات
تمثّل الحكومة دورين اثنين: فهي المنفّذ لقوانين الهجرة والتّرحيل والحامية للحقوق وهي مصدر فض النزاعات، وهذا ما يجعل المهاجرين في كثير من الأحيان يخشون طلب المساعدة من الدولة. ورداً على هذه الفجوات العملية في الحماية الأمنية التي يكفلها الدستور والتشريعات الإكوادورية، لجأ كثير من المهجَّرين الكولومبيين في الإكوادور إلى الاتصال بجهات غير رسمية والفاعلين من غير الدول للمساعدة في نفاذهم للحماية وتفاوضهم على الموارد وفض النزاعات فيما بينهم وكذلك بينهم وبين الإكوادوريين. وقد تكون شبكات العلاقات الشخصية التي يلجأ إليها المهجّرون عاملاً أساسياً لبقائهم ونجاحهم عندما تجتاحهم المخاوف أو عندما يجهلون كيفيّة حصولهم على الحقوق والموارد من الدّولة.
يكتسب وسطاء القوى المحليين والمنظّمات غير الحكوميّة نفوذهم من خلال تنظيم المهاجرين وتمثيل مصالحهم أمام الدّولة مع توفيرهم في الوقت نفسه للموارد والحماية للمهاجرين. ومن هنا فإنهم يشكّلون همزة الوصل مع الحكومة والفاعلين الدوليين وهذا ما أدى إلى بناء شبكة الحوكمة غالباً ما تكون أكثر قدرة على الاستجابة والنفاذ لغير المواطنين مما لو عُهد الأمر إلى الوكالات الحكومية وحدها. فهي قادرة على رفع فاعلية جميع أطياف الموارد الحكومية وغير الحكومية وغير الرسمية والتي تتاح من خلال شبكات حوكمة خاصة بالمهاجرين في الإكوادور. وهذا الأمر يعد عاملاً رئيسياً في نجاح الكولومبيين في الإكوداور كما تبيّنه التجربتان المتناقضتان التاليتان.
وصل إدواردو إلى كويتو عام 2009 ومعه ابنتان بعد أن توفيت زوجته إبَّان النزاع في كولومبيا. وكانت أخته قد سبقته إلى كويتو قبل ذلك بتسع سنوات. وفور وصوله، قدّمت له أخته المساعدة المبدئية من مأوى وطعام لكنها قدمت له شيئاً أهم من ذلك بكثير وهو النّصح الصحيح. وبناء على نصيحة أخته، توجه مباشرة إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين طالباً للجوء وحصل إثر ذلك على وضع اللّجوء هو وأسرته. وعلى مدار الأشهر التالية أقام علاقات مع شبكة جديدة من الأصدقاء واللاجئين الآخرين ثم سمع عن منظمات عدة تساعد اللاجئين فتوجه إليها وحصل منها على الطعام والمساعدات بشأن المصروفات المعيشية. التحق إدواردو بعدة وظائف مختلفة عثر عليها من خلال شبكاته وفي أوائل عام 2011 اختير هو وعائلته لإعادة التوطين في كندا.
وفي المقابل، وصلت ماريا إلى كويتو مع زوجها وأطفالها الثلاثة عام 2011 لكنها لم تكن تعرف شيئاً ولم تتعرف على أي شبكة مفيدة. بل كانت وأسرتها تخاف من الاتصال بأي شخص، وكانوا يتجنبون مغادرة البيت بسبب استمرار التهديدات التي تلقوها من أعضاء حركة القوات العسكرية الثورية الكولومبية الذين اعتدوا عليهم بعد مدّة وجيزة من وصولهم وما زالوا يتابعونهم. ومن الواضح أنَّ ماريا تعيش في صدمة نفسيّة بسبب تلك التجربة ولا تثق بأي أحد في مجتمعها المضيف خاصة الكولومبيين منهم لأنها لا تستطيع أن تضمن ما إذا كان هؤلاء الناس أصدقاء أم أعداء. وماريّا تخاف على أسرتها وبقائهم أمّا بحثهم عن السّلام والاستقرار فهو أمر بعيد المنال.
وعليه، إذا مثّلت المنظّمات التي تعمل بالتعاون مع الدولة (أو عوضاً عنها في بعض الأحيان) دوراً أساسياً في إطار شبكة الحوكمة في توفير الأمن البشري وبناء السّلام في مجتمعات المستقبلة للمهاجرين أفلا يكون ذلك من أفضل أنواع التدخلات وأنجحها؟ وكيف يمكن للدولة ومنظّمة الأمم المتحدة وقطاع المنظمة غير الحكومية أن تُدمج هذه الدروس في استراتيجيات برامجها؟ فتجربة الإكوادور تظهر أنَّ علاقات العمل التعاونية بين المنظّمات غير الحكوميّة ووكالات الأمم المتحدة ومؤسّسات الدّولة التي تتعامل مع القضايا المرتبطة بالمهجَّرين يمكن أن تتيح قنوات غير رسمية أو غير حكومية لنفاذ المهاجرين إلى الحقوق الأساسية والمصادر الاقتصادية التي قد لا يكونون قادرين مباشرة على الوصول إليها من خلال الدولة. إضافة إلى ذلك، تتمتع شبكات الحوكمة تلك أيضاً بالقدرة على فتح الفضاءات المؤسسية بهدف تعزيز التسامح بين الإكوادوريين والكولومبيين.
التفاوض على الحقوق والاعتراف
أطلقت وزارة الشّؤون الخارجيّة الإكوادوريّة ومفوضيّة الأمم المتحدة السّامية للاجئين برنامجاً مشتركاً تحت اسم مبادرة التسجيل المعزّز التي تمثلت في حملة متنقلة لتسجيل اللاجئين عبر الأقاليم الحدوديّة في عامي 2009 و2010 لتبسيط العملية الطويلة لتمديد وضع اللاجئين ولتقريب مكانها من الأماكن التي يعيش فيها كثير من المهجّرين. ونتيجة لهذه المبادرة، تضاعفت أعداد اللاجئين المسجلين الحاملين للوثائق القانونية في سنة واحدة. وقد حظيت مبادرة التسجيل المعزّز بإشادة دولية على اعتبار أنه نموذج يحتذى به من شبكات الحوكمة التي ينتج عنها عوائد ملموسة للمهجّرين مع تعزيز قدرات الدولة في الوقت نفسه. وبالإضافة إلى تزايد أعداد مكاتب التسجيل الحكوميّة الدائمة للاجئين في الأقاليم الحدودية، أنشأت المبادرة أيضاً علاقات وثيقة ومثمرة للعمل بين مسؤولي كل من وزارة الخارجيّة ومفوضيّة الأمم المتحدة السّامية للاجئين والمنظّمات غير الحكومية التي ساهمت في ضان المساءلة في تلك العملية. وما زالت هذه المنظّمات غير الحكومية مستمرة في حملات المناصرة لكسب التأييد بشأن رفع مستوى الحماية للاجئين وتوفير المساعدات القانونيّة للمهاجرين الذين يخضعون لجلسات المقابلة الخاصة بتحديد صفة اللجوء.
بمقدور المنظمات غير الحكومية والفاعلين الدوليين أن يُكمِّلوا جهد الدّولة عن طريق توفير الفضاءات اللازمة للعمل المشترك عبر حدود القوميات والحد من حالات عدم التكافؤ في القوى والخوف. وبناء الشبكات من خلال العلاقات الشخصية لا يقل أهميّة عن ذلك في سياق أمريكا اللاتينية. ومن بين الكولومبيين الذين ذكروا عدم تفاعلهم أبداً مع الإكوادوريين في دراسة مسحيّة أعدّها المركز الدولي للوساطة والسلام وفض النزاعات (منظّمة غير حكومية إكوادوريّة أشار أكثر من الثلثين إلى وجود انطباع سلبي لديهم حول الإكوادورييّن، ولم يذكر أي من عناصر الدراسة وجود تصوّر إيجابي حولهم. وبالمقابل، أشار أكثر من نصف الكولومبييّن الذين كان لهم تعامل جيد مع الإكوادورييّن (من خلال العائلات وفي مكان العمل والمدرسة) إلى وجود تصوّرات إيجابيّة في أذهانهم حول نظرائهم المواطنين.
فإذا ما سعت الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظّمات غير الحكوميّة جدّياً لتعزيز شبكات الحوكمة وإطلاق حملات التّوعية العامّة الكافية فقد تقود إلى دعم التجارب التي تشبه تجربة إدوارد والتقليل من التجارب كتلك التي مرت بها ماريّا ما يقود بدوره إلى رفع درجة الأمن لكل شخص في المناطق الهشّة المستقبلة للمهاجرين.
لانا باليك balyk.lana@gmail.com مساعدة بحثيّة سابقة في المركز الدولي للوساطة والسّلام وفض النّزاعات. جيف بيوjpugh@providence.edu أستاذ مساعد للعلوم السياسيّة في جامعة بروفيدنس في جزيرة رود والمدير التنفيذي للمركز الدولي للوساطة والسّلام وفض النّزاعات
بُني هذا المقال على دراسة مسحيّة حول الكولومبييّن الذين يعيشون في كويتو ونفّذَ المسحَ في عامي 2009 و2010 المركزُ الدولي للوساطة والسّلام وفض النزاعات وهو منظّمة غير حكوميّة مقرّها الإكوادور، بمساعدة من إيملي غينسبرغ وماريبيل ميلو. غُيّرت الأسماء عمداً لحماية أصحابها. الدراسة المسحية كاملةً موجودة على الرابط التالي: www.cemproc.org/CWPSPughBalyk.pdf