لا شكّ أنّ الوصولَ إلى الحدمات الأساسيّة وسُبُل المعاش، وإدماجَ اللاجئين في النسيج الاقتصادي للبلاد التي تستقبلهم، أساسانِ لتأهيل اللاجئين لأنْ يكونوا أفراداً مُنتجينَ صامدينَ في المجتمع. وقد يكون في المدُنِ الكبيرة التي تُضيّفُ اللاجئين، كنيروبي، مقارباتٌ مبتكرة لدّعْمِ أكثرِ مُهجَّري الحَضَر تهميشاً، ومن بين طرق دَعْمهم، على سبيل المثال، مراكزُ النّشاط التّقْنيّ الرّئيسَةُ، واستثمَارُ الحكومة في تِقَانة إجراءِ المعاملات الماليّة بالهواتف الجوّالة، وإنجاز الأعمال من طريق الشّابكة. ويُقصَدُ بهذه الإجراءات إلى معالجة الفقر الحضريّ وبِطالة الشباب في نطاقٍ أوسع، وسبيل هذه الإجراءات مفتوحٌ، من الوجهة النظريّة، للمُهَجَّرينَ، ولكنّ اندماج اللاجئين في السياقات الحضريّة، من الوجهة العمليّة، قد يظلُّ مقصوراً على القطاع غير الرسميّ. وقد يُظَنُّ أنّ الوصول إلى الخدمات والموارد يسيرٌ لأنّ كلّ شيء منها ’محليّ‘، وأنّ فرص العمل وافِرةٌ في المدينة، ويُخْطئُ في الأكثرِ مَن يظنّ ذلك. إذ في تيسير وصول اللاجئينَ إلى سوق العمل الرسميّة تحدّيات، وذلك في بلادٍ ككينيا، التي فيها معدّل البطالة مرتفع ويتحدّى اقتصادها الفقرُ، وعدم المساواة، والبنى التحتيّة المُهلهلَة، والوصول إلى الخدمات، والحماية الاجتماعيّة. ثُمَّ إنّ حصولَ اللاجئين على الخدمات خصوصاً أمرٌ مُشكِلٌ في المناطق الحضريّة، حيث الخدمات العامّة مثقلةٌ بالطّلب، هذا سبب، وسببٌ أخر هو أنّ أكثر الاستثمار في الخدمات الأساسيّة مَرْكوزٌ في المناطق التي حولَ المخيّمات، حيث يُقِيمُ أكثرُ اللاجئينَ في كينيا.
ولذلك يقع على السياق الحضريّ تحدّيات تختلف عن التي في السياق الريفيّ والمُخيَّميّ، وينبغي إيلاء اهتمام، أعرض بكثير، لسَدّ الخلل بين ما يتوقّعه لاجئو الحَضَرِ وبين الواقع. وفي هذا الصدد، يمكن للاتّصال المفتوحِ الاتّجاهَين بين لاجئي الحضر ومَن يَدْعمُهُم أنْ يُحسِّنَ المشاركةَ، وأنْ يُقوّي اللاجئينَ، وأنْ يزيد حُسْنَ حالِهم، وأنْ يُعينَهم على التصدّي للتحدّيات الواقعة على البيئة الحضريّة. وكلما وُسِّعَت معرفة حاجات اللاجئين، كانت كلُّ خطوة عمليّة تُخطَى في الطريق إلى الإدماج أنجعَ وأصوبَ للغرَض.
ومن أكبر ما يُعوِّقُ اعتمادَ لاجئي الحَضَر على أنفسهم أنْ ليسَ التقاءُ المعلوماتِ واللاجئينَ في طريق أمراً يسيراً. فقد يجد اللاجئون أنفسهم معزولينَ ’وتائهينَ‘ في البيئة الحضريّة، ومن بعضِ أسباب ذلك، أنّهم ينتقلون كثيراً، وهذا يجعل المحافظةَ على حبل الاتّصال بالنّاس صعباً، وأنّهم ينضمّون إلى المجتمعات المحليّة البائِسة المُهملَة في أطراف المدينة. وهذا يُنشِئُ في طريق الاندماج مُعوّقات وسكّاناً ’يصعب الوصول إليهم وإشراكهم في البحوث وبرامج الصحّة العامّة‘. وقد أجرت المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقديراً يقوده المجتمع المحليّ لتَقْديرِ المعلومات وحاجات التواصل في إستلي بنيروبي، بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان من سنة 2019، وتشاركت في نَسْجِ خيوطه هي وجماعة صغيرة من لاجئي الحضر، فبيَّنَ التقدير أنّ التحدّيات ما زالت قائمةً ولا بدّ من التغلُّب عليها، لإعانة اللاجئين على فَهْمِ الظروف المحيطة بالخدمات المتاحة لهم. ويُحتاجُ أيضاً إلى مزيدِ عملٍ لمساعدة منظمات الإعانة على سدّ مواضعِ الخلل الرّئيسة في التواصل والتزويد بالمعلومات.
تَقْديرُ إستلي
على امتداد العالمِ، قليلةٌ هي الأدلّةُ على التأثير الخاصّ الذي يتركه لاجئو الحضر في البيئة المحيطة التي انتقلوا إليها ويحاولون أن يصيروا جزءاً منها، أو الذي يتركونه في تصوّرات اللاجئين أنفسهم في الاندماج والتماسك الاجتماعيّ. فجاءَ التقدير الذي أُجْريَ في إستلي، وهي ضاحيةٌ كثيفةُ النّاس، فيها لاجئون من كثير من البلاد، حالهم في الضاحية كحالِ من فيها من المهاجرين الصوماليّين والكينيّين الصوماليّين، وقُصِدَ بالتقدير إلى توسيع فَهْمِ التحدّيات التي سبق أن عُيِّنَت، ومنها عدم وجود آليات تُقوّمُ الأداءَ، وعدم كفاية أعمالِ نَشْرِ المعلومات بينَ اللاجئين.
وألقى اللاجئون المُسْتطلَعونَ في التقديرِ الضوءَ على عدد من الأمور، تُشِيرُ إلى أنّ التواصل هو مِفْتاحُ معالجة الاندماج والتماسك الاجتماعيّ، فإليكَها:
- وَجَدَ المُسْتطلَعونَ أنْ لا آليات بين أيديهم –أو يكاد لا يكون– ليُقوّموا من خلالها أداءَ المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركائِها. ورغبوا في أن يكون تدفُّقُ المعلومات ذو اتّجاهين، فمنها ما يصدر عنهم ومنها ما يرد عليهم، كما هي حالُ الحوارِ المفتوحِ الاتّجاهَين الذي جريانه في المخيّمات أسرعُ وأكثر انتظاماً.
- وذكر المُسْتطلَعونَ أنّهم افتقروا إلى معلوماتِ ما هو متاحٌ لهم من خدمات محليّة، فكيف السبيل إلى الحصول على الغذاء، والرعاية الصحيّة، والتدريب، والتوظيف؟ وأين يطلبون العَوْنَ إنِ اعتُدِيَ على أحدهم أو ضُوِيِقَ؟ ومن أسباب ذلك قِلّة قدرتهم على القراءة والكتابة، وإيراد الملصقات الإعلانيّة بلغات غير لغتهم خطأً أو وَضْعها في مواضع لا يتردّدون إليها.
- ولم يفهم المُسْتطلَعونَ ما شأن أمانة شؤون اللاجئين فهماً صحيحاً، فكثيرٌ منهم لا يعرفون أنّ أمانةَ شؤون اللاجئين هي التي تُدِيرُ شؤون الإعانة الآنَ، لا المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويمكن لتوسيعِ التوعيّة بقنواتِ التواصل المختلفة أن يُفِيدَ بتبليغِ اللاجئين كيف تتقسَّمُ الخدمات بين الجهتَين، ومن ثَمَّ زيادة الانتفاعِ بالمكتب الذي يَتْبعُ أمانةَ شؤون اللاجئين، على أنّ هناك تحدياتٍ أخرى يُحتاجُ إلى معالجتها، من قبيل كلفة السفر، والشكِّ في حقيقة الحماية، والوصولِ إلى الخدمات.
- وسألَ المُسْتطلَعونَ عن المواضع المحليّة المركزيّة المُزوِّدة بالمعلومات، لتُعْلِمَهُم كلَّ مزوِّدِ خدمات ماذا يُتِيحُ؟ وأين يُتِيحُ ما عنده؟ فلمّا كان المزوِّدون بالمعلومات الآخرون غائبونَ، كان قادة المجتمع المحليّ أكثرَ مصادر المعلومات وُثُوقاً بها.
- وتُدرِّبُ المنظمات غير الحكومية مستشارينَ مجتمعيّينَ من المجتمع المحليّ، يزورون اللاجئين في بيوتهم ويصلون إلى أكثر لاجئي الحضر مواطنَ ضَعْفٍ، ذلك أنّهم لمّا كانوا يتكلمون لغتهم، كان قبول اللاجئين لهم أسرعَ. ومع ذلك، ذكر اللاجئون المُسْتطلَعونَ مُقْترحينَ أنّ إدارةَ حالات اللجوء لحماية أصحابها وإعانتهم يمكن أن يكون أسهل ممّا هو عليه، وذلك بجَعْلِ عَمَلِ اللاجئين العاملين في الإرشاد الاجتماعيّ رسميّاً، فيعملونَ بأجرٍ ويحوزون شهادةَ خبرة. ولعلّ نظامَ المشورة هذا، يُيسِّرُ تدفُّقَ المعلومات وتقويمِ الأداءِ بين المجتمعات المحّلية وأمانة شؤون اللاجئن والمنظّمات غير الحكومية والمفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
- وفَضّل اللاجئونَ في سبُلِ التواصلِ الاجتماعَ وجهاً لوجه، أو الهاتفَ (سواء كان الحديث بالاتصال أو بالوتسآب)، أو الرسائل الهاتفيّة القصيرة، على أن يكون كل ذلك بلغاتهم. ومع ذلك، أظهر التقدير أيضاً إمكانَ أن يقعَ استغلالٌ في التواصل بالاجتماعِ وجهاً لوجه، فالمُحْتالونَ والوسطاء يطلبون المال في مقابلة المعلومات، والخدمات، وإيصال تقويم الأداء في ملفات القضايا. ولقد ذُكِرَ ذلك كثيراً على أنّه الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يصل من خلالها اللاجئون المستضعفونَ إلى ما يحتاجون إليه من معلومات.
- لا يستطيع اللاجئون –أو لا يُسمَحُ لهم– في كثيرٍ من الأحيان أنْ ينتفعوا من المراكز الاجتماعيّة أو الموارد المحليّة التي هُيّأت للكينيّين. فشعر اللاجئون أنّهم مُبعَدونَ وعدُّوا ذلك حاجزاً يحول دون الاعتماد على النفس.
- واشتملت الحاجات الخاصّة التي أبرزها المُسْتطلَعونَ على الخدمات الطبيّة، والوصول إلى ما تُتِحُه لهم المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وإعادة التوطين، والتوظيف.
وكان التقديرُ قيّماً من حيث أنّه عيَّنَ نظاماً للمعلومات محليّاً، شِبَاكُهُ معقّدة، يُقوّي اللاجئينَ وقادةَ اللاجئين في المجتمع المحليّ. ومع ذلك، يمكن أن يكونَ شأنُ اللاجئين أعظمَ. وفيما يلي الفرص السّانحة لحدوث تغييرٍ له أثر حسنٌ في قوّة اللاجئينَ واعتمادهم على أنفسهم:
- يقلّلُ تحسِينُ سُبُل الوصول إلى المراكز الاجتماعية القائمة الحاجةَ إلى المراكز التي تُقامُ خصوصاً للاجئين، ويجيءُ بفرصٍ لمدّ أحبال التواصل، وتحسين وسائل الصُّمود، وذلك بتقوية الأواصر المجتمعيّة، ودَعْمِ التماسك الاجتماعيّ.
- ويمكن أن يزيد حَبْك شبكة قادة اللاجئين الثّقات، إذ من الواضح أنّ مشاركة اللاجئين مُيسَّرةٌ، ومُيسِّرُها قاعدة متينة لنُظُمِ معلوماتٍ محليّة مُعقّدة الشِّبَاك. ويمكن أن يزيدَ جَعْلُ شِبَاكِ قادة اللاجئين رسميّةً، بإقامة آليّات تواصل منظّمة، كتعيين ساعات عملٍ ثابتة، وإقامة توصيليّة شابكيّة وهاتفيّة يُعْتمدُ عليها، وتدريبٍ على الإحالة (وهذا فرعٌ من تأهيل اللاجئين العاملين في الإرشاد الاجتماعيّ مهنيّاً)، لكي لا يُثْقِلَ القادةَ تقويم الأداء الصادر عن المجتمع المحليّ، ولكي يكون لهم فَهْمٌ شاملٌ فلا يخطئون المكانَ الذي يمكنهم أن يُجّهوا إليه الشكاوى والهموم. ومن شأن ذلك أن يُحسِّنَ الوضوحَ والمساءلةَ والتوافق.
- ويمكن معالجة الخلل في المعلومات بأساليب التواصل المبتكرة، مثل: حثِّ المجتمع المحليّ على تقويم فعّاليّة قناة التواصل، ورصدِ الكيفيّة التي عليها تعاقُبُ المعلومات، والعملِ مع مُشغّلي شبكة الجوّالات ومع وسائط الإعلام المحليّة، والعملِ على إرساء الاندماج من خلال الجماعات الإذاعيّة، والموسيقيّين، والمناسبات الاجتماعيّة.
إذن، فالتواصل النّافِذُ مِفْتاحٌ لتحقيق اندماج اللاجئين اجتماعيّاً، وهو طموحٌ أساسٌ لِمَا يَطْمحُ إليهِ الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين. فمعرفة الفرق بين ظنِّ لا دليل عليهِ في الحاجات التي يحتاج إليها اللاجئون، وبين ما يخبر به اللاجئون أنفسهم أنهم محتاجون إليهِ، أمرٌ معقّدٌ لكّنه ضرورة، ولا سيّما في السياق الحضريّ. ويمكن أن يساعد تَحْسينُ تدفُّق المعلومات اللاجئينَ على المشاركةِ في الشؤون المدنيّة العامّة في مجتمعهم المحليّ، وإنشاءِ التماسك الاجتماعيّ، وأن يُوسّعَ لهم شبكةَ الدّعْمِ، ليُشَدَّ من أَزْرِ صُمُودهم واعتمادهم على أنفسهم.
لاورا بوفوني buffoni@unhcr.org
موظّفةٌ رئيسةٌ في شؤون المعاش في العالم، بشعبة الصمود والحلول التي تتبع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في نيروبي www.unhcr.org
جيل هُبكِنز ghopkns@gmail.com
مستشارٌ مستقلٌّ – في الاندماج والصُّمود والاقتصاد
كلُّ ما ورد من آراءٍ في هذه المقالة هي آراء كاتبَيها وقد لا تستوي هذه الآراء وآراء المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.