Skip to content
دعوةٌ إلى العمل الجادّ: حشد الموارد المحليّة في إثيوبيا للنّازحين داخلياً في الحَضَر

في سنة 2018، فرَّ من النِّزاع العرقيّ في المنطقة الصوماليّة بإثيوبيا نحوٌ من 1340 أسرةً مُسجّلةً وكثيرٌ من النَّازحين داخلياً غير المسجّلين، مُلْتَمسينَ السلامة في أداما، وهي عاصمة منطقة أوروميا، الواقعة في جنوبيّ شرقيّ أديس أبابا، تبعد عنها 100 كيلومترٍ على التقريب. ووصل النّازحون داخلياً، الذين أكثرهم أوروميّو العِرقِ، إلى أداما في خلال عِدّة شهورٍ. فكان من تدفُّق النَّازحين داخلياً، العظيم الفُجَائيّ، أنْ ضغطَ شديداً على قدرة المدينة على تَهْيئةِ الدّعم الضروريّ.

ولمّا كان الهمُّ في النُّزوح الداخلي بإثيوبيا ما يزال مركوزاً في المنطقة الصوماليّة (التي تُضيّفُ أكثر النَّازحين داخلياً في البلد، وعددهم ثلاثة ملايين على التقريب)، أمكن أن يُستقَى من استجابة أداما دروسٌ نفيسةفلغياب المعونة الدوليّة الواسعة النطاق، أفضت حملةٌ لم يعلم بها أكثر الناسلمعالجة حاجات النَّازحين داخلياً، إلى استجابة متعددة المستويات من الجهات الفاعلة الاتّحادية، والإقليميّة، وخاصةً الجهات الفاعلة المحليّة الحضريّة. وفي آخر الأمر، وفي ظلِّ رعاية إدارة المدينة، شاركَتْ في دَعْمِ النَّازحين داخلياً واستقرارهم كلُّ دوائر الحكومة الرسميّة التي عددها 28، ومئات من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، و18 كَبيلةً (والكَبيلَةُ kebeleهي أصغَرُ التّقسيمات الإداريّة في إثيوبيا)، و243 إديراً (والإدير Idirجمعيّة أهليّة مؤلّفةٌ من جيران أو عمّال يجمعون بها المالَ للطوارئ)، وكثيرٍ من المنظمات المحليّة غير الحكومية والأفرادولقد يكون هذا المثال عديمَ النّظير، فهو جهدٌ إثيوبيٌّ بالكليّة، جماعيٌّ، في أكثره محليّ، يُبذَلُ وينجحُ في العمل في هذا القَدْرِ من النُّزوح الداخليّ، خلال مدّة قصيرة.

دعوةٌ إلى العمل الجادّ

استقرّ كثيرٌ من النَّازحين داخلياً أوّلَ الأمر في مُجمّعاتٍ كَبيليّة وفي مُجمّعٍ يتبع مدرسةً خاصّة، إذ لم يكن لهم مكانٌ آخر يذهبون إليه. ثم أعانهم أوّل إعانةٍ المارّةُ المحليُّون، بمعونةٍ عينيّة، كالطعام والشراب، واللُّحُف، والفُرُش، والملابس، والنقود أيضاً. ومع أنّ مسؤولي الكَبيلَةِ سمحوا للنّازحون داخلياً بالإقامة في مُجمّعات، افتقر النّازحون إلى المآوي، ولم تُتَحْ المراحيض والمطابخ إلا لقليلٍ منهم.

ثم ما لبثتْ إدارة المدينة والحكومة الإقليميّة أنْ دَعَوَا المجتمعَ بوسائط التواصل الاجتماعيّ وبالقنوات التلفازيّة إلى العمل الجادّ لإعانة النّازحين، وأبرَزَتَا الحاجة إلى بنَاءِ المساكن، وإشْهارِ صندوق طوارئ كان إذ ذاك قد أُنشِئَ. واستعملتَا حينئذٍ إستراتيجيّات مختلفة لنشر ما دُعِيَ إليهِ، ومنها نَشْرُ تقريرٍ يوميّ في حالِ النَّازحين داخلياً والإعلان عمّا يأتي من المستثمرينَ في القطاع الخاصّ من دَعْم. ثمّ بثّت وسائطُ الإعلام مشاهدَ مصوَّرة، وممّا جاءَ فيها حالُ عَيْشِ الناسِ في الكَبيلَاتِ، واحتفال النَّازحين داخلياً وأفرادٍ من المجتمع المحليّ معاً بالأعياد الإسلاميّة. وحَدَّثَ صحافيّ إثيوبيّ يَصِفُ المحطّة التلفازيّة الإقليميّة، واسمها أو بي اِن (OBN)، قال: “إنّها كانت صوتَ هؤلاء الناس“.

استجابة القطاع الخاصّ المحليّ

كان للقطاع الخاصّ المحليّ، من الفنادق إلى الشركات الصناعيّة، شأنٌ عظيم في الاستجابة، وخصوصاً إسهامه العريض في بناء المساكن لكلِّ أُسَرةٍ مسجّلة من أُسَرِ النَّازحين داخلياً. وقد استجابت أكثر الجهات الفاعلة في القطاع الخاصّ للدعوةِ إلى المساعدة التي نشرتها وسائط الإعلام، على أنّ بعضها خاطبها رئيسُ بلديّة أداما شخصيّاً لتستجيبوذَكَرَ مَن استُطلِعَ مِن مختلف الدوائر الحكوميّة الرسميّة وممثلي النَّازحين داخلياً[1] أنّ حالَ هذه الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، التي خاطبها رئيس البلديّة، لم يَقْتضِ إلاّ بعضَ الإقناع لكي تمدّ يد العون، فهي نفسها شَهِدَت أزمة التَّهجير مباشرةً. فتبرّعت هذه الشركات الخاصّة بالأموال وبقضاءِ الحاجات الأساسية، كالطعام والشراب واللُّحُف، والسُّقُوف الفُولاذيّة، والإسمنت، والقضبان الحديديّة، والرمل، لبناءِ المساكن. حتى إنّ بعضَ هذه الشركات ضَمِنتْ بناءَ مساكِنَ عِدّة.

فعلى سبيل المثال، بَنَت إحدى الشركات الخاصّة المُشْتغلَة بتركيب السيّارات 64 مسكناً قيمتها 3 ملايين ونصف المليون بِرٍّ إثيوبيّ (أي ما يَقْرُبُ من 109 آلافِ دولارٍ أمريكيّ)، وبَنَتْ شركةٌ غيرها 100 مَسْكن. وشَكَتْ بعض هذه الشركات أنّ تبرعها لم يكنْ مُعفَى من الضرائب، وطالبت بمَزيدِ إيضاحٍ من الحكومة في شأن الأموال المَجْموعةِ لدَعْمِ النَّازحين داخلياً، ولكنّ الظاهرَ أنّ الشركات انتفعت من النشرات الإعلاميّة التي نشأت عن الأمر، وهكذا استعملت الشركات تبرُّعها فجعلته إستراتيجيّةً تسويقيّة. وفي آخر المطاف، كان للمنافسة الناتجة عمّا ينشره الإعلامُ بالمجّان في مُقابَلةِ التبرُّعِ شأنٌ عظيم في نجاحِ حَشْدِ الأموال.

ولم تُتِحْ أكثرُ الشركات الخاصّة فُرَصَ عملٍ للنّازحين داخلياً، وذَكَر اللذين استطلعناهُم أنّ سبب ذلك قِلّةُ المهارة والتفاوتُ الثقافيّ. ففي حالةٍ من الحالات، وظّفت شركةٌ صناعيّة 125 نازحٍ من النَّازحين داخلياً، ولكنّ توظيفَهم استمرّ شهراً واحداً فقط من مدّة تدريبهم، لأنّ النَّازحين داخلياً أضربوا عن العمل إضراباً غيرَ قانونيٍّ في مُجمّعِ التّصنيع مرّتين في أسبوعٍ واحد، فخسرت الشركة من المال شيئاً غيرَ قليل.

استجابة المنظّمات المحليّة غير الحكومية

قدّمتْ المنظمات غير الحكومية بين يدي النَّازحين داخلياً حاجاتهم الأساسيّة، ورَكَزَت همّها في النساء والأمهات والأطفال خاصةً. واشتمل تبرُّعها على الفُرُش، والملابس، وحليب الأطفال وحِفاضهم، ومُعَدّات المطبخ. وقد اشتُرِيَتْ بعضُ هذه الأشياءِ اتّباعاً لقائمةٍ من الحكومة المحليّة مُقيّدٍ بها ما يحتاج إليه، وتُبُرِّعَ ببعضها على حسب حاجة الأفراد.

وفي خلال ستة شهور، أعانت منظّمةٌ غير حكومية واحدةٌ 200 أسرة، وفَوْقها 100 امرأةٍ، بإسهام قدره 251 ألف بِرٍّ (أي زهاءَ 7800 دولارٍ أمريكيّ). وأتاحت منظمةٌ غير حكومية معنيّةٌ بالصحّةِ الرعايةَ الصحيّة للنّازحين داخلياً بالمجّان، مُدّةَ ثلاثة أو أربعة شهور في خلال الأزمة، وحَضَنَتْ غيرُها 12 طفلاً مَنْبوذاً، ثمانيَةُ منهم اليومَ يُتبنَّوْنَ وأربعةٌ في الحضانة. ومع ذلك، ذكرت بعض المنظّمات غير الحكومية التي استطلعناها عدم وجود وثائق التسجيل والهويّة بينَ يَدَي بعض النَّازحين داخلياً، وقالت إنّ ذلك تحدٍّ، إذ نظرتْ فلم تعلَمْ مَن منهم دخل الرعاية الصحيّة المجانيّة ومَن لم يدخل؟ وهل الأطفال المنبوذون مُهجّرون أصلاً؟ ولمّا لم يزلْ عدَدُ المحتاجين يعلو، عزمت كثيرٌ من المنظّمات غير الحكومية على إعانة كلِّ مَن يزعم أنّه نازحٌ داخليّ. وعَرَضَتْ إحدى المنظّمات غير الحكومية، واسمها نُوبِل أكشن، لأسبابِ ذلك قائلةً: “غَرَضُ هذه المنظّمة مُسَاعدةُ الناس. ولا يَسعُنَا التغافُلُ عن الأزمة. هذا ما نعتقده.”

استجابة المجتمع المحليّ

كان لناسٍ من المجتمع المحليّ شأنٌ عظيم في دَعْمِ النَّازحين داخلياً أوّلَ ما قَدِمُوا المدينة. فتبرّعوا بالنقود والملابس وغير ذلك من الدّعم الماديّ، وتجمّعوا أيضاً في مجمّعاتِ كَبِيلاتٍ مختلفة عدّةَ أيامٍ ليطبخوا الطعامَ للنّازحين داخلياًوتدخّلَت بعض الإديراتِ (انظر معنى الإدير فيما تقدّم) أيضاً لدَعمِهم. وتنتشر هذه المؤسّسات غير الرسميّة أي الإديراتفي إثيوبيا وتُتِيحُ حمايةً اجتماعيّة جِديّة، ولكنّها لا تنشَأُ عموماً إلاّ بين الثّقاتِ من جيران وأفراد أسر وأصدقاء. وأجرت أحدها سِلْسلةً من التنظيم المجتمعيّ، وجَمْعِ المال والملابس المُتبرَّعِ بها، من مجتمعها المحليّ وما حولها من مدارس. فالإديرات والإكِيبات (والإكِيبُ Equbجمعيّةٌ تُشكّلها جماعةٌ قليلة من الناس، غير رسميّة، يتناوبون فيها الادّخارَ والتّسليف) التي شكّلها النّازحون داخلياً أنفسهم مستمرّةٌ في الاجتماعِ بانتظام ودَعْمِ بعضها بعضاً، في وقائعِ الزواج والوفاة. وعلى سبيل المثال، يدعو أحد الإديرات إلى اجتماع النّازحات لشرب القهوة كلّ يَوْمِ أحد، فأنشأ الاجتماعُ شعوراً بالدعم بين النَّازحات داخلياً، يتكلّمنَ فيه عمّا يجدنه من مصاعب، ويتعرّفْنَ غيرَهُنّ من النَّازحات داخلياً.

الدروس والمدارك

بدأ نجاحُ إعلانُ التِمَاسِ الدّعم من رسالةٍ واحدة تعاقبيّةأرسلتها الحكومة الاتّحاديّة والإقليميّة والمحليّة. وكانت وسائط التواصل الاجتماعي أداةً ذات شأنٍ في نَشْرِ الرسالة وإيصالها إلى مختلف الجهات الفاعلة، والاتصال بمن يحتمل أن يكونوا مانحين، وفيهم الإثيوبيُّون الذين في الشّتاتويضاف إلى ذلك، النشرات التلفازيّة، وما نُشِرَ في مجموعاتِ فِسْبُك، ويوتيوب، وتلغرام، كلّ ذلك أسهم في إذاعةِ الدعوة إلى الدّعم بين الناس. فأشعَرَ هذا النّشْرُ الواسعُ النطاق كثيراً ممّن يبلّغنا الأخبارَ بأنّ حالَ الالتزام هناكَ حسنٌ، فما إن وصلت الدعوة إلى عددٍ من الناس، لا يحدث تغييرُ الحالِ إلا ببلوغه، أصبحَ الدّعم ضرباً من نموذجٍ يُتّبع، حتّى اتّبعه مَن لم يُدعَا إليهِ مباشرةً. وعَنَى ركز الهمّ في التبرُّعِ العينيّ والنقديّ أنّ إسهامَ الجهات الفاعلة يمكن أن يكون على صورٍ مختلفة، ومنها، الإسهام الماليّ وغير الماليّ، وإشراك الجماعات والأفراد، ومَن دافِعُهُ الإيثارُ ومَن دافِعُهُ منفعةٌ لنفسهِ

وقد جُمِعَ مبلغ مليونِ دولارٍ أمريكيّ في خلال بضعة شهور فقط، من غيرِ عَوْنٍ دوليّ. فعادَ كثيرٌ من النَّازحين داخلياً، في آخر المطاف، طوعاً بمعونةِ الحكومة المحليّة، غير أنّ الاستجابة المتعددة المستويات أفضت إلى بناءِ 2000 مَسْكنٍ، سَكَنَها 1340 أسرة مُسجّلة من أُسَرِ النَّازحين داخلياً ونحوٌ من 500 قاصرٍ نازحٍ داخليّاً. ومع أنّ الدعوة إلى العمل الجادّ عُمِلَ على إنجاحها على المستوى الإقليميّ، من الواضح أنّ أقوى استجابة كانت الاستجابة المحليّة في أداما، وذلك من خلال ما فعلته حكومة المدينة والأحياء، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص، والجمعيّات المجتمعيّة، والمنظّمات المحليّة غير الحكومية، والأفراد.

ويُستقَى من الاستجابة أيضاً بعض الدروس. فأوّلها: أنّ الحشدَ السريعَ يمكن أن يُنجِحَ معالجةَ بعض الحاجاتِ الطويلة الأمد، كالإسكان، وحاجات الطوارئ كإتاحة الطعام فوراً، ولكنْ يظهر أنّ هذا الحشدَ يُصعِّبُ تيسيرَ غير ذلك من الحاجات، كالوظائف، التي تقتضي علاقات مستمرّة، ووجود مهاراتٍ معيّنة. ومع ذلك، من الممكن أن تُستعمَل مقاربةٌ تواصليّة كالتي استُعمِلَت في استجابة أداما لنَشْرِ خَبَرِ المهارات الموجودة بين النَّازحين وإيصاله إلى جمهور الناس محليّاً وإقليميّاً. وثانيها: أنّ تصييرَ التبرُّع الفردي والتجاريّ رسميّاً، ولا سيّما التبرُّع الذي يجاوز مبلغاً محدّداً، عن طريق إعفائه من الضرائب، قد يَزِيدُ رغبةَ بعضِ الجهات الفاعلة في التبرُّع. وآخرها: أنّ تسجيلَ كلّ النَّازحين داخلياً عند قدومهم المُدُنَ يمكن أن يُيسِّرَ المساعدةَ المتاحةَ لهم، وذلك بإثباتِ عدد مَن عادَ منهم، وتحسين معرفة تركيبتهم السكّانية، وحاجاتِ مَن بقي منهم ولم يعد.

إيڨان إسْتُن كلابريا evan.easton-calabria@qeh.ox.ac.uk
 

موظَّفةُ بحوثٍ رئيسةٌ، في مركز دراسات اللاجئين، بجامعة أكسفورد www.rsc.ox.ac.uk

دِلينا أبادي delina.abadi@gmail.com

جَزَهين جَبْرِميدِن gezahegn82@gmail.com

مُسْتشارا بحوثٍ في أديس أبابا

 

[1] هذا البحثُ جزءٌ من مشروعٍ يقوم به مركز دراسات اللاجئين، عنوانه الاستجابات لهجرة من جرّاءِ الأزمة في إثيوبيا وأوغندا: بحثُ شَأْنِ الجهات الفاعلة المحليّة في المدن الثانويّة، ويُموِّلهُ حِلُف المدن الذي يتبع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، ويَقُودُ المشروعَ إيفان إسْتُن كلابريا.

DONATESUBSCRIBE